الخـطـايـا الـسبــع: مـاذا لو كانت هزيمـتك انتصارًا لك؟

بواسطة أحمد فهمي
17/04/2018

افتتاحية

يقول «مصطفى محمود» في كتابه (في الحب والحياة): «أنت لا تحس بالفانلة على جسمك إلا في اللحظة التي تلبسها، وفي اللحظة التي تخلعها، أما في الساعات الطويلة بين اللحظتين فأنت لا تحس بها. إنها على جسمك، تلامس جلدك وتلتف حول صدرك وظهرك وذراعيك، ولكنك لا تحس بها ولا تشعر بوجودها».

الغرور، والجشع، والشهوة، والحسد، والشراهة، والغضب، والكسل، تلك هي الخطايا السبع كما ذكرها «جريجوري الأول» «Pope Saint Gregory I» في اللاهوت الكاثوليكي الروماني ⁽¹⁾، وكما ذكرها «دانتي» «Dante Alighieri» في ملحمته «الكوميديا الإلهية- Divine Comedy ^(2)»، وكما سيجسِّدها «فينشر- David Fincher» أمامك على الشاشة في ساعتين وست دقائق.

أنت على دراية كاملة بحقيقة أن هذا العالم لا يوجده به شخص غير مذنب، حسنًا، فلنعتبر أن الفانلة التي ذكرها «مصطفى محمود» في هذا الفيلم هي الذنب، وهنا أستطيع أن أخبرك أن هذا الفيلم سيجعلك تشعر بهذا الشيء الذي لا تشعر به سوى عندما ترتديه أو تنزعه، ستعيش حقيقة أن هذا العالم مليء بالمذنبين، يكتظ بهم في الواقع.

تقديم لا بد منه

«مورجان فريمان»

«لا أعتقد أنني سأستمر بالعيش في مكان يسبب الإحراج، ويربي اللامبالاة كما لو كانت فضيلة»

ليست كثيرة تلك البدايات التي تجعلك متحمسا لمعرفة القصة وحبكتها منذ الدقائق الأولى من عرضها، لكن مجرد ظهور المخضرم «مورجان فريمان- Morgan Freeman» أمامك منذ البداية يجعلك مطمئنًا أكثر لما أنت مقبل عليه، لما لديه من رصيد كبير من الأعمال الأكثر من كونها جيدة، ولما للفيلم من حضور وغموض رائعين للغاية منذ انسدال الستار عن بدايته.

«فريمان» أو «ويليام سومرسيت» كما يُدعى في الفيلم هو محقق جرائم محنَّك لا يفصله عن تقاعده سوى أسبوع واحد بعد قضاء 34 عاما في عمله بالشرطة، لكنه وقبل تقاعده هذا كان يجب عليه إنهاء مهمته الأخيرة وهي القبض على قاتل متسلسل مُلهَم بـ «دانتي» ويختار ضحايا بطريقة مستوحاة من الخطايا السبع المميتة التي ذكرتُها للتو، فالجريمة الأولى هي اكتشاف جثة رجل بدين للغاية منكب على صحنٍ من المعكرونة، قضية يرفضها «سومرسيت» لعدم قبوله أن تكون تلك هي قضيته الأخيرة، فقد كانت تملؤه الشكوك أن تلك الجريمة ما هي إلا بداية لسلسلة أخرى من الجرائم، فلا يوجد هناك حافز لدى القاتل لارتكابه جريمة كتلك؛ شيء سيتأكد لديه عندما يجد كلمة «الشراهة» مكتوبة في مكان ما من الشقة لاحقًا، «سومرسيت» كان الوحيد المقتنع بهذا الأمر على عكس رئيسه في العمل، وعلى عكس شريكه لاحقًا أيضا «ميلز» والذي قام بدوره «براد بيت- Brad Pitt» صاحب الشخصية المندفعة كما ستتعرف عليه.

الجريمة الثانية تتمثل في قتل محامي دفاع غني ومشهور في شقته وكلمة «الجشع» مكتوبة على الأرضية بجانب جثته، إذًا، أعتقد أننا بصدد التعامل مع قاتل متسلسل الآن، لكنه ليس كأي قاتل متسلسل آخر تعرفت عليه مسبقًا، فهذا على عكس من سبقوه لديه فلسفته الخاصة، وبغض النظر من أين استمدها فهو يرى أنه سيتمكن من تحقيق العدالة بيديه، عدالته الخاصة.

