السادومازوخية

14826268_926974784075783_1874421019_n

السادومازوخية

«إنَّ الزواج الناجح هو ذلك الذي يحدث بين رجل سادي وامرأة مازوخية»

عبارة شهيرة للغاية قرأتها في أحد الكتب، وعَلِقت بذهني لفترة لا بأس بها، وإن كانت تشير إلى علاقة التكامل التي من المفترض أن يكون الزواج قائمًا على أساسها؛ فإنَّها من الناحية العلمية (النظرية) صحيحة للغاية.
ولكن ما هي السادية؟ وما هي المازوخية؟ وهل يمكن تطبيق العبارة السابقة من الناحية الطبية والأخلاقية؟؛بحيث يضع كل سادي في مواصفات فتاة أحلامه أن تكون مازوخية!.
في الواقع إنَّ ذلك السؤال لا يمكن الإجابة عليه بتلك السطحية؛ ولذلك وَجب علينا بعض التدقيق في تلك المسألة.

ما هي السادية؟

السادية باختصار هي الشعور بالاستمتاع أو الإشباع عند إلحاق الأذى بشخص آخر، وقد قام الطبيب الألماني ريتشارد فون كرافت إيبنج (Richard von Krafft-Ebing) بتسميتها بهذا الاسم في القرن الثامن عشر تيمُنًا بماركيز دى ساد (Marquis de Sade)، مؤلف روايةجوستين (Justine) والمصائب الفضيلة (les Malheurs de la Vertu)، وكتب أخرى.

في الواقع فإنَّنا إذا أردنا تبسيط التعريف بضرب مثال، فإنَّ التاريخ يمتلئ بالعديد من الحكام الساديين كحكام روما الذين كانوا يستمتعون بتقديم العبيد للحيوانات المفترسة، أمَّا في عالم الخيال فهناك شخصيتين ساديتين شهيرتين للغاية في المسلسل الأشهر حاليًا صراع العروش (Game of thrones)رامزي بوتون(Ramsay Bolton) وجوفري براثيون(Joffrey Baratheon).

ما هي المازوخية؟

المازوخية هي نقيض السادية، وبالتالي يُمكن التعبير عنها بأنَّها الشعور بالاستمتاع أو الإشباع عند الإحساس بالألم، وفي العديد من الأحيان فإنَّ الاستمتاع السادي أو المازوخييكون بديلًا عن المتعة الجنسية.قد سُميت المازوخية بهذا الاسم في القرن التاسع عشرعلى اسم ليوبولد فون زاخر مازوخ (Leopold von Sacher-Masoch) مؤلف رواية فينوس في فراء (Venus in Furs).

• بالتالي يمكن اختصار المصطلحين في مصطلح واحد هو «السادومازوخية-Sadomasochism»، وقد تمَّت صياغة هذا المصطلح في القرن التاسع عشر على يد كرافت إيبينج أيضًا، والذي تحدَّث كذلك عن الاتجاهات الأساسية الطبيعية التي تميل إلى السادية عند الرجال، و المازوخية عند السيدات.

نظريات مُبكِرة:

قدَّم الطبيب الألماني يوهان هاينريش(Johann Heinrich) نظريته الأولى عن الماسوشية في القرن السابع عشر في رسالته عن استخدام الجلد في الطب والتزاوج، وهو يتحدث فيها عن أنَّ الجلد يرفع من درجة حرارة السائل المنوي في الخصيتين مما يؤدي إلى الاستثارة الجنسية، كذلك هناك نظريات أخرى مشابهة تحدَّثت عن استخدام ارتفاع درجة حرارة الدم والاستثارة الجنسية الناتجة عن ألم مشابه للمذكور آنفًا، في تخفيف الآلام.

ذكر ريتشارد فون كرافت إيبنج في كتابه الاعتلال النفسي الجنسي(PsychopathiaSexualis) خلاصة وافية من الحالات الجنسية التاريخية والجرائم الجنسية؛ وبالرغم من ذلك فهو لم يدمج السادية والمازوخية معًا بسبب فهمه لهما باعتبارهما ينبعان من مناطق إثارة مختلفة.

أمَّا فرويد فقد لاحظ أنَّ السادية والمازوخية عادةً ما يتواجدان في نفس الأفراد، وقال أنَّه يفهم السادية على أنَّها تشويه للعنصر العدواني الغريزي الجنسي عند الذكور، وأنَّ المازوخية شكل من أشكال السادية الذاتية (sadism against the self)، واعتبر أنَّها انحراف أخطر من السادية البسيطة.لاحظ فرويد كذلك أنَّ الميل إلى إلحاق واستقبال الألم أثناء العملية الجنسية هو«الأكثر شيوعًا وأهمية من بين كل تلك الانحرافات»، وأرجع ذلك إلى الكثير من العوامل التي قد تؤدي إلى عدم اكتمال النمو النفسي في مرحلة الطفولة المبكرة. وأشار باهتمام كبير إلى السادومازوخية عند النساء؛ إمَّا لاعتقاده أنَّ السادية تصيب الرجالبشكل رئيسي، أو لاعتقاده أنَّ الماسوشية هي الميل الطبيعي عند المرأة.

في دراسات أخرى لسيكولوجية الجنس دافع الطبيب البريطاني هافلوك إليس(Havelock Ellis) عن عدم وجود تمييز واضح بين جوانب السادية والماسوشية، وعلاوة على ذلك فقد أشار إلى أنَّ مجال السادومازوخيةيقتصر على الإثارة الجنسية، وأنَّه أحد أسباب الطلاق كناتج لسوء المعاملة والقسوة.

