التوحد…عندما يصبح التفاعل الاجتماعي مُعاناة!

autism

التوحد

ما هو اضطراب طيف التوحد؟

يشير اضطراب طيف التوحد «Autism spectrum disorder-ASD» لمجموعة من الاضطرابات العصبية المعقدة التي تَتّسِمُ بأنماط متكررة ومميزة من السلوك، وصعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، غالبًا ما تكون الأعراض موجودة منذ الطفولة المبكرة وتؤثر على الأداء اليومي.

مصطلح «الطيف-Spectrum» يشير إلى مجموعة واسعة من الأعراض، والمهارات، ومستويات من العجز الوظيفي التي يمكن أن تحدث في الأشخاص الذين يعانون من التوحد.

يُصيب التوحد طفل واحد من بين كل 68 طفلًا، جميع الأعراق والأجناس وجميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية مُعرضة للإصابة باضطراب التوحد، ومع ذلك، فإن الأولاد أكثر عُرضة من الفتيات للإصابة بالتوحد.

ما هي أهم أعراض التوحد؟

المجالات الثلاثة الرئيسية التي يجد فيها الأشخاص المصابون بالتوحد صعوبة، والمعروفة أحيانًا باسم «ثلاثية الاعتلالات-triad of impairments»:

  1. صعوبة في التواصل الاجتماعي.
  2. صعوبة في التفاعل الاجتماعي.
  3. صعوبة مع الخيال الاجتماعي.

حتى الأطفال الرضع، فإن الذين يعانون من التوحد منهم قد يبدون مختلفين، لا سيما بالمقارنة مع غيرهم من الأطفال في نفس سنهم، قد يصبح هذا الطفل يركز بشكل مفرط على أشياء معينة، ونادرًا ما يقوم بالاتصال بالعين، ويفشل في دخول تفاعل مع والديه، بينما في بعض الحالات الأخرى، فإن الأطفال عادة يبدون طبيعيين حتى السنة الثانية أو حتى الثالثة من العمر، ولكن بعد ذلك يبدأ في الانسحاب ويصبح غير مُبالٍ بالمشاركة الاجتماعية.

شدة اضطراب التوحد من شخص لشخص يمكن أن تختلف اختلافًا كبيرًا، فبعض الأطفال والبالغين الذين يعانون من التوحد قادرون تمامًا على أداء جميع أنشطة الحياة اليومية، في حين أن البعض الآخر يحتاج دعمًا كبيرًا لأداء الأنشطة الأساسية اليومية.

وتختلف الأعراض من حيث مدى التواصل الاجتماعي، والإصرار على نفس النوع من الأنشطة، وأنماط متكررة من السلوك تؤثر على الأداء اليومي للفرد.

من السلوكيات التي تظهر على المصابين بالتوحد:

أولًا: الصعوبات الاجتماعية وضعف التواصل الاجتماعي:

كثير من الأشخاص الذين يعانون من التوحد يجدون صعوبة في التفاعلات الاجتماعية، خصوصًا في التعاملات الاجتماعية التي تتطلب نوعًا من الأخد والعطاء، تمثل هذه التعاملات في كثير من الأحيان تحديًا لهم من نوع خاص، قد يفشل الأطفال الذين يعانون من التوحد في الرد على أسمائهم، وتجنب الاتصال بالعين مع الآخرين، والتفاعل مع الآخرين لتحقيق أهداف محددة فقط، وفي كثير من الأحيان لا يفهم الأطفال الذين يعانون من التوحد كيفية اللعب أو التعامل مع الأطفال الآخرين، وربما يفضل الطفل أن يكون وحده، فالأشخاص الذين يعانون من التوحد قد يجدون صعوبة في فهم مشاعر الآخرين أو التحدث عن مشاعرهم الخاصة.

وكذلك قد يمتلكون قدرات لغوية متفاوتة، بين عدم التحدث على الإطلاق إلى ذلك الذي يتحدث بطلاقة شديدة لكن بشكل غير لائق أو مُحرج، بعض الأطفال الذين يعانون من التوحد يعانون أيضًا من تأخر الكلام ومهارات اللغة، قد يكررون العبارات أو يعطون إجابات غير ملائمة للأسئلة، وقد يجدون صعوبة في فهم إيماءات لغة الجسد، أو نبرة الصوت، فعلى سبيل المثال، قد لا يفهمون ما معنى أن تلوح بيدك مُغادرًا، أو قد يتحدث هؤلاء الأشخاص كما الرجل الآلي أو بصورة غنائية أو باستخدام نبرة صوت موحدة، مع وجود قليل من المواضيع المفضلة للحديث عنها، دون الاهتمام بما يفضله الشخص الذي يتحدث إليه.

