التوحد – الجزء الأول
ربما تقرأ هذه المقالة لأن لديك شغفاً للمعرفة المجردة، أو لرغبتك في كشف غمامة الكلمة وحدها، أو لأن لديك حالة قريبة في دائرة معارفك أو حتى في دائرتك الشخصية، أو ربما تكون أحد المصابين بهذا المرض! هل يستطيع المصابون بالمرض القراءة؟ نعم يستطيعون، أو ربما تكون أحد المتعافين من المرض! وهل يمكن التعافي منه أصلاً؟ نعم يمكن.
التعريف:
دعنى يا صديقي أبدأ بتعريف الحالة: يُعرف حديثاً بإضطراب طيف التوحد وهو مصطلح يُقصد به مجموعة من الاضطرابات النمائية العصبية والتي تسبب عدة مشكلات في المهارات الاجتماعية والتواصلية والعاطفية وفي ظهور أنماط سلوك غريبة، بالإضافة إلى محدودية في الاهتمامات لدى المصابين، ومع مراعاة أنّ أعراض التوحّد تختلف من طفل إلى آخر وبالتالي تختلف تصنيفاته ما بين طيف التوحد الشديد حيث تظهر فيه جميع أعراض التوحّد ويوصف الطفل بأنه صاحب قدرات عقلية منخفضة إلى آخر تظهر عليه بعض الأعراض ويشار إليه بأنه صاحب قدرات عقليه جيدة أو فوق الطبيعية وهذا ما يعرف بطيف التوحد من النوع الخفيف.
هذا التعريف تجده سهلاً مبسطاً على شبكة ويكيبيديا للراغبين في معرفة الحالة كمعرفتهم مثلاً بعدد كواكب المجموعة الشمسية، أو معرفتهم بشخص ذاع صيته، فإذا تم لك الأمر، قلت بكل بساطة: هذا هو إذن! ثم لا تجد الأمر مثيرا، وتمضي إلى حيث تمضي.
إذا جاءك شخصٌ ما من المريخ وسألك عن ما هى التفاحة، حينها تكون إجابتك مرهونة برغبة ذلك المريخي، تراه يريد معرفة أنها فقط نوع من أنواع الفاكهة، أو أنها ذلك الشكل الأحمر الكروي حلو المذاق، أو تركيبها الطبيعى ونسبة وجود الماء فيها والأملاح والمعادن.
أترى، إن إجابتك ستختلف عندما تدرك رغبة السائل المحددة وراء سؤاله، ولأن رغبات القراء مختلفة، فعلينا أن نشمل الموضوع قدر الإمكان؛ تاريخه، أنواعه، وهكذا…
تاريخه:
«كان يصنع حركات نمطية مكررة بأصابعه، يشبكهم مع بعضهم ويحركهم في الهواء.
حرك رأسه من جانب لجانب، هامساً أو مدندناً نفس النغمة ثلاثية اللحن، لقد أدار أي شئ يمكن إدارته ولفه كلعبة النحلة القديمة، كان يفعل ذلك بسعادة غامرة.
عندما تم أخذه إلى غرفة أخرى، أهمل الأشخاص الموجودين فيها تماماً ودار يبحث عن أي شئ يمكن اللعب به وتدويره. لقد أزاح بكل غضب أي يد تقف أمام اللعبة وأي قدم تعيق طريقه…»
كان ذلك الاقتباس من ملاحظات الأخصائي «ليو كانر» لطفل يُدعى دونالد ذو الخمس سنوات المنشورة عام 1943 والتي يدون المختصون في المجال ملاحظات شبيهة مع بعض التغيرات التي حدثت في الخمسين عام اللاحقة لملاحظات كانر.
ولكن هل هذا هو التاريخ الأقدم لمعرفتنا بحالة التوحد؟ هذا ما رفضته «أوتا فريث» أخصائية التطور النفسي ورائدة في أبحاث حالية كالتوحد، تقول: أننا يمكن أن نجد دليلاً عن تاريخ أقدم لحالات التوحد، وقد ذكرت قصة «الحمقى المباركين» في روسيا القديمة، هؤلاء الذين تم توقيرهم لسذاجتهم، عدم إظهارهم أى استجابة للألم الواقع عليهم، تصرفاتهم الغريبة، برائتهم الطفولية، وقلة إدراكهم للمجتمع المحيط.
هذا ونستكمل في مقالة قادمة بقية الحديث والبحث فيه بشئ من التفصيل.
إعداد: محمد عبد العزيز
مراجعة: Ahmed Maher
تدقيق: Mohammed Ayman Hamad
تصميم: Wael Yassir
تحرير: Tawfik Atef