هذه الروبوتات الصغيرة قد تكون قادرة على بناء هياكل عملاقة كسفن الفضاء

MIT-Robotic-Assembly-01_0
|

تُصنّع الطائرات التجاريّة عادةً في هذه الأيام بشكلٍ مجزّأ، وغالبًا ما يتمّ هذا في أماكن مختلفة، فتُصنّع الأجنحة -على سبيل المثال- في أحد المصانع، بينما يتمّ تصنيع أجزاء جسم الطائرة في مكانٍ آخر، ومكوّنات الذيل في مكانٍ ثالث، ثمّ تنقل جميعًا في طائرات شحن ضخمة إلى مصنع مركزيّ للتجميع النهائيّ.
ولكن ماذا لو كان التجميع النهائيّ هو التجميع الوحيد؟ حيث تتمّ عمليّة بناء الطائرة بأكملها من مجموعة هائلة من القطع الدقيقة المتطابقة التي يتمّ تجميعها معًا بواسطة جيش من الروبوتات الصغيرة؟

وفقًا لهذا المنظور يسعى (بنجامين جينيت) طالب الدراسات العليا بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتّحدة الأمريكيّة -والذي يعمل مع الأستاذ (نيل جيرشنفيلد) في مركز معهد ماساشوستس التقنيّ لوحدات البِت والذرّات (CBA)- لتقديم رسالة دكتوراه توصّلت حتى الآن إلى أنّ الإصدارات الأوّليّة من هذه الروبوتات يمكنها تجميع الهياكل صغيرة الحجم من خلال العمل معًا بشكلٍ جماعيّ كفريق، لبناء وتجميع هياكل أكبر.

نُشر العمل الجديد في عدد شهر أكتوبر من مجلّة معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيّات لعلوم الأتمتة والإنسان الآليّ في ورقة بحثيّة من إعداد (جينيت) والبروفيسور (جيرشنفيلد)، وطالبة الدراسات العليا (أميرة عبد الرحمن)، بالإضافة إلى خرّيج المعهد والحاصل على درجة الدكتوراه (كينيث شيونج) الذي يعمل حاليًا بمركز أميس للأبحاث التابع لوكالة الفضاء الأمريكيّة (ناسا)، حيث تولّى قيادة مشروع (أرماداس) لتصميم قاعدة قمريّة يمكن بناؤها اعتمادًا على التجميع الآلي.

يقول (آرون بيكر) -وهو أستاذ مساعد في هندسة الحاسبات والهندسة الكهربائيّة بجامعة هيوستن، والذي لم يكن مشاركًا بهذا العمل:

«إنّ هذا البحث بمثابة علاج، إنّه يجمع بشكلٍ مذهل بين التصميم الميكانيكيّ الممتاز، والأجهزة الآليّة الجديدة، ومجموعة برامج المحاكاة التي تضمّ ما يزيد عن 100,000 عنصر».

ويقول (البروفيسور جيرشنفيلد):

«ينطوي هذا العمل على نوعٍ جديد من الروبوتات قد أطلقنا عليها اسم الروبوتات المتّصلة».

كما أوضح أنّه من الناحية التاريخيّة كان هناك فئتان عامتان من الروبوتات، الفئة الأولى مصنوعة من مكوّنات مخصصّة باهظة الثمن والتي تمّ تطويرها بعناية من أجل تطبيقات معيّنة مثل صناعات التجميع، والفئة الثانية هي المصنوعة من وحدات نمطيّة غير باهظة التكاليف تتميّز بضخامة الإنتاج المصحوب بأداء أقلّ بكثير، إلّا أنّ الروبوتات الجديدة تصلح كبديل لكلا الفئتين، إنّها أبسط بكثير من الفئة الأولى، غير أنّها أكثر قدرة من الفئة الثانية، لذا فإنّها قادرة على إحداث ثورة في عالم إنتاج الأنظمة الكبيرة من الطائرات، وحتى الجسور والأبنية الكاملة.

ويكمن الاختلاف الرئيسيّ في العلاقة ما بين الجهاز الآليّ والمواد التي يتعامل معها ويعالجها في هذا النوع الجديد من الروبوتات وفقًا لما يقوله البروفيسور (جيرشنفيلد) أنّه على الرغم من أنّ معظم الروبوتات المحمولة تتطلّب أنظمة ملاحة بالغة الدقّة لتتبّع موقعها، فإن روبوتات التجميع الجديدة لا تحتاج إلّا إلى تتبّع مواقعها فيما يتعلّق بالوحدات الفرعية الصغيرة التي تسمّى فوكسل (Volumetric Pixels) = (voxels) وتشير إلى العنصر الحجميّ، والتي يجري العمل عليها حاليًا. ففي كلّ مرّة يخطو فيها الروبوت خطوة إلى الفوكسل التالي، فإنّه يعدّل من إحساسه بالموقع دائمًا بالنسبة إلى المكوّنات المحدّدة التي يقف عليها في الوقت الحاليّ. كما يقول (البروفيسور جيرشنفيلد) على سبيل المثال: «لا يمكنك فصل الإنسان الآليّ عن المنشأة فهما يعملان معًا كنظام واحد».

