تُعدُّ «الرواية القوطية – Gothic Novel» شكلًا متطرفًا من «المدرسة الرومانسية أو الرومانتيكية – Romanticism»، التي نشأت في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي في أوروبا كرد فعل ضد الثورة الصناعية⁽¹⁾، والقواعد الأرستقراطية الاجتماعية والسياسية في عصر التنوير، والإدراك العلمي للطبيعة، التي تشكل جميعها مكونات الحداثة⁽²⁾. وقد حذت الرواية القوطية حذو المدرسة الرومانسية أو الرومانتيكية في الاهتمام بالمشاعر والعواطف والنزعة الفردية، ولكنها أضافت لمستها الخاصة المظلمة والمشؤومة. فتتسم بجوٍ مظلمٍ قاسٍ مليءٍ بالأشباح والجنون والخرافات. وقد أُطِلَقَ على الرواية القوطية ذلك الاسم لما تحفل به من مبانٍ وأطلال تعود إلي القرون الوسطى، مثل القلاع والأديرة التي تحتوي على ممراتٍ تحت الأرض، وشرفاتٍ مظلمة، وحوائط مزيفة، وأبواب سرية⁽³⁾.

«هوراس والبول – Horace Walpole»

في عام 1764، أَصدر «هوراس والبول – Horace Walpole» روايته «قلعة أوترانتو – The Castle of Otranto»، التي تُعد أول رواية قوطية وأول رواية إنجليزية خارقة للطبيعة. فقد كانت إيذانًا ببدء نوع أدبي جديد نال شهرة واسعة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع عشر الميلادي. وتُدور أحداث الرواية حول مانفريد -أمير أوترانتو الكئيب- الذي يقع في غرام الشابة الجميلة التي كانت ستتزوج بابنه ووريث عرشه. فتبدأ الأحداث بسحق هذا الابن حتى الموت إثر وقوع خوذة تمثال ضخمة لأمير سابق في أوترانتو عليه. وخلال أحداث الرواية، تتحول بنية القلعة إلى عالم خارق للطبيعة إلى أن يتم هزيمة الشر⁽⁴⁾. وتجمع الرواية بين عناصر الواقعية والخيال، بالإضافة إلى أنماط الرومانسية القديمة والحديثة. وعلاوة على ذلك، فقد تمكن والبول من وضع مجموعة من السمات التي أصبحت لاحقًا أساسيةً في الروايات القوطية مثل الألغاز المهددة للحياة، ولعنات الأسلاف، والفِخاخ التي لا حصر لها كالممرات والأبواب السرية والصور المتحركة. وقد حققت الرواية نجاحًا هائلًا حيث أخبر الشاعر «توماس جراي – Thomas Gray» والبول أن هذه الرواية جعلت «بعضنا يبكي قليلًا، وجميعنا يخاف بشكل عام من الذهاب إلى الفراش ليلًا.»⁽⁵⁾

«آن رادكليف – Ann Radcliffe»

تُعد «آن رادكليف-Ann Radcliffe» واحدةٌ من مؤسسي الرواية القوطية؛ ففي عام 1794م أصدرت روايتها «أسرار أودولفو – The Mysteries of Udolpho». ومثل والبول، فإنها خلقت شريرًا أرستقراطيًا كئيبًا يُدعى مونتوني لتهديد بطلتها العذراء واسعة الحيلة إيميلي ذات القدر الشنيع⁽⁴⁾. وتتسم روايات آن بالظواهر الخارقة ذات التفسيرات المنطقية؛ ففي رواية أسرار أودولفو جسدت رادكليف تقنيتها السردية المميزة «الظواهر الخارقة المفسرة-explained supernatural» في العديد من الأحداث التي تبدو لوهلةٍ للقارئ والبطلة على حدٍّ سواء خارقة للطبيعة، ولكن يتضح في النهاية أنها ذات أسباب منطقية مادية.⁽⁶⁾ وإضافة إلى ذلك، فإن رادكليف اهتمت بتجسيد شخصيات النساء على قدم المساواة مع شخصيات الرجال أو ما يُعرف بالنسوية القوطية. وطبقًا لذلك، فإن القلعة القوطية في رواية قلعة أوترانتو وما بعدها من روايات قوطية أصبحت كناية قوية عن سَجْنِ النساء، سواء داخل الأسرة أو غير ذلك، على يد النظام الأبوي، والعدوان الذي تعاني منه البطلة الضعيفة على يد عدد من الأشرار الذكور في احتجاج مقنن من جانب الكاتبة ضد معاناة النساء الناشئة عن الزواج والأمومة وحتى حقيقة تجسيد المرأة نفسها.⁽⁶⁾