مرحبا بك .. أنت في الحدث الآن

تحذير هام: تلك الفقرة بها حرق لأحداث الفيلم، بإمكانك تجاوزها إن كنت لم تشاهد الفيلم بعد.

مشهد من فيلم «الخطايا السبع»

«ما الذي بداخل الصندوق؟»

يعمل «سومرسيت» «وميلز» معًا، شخصان مختلفان في كل شيء تقريبا يعملان على حل نفس القضية، خطوة بخطوة ستجد نفسك مجبرا لأخذ موقف أحدهما مع الوقت، «سومرسيت»وشخصيته الرزينة ذات الخبرة التي ترى أنها بصدد تحفة فنية، شخص يريد أن يتقاعد في هدوء ويعيش حياة بسيطة في مزرعة ربما، و«ميلز» الزوج الذي يحب زوجته للغاية والتي قامت بدورها «جوينيث بالترو- Gwyneth Paltrow» في دور «تريسي)»، والظابط الشاب المندفع الذي لا يرى القاتل سوى رجل مجنون.

تتوالى الجرائم والمطاردة من المحققين للقاتل، حتى أنهم سيكونون قريبين جدًا منه، بل إنه حتى ستتم مطاردة بين «ميلز» والقاتل، تنتهي المطاردة بعلو يد للقاتل لكنه وبطريقة غريبة يتركه ليعيش، لم يملك القاتل اليد العليا من فراغ، بل كان بسبب ما كان يخطط له عندما ترك «ميلز» دون أن يطلق عليه رصاصة واحدة.

تتوالى الأيام ويقترب الأسبوع على نهايته، وهي بالمناسبة نفس المدة التي قضاها «دانتي» في العالم الآخر في ملحمته «الكوميديا الإلهية»، وهي نفس المدة التي تفصل «سومرسيت» عن التقاعد ⁽³⁾. لم يتبقى سوى خطيئتين فقط، الحسد والغضب، وهنا نأتي إلى لحظة كشف الحجاب عن الوجه القبيح في القصة، مطبق العدالة بيديه، يدخل إلى قسم الشرطة، يصرخ بصوتٍ عالٍ ليلفت الأنظار، فيظهر القاتل أمامنا مكسوًا بالدماء، دماء جريمته الجديدة بالطبع.

وُلد «كيفن سبيسي -Kevin Spacey» بملامح لا تدل أبدًا على شخصية الفتى الشرير، شخص طبيعي بالمرة، حتى أنك إذا فقدت محفظتك الخاصة في مكان ما مثلا فهو من آخر الأشخاص الذين من الممكن أن تشك فيهم، فما بالك بالقاتل المتسلسل «جون دو»، لكنه وبطريقة ما نجح ليس فقط بأن يكون بطلًا، بل البطل الشرير نفسه. عندما اختاره «فينشر» للقيام بدور القاتل «جون دو» طلب «سبيسي» أن يكون مشاركته في الفيلم سرية، بل حتى لا يتم ذكر اسمه في مقدمة الفيلم كي يكون ظهوره مفاجئًا للجميع، وقد كان بالفعل، لقد كان تلك المرآة التي سينعكس عليها الغضب في النهاية. ⁽⁴⁾

لأن «كيفن ووكر» هو الكاتب

«أندرو كيفن ووكر»

«أنت لم ترَ الحقيقة كاملة بعد»

من يعرف ووكر «Andrew Kevin Walker» جيدًا يعرف أنه يمكن أن تدعوه بالشخص غير المرن، أو بالأحرى الشخص الذي لا يحب أن يعبث أحدهم مع نصوصه، شيء يتجلى مع المشكلة التي واجهها مع الشركة التي اشترت منه حقوق الفيلم وقامت بتأجيل إنتاجه لمدة تقرب من الثلاث سنوات، شركة “New Line Cinema”، فقد طلبت منه أن يقوم بتغيير نهاية الفيلم ويقلل من بشاعتها حتى يكون الفيلم مقبولا، ولكن «ووكر» رفض هذا الأمر، ولحسن حظه وقتها فقد وجد حلفاء لرأيه، حلفاء تمثلوا في أبطال المشروع وهم «براد بيت» و«مورجان فريمان» و«ديفيد فينشر» نفسه، فقد دعم هؤلاء موقفه أمام الشركة حتى أقنعوا «أرنولد كوبيلسون -Arnold Kopelson» المنتج المنفذ للشركة بترك النهاية الأصلية، شيء ظل يلاحق «ووكر» حتى بعد ذلك بسنوات عندما اشترت شركة سوني “Sony”سيناريو فيلم “8MM”عندما وعدته أنه لن يتم إجراء أي تعديل على النص بدون علمه، وعد لم يدم طويلا عندما دخل «جويل شوماخر- Joel Schumacher» المشروع كمخرج للفيلم الذي قام بإعادة كتابة النص بالكامل بعدما أظهرت الشركة بعض القلق من إمكانيات الفيلم تجاريًا، الشيء الذي أثار استياء «ووكر»كثيرًا، لكن وعلى عكس المرة السابقة فـ «ووكر» لم يجد حلفاء له، لكنه قال بعد عرض هذا الفيلم «لقد كانت تلك تجربة محبطة، والشيء الذي يمكنني فعله هو أن أحمي نفسي من مشاهدته». ^{(5) (6)}