تتمثّل الفكرة الأساسيّة في أنّه مثلما يمكن إعادة إنتاج أكثر الصور تعقيدًا باستخدام مجموعة من البكسلات على الشاشة، يمكن إعادة تكوين أيّ جسم ماديّ فعليًّا عن طريق تركيب مجموعة من الفوكسلات أو القطع ثلاثية الأبعاد الأصغر حجمًا، والتي من الممكن أن تتكوّن بدورها من دعامات وعقد أبسط، ولقد أوضح الفريق أنّ هذه المكوّنات البسيطة يمكن ترتيبها بحيث تتمكّن من توزيع الأحمال بكفاءة، فهي مصنوعة بقدرٍ كاف من الفراغات الداخليّة كي يتمّ تقليل الوزن الكلّيّ للمنشأة. يمكن التقاط الوحدات المطلوب تجميعها ووضعها بجانب بعضها البعض بواسطة مجمّعات بسيطة، ثمّ يتمّ تثبيتها معًا باستخدام أنظمة التثبيت المدمجة في كلّ فوكسل.

تحاكي الروبوتات الجديدة نفسها ذراعًا صغيرًا يتّصل بقطعتين مفصليّتين طويلتين معلّقتين في المنتصف وأجهزة لتثبيت هياكل الفوكسل في نهاية كلّ قطعة، تتحرّك الأجهزة البسيطة مثل دودة صغيرة تخطو عن طريق فتح وإغلاق أجسامها على هيئة حرف (V) بشكلٍ متكرّر، فتنتقل من فوكسل إلى آخر، وقد أطلق (جينيت) على الروبوتات الصغيرة اسم «بيل إي» في إشارة منه إلى فيلم (الروبوت وول إي-robot wall E) ويرمز الاسم إلى (Bipedal Isotropic Lattice Locomoting Explorer) أو (مستطلع التشبيك متناظر الخواص ذو القدمين).

قام (جينيت) بتصميم العديد من إصدارات المجمّعات البسيطة كتصميماتٍ لإثبات المفاهيم، إلى جانب تصميمات الفوكسل المقابلة التي تتميّز بآليّات التثبيت بحيث يسهل إرفاق أو فصل كلّ وحدة منها عن جيرانها. لقد استخدم هذه النماذج الأوّليّة لإظهار مدى إمكانيّة تجميع الوحدات في هياكل خطيّة ثنائيّة الأبعاد، وثلاثيّة الأبعاد.
يقول (جينيت):

«إنّنا لا نعتمد على دقّة الروبوت، بل تعتمد الدقّة على البنية الهيكليّة والتي تتشكّل تدريجيًّا، وهذا ما يجعلها تختلف عن كافّة أنواع الروبوتات الأخرى، فيكفيها فقط أن تعرف أين يجب أن تكون في الخطوة القادمة».

وكما تعمل على تجميع القطع يستطيع كلّ من الروبوتات الصغيرة حساب الخطوات على الهيكل، ويقول (جيرشنفيلد) مدير مركز معهد ماساتشوستس التقنيّ لوحدات البِت والذرّات (CBA) أنّ هذا بالإضافة إلى نظم الملاحة يمكّن الروبوتات من تصحيح الأخطاء في كلّ خطوة، ممّا سيزيل الكثير من التعقيد الموجود في أنظمة الروبوت النموذجيّة، «إنّها تفتقر إلى معظم أنظمة التحكّم المعتادة غير أنّها لا تضيع خطوة واحدة فهي تعرف مكانها بالضبط».
بالنسبة لتطبيقات التجميع العمليّة، يمكن لحشود من هذه الوحدات أن تعمل معًا لتسريع عمليّة التجميع بفضل برنامج التحكّم الذي طوّرته (أميرة عبد الرحمن) الذي يسمح للروبوتات بتنسيق أعمالها معًا وتجنّب تداخلها مع بعضها البعض.