وقد سعى الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز(Gilles Deleuze) جاهدًا ليختلف عن السابقين في آرائهم، ففي مقالته البرودة والقسوة(Coldness and Cruelty) اعتبر السادومازوخية مصطلح اصطناعي، وأنَّ السادية والمازوخية هي ظواهر متميزة فى الحقيقة،وقام بتقديم حسابات جديدة عن السادية والمازوخية *(ولكن طبقًا للمصدر الذي نَقَلتُ عنه فهو يعتقد أنَّه لم يقدر على استيعاب نظريات دولوز بشكل كامل).

الأسباب:

هناك عدد من الأسباب قد توضح لماذا تجد الشخصيات السادية أو المازوخية فيممارساتها تلك نوعًا من المتعة، يعتمد الأمر بشكلٍ كبير للغاية على الفرد نفسه؛ فبالنسبة لبعض الأفراد المازوخيين لعب أدوار الامتثال والعجز تُقدِّم شكلًا من أشكال الهروب العلاجي من ضغوط الحياة ومن المسؤولية أو من الشعور بالذنب، وبالنسبة لآخرين فوجودهم تحت سلطة قوية تتحكم في تصرفاتهم يثير مشاعر الأمان والحماية المرتبطة بالطفولة، وأيضًا فإنَّها قد تشعر بالارتياح عند ظهور الرضا عند الطرف الآخر الناتج عن هذا الشكل من الخضوع.

أمَّا بالنسبة للساديين فإنَّ الشعور بالقوة والهيمنة هو الذيقد يضمن لهم الاستمتاع؛ وبالرغم من ذلك فإنَّه ليس واضحًا بالكليَّة الدوافع الابتدائية التي قد تؤديإلى الرغبة بعلاقات عاطفية من النوع السادومازوخي.

من المتفق عليه عادةً عند علماء النفس أنَّ التجارب المختلفة خلال النمو الجنسي المبكر يمكن أن يكون لها تأثير عميق على طبيعة الحياة الجنسية للفرد في وقت لاحق في الحياة؛ ولكن على الرغم من ذلك فإنَّه ييبدو أنَّ الرغبات السادومازوخية قد تتباين في طريقة تشكُّلها على مدى واسع من الأعمار؛ فهناك تقارير تُفيد أنَّها بدأت تتشكل عند بعض الأفراد قبل سن البلوغ، وهناك تقارير أخرى تفيد تشكُّلها لاحقًا بعد هذا السن، ووفقًا لأحد الدراسات فإنَّ نسبة(53%) من الذكور قد طوَّروا اهتمامهم السادومازوخي قبل سن الخامسة عشر، في حين أنَّ نسبة(78%) من الإناث طوَّروا ذلك الاهتمام بعد ذلك السن.

ومِثل كل المثيرات الجنسية فإنَّ السادومازخية قد يتم تعليمها من خلال المحاولات المستمرة للتكيُّف في هذا السياق، مع الربط التكراري للمتعة الجنسية بشيء أو مُحفز ما.

العلاج:

لسوء الحظ، فإنَّ الشخص المصاب بالسادية الجنسية أو المازوخية نادرًا ما يطلب المساعدة حتى يصاب شريك العلاقة إصابة خطيرة أو يفقد رغبته في استمرارية تلك العلاقة، وللأسف فإنَّ خطورة وشدة هذه السلوكيات غالبًا ما تزيد بمرور الوقت.وبالنسبة لتوقعات التحسُّن فهي تختلف اعتمادًا على عمق المحرك والدافع للمريض. كما هو الحال مع أنواع أخرى من المشاكل، والتحسُّن يعتمد إلى حد كبير على رغبة الأشخاص في التغيير.

تمَّ العثور على أنواع مختلفة تفيد في علاج السادومازوخية، ويتضمن ذلك العلاج النفسي، والعلاج السلوكي المعرفي، والعلاج الواقعي، والأدوية، والعلاج الهرموني، والتجديد وتقنيات إعادة الهيكلة.هناك طريقة أخرى للعلاج تعتمد على التدريب على المهارات الاجتماعية، وتعتمد تلك الطريقة -جزئيًا- على إصابة بعض الناس بالسلوك السادومازوخى بسبب عدم قدرتهم على تكوين علاقات صحيَّة، سواءً جنسية أو لاجنسية مع الآخرين.بالرغم من أنَّ التدريب على المهارات الاجتماعية لا يعتبر بديلًا عن الأدوية و العلاج النفسى، فيبدو أنَّ مرافقة ذلك للعلاج التقليدييظهر تحسنًا ملحوظًا، وقد تبيَّن أنَّ برنامج اثنتي عشر خطوة لمدمني الجنس قد يكون مفيدًا في العديد من الحالات، كذلك فإنَّ العلاج الزوجي (Couples therapy)، أو العلاج الأسري مفيد بشكلٍ خاص للمرضى الذين تزوجوا، ولأولئك الذين توترت علاقاتهم وروابطهم الأسرية بسبب اضطرابهم.

• بناءً على السابق ذكره، فإنَّ السؤال الذي طُرح في البداية عن إمكانية وضع طرفي علاقة أحدهما مصاب بالسادية والآخر مصاب بالمازوخية معًا لحل تلك المشكلة هو حل غير منطقي على الصعيد العملي، لعديد من الأسباب قد سبق ذكرها؛ ولكن يبقى السبب الأهم أنَّ طرفي العلاقة في ارتباط كهذا سيظلان معرضان لخطر دائم مستمر من إيذاء أحد الطرفين للطرف الآخر؛ وعليه فإنَّ العلاج سيظل هو الحل الوحيد.

إعداد وتصميم: مهند عبدالفتاح
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
مراجعة لُغَويَّة: أمنية عبد العليم

المصادر:
http://goo.gl/lWTWCW
http://sc.egyres.com/osmDs
http://sc.egyres.com/BHgf6

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي