مقدمة
الحرب الصينية اليابانية الثانية هي صراع عسكري بين جمهورية الصين والإمبراطورية اليابانية، وامتدت الحرب من عام 1937 إلى عام 1945. وتعد من الحروب الأكثر وحشية ودموية في التاريخ، كما أنها تعتبر بداية الحرب العالمية الثانية في آسيا. وتطلق اليابان على هذه الحرب اسمًا آخر، لاعتقادهم أن هذه الحرب هي حرب تحرير أراضيهم من سيطرة الإمبراطورية الغربية، بينما يطلق عليها الصينيون اسم (حرب المقاومة) بسبب نجاحها المبني على حرب العصابات.
هذه الحرب هي نتاج عقود من السياسة الاستعمارية لليابان، والتي تهدف للسيطرة على الصين سياسيًا وعسكريًا لتأمين احتياطها الهائل من المواد الخام وغيرها من الموارد. وقد تصاعد التوتر بينهما بغزو اليابان لمانشوريا في عام 1931، ولكن انفجر الوضع في السابع من شهر يوليو عام 1937 بحادثة جسر ماركو بولو. تطلب سعي اليابان لتصبح قوة عظمى السيطرة على الصين؛ فقد غلبوا الصينيين في حرب في التسعينيات واستولوا على كوريا. وبعدها مباشرةً تسللوا إلى مانشوريا التي امتلكت احتياطيًا من الفحم ومعادن أخرى، وبدأوا في بناء صناعة هناك. وفي عام 1931 استولوا على منشوريا كلها، قبل التوسع إلى الجنوب.
لم تتضمن الحرب الصينية اليابانية الدولتين فقط وإنما مجموعة من قوى العالم، في البداية أرادت ألمانيا النازية أن ترى اليابان حليفة لها. وبعدها حرضت كل من بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي اليابان على مهاجمة الصين خاصة أن ستالين دعم اليابان لأنه علم بمطامعها في سيبيريا ومانشوريا. بوجيز العبارة يمكن أن يطرح جدال حول أن الغرب ضحى بالصين بسهولة ليبقي نفسه بعيدًا عن تهديد ألمانيا النازية.
ووفقًا لبعض الكتاب، فإن الصين كانت متخلفة أربعين عامًا مقارنةً باليابان، إلى جانب أن الحكومة القومية الصينية كانت في صراع قوي مع الشيوعيين؛ لذلك خسرت الصين بسرعة وأيضًا استفادت القوى الغربية من هذه الخسائر بغزو بعض محافظات الصين. وأدعى بعض المؤرخين أن بريطانيا حرضت اليابان بشدة على هذا الغزو لتكون هي حامية للصين أيضًا.
وفي موقف مشابه، حاربت اليابان مع روسيا لأجل مطامعها الآسيوبة الشرقية. وبينما طغى الخوف على الحرب الروسية اليابانية، فكان هناك خوف من الصراع مع روسيا في المستقبل؛ مما جعل من الضروري تأمين موضع استراتيجي ملائم في الصين خاصة عبر سكة الحديد لسيبريا.
اليابان بعد الحرب العالمية الأولى
انتهت الحرب العالمية الأولى في صالح اليابان، ولكن مطامع اليابان الاستعمارية لم تنتهي، فقد رأى اليابانيون أنفسهم قادة آسيا وأنهم القوة التي تستطيع إبقاء المجتمع الآسيوي بعيدًا عن السيطرة الاستعمارية الغربية. ويسمى هذا بنظرية «عقيدة عموم آسيا» أو «مجال الازدهار المشترك في شرق آسيا الكبرى برعاية اليابان». وفي هذا الصدد؛ استغل اليابانيون المشاعر المعادية لأوروبا بين الجماعات القومية في بعض دول شرق آسيا مثل بورما. فاعتقد اليابانيون دائمًا أنهم يحاربون لأجل حرية آسيا. ولهذا الغرض؛ فإن حق الحكم في الصين وكوريا وحتى سيبيريا التي لا نهاية لها يجب أن يكون في أيدي اليابان. ووفقًا لهذا المثال، فإن الدول يمكنها جعل انتهاكات حقوق الإنسان والتدخل من خلال خلق هذه الأنواع من الأساطير شرعيًا.[2]
وإليكم أهم أحداث الحرب الصينية اليابانية وأكثرها وحشية ودموية.