ثانيًا: صعوبات مع الخيال الاجتماعي:

من المعروف أن الخيال الاجتماعي يُتيح لنا أن نفهم ونتوقع سلوك الآخرين، واستيعاب الأفكار المجردة، وتخيل المواقف خارج روتين حياتنا اليومية، لكن مع وجود صعوبات في فهم الخيال الاجتماعي، فإن هذا يعني أن الناس المصابين بالتوحد يجدون صعوبة في فهم وتفسير أفكار الآخرين ومشاعرهم وأفعالهم، أو التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك، أو ما يمكن أن يحدث في المستقبل، أو فهم مفهوم الخطر، أو مزاولة الألعاب وأنشطة الخيال لدى الأطفال، أوالاستعداد للتغيير والتخطيط للمستقبل، أو التعامل في مواقف جديدة أو غير مألوفة.

ثالثًا، السلوكيات المميزة والمتكررة:

كثير من الأطفال المصابون بالتوحد يقومون بعمل حركات متكررة أو غير مألوفة، مثل: خفقان اليَدَيْن، الاهتزاز من جانب إلى جانب، أو الدوران. أطفال التوحد قد يهتمون بشكل موسوس بأشياء معينة، مثل: حركة الطائرات، أو تذكر جداول القطارات، بينما بعض الأطفال الآخرين قد ينفجرون في نوبات غضب عندما يكونون في أماكن جديدة أو مليئة بالإثارة.

كيف يتم تشخيص التوحد؟

أعراض التوحد يمكن أن تختلف اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر تبعًا لشدة الاضطراب، الأعراض قد تبدو غير واضحة في الأطفال الصغار الذين لديهم درجات طفيفة أو معتدلة من التوحد، ولكن هناك بعض المؤشرات المبكرة للغاية التي تتطلب تقييم من قبل الطبيب النفسي، وأهمها ما يلي:

  1. الطفل لا يتجاوب أو لا يشاور خلال السنة الأولى من عمره.
  2. عدم القدرة على تكوين كلمة واحدة بعمر الستة عشر شهرًا أو جملة من كلمتين بعمر السنتين.
  3. عدم الرد عند سماع اسمه.
  4. فقدان المهارات اللغوية أو الاجتماعية المكتسبة سابقًا.
  5. ضعف التواصل البصري.
  6. الإفراط في صَفِّ وترتيب اللعب أو الأشياء.
  7. عدم وجود استجابة اجتماعية أو ابتسامات.

وتشمل المؤشرات اللاحقة:

  1. ضعف القدرة على تكوين صداقات مع أقرانه.
  2. ضعف القدرة على بدء أو استكمال المحادثة مع الآخرين.
  3. غياب أو ضعف القدرة على اللعب التخيلي والاجتماعي.
  4. الاستخدام المتكرر أو غير المألوف لمفردات اللغة.
  5. اهتمامات معينة مكثفة بشكل غير طبيعي.
  6. الانشغال الدائم ببعض الأشياء أو الموضوعات.
  7. عدم وجود المرونة في الالتزام بإجراءات أو روتين معين.

تشخيص حالات التوحد يتطلب طبيب نفسي مختص، بالإضافة لملاحظات الأم أو الوالدين، ويتطلب التقييم لتلك الحالات فريق متعدد التخصصات، بما في ذلك طبيب نفسي، وطبيب أعصاب، واخصائي نفسي، ومعالج الكلام، ويقوم أعضاء الفريق بإجراء تقييم شامل للجهاز العصبي، واختبار معرفي، واختبار لغة؛ لأن بعض مشاكل السمع يمكن أن تسبب نفس السلوكيات فتسبب خطأ في التشخيص.

**الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية المعروف باسم «DSM-5» يخبرنا أن اضطرابات التوحد تشتمل على:

  1. متلازمة اسبرجر «Asperger syndrome».
  2. اضطراب التفكك الطفولي «childhood disintegrative disorder».
  3. اضطرابات النمو الشامل «PDD».
  4. متلازمة ريت «Rett syndrome».

