في القرن التاسع عشر وجد طبيب الأسنان (WH Atkinson) من ولاية (بنسلفانيا) حالة تبدو كالكوابيس. كتب الطبيب ظهور حالة من «انفجار الأسنان» في أول صحيفة رئيسية لأطباء الأسنان الأميركيين – مجلة (Dental Cosmos).
وقد رآها عند ثلاثة مرضى، الشخص الأول وهو قسْ من مدينة (Springfield) كانت تجربته كالآتي:
الناب الأيمن الأعلى (Upper Right Canine) أو الطاحن الأول (First Premolar) أصابه وجع وازداد في شدته إلى أن وَصل درجة جعلت المريض عنيف السلوك؛ ومن أجل تخفيف الألم ركض هنا وهناك من أجل الحصول على فترة قصيرة من الراحة، وأحيانًا يقوم بضرب رأسه بالأرض كحيوان غاضب، أو أن يضرب رأسه بحافة السياج، أو أن يضع رأسه بماء بارد.
وهذا السلوك غير اللائِق بقَسْ يعطينا فكرة عن حجم الألم الذي لابد أنه كان يعاني منه. ألم الأسنان كان عذاب مؤذي في العصر ماقبل طب الأسنان الفعّال والرخيص: وكان هنالك تحقيق في مدينة (ساسيكس-Sussex) عام 1862 عن رجل أنهى حياته بعد ألم أسنان أصابه لمدة خمسة أشهر متواصلة، وقد كان خلالها يبكي يوميًا لساعات مستمرة.
وبعد معاناة القس ومحاولاته التي لم تعطِ أيّة نتيجة، في أحد الأيام بينما كان يعاني من هذيان شديد بسبب الألم، حصل انفجار (تحَطُّم) حاد يشبه رِصاصة المُسدس في أسنانه وكسّرها إلى أجزاء، مما أعطاه راحة فورية. وبعد هذا التَحطُّم ذهب إلى زوجته وقال لها بأن وَجعهُ انتهى كليًا. وذهب بعدها إلى الفِراش واستطاع أن ينام نومة مريحة في تلك الليلة والتي تلَتها؛ وأصبح عقلاني وبحالة جيدة بعدها.
وبعد ثلاثة عَشَر عامًا من هذه الحادثة المؤلمة، حدث شيئًا مشابه لمريضة تدعى (السيدة ليتيشا-Mrs Letitia D)، والتي تسْكُن على بعد بضعة أميال فقط. حيث عانت من ألم أسنان مستمر انتهى بانفجار في أسنانها أيضًا وأعطاها راحة فورية.
أمّا الحالة الثالثة من سلسلة الأحداث الغريبة لطب الأسنان هذه، هي مريضة تدعى (السيدة آنا-Mrs Anna PA) والتي قد أبلَغَت بأنّ نابها (Canine) انقَسَم من الأمام إلى الخلف:
حيث حدث لها انفجار مفاجئ قوي في الناب الأيسر الأعلى كما في الحالات الاُخرى، وبعدها أصبحت هذه الاُم بصحة جيدة.
وبرُغم أن هذه القصص غريبة، إلا أنها ليست فريدة. حيث وَجَدَ المحررون في صحيفة طب الأسنان البريطانية (British Dental Journal) تشابه في أرشيفها المطبوع عام 1965، إذ وجدوا قصص أخرى مشابهة لإنفجار العاجّ (Dentine) خلال التاريخ.
وقد شملت حالة تم تسجيلها في عام 1871 بواسطة طبيب أسنان أمريكي آخر، وهو (J Phelps Hibler). حيث أنّهُ عالج امرأة شابة عانت من ألم في الأسنان والتي انتهت بانفجار في ضرسها أصابها بارتجاج في المخ وكاد أن يوقِعها أرضًا. الانفجار كان عاليًا جدًا، إذ سبب طَرَشًا في سمعها لعدة أيام بعدها.
