الرهاب الاجتماعي

dreamstime_m_90880916-1038x576

الرهاب الاجتماعي||

القلق/ الرهاب الاجتماعي

الكاريوكي هو طريقة شائعة ومسلية لتقضية الوقت، فبعض الناس يحبون الصعود على المسرح لغناء أغاني غير مألوفة لهم أمام أشخاص غرباء، بغض النظر عن قدرتهم على الغناء. قد تكون هذه تجربة مرعبة للبعض منّا، برغم أن الكاريوكي هو تجربة خالية من المخاطر، ما الذي يحدث إذن؟!

قد يكون من الممكن أن تغني بصوتٍ يحثُّ الحضور على تمني الموت، ولكن هذا أسوأ ما يمكن أن يحدث، فما الخطر في ذلك؟ بالنسبة لعقلك، يوجد خطر!

هناك الكثير من الأشياء التي يخاف الناس منها وهي أكثر اعتيادية من الكاريوكي، كالتحدث على الهاتف، والوقوف في صف لدفع الحساب، وإلقاء المحاضرات، وحتى الذهاب إلى الحلاق! الملايين من هذه الأشياء يفعلها الناس بشكل يومي دون أن ينتبهوا إليها، ولكنها بمثابة شيء مرعب بالنسبة لأشخاص آخرين.
هذا هو القلق أو الاجتماعي، وإذا وصل إلى منع الأشخاص المصابين به من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، يسمى بالرهاب الاجتماعي.

عقلك يحاول حمايتك

هناك عدة احتمالات ترجح كيفية حدوث الرهاب في الأساس، فعلى المستوى الأكثر بدائية، لدينا ما يعرف بالتعلم الارتباطي associative learning، وهو ما يربط منبه معين (كالعناكب مثلًا، أو مقابلة أشخاص جدد) بشعور معين (كالخوف)، فحين يتم تحذيرك من شيء معين، سيقوم دماغك بتخيل كل المشاعر والسيناريوهات السيئة التي يمكن أن تحدث، وحين تواجه هذا الشيء، سيقوم مخك بتشغيل هذه السيناريوهات والمشاعر السيئة فتشعر بها، ويقوم جزء من مخك يعرف بال amygdala -وهو الجزء المسؤول عن تسجيل ذكريات الخوف- بحفظ هذه الأشياء ووضع كلمة «خطر» عليها، حتى إذا تكرر الموقف، يقوم مخك بتفعيل الFight- Flight response في الحال.

الرهاب الاجتماعي أيضًا مبني على خوف الناس من التعرض لأي رد فعل سلبي، فنحن لا نخشى فقط العنف والاعتداء، ولكن مجرد رفض بسيط يكفي لإيقافنا حيث نحن، وحين يتحد خوف المخ من ردود الفعل السلبية مع حاجتنا إلى القبول الاجتماعي، يصبح الوضع أكثر قلقًا، فالتحدث على التليفون مثلًا يعني التفاعل مع شخص آخر بدون أي قراءة لردود الأفعال بشكل شخصي، مما يولد الخوف من أن يشعر الشخص الآخر بالضجر أو السوء، كما أن دفع الحساب والانتظار بالصف من الممكن أن يولد لديك شعورًا بانزعاج الأشخاص المنتظرين لحين انتهائك من الحساب في عقلك، مثل هذه المواقف لا تنتهي، مما يجعل مخك دائم التخيل للطرق المختلفة التي من الممكن أن تضايق الأشخاص، وهذا يزيد من احتمالية شعورك بالإحراج والضيق، وكل هذا لا يؤدي إلا لزيادة القلق والشعور بالاضطراب، فالخجل والإحراج والمهانة هي مشاعر قوية لا يسعى إليها أحد، ومجرد احتمال الشعور بها يكفي لأن يفقد الشخص اهتمامه بسهولة.

علاقة التربية بالقلق

هناك دراسة أجرتها بروفيسور روزليند ليب Roselind Lieb وجدت فيها أن طريقة التربية مرتبطة باضطرابات القلق، فالآباء كثيرو النقد دائمًا ما يولدون لدى أولادهم شعور بالخوف من ضيق الآخرين بهم حتى إزاء الأفعال البسيطة، وكذلك الآباء الذين يبالغون في حماية أبنائهم، لا يفعلون بذلك سوى منع أبنائهم من التعرض حتى لأبسط ردود الأفعال السلبية، حتى إذا كبروا وابتعدوا عن حماية آبائهم، لا يمكنهم التعود على أي ناتج سلبي، ويؤثر عليهم هذا بطريقة غير متناسبة مع الواقع، كما يكونون أقل قابلية للتعامل مع الخوف، وحتى حين يُزرع الخوف من الأغراب بداخلك منذ سن صغيرة، يوّلد هذا خوفًا أكثر مما يجب. الأشخاص الذين يتعرضون لمثل هذه الطرق في التربية، يطوروا أسلوبًا يتجنبوا به الوجود أو التعامل مع أي من المواقف التي تضعهم في مثل هذه السيناريوهات، وهذا من الممكن أن يكون مريحًا للبال، لكن له تأثيرًا سيئًا على المدى الطويل فيما يتعلق بالرهاب، فكلما تجنبته أكثر، كلما بقى واضحًا في عقلك أن هذا خطرًا، كأن لديك شقًا صغيرًا في الحائط يعيش به فأر، قد يبدو للناظر أن كل شيء على ما يرام، ولكن الفأر ما زال هناك.

5 استراتيجيات تساعدك على تخطي الوضع

  1. تذكر أن القلق طبيعي
    القلق هو رد فعل طبيعي عند الشعور بالخطر، ونحن ندين للأدرينالين الذي يفرز في حالة Fight-Flight response بأداء أفضل المهمات، كما أن الاهتمام بما يظنه الآخرين طبيعي أيضًا، فنحن كائنات اجتماعية نعتمد على بعضنا البعض للنجاة، والخوف من الحكم السلبي علينا يمكننا من الحفاظ على التناغم مع بافي أفراد القطيع.
  2. القلق ليس الواقع
    لكل منّا حديث داخلي، سيل من الأفكار التي تؤثر على مزاجنا وطاقتنا، والقلق الاجتماعي يتغذى على هذه الأفكار، فأفكار مثل «هذا الاجتماع سيكون كارثي» أو «أشعر بالاضطراب» تولد تسارع ضربات القلب، وتعرق اليدين وكل هذه المشاعر السيئة. إن التفكير بهذه الطريقة يكون بحكم العادة فقط، وكل العادات من الممكن أن تتغير، والتغيير هنا لا يعني بالضرورة أن تفكر بطريقة إيجابية، بل فكر بطريقة واقعية، فكر جيدًا في أفكارك وأعدها
    لنصابها السليم.
  3. شتت انتباهك
    القلق يجذب انتباهك لداخلك، فتبدأ بالتركيز مع نبضات قلبك المتسارعة، حركات يدك العصبية، أدائك السيء، وكل هذا يزيد من الوضع سوءًا، بدلًا من ذلك ركّز على المهمة نفسها، كأهم النقاط التي ستلقيها في محاضرتك، أو التركيز مع كلام الشخص المتحدث إليك، فكّر بشعورهم بدل من أن تفكر عما ستقوله لاحقًا، وإذا لم ينفع هذا وشعرت بقلقك يتزايد، من الممكن حتى أن تركز فيما حولك، لون السجادة على الأرض، ملمس الورق أمامك، وهكذا. قيامك بهذا سيكسر دائرة القلق لديك ويجعلك أكثر قدرة على أداء المهمة.
  4. استعد للشعور بعدم الراحة
    بعض الأشياء تستحق الخوض فيها مهما كنت قلقًا، وقد تفاجئ من مدى قدرتك على فعل الأشياء مهما كانت المواقف غير مريحة، سيلاحظ الناس قلقك أحيانًا، ولن يلاحظوا في أحيانًا أخرى، وفي كلا الحالتين، سوف تشعر بالرضى عن نفسك إذا قمت وفعلت أيًا ما تؤمن به وتقدره.
  5. تقبل عدم التأكد
    هذه أصعبهم، فمعظم الناس يحبون أن يعرفوا تمامًا أين هم وعلى أي أرض يقفون، ومن سوء الحظ، الحياة ليست بهذه السهولة، عليك أن تتقبل الحقيقة المرّة بأنك لن تستطيع التحكم في كل شيء، وليس كل شخص مثلك، كما أن الناس لن توافقك على ما تفعل طوال الوقت، فأحيانًا يكون أفضل ما تفعله هو أن تسير مع التيار وأن تتعلم فن الرضا.

 

إعداد: ضحى إبراهيم

مراجعة وتحرير: ماريا عبد المسيح

المصادر:
1
2

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي