«كل ما هو بشريّ أمرٌ جديرٌ بالذكر، وكل ما هو جديرٌ بالذكر يمكنُ أن يكونَ أكثر قابليّة للتحكم. وعندما نتحدثُ عن مشاعرِنا؛ تصبحُ أقل غموضًا، وأقل إزعاجًا، وأقل رعبًا». [5]
الصحة العقلية
تشملُ الصحةُ العقليّة صحتَنا العاطفيّة، والنفسيّة، والاجتماعيّة. فهي تؤثرُ على طريقةِ تفكيرِنا، وشعورِنا، وفطرتِنا. كما أنها تشكلُ كيفيّةَ تعاملِنا مع الإجهادِ، وتواصلِنا مع الآخرين، واتخاذِ القرارات. وهي شائكةٌ في كلِ مرحلةٍ من مراحلِ الحياة: بدايةً من مرحلةِ الطفولة، والمراهقة إلى مرحلةِ البلوغ. ونظرًا لتحكمِها في حياتِنا؛ فأيّ مشاكلٍ في الصحة العقليّة يمكنُ أن تؤثرَ على التفكيرِ، والمزاج.
فالعديدُ من العوامل لها تأثيرٌ على الصحةِ العقليّة للإنسان بما في ذلك:
- العوامل البيولوجيّة مثل: الجينات أو كيمياء الدماغ.
- التجارب الحياتيّة مثل: الصدماتِ أو سوءِ المعاملة، والتاريخ الأُسَريّ لمشاكلِ الصحة العقليّة. [4]
النوع الاجتماعيّ والتنميط الاجتماعيّ للجنسين
ولكن للنوعِ الاجتماعيّ تأثيرًا بارزًا على مشاكلِ الصحة النفسيّة، كما أن له تأثيرًا على كافةِ جوانب الحياة. فمنذُ قديمِ الأزل، ونحنُ نُعاني من التفرقةِ بين الذكرِ، والأنثى. فتختلفُ حياةُ الذكرِ كلَ الاختلاف عن حياةِ الأنثى من حيث الاختياراتِ، والقراراتِ، والمواردِ المتاحة، وكيفيّة ارتباطِ كل منهما بالآخرين، وتوقعاتِ المجتمع منهما، هذا بالإضافةِ إلى توقعاتِ كل منهما من نفسه.
ولذلك، يوجدُ تأثيرٌ جَليّ على الحالةِ الداخليّة أيّ الطريقة التي نرى بها أنفسنا، والعالم. ونتيجةٌ لكونِ السلوكيات الاجتماعيّة لكلٍ مِنهما مُصَنْفَة على أساسِ النوع فيما يُعرف بالقوالبِ النمطيّة للجنسين؛ فلا شك أن الصحةَ العقليّة لكل منهما تختلفُ لاختلافِ حياة كلٍ منهما عن الآخر.
بيد أنه منذ بعضِ الوقت، كانت هناك مناقشاتٌ ساخنة بشأن الاختلافاتِ بين العقلين. فبينما يعتقدُ البعضُ أن النساءَ يعانين بنسبةٍ أكبر من المشاكل النفسيّة، ويرى البعضُ الآخر أن الرجالَ عرضة بشكلٍ أكبر، يعتقدُ آخرون أن كلا الجنسين يعانون على قدمِ المساواة، ولكن من أمراضٍ مختلفة. [1]
وبعد العديدِ من الدراساتِ والأبحاث، وجدَ أنه حين يُسألُ كل منهما عن أعراضٍ للصحة العقليّة أو مشاكلها، بينما نجدُ أن النساءَ أكثر قابليّة للإبلاغِ، والشكوى، يفضلُ الرجالُ الصمتَ، وعدمَ التَبَرُّمِ؛ بسببِ فكرةِ التنميط الاجتماعيّ للجنسين، مما يؤثرُ بلا شكٍ على نتائجِ الأبحاث.
وعلى ذكر الأمراضِ حين يأتي الموضوعُ للاكتئاب، نجدُ النساء يعانين بنسبةٍ أكبر من الرجال. فتعاني واحدةٌ من كل أربعِ نساء من الاكتئابِ مقابل واحدٍ من كل عشرةِ رجال. وتبدو الأسبابُ غيرَ واضحة، ولكن يُعتقدُ أن ذلكَ نتيجةٌ للعواملِ الاجتماعيّة، والبيولوجيّة. ومن المرجحِ أن تعاني المرأةُ من القلقِ ضعفَ ما يعانيه الرجلُ. وعلي النقيض، فإن احتماليةَ إصابةِ الرجل بمشاكلِ الإدمان، وتعاطي المخدرات أكبرُ من النساء.
العوامل البيولوجيّة
بالنسبة للعوامل البيولوجيّة، نجد أن هرمونا الإستروجين، والبروجسترون لهما تأثيرٌ كبيرٌ على كلٍ من المزاجِ، والإجهادِ، والإدراك. وقد بدأت الدراساتُ في تحديدِ الطرق التي تؤثرُ بها هذه الهرمونات على الصحةِ العقليّة، والتي تتراوحُ من تطورِ الخوف، والقلق إلى خطرِ تعاطي المخدراتِ، والكحول.
ولكن نعلمُ أن هذا ليس العاملَ الوحيد فقط. فبلا شكٍ للعواملِ الاجتماعيّة، والثقافيّة أثرٌ لا يُمكن إنكارِه على الصحة العقليّة مثل: التوقعاتِ المُلقاة على كتفِ كل منِهما من المجتمعِ، والتمييزِ، والعنف. ولا يمكننا أن نفترضَ أن العواملَ المؤثرة ثقافيّةٌ بحتة أو بيولوجيّةٌ بحتة، وإنما مزيجٌ من كلِ شيءٍ، كما أن الإنسانَ مزيجٌ من كل تجاربِه، وخبراته. [3]
العوامل الاجتماعيّة
يعودُ التنميطُ الاجتماعيّ لعدة أسبابٍ مُجتمَعيّة، منها:
- تقعُ نسبةٌ كبيرة من الرعايةِ الأساسيّة للأطفال على عاتقِ النساء، وقد تؤثرُ الرعايةُ المُكثفةُ على الصحةِ العاطفيّة، والبدنيّة، والأنشطة الاجتماعيّة، والبدنيّة.
- كثيرًا ما تلعبُ النساء أدوارًا متعددة؛ فهن أمهاتٌ، وشريكاتُ حياة، ومُقدماتٌ للرعايةِ فضلاً عن القيامِ بعملِ مدفوعِ الأجر، وإدارةِ أسرةٍ معيشيّة.
- قد يجعلُ الفقرُ، والعملُ في المنزل، والإنشغالُ بالأعمال المنزليّة المرأةَ معزولةً عما حولها.
- يمكن أن يكونَ للاعتداء البدنيّ والجنسيّ على الفتياتِ، والنساءِ أثرٌ طويلُ الأمد على صحتهن النفسيّة؛ لا سيّما إن لم يحصلنْ أيّ دعمٍ بشأنِ هذه الاعتداءات.
- قد تجدُ بعضُ النساءِ صعوبةً في الحديثِ عن مشاعرِهن الصعبة، واستيعابِها؛ مما قد يؤدي إلى مشاكلٍ مثل: الاكتئابِ، واضطراباتِ الأكل. وبينما قد يكونُ السبيلُ الوحيد للتعبيرِ عن آلامهن العاطفيّة إيذاءِ أنفسهن، يلجأُ الرجالُ للمشاعرِ القمعيّة، واستخدامِ العنف ضد الآخرين.
في الواقع، تؤثرُ مشاكلُ الصحةِ العقليّة على الرجالِ، والنساء بشكلٍ متساوٍ، ولكن بعضها أكثر شيوعًا بين النساء. وكثيرًا ما يكونُ لسوءِ المعاملة دورٌ في مشاكلِ الصحة العقليّة للمرأة. وينبغي أن تُراعي العلاجاتُ الفوارقَ بين كلا الجنسين. ورغم أن العواملَ الاجتماعيّة المختلفة تُعرضُ النساءَ لخطرِ سوءِ الصحة العقليّة أكثر من الرجالِ، ولكن استعدادَ المرأةِ للحديث عن مشاعرِها، وشبكاتها الاجتماعيّة القوية؛ يُمكنُ أن يساهمَ في حمايةِ صحتها العقليّة. وأحيانًا، تُصَعِبُ حياةُ المرأةِ ومسؤولياتها الاجتماعيّة الاعتناءَ بصحتِها العقليّة رَغْمَ ضرورةِ ذلك. [2]
ورغم أن مشاكلَ الصحة العقليّة شائعةٌ، فإن المساعدةَ مُتاحة. ويمكنُ للأشخاصِ الذين يعانون من مشاكلٍ في تلك الصحة الحصولَ على المساعدةِ، بل والكثيرُ منهم يتعافون تمامًا. ولكن تبقى المعتقداتُ الراسخة، والتنميط الاجتماعيّ للجنسين يخربُ على كلٍ منهما حياته.