«التَّنويم المغناطيسيّ هو الحلُّ السّحريّ لجميع مشاكلك». ربما سمعت هذه العبارة من صديقٍ ما عندما كنت تحكي له أحد مشاكلك، أو ربما رأيتها على لوحة إعلان في مكانٍ ما. عندما تسمع ذلك يتبادر إلى ذهنك العديد من الأسئلة، مثلًا: هل التنويم المغناطيسي يملك هذا التّأثير حقًّا؟ هل البرامج التليفزيونيّة والمسلسلات البوليسيّة تقصُّ الواقع؛ أم إنّه ليس إلا خيال المؤلف؟ هل هم يخبرونك الحقيقة؛ أم إنّها محض ترّهات وخرافات؟
حسنًا، يسعدني إخبارك أنه ليس كل ما تسمعه أو تراه بخصوص التنويم المغناطيسي هو الحقيقة؛ فمن خلال هذا المقال سوف نضعك على أوّل طريق المعرفة؛ لتتعلَّم أكثر عن التنويم المغناطيسي.
لا أعلم أين أضعتُ خاتمِي الثَّمين؟
هل فقدت غرضًا ثمينًا مؤخّرًا؟ -ربما خاتم أو قلادة ذات أهمية خاصة لديك- هل هنالك ذكرى سيئة وقعت لك في طفولتك، ولكن لا يمكنك تذكُّرها بأي شكلٍ كان؟ ربما يقنعك جارك المولع بمشاهدة المسلسلات البوليسيّة والبرامج التليفيزيونيّة بزيارة معالج يستخدم التّنويم المغناطيسي حتى تتذكرَ ما فقدته؛ سواء كان أغراض ثمينة أم ذكريات منسيّة، وقد يصل به الحد إلى تأكيد فعالية وروعة التنويم المغناطيسي؛ فهذ دائمًا ما يحدث في تلك البرامج والمسلسلات، فعندما تكون هنالك ضحية أو شاهد لا يتذكر تفاصيل الجريمة؛ فإنهم دائمًا ما يلجأون للتنويم المغناطيسي لإيجاد تفاصيل الجريمة، ثم التعرف على المجرم، وفي النهاية تأخذ العدالة مجراها. حسنًا نحن نخبرك الآن أنه تلك ليست كل الحقيقة، وأيًّا تكن المفاهيم الخاطئة التي لديك بشأن التنويم المغناطيسي؛ فبالتأكيد ستعيد التفكير آلاف المرات قبل أخذ هذا المنحنى الخطير في حياتك، تابع معنا هذا المقال، فربما تقرر مواصلة البحث عن ذلك الخاتم، أو ترك ما لا تتذكره في طيّ النسيان.
كيف تعمل الذاكرة
ربما نقطة البداية هي مناقشة ما نعرفه حقًّا عن كيفيّة عمل الذَّاكرة حتّى الآن. منذ حوالي 20-30 سنة، اعتقد العديد من العلماء أن عقولنا تحتفظ بسجلات مثاليّة لما يحدث لنا، لكنَّ الأبحاث الحديثة اقترحت أن وجهة النظر هذه غير دقيقة؛ فالذاكرة حقيقةً عُرضة للخطأ وبشدة، كما إنها قابلة للتزييف. بالإضافة إلى ذلك؛ عند استرجاع ذكرى ما من عقولنا فإن الأمر لا يشبه سحب ملف من خزانة كما اعتدنا أن نصدق، بدلًا من ذلك يمكن تشبيه التذكر كعمليّة إعادة بناء؛ حيث تقوم عقولنا بتجميع قطع من المعلومات ثم إعادة خلق ما حدث داخل رأسنا، ولهذه الأسباب قد تتغيّر ذكرياتنا عن حدث معيّن بمرور الوقت. أمدّتنا الدراسات المعمليّة بأدلة إمكانيّة التأثير على شخص ما ليصدق حدثًا ما وقع له مع أنه لم يحدث، حيث كان العلماء قادرين على اقتراح أحداث لأناس قد أنكروها بدايةً؛ ولكن بدأوا في تصديقها بعد عدّة أسابيع، تتضمن هذه التجارب: الضياع في مركز تسوق أثناء الطفولة، أو سكب إناء الشراب على العروس في زفافٍ ما، أو هجوم حيوانيّ، أو عمليّات جراحية. بالطبع لا يُمكن قيادة الجميع ولكن حوالي ربع الناس سوف يُحوّلون الذكرى المُقترحة إلى خاصتهم، ناسين من أين أتت، ويُلحقون بمرور الوقت حتى تفاصيل أكثر ليثروها. [1]
الدراسات العلميّة
تقترح البيانات العلميّة أن استخدام التنويم المغناطيسيّ في استعادة الذكريات مضرٌّ جدًا، بالرغم من الاعتقاد السائد أن التنويم المغناطيسي أداة مفيدة في كشف الذكريات المُخبّأة في أعماق العقل؛ لا توجد أدلةٌ كافية تدعم أن التنويم المغناطيسي يُحسّن من قدرتنا على تذكُّر أحداث وقعت لنا مقارنة مع تذكرها طبيعيًّا. بل تقترح البيانات أنه قد تنتج ذكريات زائفة عن هذه العملية مقارنة مع تذكر الأحداث بشكل طبيعي. ناقشت دراسة أجراها مجموعة من الباحثين الأمريكيين والعالميين بقيادة د.جيرارتز ثلاثة مجموعات من الأفراد ممن لديهم ذكريات عن اعتداء جنسي من الطفولة وكان هناك: 1-أولئك الذين استعادوا ذكرياتهم بشكل تلقائي دون علاج. 2-أولئك الذين استعادوا ذكرياتهم أثناء العلاج. 3-أولئك الذين دائمًا ماتذكروا الاعتداء. ثم أجرى العلماء مقابلات مع أناسٍ لهم علاقة بحياة المشاركين في هذه التجربة –ممن يمكنهم تأكيد الاعتداء- وكان الباحثون قادرين على تأكيد قصص كثير من الحالات: من بلغوا بأنهم تذكروا دائمًا الاعتداء (45%)، من استرجعوا الذكريات بدون العلاج (37%)، وبالنسبة لمن استرجعوا ذكريات الاعتداء أثناء العلاج كان الباحثون غير قادرين على تأكيد حالة واحدة. [1]
تأثير التنويم المغناطيسي على المجتمع
أسهمت تلك المفاهيم الخاطئة عن الذاكرة والتنويم المغناطيسي في فترة مدمرة في العلاج النفسي، ففي الثمانينيات والتسعينيات، كان هناك تفشيّ للقضايا بسبب المعالجين -حسني النية- حيث استعادوا ذكريات أفراد عن اعتداء جنسي في الطفولة والذي لم يحدث حقًا، تمزقت العائلات وأُقيمت الدعوات القضائية، حيث تضمن ذلك موجة من التقارير عمّا يُدعى «الطقوس الشيطانيّة»؛ فقد حقّق مكتب التحقيقات الفيدراليّ في آلاف التقارير عن الاعتداءات التي ارتكبتْها هذه الجماعات الشيطانية. [1]
نهايةً إن التنويم المغناطيسي هو تغيُّر في حالة الإدراك بحيث يمكن أحيانًا الوصول إلى الذكريات بسهولة أكبر، ولكنها أيضًا حالة يكون فيها العقل أكثر عرضةً للتخيُّلات والأوهام، ومن المستحيل عمليًّا تحديدُ ما إذا كان استرجاع حادث عن الاعتداء في الطفولة هو ذكرى حادث حقيقي أم مجرد وهم. [2]
ومن المنطقي أن يبحث المعالجون النفسيون عن ذكريات الاعتداء إذا كان تذكرها في غاية الأهمية لتحسين الصحة النفسية، وبالرغم من ذلك فليس هناك أدلة قاطعة على أن الألم المنسي يسبب مشاكل في الصحة المنسية لصاحبه. وأنا أشك أن سوء الفهم هذا هو بقايا من معتقدات فرويد «أن كثير من مشكلاتنا مرتبطة بالأشياء المكبوتة عندنا في اللاواعي». ولكن من المؤكد أن البحث عن اعتداءت منسية فقط لشرح المشاكل الحالية لشخص ما ليس سويًّا؛ تصرٌّف غير مسئول من جهة المعالج؛ فليس هناك أدلة على أنه يجب على الفرد أن يتذكر ما نسيه من تجارب صادمة ليعيش حياة صحية مليئة بالإنجازات. [1]
ولكن ليس كل استخدامات التنويم المغناطيسي مثيرة للمشكلات من الناحية العلمية. تشير الأدلة التي توصلت إليها الأبحاث العلمية المنهجية إلى أن التنويم المغناطيسي قد يكون مفيدًا في علاج الألم، والحالات المرضية، واضطرابات التعود (مثل إدمان التدخين)، ويمكن استخدامه كعلاج مساعد للعلاج السلوكي المعرفي للقلق، والسمنة، وحالات أخرى. ولكن مدى الفوائد التي يمكن أن يحققها التنويم المغناطيسي في هذه الحالات بخلاف الاسترخاء لا يزال غير واضح (لين، كيرش، بارباز، كاردينا، وباتيرسون، 2000). [3]
كيف يمكن للتنويم المغناطيسي مساعدة الناجين من إساءة المعاملة كأطفال، على الرغم من عدم مُلاءمة التنويم المغناطيسي “للعمل البوليسي” الشخصي، فإن العلاج بالتنويم المغناطيسي فعال للغاية في مساعدة الأشخاص الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي على التغلب على أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. العلاج بالتنويم مفيد بشكل خاص في مساعدة الناجين على إعادة هيكلة ذكرياتهم الفعلية من سوء المعاملة ومنحهم إحساسًا أكبر بالسيطرة ، وفي معالجة المشاعر المؤلمة مثل اللوم على الذات أو الاحساس بالذنب. يكون التنويم المغناطيسي أقوى عندما يركز على إحداث تغييرات إيجابية في الأفكار والمشاعر والسلوكيات للمستقبل.
المصادر:
- Recovered Trauma Memories and Hypnosis – Abuse [Internet]. [cited 2019 Dec 23]. Available from: https://www.mentalhelp.net/blogs/recovered-trauma-memories-and-hypnosis/
- 2. Can Hypnosis Unlock Memories of Childhood Abuse? [Internet]. Verywell Mind. [cited 2019 Dec 23]. Available from: https://www.verywellmind.com/can-hypnosis-unlock-memories-of-childhood-abuse-22398
-
من صفحة رقم119 إلى 120 أشهر 50 خرافة في علم النفس – علم نفس – العلوم الاجتماعية والسياسية – الكتب العربية [Internet]. [cited 2020 Feb 7]. Available from: https://www.jarir.com/arabic-books-414085.html