أن يُذكر اسم «فينشر» في مشروع ما

«ديفيد فينشر»

كتب أحدهم ذات مرة «إذا كنت تريد أحدًا ليخرج لك فيلمًا كرتونيًا صيفيًا ملائمًا للأسرة، فـ «ديفيد فينشر» ليس رجلك المنشود، أما إذا كنت تريد من يصنع لك فيلما كرتونيًا صيفيًا ملائمًا للأسرة في النهار، وفي الليل يقوم بطلاء أوراق السيلولويد بدماء ضحايا مقيدين بقبو منزله، حسنا، ربما يفكر «فينشر» بالأمر». ⁽⁷⁾

مر «فينشر- David Fincher» بمرحلة ليست بالجيدة أبدًا بعدما أخرج فيلمه الفاشل نقديًا والأقل تفضيلًا لدى الجماهير “Alien 3″، الأمر الذي جعله يعود مرة أخرى لإخراج الأغاني المصورة لـ «مادونا- Madonna» و«مايكل جاكسون- Michael Jackson»، وعدد من الإعلانات التجارية أيضا ⁽⁷⁾⁽⁸⁾، لكن فيلمًا كهذا كان كفيلًا لإعادته مرة أخرى للشاشة الكبيرة.

كان «فينشر» صاحب الخمسة وخمسون عامًا، والذي لا يقل غموضًا عن «سبيسي» و«ووكر» بالمناسبة، بمثابة قبطان تلك السفينة التي تبحر في محيط من الدماء والأعضاء البشرية، بل إنه استطاع أن يبقيك منتبهًا لما يقرب من ساعتين لمعرفة ما هو قادم، بل يمكنني القول أنه جعلك أنتَ ثالث «سومسرت» «وميلز»، وحتى تفهم قصدي يمكنك أن تشاهد فيلم “Zodiac” والذي من إخراج «فينشر» أيضًا، يكفي أن أخبرك أنني شعرت بالنعاس ثلاث مرات أثناء مشاهدته، رغم أنه لم يكن فيلم سيئًا أبدًا، لكن “Seven” ليس فيلم جيدًا، إنه تحفه فنية.

خروج هاديء

مشهد من فيلم «الخطايا السبع»

من الأشياء التي تدل على أن الجوائز ليست كل شيء، فهذا الفيلم لم يترشح سوى لجائزة واحدة في الأوسكار ومثلها لجوائز «البافتا – BAFTA»، حسنًا هو لم يفز بأي ترشيح من الاثنين حتى رغم نجاحه النقدي والجماهيري، لكنه ترشح وفاز بعدد من الجوائز الأخرى ⁽⁹⁾، لكنه يحتل المركز الثاني والعشرين حاليًا في قائمة الأفلام الأكثر تفضيلًا لدى الجماهير في موقع “IMDb” الشهير ⁽¹⁰⁾، مما يدل على مكانته بين الجماهير حتى الآن.

جيد .. فيلم إثارة من صناعة «فينشر» قام ببطولته «فريمان» و«بيت» «وسبيسي » وبحضور هادئ للجميلة «جوينيث بالترو»، لا أعتقد أن هناك أفضل من هذا للعبث مع طبيعة الأشياء قليلا!

«قال (إرنست هيمنجواي) ذات مرة: العالم مكان جميل، يستحق القتال من أجله. أؤمن بالشطر الثاني من الجملة!»

إعداد: أحمد فهمي

مراجعة وتحرير: آلاء مرزوق
تصميم: محمد الجوهري