بدلًا من اعتبارها اضطرابات منفصلة، ويشمل تشخيص التوحد تقييم الإعاقة الفكرية وضعف اللغة.

لذلك فإن الاضطرابات التي يشملها مصطلح «اضطراب طيف التوحد-Autism spectrum disorder»:

1- اضطراب التوحد «Autistic disorder»:

هذا النوع هو ما يظنه معظم الناس عند ذكر كلمة توحد، وهو يشير لمشاكل في التفاعل الاجتماعي، والتواصل، واللعب التخيلي للأطفال أقل من 3 سنوات.

2- متلازمة اسبرجر «Asperger’s syndrome»:

هؤلاء الأطفال ليس لديهم مشكلة مع اللغة، في الواقع إنهم يحرزون معدلات في المتوسط أو أعلى من المتوسط في اختبارات الذكاء، لكن لديهم نفس المشاكل الاجتماعية، ونطاق محدود من الاهتمامات مثل باقي الأطفال الذين يعانون من التوحد.

3- اضطراب النمو الشامل «Pervasive developmental disorder-PDD»:

ويُعرف أيضًا بـ«التوحد اللانمطي»، وهو النوع الذي يضم جميع الأطفال المصابون بالتوحد، لكن لا يقعون ضمن نطاق مجموعة محددة من المجموعات المذكورة.

4- متلازمة ريت «Rett syndrome»:

تصيب في المقام الأول الإناث، حيث يبدأ النمو طبيعي في هذه المتلازمة لكن مع الوقت يبدؤون بفقدان المهارات اللغوية والاجتماعية؛ حيث يبدأ هذا في عُمر السنة الواحد إلى عُمر الأربع سنوات، ويتم استبدال حركات اليد الطبيعية ذات الهدف الواضح بحركات مُتكررة وبدون أي هدف؛ فالأطفال الذين يعانون من متلازمة ريت غالبًا لديهم مشاكل إدراكية شديدة.

5- اضطراب التفكك الطفولي «Childhood disintegrative disorder»:

هؤلاء الأطفال تكون عملية نموهم طبيعية حتى عُمر السنتين، ثم يبدؤون بفقدان بعض أو معظم مهارتهم التواصلية والاجتماعية، وهو اضطراب نادر جدًا، وجوده كحالة منفصلة يمثل مسألة ذات جدل واسع في الأوساط الطبية.

هل تتغير أعراض التوحد بمرور الوقت؟

بالنسبة لكثير من الأطفال، فإن الأعراض تتحسن مع تقدم العمر والعلاج السلوكي. خلال فترة المراهقة، بعض الأطفال الذين يعانون من التوحد قد يعانون من الاكتئاب أو يعانون من مشاكل سلوكية، وعلاجهم قد يحتاج إلى بعض التعديل عند انتقالهم إلى مرحلة البلوغ،وكذلك عادة ما يكونون في حاجة إلى الخدمات والدعم النفسي الطبي كلما تقدموا في السن، ولكن هذا يعتمد على شدة الاضطراب، فإن الناس الذين يعانون من التوحد قد يكونوا قادرين على العمل بنجاح والعيش بشكل مستقل أو ضمن بيئة داعمة.

كيف يرى الأشخاص المصابون بالتوحد العالم من حولهم؟

الأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد يكون العالم بالنسبة لهم عبارة عن كتلة من الناس والأماكن والأحداث والتي يناضلون من أجل إعطائها معنى أو هدف، والتي يمكن أن تسبب لهم الكثير من القلق، لا سيما عند التفاهم مع الآخرين، والمشاركة في الحياة الأسرية والحياة الاجتماعية قد تكون من الأشياء الصعبة بالنسبة لهم. بعض الأشخاص يعرفون بشكل بديهي كيفية التواصل والتفاعل مع الآخرين، بينما البعض الآخر من أولئك الذين يعانون من مرض التوحد قد يتساءلون لماذا هم «مختلفون»!

ما أسباب اضطراب التوحد؟

نحن لا نعرف على وجه التحديد ما هو سبب اضطراب التوحد، لكننا نعرف أن هناك عدة أسباب وعوامل عديدة قد تجعل الطفل أكثر عُرضة للتوحد، بما فيها العوامل البيئية والبيولوجية والوراثية. معظم العلماء يتفقون على أن الجينات واحدة من العوامل الرئيسية التي قد تجعل الشخص أكثر عرضة للتوحد.

الأطفال الذين لديهم شقيق مصاب بالتوحد، أكثر عرضة للإصابة أيضًا بالتوحد، فالتوحد في كثير من الأحيان يصيب الأشخاص المصابون أساسًا بأنواع معينة من الخلل الجيني أو خلل الكروموسومات، مثل: متلازمة «fragile X syndrome»، أو التصلب الدرني «tuberous sclerosis».

عند أخذ علاج حمض الفالبرويك «Valproic acid»، المستخدم لعلاج الصرع والاضطرابات النفسية والصداع النصفي، أو «الثيالدوميد-Thalidomide»، المستخدم لعلاج الجذام والورم النقوي «Myeloma»، أثناء الحمل قد يزيد معدلات خطورة الإصابة بالتوحد. هناك بعض الأدلة تشير إلى أنه الفترة الحرجة لحدوث التوحد غالبًا ما تكون قبل، أو أثناء، أو بعد الولادة، وأيضًا تشير إلى أن الأطفال الذين ولدوا لآباء كبار في السن، مُعرضين أكثر للإصابة بالتوحد.

كيف يتم علاج مرض التوحد؟

لا يوجد علاج لمرض التوحد؛ لكنه تم تصميم العلاجات والتداخلات السلوكية لعلاج أعراض محددة، ويمكن أن تعطي تحسن إلى حد كبير لتلك الأعراض، خطة العلاج المثالي تشمل عدة تداخلات وعلاجات تلبي الاحتياجات الخاصة للفرد، ويتفق الأطباء في مجال الرعاية الصحية أنه كلما كان التدخل العلاجي في وقت مبكر، كلما كان ذلك أفضل.
وقد كانت التدخلات السلوكية والتعليمية في وقت مبكر ناجحة جدًا للعديد من الأطفال الذين يعانون من التوحد، في هذه التدخلات، يُجري المعالجين دورات تدريبية منظمة للغاية ومكثفة وموجهة نحو مساعدة الأطفال على تنمية المهارات الاجتماعية واللغوية، مثل التحليل السلوكي التطبيقي الذي يشجع السلوك الإيجابي وتثبيط السلبية، وبالإضافة إلى ذلك، الإرشاد الأسري للوالدين وإخوة الأطفال الذين يعانون من التوحد غالبًا ما يساعد الأسر على مواجهة التحديات الخاصة التي يواجهونها عند وجود طفل يعاني من التوحد.

الأدوية:

في حين أن الدواء لا يمكنه علاج التوحد أو حتى علاج الأعراض الرئيسية لها، لكن هناك بعض الأدوية التي يمكن أن تساعد في تخفيف الأعراض ذات الصلة، مثل: القلق، والاكتئاب، والوسواس القهري، تستخدم الأدوية المضادة للذهان لعلاج مشاكل سلوكية حادة. نوبات الصرع يمكن علاجها مع واحد أو أكثر من الأدوية المضادة للصرع.

الأدوية المستخدمة لعلاج الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه يمكن أن تستخدم على نحو فعال للمساعدة في تقليل الاندفاع والنشاط المفرط لدى الأشخاص الذين يعانون من التوحد. كذلك ويجب على الآباء ومقدمي الرعاية، والأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد توخي الحذر قبل اتخاذ أي علاجات غير موجّهة بإشراف طبيب.

اعداد: Maria Abd Almasseh
مراجعة لغوية: Mohammad Marashdeh

المصادر:

1. Autism Spectrum Disorder Fact Sheet [Internet]. [cited 2016 Feb 22]. Available from: http://sc.egyres.com/RXB4b

2. ASD – NAS [Internet]. [cited 2016 Feb 22]. Available from: http://sc.egyres.com/gN87x

3. Autism Causes, Types of Autism, Definition, and Symptoms [Internet]. [cited 2016 Feb 22]. Available from: http://sc.egyres.com/EQnku

4. CDC | Facts | Autism Spectrum Disorder (ASD) | NCBDDD [Internet]. [cited 2016 Feb 22]. Available from: http://sc.egyres.com/WqD2U

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي