عندما سُئل دكتور روبرت من إحدى صديقاته في نهاية شهر يناير: «من المفترض أن تذهب ابنتي إلى سنغافورة الأسبوع القادم ولمدة أسبوع، أخبرتها ألّا تذهب. هل هذا صواب؟»
كانت الاحتمالات تشير إلى أن ابنتها ستكون بخير، ولكن هناك بعض المخاطرة بحدوث إصابة. فبلد مثل سنغافورة، بتعداد سكاني يُقدر بـ 6 ملايين، وعدد حالات الإصابة بها أقل من 20 حالة -حدثت أغلبها في الصين- فيكون معدل الإصابة بها أقل من 1: 100,000 شخص.
بالمقارنة، كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية تُصيب الإنفلونزا 45 مليون شخص، ما يُقدر بواحد من كل سبعة أشخاص من التعداد السكاني، وتؤدي إلى وفاة 61,000 شخص بنسبة 1: 10,000.
وهنا بالمقارنة مع العدد الذي يُصاب أو يُتوفى بسبب فيروس كورونا، فنجد أن الغالبية من المصابين بفيروس كورونا المستجد يتم شفاؤهم بمفردهم، واستنادًا إلى التوقعات فإنّ ابنة صديقتي ستكون مُعرضة للإصابة بالإنفلونزا في أمريكا بأكثر بـ 10,000 مرة من إصابتها بفيروس كورونا في سنغافورة.
وعلى الرغم من ذلك، فإننا نواجه وباءً من الخوف حاليًا. في البداية، كان رد فعل الناس نحو الوباء الجديد بالإنكار والتقليل من الخطر؛ فعادةً إذا لم يُصَب أحد معارفنا بالمرض، فبسهولة نشعر أننا مُحصنين ضده.
ولكن مع انتشار المرض، يتزايد القلق وينتشر ويمكن أن يؤدي إلى رد فعل مبالغ فيه، لذلك فإنّ الفيروس يشكل تحديات سواء برد فعل مبالغ فيه أو بعدم وجود رد فعل مناسب.
للأسف في الأوبئة السابقة، مثل فيروس نقص المناعة الإيدز (HIV)، وسارس (SARS)، وإيبولا (Ebola)، انتقل البندول بسرعة كبيرة من طرف إلى أقصى الطرف الآخر، من عدم وجود رد فعل مناسب للموقف إلى ردود أفعال مبالغ فيها، والذي مُقدر أن يحدث. يجب أن تكون ردود أفعالنا عقلانية، مبنيّة على الأدلة وليس بسبب الذعر والخوف.
ولّد فيروس كورونا حالة من الارتباك والتشوش بين محلات بيع الأغذية، والمسافرين، وآخرين مثل صديقتي وابنتها. ويجب أن يصبح هذا درسًا لنا جميعًا وللقيادات السياسية.
ما الذي يجب علينا فعله؟
يجب علينا جميعًا حماية أنفسنا، ولكن يجب أن نكون حذرين أيضًا من أي ردود أفعال مبالغ فيها، فيجب أن نكون عقلانيين قدر ما نستطيع.
ينبغي أن نتحفز لاتباع الإجراءات اليومية التي نتبعها لمنع أي فيروس تنفسي من نزلات البرد والإنفلونزا، وإلى فيروس كورونا. أخبرتنا أمهاتنا باتباع الخطوات الوقائية، ولكن الكثير منا لا يغسل يديه بالصابون لمدة 20 ثانية وبالأخص بعد دخول الحمام، وقبل تناول الطعام، وبعد تنظيف أنوفنا، والكحة والسعال. وأيضًا لا يتجنب أن يكون بقرب وعلى اتصال بالأشخاص المصابة، وتجنب الخروج أثناء المرض. إذا اتبعنا هذه الإجراءات، فسنبقى كلنا بصحة أفضل.
هذا الوباء من الضروري أن يحفزنا للتعلم من أخطاء الماضي، وأن نتجنب عدم تقدير المواقف الصعبة واتخاذ الإجراءات الكافية تجاهها. لسوء الحظ، قامت الحكومة الصينية بذلك وأخفت وتأخرت بالإبلاغ عن حالات الإصابة بسارس (SARS)، وبذلك سهلت انتشاره. وهذا ما قامت أيضًا بفعله عند مواجهة فيروس كورونا، وقامت حتى بلوم الأطباء الذين أبلغوا عن تفشي المرض، مما جعل العالم كله يخسر وقتًا مهمًا وثمينًا في مكافحة المرض.
للأسف، بالاستجابة إلى ردود الفعل المُقللة لخطورة الموقف، حدث بعدها ردود فعل مبالغ فيها. في عام 2014، انتظرت منظمة الصحة العالمية (WHO) شهورًا قبل إعلان تفشي فيروس إيبولا (Ebola) كحالة طوارئ عالمية.
ولاحقًا، بالغ القادة السياسيون الأمريكيون في ردود أفعالهم؛ فعندما عادت كاسي هيكوكس (Kaci Hickox) -وهي ممرضة شاركت في علاج مرضى الإيبولا- إلى مطار نيويورك وتم اختبارها وجاءت النتائج سلبية مؤكدة عدم حملها للمرض، ولكن الحاكم كريستي (Christie) احتجزها لمدة ثلاثة أيام.
وبالمثل، عندما عاد دكتور كريج سبنسر (Craig Spencer) إلى نيويورك بعدما كان مسؤولًا عن علاج مرضى الإيبولا، وكانت قد ظهرت عليه أعراض حمى وذهب إلى المستشفى، ولكن الحاكم اتهمه بأنه كان مهملًا، وقال سبنسر بعد ذلك: «استغل السياسيون في موسم الانتخابات ذعرَ الناس لكي يظهروا بدلًا من دعم الاستجابة للصحة العامة مبنية على العلم».
اختلفت ردود فعل القادة الصينين والأمريكيين: كانت ردود أفعال الصين ضعيفة، وبالغ القادة الأمريكيون في ردود أفعالهم. ولكن المشكلة واحدة، وهي: أن الأولويات لردود الأفعال لدى كليهما كانت السياسة وليست الصحة العامة.
ظهور الحالات في أمريكا سوف يؤدي إلى تحديات كمواطنين وكبلد. على الأقل سيحمل بعض القادة والمرشحين السياسيين هذه الأمور للمساعدة في تفوق أجندتهم الخاصة في الفوز بمنصب سياسي. فَمع إيبولا، انتقد ترامب (Trump) الرئيس أوباما بشدة في هذا الوقت؛ بسبب السماح للأمريكيين العاملين في أفريقيا بالعودة إلى الولايات المتحدة. وفي هذا العام المليء بالأحداث السياسية في أمريكا، فيجب عدم المبالغة في رد الفعل وأيضًا عدم الرد بضعف.
كيف يجب علينا الاستعداد للمستقبل؟
يجب أن نتعلم من أخطاء الماضي، وذلك بالاستعداد للأوبئة القادمة في المستقبل، وتطوير اللقاحات. بعد وباء سارس (SARS) في عام 2003 على سبيل المثال، وجد العلماء أن الخفافيش كانت تأوي الفيروس مع فيروسات أخرى شبيهة بسارس والتي كوّنت قدرة على إصابة البشر، ومع ذلك لم يتم فعل شيء مع هذه الفيروسات الأخرى. لم يتم تطوير أو البحث عن لقاح ضد هذه الفيروسات. كانت المسألة مجرد وقت فقط قبل أن تبدأ وتهاجم البشر مثل فيروس الكورونا.
هذا الوباء الجديد يثير مخاوف مفهومة، ولكنه أيضًا يشجعنا لنتعلم، ونأخذ هذا الانتشار كدرس للتعلم، ويقودنا إلى اتخاذ الإجراءات والاحتياطات ضد الفيروسات الأخرى والتي قد تكون أكثر شيوعًا، والتجهز بشكل أفضل من الماضي للفيروسات المستقبلية. نحن بحاجة إلى تجهيز أنفسنا ليس فقط بقناع على الوجه، ولكن بالحقائق العلمية.