حادثة جسر ماركو بولو
بموجب الاتفاقيات التي تعود إلى بداية القرن، الدول المنتدبة في الصين كان لديها الحق في إبقاء قواتهم بعدد محدود؛ بغرض الحماية. وتمركزت أعداد صغيرة من كل من الجنود اليابانيين والصينيين قريبًا مما كان يُسمْى في الغرب بجسر ماركو بولو؛ نسبة إلى الرحالة الذي رأى ووصف هذا الجسر، بالقرب من مدينة (وانبينج-wanping) خارج بكين. ما حدث في هذه الليلة من شهر يوليو غير واضح، ولكن نفذ اليابانيون تدريبات بدون الإخطار المعتاد للجانب الصيني وتبادلوا بعض الطلقات مع القوات الصينية المتفاجئة. وبعدها اكتشف اليابانيون أن أحد الجنود مفقود وظنوا أن الصينيون قد أسروه، وطالبوا بالسماح لهم بالبحث عنه في (وانبينج). وقد قال الصينيون أنهم سيقوموا بالبحث عنه بأنفسهم مع جندي ياباني واحد بصحبتهم. وقد حاول المُشاة اليابانيين شق طريقهم بالقوة إلى وانبينج، ولكن تم صدهم. وقد أرسل كلا الجانبين قوات أكثر إلى هذه المنطقة وفي الصباح الباكر من اليوم الثامن من يوليو، هاجم كلًا من سلاح المشاة والمركبات المدرعة لليابان الجسر واستولوا عليه.
وعلى الرغم من المحاولات لتهدئة الأوضاع، إلا أن الحادثة أعطت للقوات اليابانية العذر لشن غزو شامل على الصين وإرسال مئات الآلاف من القوات للصين. وبالفعل سقطت كلًا من بكين وشانغهاي في عام (1937)، وأيضًا سقطت مدينة ناجنغ، وهي عاصمة الحزب القومي الصيني التي أنشأها شيانغ كاي شيك. وأيضًا وفقًا لإحدى النظريات؛ كان الشيوعيون الصينيون يديرون الأمر برمته لتوريط الحزب القومي في حرب مع اليابانيين. وكان هذا الصراع مصحوبًا بوحشية غاشمة.[5]
معركة شانغهاي الثانية
كان الصراع الذي اندلع في شنغهاي في خريف عام 1937 -والذي تضمن في نهاية المطاف ما يقارب من مليون جندي- كان صراعًا غير متوقع. فلم يكن من المفترض أن يحدث، أو على الأقل لم يكن من المفترض أن يحدث بهذه الطريقة. فقد استمر التوتر بين الدولتين منذ حرب 1931 و1932 القصيرة والشديدة، عندما غزت إمبراطورية اليابان مقاطعات منشوريا الشمالية الشرقية الثلاثة للصين وحولتها إلى (دولة صنيعة- puppet state) باسم (مانشوكو- Manchukuo). وأيضًا في أوائل عام 1932 خاض البلدان الآسيويان معركة دامية في أقصى الجنوب في شنغهاي، قبل الدخول في موقف غير مستقر بطبيعته، موقف اللاحرب واللاسلام. وعلى مدى السنوات العديدة التالية؛ استمرت حالة من العداء المتزايد حتى صيف 1937، عندما اشتبكت القوات الصينية واليابانية مرة أخرى في الشمال وهذه المرة بالقرب من بكين. وقد خرجت اليابان منتصرة في أواخر يوليو بعد أن دفعت بالمقاومة الصينية المنظمة في الشمال جانبًا. من هنا كان من الممكن أن يستقر الوضع إلى ما كان عليه قبل خمس سنوات بإنشاء اليابان لدولة صنيعة أخرى (كمانشوكو) في الشمال وتعود الدولتان المتنازعتان إلى حالة من العداء المكبوت.
ولكن بدلًا من ذلك قررت الصين أن تشن ضربات على اليابانيين في شنغهاي. فقد قرر القائد الصيني (شيانغ كاي شيك) بأن يُلقي بنخبته العسكرية -المدربة والمعدة وفقًا للمعايير الدولية خلال سنوات من التحديث العسكري المكلف- في معركة ضد قوة صغيرة من جنود البحرية اليابانية –التي تمسكت بموقعها في وسط شانغهاي لحماية المواطنين والأصول اليابانية في المدينة؛ حيث شجعه على هذه الخطوة العرض العسكري المفاجئ لقواته في المدينة في أوائل عام 1932.
كان هدف شيانغ هو تحقيق نصر سريع يمكن أن يوحد الأمة في صراع الموت والحياة القائم مع اليابان. ولكن بدلًا من ذلك حصل شيانغ على صراع مطول، انتهى به الأمر إلى التهام عشرات الآلاف من أفضل جنوده تدريبًا وإعدادًا. وقد استغل بضعة آلاف من جنود مشاة البحرية اليابانيين مواقعهم أفضل استغلال في منتصف مدينة شنغهاي المكتظة بشدة بالسكان لصد المهاجمين الصينيين المتفوقين عدديًا، وظلوا صامدين لأطول فترة ممكنة للسماح بوصول التعزيزات.
والأهم من ذلك هو نجاح عملية برمائية يابانية جريئة في أواخر شهر أغسطس في إنزال كتيبتين شمال شنغهاي، وأجبرت القادة الصينيين على تغيير وضعهم من الهجوم إلى الدفاع وتشتيت انتباههم بعيدًا عن المدينة نفسها إلى مناطق الإنزال الريفية الواسعة.
على مدى أكثر من شهرين متتابعين، تورط كلا الجانبين في عمليات قتالية وسط مدينة شنغهاي، ولكن بدون أي تغييرات مهمة في خط الجبهة داخل حدود المدينة. ولكن في غضون ذلك حُسمت المعركة في حقول الأرز شمال شنغهاي، حيث عُززت قوة الإنزال تدريجيًا بوحدات وصلت حديثًا ودُفعت تجاه جنوب المدينة. جاءت الضربة الأخيرة للقوات الصينية في أوائل نوفمبر عندما نجح اليابانيون في إطلاق مفاجأة برمائية أخرى، هذه المرة في شكل عملية إنزال وضعت كتيبتين ونصف على الشاطئ على امتداد الساحل جنوب شنغهاي.
وبينما اقترب اليابانيون من شنغهاي بقوات عسكرية كبيرة من كلا الجانبين الشمال والجنوب، فهم الآن متمركزون لأداء حركة تطويق عملاقة، تهدد بحصار جزء كبير من جيش شيانغ التقليدي داخل المدينة. وقد أمر بالانسحاب غربًا خارج شنغهاي، وبالفعل تمكن من سحب معظم قواته، ولكن بالطبع ليس بدون خسائر فادحة لحقت بالجيش بواسطة الطائرات المقاتلة والقوات اليابانية في المطاردة. وانتهت معركة شانغهاي في منتصف نوفمبر، ولكن سرعان ما تحولت إلى حملة نانجينغ، وسقطت عاصمة الصين في غضون شهر.[1]
ويُعد الصراع الصيني الياباني في شنغهاي أول مثال على الحرب الحديثة المشتعلة في مدينة كبيرة بين جيشين مسلحين تسليحًا ضخمًا، وكان أول صراع مدني يحدث خلاله دمار كبير -خاصة القصف الجوي- متبوعًا بعدم اهتمام تام لتتابعات الحرب على المدنيين. فمجموعة الجيوش الصينية التي أقحمت في الصراع لم تكن مجهزة للتعامل مع تبعات استخدام أسلحة فتاكة أو لتقديم المساعدة الطبية المناسبة للجنود المقحمين في الحرب. وكان نتيجة ذلك عدد هائل من الضحايا، حيث أن معركة شانغهاي صورت موجات الدمار الهائلة والمخيفة التي ستطلقها الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه المعركة هي بداية الحرب العالمية الثانية في آسيا.[4]
مذبحة نانجينغ
في أواخر عام 1937، وخلال فترة ستة أسابيع، قتلت القوات اليابانية الاستعمارية مئات الآلاف من البشر -من كل من الجنود والمدنيين- بوحشية في مدينه نانجينغ الصينية. ويسمى هذا الحدث البشع باسم (مذبحة نانجينغ- nanking massacre) أو (اغتصاب نانجينغ- the rape of nanking)، فقد اعتُدي على ما يقرب من 20.000 إلى 80.000 امرأة. وتُركت نانجينغ عاصمة الصين القومية محطمة، وسيستغرق الأمر عقودًا لكي تتعافى المدينة ومواطنيها من هذه الهجمات الوحشية.
وجه اليابانيون اهتمامهم نحو مدينة نانجينغ بعد الانتصار الدموي في شانغهاي خلال الحرب الصينية اليابانية. فقد أمر الزعيم القومي الصيني (شيانغ كاي شيك- chiang kai-shek) بسحب جميع القوات الصينيّة الرسميّة من المدينة؛ خوفًا من خسارتهم في المعركة، مما ترك المدينة في أيدي قوات احتياطية غير مُدربة. وأمر أيضًا بالتمسك بالمدينة بأيّ ثمن، ومنع إخلائها من المواطنين، وتجاهل العديد هذا القرار وهربوا، بينما تُرك الباقي تحت رحمة العدو الذي يقترب.
في 13 ديسمبر دخلت المدينة أول قوات الجيش اليابانيّ الذي اجتاح الصين بقيادة الجنرال (ماتسوي إيوان- Matsui Iwane). انتشرت الأخبار عن الفظائع الضخمة التي ارتكبوها في طريقهم خلال الصين، بما في ذلك مسابقات القتل والنهب حتى قبل وصولهم. فقد قاموا بتعقب الجنود الصينيين وقتلهم بالآلاف، ودفنهم في مقابر جماعية. ذُبِحت أسر بأكملها وحتى الكبار والصغار قاموا بإعدامهم، واغتصبوا عشرات الآلاف من النساء وظلت الجثث مبعثرة في الشوارع لمدة أشهر بعد الهجوم،كما نهب وأحرق اليابانيون على الأقل ثلث مباني المدينة.
حاول عدد صغير من رجال الأعمال والمبشرين الغربين -اللجنة الدولية للمنطقة الآمنة لنانجينغ- إنشاء منطقة محايدة للمدينة لتوفير ملجأ لمواطنين نانجينغ. فُتحت المنطقة الآمنة في نوفمبر عام 1937، والتي كانت بحجم حديقة سنترال بارك في نيويورك تقريبًا، وتكونت من أثنى عشر معسكرًا صغيرًا للاجئين. وفي 1 ديسمبر هجرت الحكومة الصينية نانجينغ، تاركين مسئوليتها للجنة الدولية. وأُمر كل المواطنين المتبقين بالدخول إلى منطقة الأمان لحمايتهم. وعلى الرغم من أن اليابانيين وافقوا على احترام المنطقة الآمنة لنانجينغ، إلا أن هؤلاء المواطنين لم ينجوا من الهجمات الشرسة. في يناير من عام 1938، أعلن اليابانيون أنهم استعادوا النظام في المدينة وحلوا المنطقة الآمنة، واستمروا في قتل المواطنين الناجين حتى أول أسبوع من فبراير. وأُنشأت (حكومة صنيعة-puppet government) ستظل تحكم نانجينغ حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
ليس هناك أعداد رسمية للقتلى في مذبحة نانجينغ، على الرغم من أن التقديرات تتراوح من 200.000 إلى 300.000 شخص. وبعد انتهاء الحرب بفترة وجيزة، حوكم ماتسوي وملازمه تاني هيساو وأُدِين كليهما بارتكاب جرائم حرب بواسطة المحكمة العسكريّة الدوليّة للشرق الأقصى وأُعْدِموا. ويستمر الغضب من الأحداث في نانجينغ في التأثير على العلاقات الصينية اليابانية إلى يومنا هذا. وقد استمر الجدل حول طبيعة المذبحة، وقام المراجعون، والمدافعون، والقوميون اليابانيون باستغلالها لأغراض دعائية. فقد ادعى البعض أن أعداد القتلى مُبالغ فيها، بينما نفى البعض وقوع أي مذبحة.[3]
وظلت الصين تحارب اليابان بمفرها لمدة تزيد عن الأربع سنوات حتى أعلن الحلفاء الحرب على اليابان في عام 1941 بعد قصف اليابان لميناء بيرل هاربور. واستُنزف الجيش الصيني ولم يتعافى تمامًا حتى عام 1944، بعد سنوات من المساعدات الأمريكية الضخمة.
بعد بدء الغزو اليابانيّ؛ دعم الاتحاد السوفيتيّ الصين بسبب ظهور اتفاقية سرية بين هتلر واليابان. وأيضًا قامت الولايات المتحدة بتقدير توسع اليابان في المحيط الهادئ، وقامت بإلغاء مبيعات النفط. وبحلول ذلك الوقت اعتبرت اليابان الولايات المتحدة التهديد الرئيسي للإمبراطورية اليابانية في المحيط الهادئ. وبالتالي نظمت اليابان هجومً مفاجئًا على ميناء بيرل هاربور في عام 1941، فدخلت هذه الحرب في الصراع الأكبر للحرب العالميّة الثانيّة.
وبدأت كلًا من الولايات المتحدة وبريطانية العظمى في دعم الصين ضد قوات الغزو الياباني. وانتهت الحرب الصينية اليابانية باستسلام اليابان عام 1945، بعد يومين من إسقاط الولايات المتحدة قنبلة هيروشيما. في الواقع حسابات اليابان كانت خاطئة من البداية، فعلى الرغم من أن إمبراطورية اليابان كانت حديثة مقارنة بالصين، إلا أنهم استخفوا بالعمق الجغرافي للصين، إلى جانب أن الصين كان يبلغ عدد سكانها 450 مليون نسمة في بداية الحرب، وكانت اليابان 105 مليون نسمة فقط.
وقد أثبت تعداد السكان هذا أهمية العنصر البشري في الحروب. ولكنه كان أيضًا المؤشر الأساسيّ للخسائر المدنية. ومن الناحية الأخرى فإن نجاح الشيوعيين غير النظاميين، أكسب (ماو تسي تونغ- Mao Zedong) السلطة السياسية. لم تساهم نهاية الحرب في إحلال السلام، ولكن استمرت الحرب الأهلية حتى انتصار الشيوعيين. وتأسست جمهورية الصين الشعبية في ظل نظام شيوعي جديد في عام 1949. ووفقًا لبعض الكتاب كانت هذه هي النتيجة الفريدة لهذه الحرب. بينما يجادل ستيفين ليفين أنه لولا الحرب الصينية اليابانية، ما كان بإمكان الحزب الشيوعي الصيني الوصول إلى السلطة قط.[2]
جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان للجيش الاستعماري الياباني في الحرب الصينية اليابانية الثانية
أعلنت اليابان انفصالها عن عصبة الأمم بسبب اعتراض العصبة على الغزو الياباني لمانشوريا. واعتبرت اليابان كل شيء في الحرب شرعيًا، وذلك لكسر قوة المقاومة الصينية. واعتبروا الصينيين (دون البشر). واستجابت القوات اليابانيّة للمقاومة الصينية لغزوهم ببدء عربدة من القتل والاغتصاب والنهب، وأصبح العنف الجنسي والاغتصاب للنساء استراتيجية عسكرية للجيش اليابانيّ الاستعماريّ. واعتبروا الأمر عاديًا لإشباع احتياجات الجنود اليابانيين. وقد قُتل ما يصل إلى 300.000 صيني قتل جماعي في مذبحة نانجينغ بعد سقوطها عام 1937، وقد كانوا يقتلون الصينين بلا سبب.
وأُنشئت الوحدة 731، وهي وحدة سرية للتطوير والبحث في الحرب البيولوجية والكيميائية التابعة للجيش الإمبراطوري الياباني. وأجرت تجارب بشرية قاتلة، كانت نتيجة لحاجة اليابان إلى التفوق على الغرب. وفي عام 1940، فجرّت القوات الجوية اليابانية الاستعمارية مدينة (نيغبو- Ningbo) ببراغيث تحمل مرض الطاعون الدبلي.
وخلال (محاكمات خابروفسك لجرائم الحرب- the Khabarovsk War Crime Trials)، وافق اللواء (كياشي كاوا شيما- Kiyashi Kawashima) على أن 40 فردًا من الوحدة 731 كانوا مسؤولين عن هذه التفجيرات. وأجرت هذه الوحدة العديد من التجارب كتشريح الأحياء واختبارات الأسلحة وهجمات الحرب الجرثومية. وقد سببت هذه العمليات انتشار وباء الطاعون. وظنت اليابان أن الأسلحة الكيميائية هي النجاة لمستقبل اليابان.
