كانت الأزمة السياسية المشتعلة في روسيا إثر النزاعات الداخلية والحالة الحرجة التي كانت تمر بها البلاد إبَّان حالة الحرب مع اليابان هي سبب المشاكل التي انعكست في 9 يناير 1905، أو ما يُسمَّى «الأحد الدامي» في سانت بطرسبورغ، حيث قتل جيش القيصر العمال المشاركين في مظاهرةٍ سلمية نظَّمها قسيس سجن بطرسبورغ غريغوري غابون (1870-1906).
بدأ الأمر حين دعا جابون لمظاهرةٍ سلمية إلى قصر الشتاء تُعلن للقيصر عن مطالب العمال. ولأن جابون قام بتحذير القيصر نيكولاي الثاني ووزير الشؤون الداخلية من المظاهرة، قامت الحكومة بالاستعداد فورًا لذلك. أدَّت الأنشطة الاستفزازية التي قام بها جابون إلى بداية الموجة الأولى من الثورة حيث شارك بها 111,000 شخص، وذهب نيكولاي الثاني إلى بطرسبورغ، وفي ذلك الوقت، تم جلب 30,000 جندي إلى العاصمة. وفي 9 يناير عندما وصل العمال وزوجاتهم وأطفالهم إلى القصر وبدأت الشرطة بإطلاق النار عليهم، قُتِلَ أكثر من 1000 وجُرِحَ 2000 شخص في أحداث ما يدعى «الأحد الدامي».
انتشرت أخبار هذه الأحداث فورًا إلى جميع أنحاء البلاد، وبدأت الإضرابات التي شارك بها حوالي 440,000 شخص، وفي غضون هذا، كان على حكومة القيصر أن تنصاع وتقدم الكثير من التنازلات. فقام نيكولاي الثاني، في 18 فبراير 1905، بتعيين ألكسندر بوليجين كوزير للشؤون الداخلية، والتي كانت خطوة قوية في طريق الإصلاحات، وتبعها تفعيل «دوما بوليجين» أو مجلس الدوما في الإمبراطورية الروسية، لكن لم تقام الانتخابات.
في مايو 1905، بدأت ضربة عمال نسيج إيفانو-بوزنسنسكي، ومن ثمَّ تم إنشاء مجلسٍ مُكوَّن من 151 شخصًا. وأعقب تطور حركة الفلاحين أيضًا إنشاء اتحاد الفلاحين في 31 يوليو و1 أغسطس 1905. طالت الإضرابات وحركات المعارضة الصريحة الجيشَ البحري أيضًا، فكان أكبر حدثٍ في الثورة الروسية الأولى هو عصيانٌ مُسلَّح على متن سفينة «بوتمكين تافريتشسكي» التي جلبها الجنود البحريون إلى أوديسا، حيث كان هنالك إضرابٌ عام في 14 أكتوبر 1905. وعلى هذا لم يجرؤ الجنود البحريون على إيقاف العمال. وبعد هذه المحاولة غير الناجحة لجلب الجنود إلى جانبهم، ذهبت «بوتيمكين» إلى رومانيا وقُدِّمَت إلى الحكومة.
وبالوصول إلى منتصف أكتوبر كانت البلاد في حالةِ فورانٍ إلى الحدِّ الذي جَعَلَ الحكومة تفقد السيطرة على الوضع. في كل مكان كانت الاجتماعات والمظاهرات تطالب باعتماد الدستور. ولم يكن لدى الحكومة أي قوًى للتغلب على الحركة الثائرة تلك.
كانت نهاية النظام الملكي وشيكة في 17 أكتوبر 1905، حين أقنع س. فيت ونيكولاي نيكوليفيتش القيصر بتقديم تنازلات تكفل أسس الحرية المدنية للروس مثل: الحصانة الشخصية وحرية الضمير والكلمة والنشر والاجتماعات والبرلمان. تسبب هذا البيان في انشقاقٍ في صفوف الثورة، حيث أعطى للناس وهمًا دستوريًا هدفه إخماد نار الثورة ونشاطها، لكن لم تدم الخدعة طويلًا، فخلال الشهر الأول من اعتماد الحريات الدستورية المزعومة، وقعت مجزرة للثوار واليهود، قُتِلَ فيها أكثر من 4 آلاف شخص و10 آلاف ممن كانوا يستخدمون دعم الحكومة على يد قوات رد الفعل الملكية في أكثر من 100 بلدة في 18 أكتوبر.
شهدت نهاية عام 1905 أعظم مظاهر الثورة الروسية. قرابة ال200,000 فرد شاركوا في اعتصامات وإضرابات شملت عدة مجالات صناعية في الفترةِ ما بين 12 إلى 18 من أكتوبر. ولم ينتهِ الأمر هنا، بل إن ذلك الفتيل الذي اشتعل في موسكو في أكتوبر سرعان ما ضرب جميع أنحاء البلاد، وظهرت مجالس العمال، أو ما تُسمَّى مجالس نواب المزارعين (55)، والتي فرضت ذاتها كسلطةٍ موازية، وكان أهمها مجلس بطرسبورغ (ورئيسه كروستليف نوتسار، ثم ليون تروتسكي) ومجلس موسكو الذي دعا إلى بدء العصيان العسكري في 7 ديسمبر 1905، الذي لم تنطفئ ناره حتى 19 ديسمبر فيما سُمِّيَ «عصيان ديسمبر المُسلَّح».
أدَّت حركة العمال الجامحة إلى تعزيز العصيان في الجيش والأسطول الذي امتد ليشمل خاركوف، وكييف، وطشقند، ووارسو والعديد من المدن الأخرى بحلول خريف عام 1905. كما شهدت الإمبراطورية الروسية انتفاضاتٍ هائلة بين قوات بحَّارة كرنشتات وأسطول البحر الأسود. وبالرغم من مشاركة 12 سفينة مسلحة، إلَّا أن سفينة أوتشاكيف الحربية كانت صاحبة الدور الأبرز. بجانب ذلك العدد الضخم، حوالي 4,000 جندي شارك في المعارضة المسلحة ضد القوات الموالية للنظام التي ما لبثت أن دافعت عن نفسها مستخدمةً القوة كذلك. في 15 و16 نوفمبر تم إيقاف المعارضة، وفي بداية عام 1906 اُغتِيلَ قادتها (بسميدت، وإيغلادكوف، وإيغانتونينكو، وكبشاستنيك).
بعد انتهاء المعارضة المُسلَّحة في موسكو بدأت الموجة الثورية في التراجع. ورغم استخدام الحكومة أساليبَ قمعية للاستيلاء على زمام الأمور في البلاد مرةً أخرى، ظلت المظاهرات وضربات الفلاحين والجنود البحريين مستمرةً في 1906-1907.
المصدر:
http://russia.rin.ru/guides_e/6938.html
#الباحثون_المصريون