تقديم
في الأول من سبتمبر عام 1953، توقف الزمن بالنسبة للمريض هنري مولايسن (Henry Molaison)؛ فلمدة عشر سنوات تقريبًا، عانى المريض ذو ال27 عامًا من نوبات صرع حادة (seizures). كانت هذه النوبات مهلكة ومضعفة جدًا لهنري حتى أنه لم يستطع الاحتفاظ بوظيفته كعامل تدوير مواتير في أحد خطوط التجميع. في الأول من سبتمبر سمح مولايسن لأحد أطباء الجراحة بإزالة قطعة بحجم إصبع الإبهام من الأنسجة في جانبي دماغه. كانت هذه العملية عملية تجريبية، أمِل مولايسن هو وطبيبه منها أن تخمد النوبات التي تدمر دماغه.
نتائج العملية
بالفعل، نجحت العملية؛ فقد هدأت النوبات، ولكن بعدها عانى مولايسن من فقدان دائم للذاكرة. وعلى الرغم من أن مولايسن كان يستطيع تذكر بعض الأحداث كبعض المواقف التي حدثت في طفولته، وبعض الحقائق عن والديه، وبعض الأحداث التاريخية التي حدثت قبل أن يخضع للجراحة، إلا أنه لم يكن يستطيع تكوين أي ذكريات جديدة. فكان إذا قابل أحدً ثم غادر ذلك الشخص الغرفة، لا يستطيع تذكُّر أي شيء عن هذا الشخص بعدها بدقائق. ما كان يُعد مأساة لمولايسون أدى إلى أحد أهم نقط التحول في علوم الدماغ في القرن العشرين: فهم أن الوظائف المعقدة كالتعلم والذاكرة مرتبطة بمناطق منفصلة ومحددة في الدماغ.
ماذا بعد؟
في عام 1955، بدأ العالمان ويليام بيتشر سكوفيل (William Beecher Scoville) وبريندا ميلر (Brenda Milner) في دراسة مولايسون -وأشاروا إليه بالحالة H.M. لحماية خصوصيته- بالإضافة إلى دراسة تسع حالات أخرى قد خضعوا لنفس العملية. وقد عانى المرضى الذين خضعوا لإزالة جزء محدد من الفص الصدغي الإنسي (medial temporal lobes) فقط من مشاكل تتعلق بالذاكرة. وكلما زاد حجم النسيج المُزال من هذا الفص كلما كانت المشكلة أكبر. وقد أشار الباحثون إلى أن فقدان الذاكرة لدى هؤلاء المرضى «كان محددًا بشكل محير حول تكوين الذكريات الجديدة».
ماذا ترتب على ملاحظات سكوفيل وميلنر؟
أشارت ملاحظات سكوفيل وميلنر إلى أن جزء محدد من الفص الصدغي الإنسي يُعد ضروريًا من أجل وظائف الذاكرة الطبيعية وهو الحُصَين (hippocampus). وخلال العقود الخمسة اللاحقة، اكتشف العلماء الذين درسوا حالة مولايسون أن الحُصَين ومناطق أخرى مجاورة تحول إدراكنا ووعينا المؤقت والعابر لما يحيط بنا إلى ذكريات تدوم مدى الحياة. لم يعد هذا التحول يحدث في دماغ مولايسون بعد العملية؛ فقد أصبح يمارس كل جانب من جوانب حياته -كتناول الطعام أو المشي- كأنه يمارسه أول مرة. وعلى الرغم من ذلك، فإن فكره وشخصيته وإدراكه كانوا سليمين تمامًا، كما أنه كان يستطيع اكتساب وتعلم مهارات حركية جديدة. وبمرور الوقت، أصبح مولايسون أكثر مهارة في أداء مهام معينة كتتبع الأنماط بينما يشاهد حركة يده في المرآة، على الرغم انه لا يتذكر أبدًا ممارسة هذا الشيء من قبل. لقد مهدت الدراسات على مولايسون الطريق لاكتشافات أكثر حول الشكبات العصبية في الدماغ المسؤوولة عن تكوين الذكريات الواعية واللاواعية. وحتى بعد موته في 2008 في عامه ال82، استمر علماء الأعصاب في التعلم منه.
المصدر: http://sc.egyres.com/anqk3
ترجمة : أحمد شلبي
مراجعة علمية: زهراء منير
مراجعة لغوية: محمد غنيم