وفي الحال بنى الجيش الوحدات للبدء بالاختبارات. وبُنيت المختبرات في المناطق المحتلة لإبقائها بعيدة عن الأعين. ووفقًا لبعض المؤرخين قد سُمح باستخدام الأسلحة الكيميائية بواسطة أوامر محددة من الإمبراطور هيروهيتو نفسه، ونُقلت بواسطة رئيس أركان الجيش. على سبيل المثال، فقد أمر الإمبراطور باستخدام الغازات السامة في 375 مناسبة منفصلة خلال معركة ووهان من أغسطس إلى أكتوبر عام 1938. وبسبب الخوف من الانتقام، هذه الأسلحة لم تُستخدم أبدًا ضد الغربيين ولكن ضد الآسيويين الآخرين الذين تعتبرهم الدعاية الاستعمارية (أدنى شأنًا). واستخدم الجيش الياباني الأسلحة البكتيرية التي قدمتها الوحدات اليابانية بغزارة.[2]
الخسائر البشرية للحرب
كانت هذه الحرب عبارة عن مأساة. فقد تضمنت حوالي 10 مليون جندي من كِلا الجانبين، ووصل عدد ضحايا اليابان لما يقرب من 2.1 مليونًا، بينما فقد الجانب الصيني 3.2 مليون جندي. ولكن المعضلة الحقيقية كانت في عدد الضحايا المدنيين الصينيين. حوالي 17.530.000 مدني أُصيب، أو فُقد، أو قتل في المعركة. وأصبحت هذه الحرب واحدة من الأمثلة العظيمة على جرائم الحرب. ووفقًا لتقدير المؤرخين قُتل حوالي 300.000 صيني في مأساة القتل الجماعي في مذبحة مدينة نانجينغ بعد سقوطها عام 1937[2]
محاكمات جرائم الحرب لليابان بعد الحرب العالمية الثانية
كانت محاكمات جرائم الحرب لليابان بعد الحرب العالمية الثانية مخيبة للآمال إلى حد كبير. فقد غطت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على جرائم اليابان في الصين، وأعطوهم حصانة لأجل (جرائمهم القيمة) من وجهة نظر الدولتين. فبعد استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945، عُقدت محاكمات لجرائم الحرب تُعرف باسم (محاكمات طوكيو). وقد كان اعتداء اليابان على مدينة نانجينغ واحدة من الحوادث الكثيرة التي ناقشتها المحاكمات العسكرية الدولية للشرق الأقصى لمحاكمة قادة الحرب اليابانيين.
وقد أُشير إليها على أنها اغتصاب نانجينغ، فخلال الحرب جُندت النساء الغربيات والآسيويات بواسطة الجيش الياباني لغرض العبودية الجنسية للقوات اليابانية. هذه القضية أُكد عليها بشدة في المحاكمات، وأخيرًا أصبحت عنصرًا في الذاكرة الدولية الجماعية. وعلى الرغم من هذا لم يكن هناك أي ذكر للمذابح أو جرائم الحرب الأخرى التي ارتكبتها اليابان. بالعكس قام (دوغلاس ماكآرثر-Douglas MacArthur) القائد الأعلى لقوات الحلفاء سريًا بمنح الحصانة لأطباء وحدة 731 في مقابل منح أمريكا الأبحاث الخاصة بالحرب البيولوجية.
وأيضًا أُقيمت محاكات خابروفسك لجرائم الحرب في مدينة الاتحاد السوفيتي الصناعية خابروفسك في عام 1949، وفيها أًتهم أثنى عشر عضوًا من الجيش الياباني كمجرمي حرب لتصنيع واستخدام الأسلحة البيولوجية خلال الحرب العالمية الثانية. وقد ثبُتت إدانتهم جميعًا وحُكم عليهم بالعمل في معسكر عمل لمدة تتراوح بين عامين وخمسًا وعشرين عامًا. وعادوا كلهم إلى اليابان في عام 1956 بعد أن قدموا كل المعلومات والملاحظات الخاصة بوحدة 731. فقد أعطت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي العفو لمعظم الناس في مقابل الحصول على المعلومات التي قاموا بتجميعها.
هذه المرة مُنح العفو بناءً على نوع الجريمة وليس بناءً على درجة العنف. فهذه الجريمة اعتبرها الغرب جريمةً (قيّمة). واعتُبرت قضية الوحدة 731 (شأنًا حساسًا) في تاريخ الغرب واليابان. ولم تشهد الدولتان أي صراع عسكري منذ عام 1945، ومع ذلك لاتزال جرائم الحرب اليابانية وانتهاكات حقوق الإنسان دون عقاب. وتدرك الحكومات أن هذا كان «سلامًا بلا عدالة».[2]