ذاقت كولومبيا الويلات، وخسرت أكثر من ستة ملايين من أبنائها بسبب الحرب الأهلية الدموية الطويلة بين الحكومة والمتمردين من أبناء الشعب الواحد.
كما أن هناك دومًا وسائل مادية تُشعل الحرب أو تُطفئها، فهناك أيضًا وسائل معنوية تقوم بذلك، كالإعلام والفنون، هذا ما حاول فعله «مركز الذكرى، السلام والمصالحة»، إيجاد رسالة معمارية لاحتضان أبناء ذلك الشعب وإعادة ترتيب أفكارهم لتقبُّل الأطراف الأُخرى من نفس الشعب، كيف ذلك؟ وما الرسائل التي احتواها المركز معماريًا؟
اسم المشروع: «مركز الذكرى، السلام والمصالحة-Memory, Peace and Reconciliation Center» للمعماري خوان بابلو أورتي (Juan Pablo Ortiz Arquitectos )، حيث يقع في بوجوتا – كولومبيا، وكان معماريو المسابقة هم: (SantiagoFonseca G -José Vallejo C).
السياق التعبيري:
هذا المبنى يُسلط الضوء على ذكرى أكثر من 6 ملايين روح أزهقت في الحرب الأهلية بكولومبيا.
عرض أهداف المشروع:
المبنى يتعاطف مع الضحايا بمشاركتهم المبنى عبر إنشاءه بجميع المراحل الزمنية.
التفاعل في المبنى:
في خِضَم السلام الحالي الذي تعيشه البلاد، صُمِّمَ المبنى من أجل مدينة بوجوتا، ليمثل بيئة تربوية تعليمية لبناء السلام مع 40 ألف زائر سنويًا.
المكان الموجود فيه المشروع والذي تم اختياره بواسطة القرعة، هو جزء من مجمع المقابر التقليدية المركزية في بوجوتا. حيث تم دفن 3600 فردًا خلال مائتي سنة، ومن أجل إخراج بقايا الجثث، تم إجراء أكبر مسح أثري في تاريخ أمريكا اللاتينية. والمساحة المتبقية من هذه العملية بناء المركز عليها.
لقد تم البدء في المشروع إبَان الصراع الداخلي، على عكس باقي المشاريع التي أُنِشئَت بعده، ويُمثِّل المبنى نُصبًا تذكاريًا للمئوية الثانية؛ حيث هنالك القيم القادرة على تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة بُناءً على احترام الحياة، نبذ العنف والمصالحة.
تم تأسيس المبنى تحت الأرض، أدّى ذلك إلى تقليل الأثر البيئي، كما تم تغطيته بالمياه لتصبح جزءًا من الحديقة. هذه المياه تمثل سلسلة من الانعكاسات ذات طابع لا مادي (Immaterial) تُمكن الشعب الكولومبي من الشعور بتسليط الضوء عليه بدلًا من تحجيمه. كذلك فإن المبنى يعد «عتبة» تستقبل الزوار من الشمال والجنوب والشرق والغرب بدون أي عقبات، إنه فضاء عام مفتوح للديمقراطية.
إن وضع المبنى بهذا الشكل وسط المياه أيضًا وصعوده الرأسي من تحت الأرض كان تعبيرًا قويًا دلّ على ارتباطه بالأموات وتوطيد علاقتهم اختراقًا لبحرغرقت فيه كولومبيا بالأحياء فوق الأرض صعودًا بهم إلى سماء مستقبلٍ أفضل، كما أن المصمم راعى ثقب الجدران لنقل جزء من خوف الجنود لحظة الحرب بعبور الضوء خلال تلك الثقوب للزوار القابعين داخل الفراغ.
يوجد علاقة تعاطف بين المشروع المعماري ومستخدمي المبنى تأثرًا من العنف على الأبرياء في كولومبيا، ففي أثناء إنشاء المبنى تم دعوة الجمعيات المعنية بشؤون الضحايا وعقد عدد من المراسم الرمزية والتي بلغت خمسة عشر مرسمًا، حيث ساهم 2000 شخص في عملية البناء بإحضار تُربة من موطنهم الأصلي مع شواهد محفور عليها كتابات تدعو إلى السلام، هذه وتم وضعها في أنابيب زجاجية وتم وضعها في مُنشأة تم تصميمها لتستوعب هذه الأنابيب بجوار منطقة البناء خلال مدة زمنية بلغت خمسة عشر شهرًا. وبمجرد انتهاء عملية البناء تم نقل هذه الأنابيب إلى قاعة المركز ووضعها في ثقوب عرضها متر داخل الجدران المصبوبة. يبلغ ارتفاع هذه الحوائط 12 مترًا وتم تنفيذها بطريقة توصل رسالتين رمزيتين، الأولى هي إثبات أن أصحاب الأرض الأصليين هم أنفسهم الأطراف المختلفة المشاركة في الصراع، وتم توضيح ذلك من خلال إيجاد كتلة وحيدة تخرج من الأرض تم استهلام طريقة بناءها من طريقة بناء الأسلاف. أما الرمز الثاني هو بناء هذا الحجم كنصب تذكاري بعد مرور قرنين من الصراع الكولومبي وتم التدليل على ذلك من خلال 20 طبقة تم تفريغها على شكل حلقات وكل طبقة تتوافق مع عشر سنوات من التاريخ الجمهوري لكلومبيا.
إن المبنى يُقدِّم خدمات عامة كالتربية والتعليم واحترام القيم الإنسانية والحرية الشخصية، كما تُقدِّم أسبوعيًا أنشطة ثقافية، ففي عام 2013 كان أقصى تَوقُّع لعدد الزائرين للمبنى عشرة آلاف شخص، ولكن في حقيقة الأمر قدم مايقرب من 40 ألف شخص إلى المكان في التاسع من إبريل. استضاف المبنى أنشطة رسمية وتذكارية، وأصبح محط تطلعات زوار المدينة من كل مكان. كما أصبح الأطفال أيضًا جزء من هذا النشاط، في حقيقة الأمر قام الأطفال بكتابة ثلاثين ألف رسالة فيها أحلامهم عن السلام أُرسلت إلى مفوضية السلام في هافانا مع تساؤلات عن استمرارية هذه العملية في موطنهم.
إن مركز المصالحة والسلام أثبت أنه يمكن للرمزية المعمارية أن توصل رسالة قوية ومؤثرة في المجتمعات الغارقة في المشكلات تعزز طموحاتهم و حاجاتهم بما تعكسه في نفوسهم.
ترجمة وإعداد: Muhammad Imara
مراجعة علمية: Mahmoud Mohamed Ouf
مراجعة لغوية: Mohamed Sayed Elgohary
تصميم: Hossam S.Mohamed
الكلمات الدلالية: الحرب الأهلية، الرمزية المعمارية، متحف.
المصادر:
1.
Memory, Peace and Reconciliation Center / Juan Pablo Ortiz Arquitectos | ArchDaily [Internet]. [cited 2015 Oct 15]. Available from: http://sc.egyres.com/1aT0N