وبرغم وجود خمس أو سِت حالات كهذه في القرن التاسع عشر، لم توثَّق أي حالة انفجار أسنان منذ عشرينات القرن الماضي. يقول الأستاذ الجامعي (Hugh Devlin) في طب الأسنان التَرميمي لجامعة مانشستر: «بِرُغم أنه من المألوف أن تَنقَسم الأسنان المُصابة، إلا أنه لم يسمع بأي سن ينفجر». وهو يتذكر بأن مستشكفين في القطب الجنوبي في ستينات القرن الماضي قد أبلغوا بأن أسنانهم تحطمت ذاتيًا، وقد ظنَّ بأن سببه هو البرد القارص – ولكنه يعتقد بأن المسبب الحقيقي هو تسوُّس الأسنان التي تسببت بها وجباتهم ذات الكميات العالية من السُكَّر.
إذن ماالذي سبب هذه الإنفجارات في الأسنان؟ قدّمَ الطبيب (Atkinson) تفسيريّن بديليّن في مقال له عام 1860. التفسير الأول كان يقول بأن مادة تدعى «Free Caloric» كانت تتجمع في السن وتسبب زيادة في ضغط اللُّب (Pulp). هذه الفرضية كان يمكن استبعادها مباشرةً لأنها تعتمد على نظرية علمية مهملة. لعدة سنوات، كان يعتقد بأن الحرارة تتكون من سائل يدعى «Caloric»، والذي كان يصّد نفسه – برغم أن هذه الفرضية قد تسبب بارتفاع الضغط، إلا أننا نعرف الآن بأنه لا وجود لسائل مثل هذا.
من النظرة الأولى، فإن فكرة (Atkinson) الثانية معقولة أكثر، حيث اقترح بأن التسوس في السن قد سبب بتجمُّع غاز، والذي يسبب انكسار السن.
هل يمكن لهذا أن يُفسِّر الغموض؟ الطبيب (Hugh Devlin) كان يشك، حيث قال: «إنه من المستبعد جدًا أن يتكون غاز في السن قادر على جعله ينفجر – لأن الأسنان قوية جدًا. أطباء القرن التاسع عَشر لم يفهموا تسوُّس الأسنان – حيث ظنوا بأنها جاءت من داخل السن. ففي القرن الماضي استطعنا فهم أن التسوُّس سببه الطعام والبكتريا التي تتكون على سطح السن».
الجواب قد يكمن في المادة الكيميائية التي كانت تستخدم في الحشوات البدائية. قبل مجيء حشوات الزئبق الممزوج (Amalgam) في عام 1830، كانت تستخدم قبلها عدة أنواع من المعادن لعلاج التسوُّسات، ومن ضمنها الرصاص، القصدير، الفضة، وسبائك أخرى. تقول أستاذة الكيمياء غير العضوية في جامعة كلية لندن (اندريا سيلا-Andrea Sella): «إن تم استخدام نوعين مختلفين من المعادن سيسبب ذلك بخلية كهربائية كيميائية؛ حيث أن الفم سيتحول إلى بطارية ضعيفة الفولتية. قد تسبب المعادن الموجودة في الفم تحليلًا كهربائيًا ذاتيًا. التفسير المفضل لي هو أنه إذا كانت الحشوة مصنوعة بشكل سيء بحيث أن جزءً من التسوُّس لم يتم ملأه، فإن ذلك يدل على احتمالية تجمُّع غاز الهيدروجين داخل السن».
قد ينفجر سن ضعيف تحت هذا الضغط – وقد ينفجر الهيدروجين أيضًا إن تم إشعاله، مثلًا في حالة أن المريض قد قام بالتدخين في حينها، أو أن حَشوة من الحديد قد سببت بشرارة داخل الفم. تعترف (سيلا-Sella) بأن هذا السيناريو بعيد الحدوث: «أشعر بأنه لن يكون هنالك انبعاث لهب من فم هذا الشخص».
للأسف، لايوجد أي دليل على أن المرضى الأصليين قد حصلوا على حشوة سن. فإما عملية مجهولة قد سببت هذا الانفجار، أو أن المرضى كانوا يبالغون في وصف أعراضَهُم التي قد تكون اعتيادية. ويبدو أنهُ السر خلف انفجار الأسنان سيبقى لغزًا غير معروف إلى الآن.
ترجمة: Hussain Wael
مراجعة: Sherif M.Qamar
مراجعة لغوية :Sara Hassan
تصميم: Wael Yassir
المصدر: http://sc.egyres.com/cuPwb