القُوطِيَّةُ فِي العَصْرِ الفِيكْتُورِيُّ

تطورت الرواية القوطية تطورًا كبيرًا في العصر الفيكتوري، واكتسبت العديد من السمات الجديدة. ومن أهم مؤلفي هذا العصر هو الكاتب الأمريكي «إدجار آلان بو – Edgar Allan Poe»؛ فإن أشهر أعماله الأدبية قوطية. ولم يهتم إدجار كثيرًا بعناصر الرواية القوطية التقليدية وإنما ركز اهتمامه أكثر على الحالاتِ النفسية المتطرفة في شخصياته الذين كثيرًا ما كانوا ينحدرون لهاوية الجنون. فانبهاره بالخوف هو ما جذبه إلى هذا النوع الأدبي.⁽⁴⁾ بينما يعد «الكونت دراكيولا – Count Dracula» أشهر شرير قوطي. فيقوم الجزء الافتتاحي في رواية «دراكيولا – Dracula» للكاتب الأيرلندي «برام ستوكر – Bram Stoker» بتوظيف بعض الخصائص القوطية المعروفة مثل: القلعة التي تحتوي غرفها على اللغز الذي يجب على البطل حله؛ والمشاهد المهيبة التي تؤكد عزلته.⁽⁴⁾

وعلاوةً على ذلك، فقد كان لهذا النوع الأدبي تأثيرٌ كبيرٌ على الكتّاب الأكثر شهرة مثل «تشارلز ديكنز – Charles Dickens»؛ فقد استخدمت رواياته مثل «أوليفر تويست – Oliver Twist» و«المنزل الكئيب – Bleak House» الصور الجمالية القوطية كوسيلة لجذب الانتباه إلى المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الفقراء في مدينة لندن المتحضرة. فقد حلت شوارع الأحياء الحضرية الفقيرة المظلمة، وسلوكيات الرذيلة والفساد محل القلاع المغطاة بنبات اللبلاب وسراديب الموتى في الرعب القوطي.⁽⁷⁾ بينما في أواخرالعصر الفيكتوري بدأت الروايات القوطية تتمحور حول موضوع الجسم البشري. فأعمال مثل «القضية الغريبة لـ دكتور جيكل والسيد هايد – Strange Case of Dr Jekyll and Mr Hyde» و«صورة دوريان جراي – The Picture of Dorian Gray» و«دراكيولا – Dracula» جميعهم يستكشفون كيفية تغيُّر العقل البشري والجسم الإنساني وتطوِّرهما وتحوُّرهما وفسادهما؛ وذلك استجابةً للنظريات التطورية والاجتماعية والطبية التي ظهرت في ذلك الوقت.⁽⁷⁾

وخلاصة الأمر هى أن الرواية القوطية تعمل كمرآةٍ لأنفسنا ولمجتمعاتنا. والنظر في تلك المرآة يظهر لنا أحلك ما فينا ويحرك داخلنا مشاعر الشفقة والخوف -الشفقة على مصير الأبطال الضعفاء، والخوف من حدوث الأمر ذاته لنا- أو ما يُعرف بالتطهير عند أرسطو. وبذلك يتجاوز الغرض من الرواية القوطية مجرد البقاء مستيقظًا أثناء الليل خوفًا من الوحش القابع أسفل الفراش، فالوحوش الحقيقية هم السائرون في الطرق متقدمين دائمًا بخطوة علينا، فلا يسعنا إيقافهم من التسلل إلى أحلامنا وتحويلها إلى كوابيس. فهم في نهاية المطاف نحن، ناظرين إلينا في المرآة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد: آلاء هشام

مراجعة: آلاء مرزوق

المصادر:

1. Romanticism — Encyclopædia Britannica [Internet]. 2005 [cited 2018 Jun 15]. Available from: https://bit.ly/2JNrCs4
2. Broken Noses and Missing Limbs :: Foundations [Internet]. 2009 [cited 2018 Jun 15]. Available from: https://bit.ly/2HZluXG
3. Gothic novel [Internet]. Encyclopedia Britannica. [Cited 2018 Jun 15]. Available from: https://bit.ly/2rZtylo
4. The origins of the Gothic [Internet]. The British Library. [Cited 2018 Jun 15]. Available from: https://bit.ly/2ekjC0F
5. Gothic novel The Castle of Otranto, by Horace Walpole [Internet]. The British Library. [Cited 2018 Jun 16]. Available from: https://bit.ly/2t8iSCn
6. An introduction to Ann Radcliffe [Internet]. The British Library. [Cited 2018 Jun 16]. Available from: https://bit.ly/2My1sam
7. Gothic fiction in the Victorian fin de siècle: mutating bodies and disturbed minds [Internet]. The British Library. [Cited 2018 Jun 17]. Available from: https://bit.ly/2zbANfr