هذا النمط من تجميع الهياكل الكبيرة من وحدات فرعيّة متماثلة باستخدام نظام آليّ بسيط -يشبه إلى حدّ كبير حين يقوم الطفل بتكوين قلعة شاهقة باستخدام قطع المكعّبات- قد جذب بالفعل اهتمام بعض المستخدمين المحتملين بشكلٍ رئيسيّ، بما في ذلك وكالة الفضاء الأمريكيّة (NASA) التي عاونت معهد ماساشوستس التكنولوجيّ في هذا البحث، وشركة الفضاء الأوروبيّة (Airbus SE) التي ساعدت أيضًا في رعاية الدراسة.

هذه الروبوتات الصغيرة قد تكون قادرة على بناء هياكل عملاقة كسفن الفضاء.

وتتمثّل إحدى مزايا هذا النمط في عمليّات التجميع في سهولة إجراء الصيانة والإصلاحات اللازمة باستخدام النمط الآليّ ذاته المستخدم في عمليّة التجميع الأوّليّة، حيث يمكن تفكيك القطاعات المعطّلة عن الهيكل ثمّ يتمّ استبدالها بأخرى جديدة لإنتاج بنية هيكليّة قويّة مماثلة للبنية الأصليّة تمامًا. يقول (جيرشنفيلد): «إن عمليّة التفكيك تضاهي في أهمّيتها عمليّة التركيب تمامًا». ويمكن أيضًا بمضيّ الوقت استخدام هذه العمليّة في إجراء التعديلات والتحسينات اللازمة للنظام.

يقول (جينيت):

«بالنسبة للمحطّات الفضائيّة والمستعمرات القمريّة، فإنّ هذه الروبوتات سوف تعيش على الهيكل لإجراء الإصلاحات وعمليّات الصيانة بشكلٍ مستمرّ».

يمكن استخدام هذه الأنظمة أخيرًا لبناء منشآت كاملة، وبخاصّةٍ في البيئات الصعبة كما في الفضاء، وعلى سطح المرّيخ، أو القمر، وحسبما يقول (جيرشنفيلد) فإنّ هذا قد يلغي الحاجة لنقل هياكل كبيرة مجمّعة مسبقًا لتقطع تلك المسافات الهائلة في الفضاء في الطريق من الأرض، بل قد يكون من الممكن عوضًا عن ذلك إرسال مجموعات كبيرة من الوحدات الفرعيّة الصغيرة، أو تشكيلها من موادّ محلّية باستخدام أنظمة يمكنها إنجاز هذه الوحدات الفرعيّة في مواضعها النهائيّة. يقول (جيرشنفيلد) بهذا الصدد:

«إذا كان باستطاعتك أن تصنع طائرة ضخمة، فيمكنك إنشاء مبنى».

ويقول (ساندور فيكيت) مدير معهد نظم التشغيل وشبكات الحاسب بجامعة براونشفايج التكنولوجيّة في ألمانيا -والذي لم يشارك في هذا العمل:

«إنّ الموادّ الرقميّة فائقة الخفّة مثل هذه تفتح آفاقًا مذهلة لبناء منشآت كبيرة، ومعقّدة، وعالية الكفاءة، وذات أهمّية حيويّة في تطبيقات الفضاء، غير أنّ تجميع مثل تلك الأنظمة يعدّ تحدّيًا». كما صرّح (فيكيت) الذي ينوي الانضمام للفريق البحثيّ لإجراء مزيد من التطوير لأنظمة التحكّم: «إنّ هذا هو المكان الذي يعد فيه استخدام الروبوتات الصغيرة البسيطة بتقديم ما يلي: روبوتات لا تكلّ ولا تملّ، ويبدو أنّ استخدام الكثير من الروبوتات المصغّرة هو الطريقة الوحيدة لإنجاز هذه المهمّة الحرجة، إنّ هذا العمل الإبداعيّ والبارع للغاية لـ(بنجامين جينيت) ومعاونيه يعدّ قفزة هائلة نحو بناء أجنحة طائرات قابلة للضبط ديناميكيًّا، أو أشرعة شمسيّة، أو حتّى مستعمرات فضائيّة قابلة لإعادة التشكيل».

ويقول (جيرشنفيلد) بشأن هذه العمليّة:

«نشعر وكأنّنا نكتشف مجالًا جديدًا في أنظمة روبوت الموادّ الهجينة».

المصدر:
Assembler robots make large structures from little pieces [Internet]. MIT News.

[cited 2019 Nov 1]

. Available from: http://news.mit.edu/2019/robots-large-structures-little-pieces-1016

ترجمة: يارا فاروق.

مراجعة عملية: محمد رضا.

تدقيق لغوي: هاجر زكريا.

تحرير: هدير جابر.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي