السرطان ( الجزء الاول ) لمحة تاريخية

14459061_1748136708774326_838312493_n

تعددت الأمراض في العصر الحالي وتزايدت الآراء حول السبب المؤكد وراء كل مرض ،، وقف العديد من العلماء مدافعين عن وجهاتهم مؤيدين نظرياتهم بادله وبراهين منها المُقنع ومنها ما يسهل دحضه ،،ولكن ما الصواب وما الخطأ ؟ ما السبب وراء واحد من أهم الأمراض و ثاني أكثر مرض يسبب الوفاة بعد أمراض الاوعيه الدموية والقلب ، المرض الذي لم يترك سن ولا جنس ولا عرق ولا كائن الا و دق بابه, المرض الخبيث صعب العلاج صعب فهم ماهيته وحتى الآن لم يُثبت صحة علاج له بل لا يزال رعبا قانتا قاضيا على الأنسجة منتشرا بين الأعضاء .

نتحدث في تلك الحلقات عن السرطان …

انه لخطأ فادح منًا أن نظن انه مرض حديث العهد وان الثورة الصناعية والملوثات البيئية هي السبب المرجح له وان كل ما نحن فيه ما هو إلا حصاد ما زرعته يد الإنسان الصناعي الحديث! هذا ما تؤكده الحقب التاريخية منذ عهد الديناصورات إلى عهدنا هذا

إن تاريخ مرض السرطان موغل في القدم أكثر مما نتخيل، حتى أنه يعود إلى ما قبل التاريخ، في عصر سادت فيه الأرض زواحف عملاقة الديناصورات! تخبط “جروجوصورس”- آكل اللحم- كثيرا و أصيب بالعديد من الكسور و الجروح الغائرة المندملة كما كان واضحا على هيكله العظمى البالغ من العمر 72 مليون عام و المكتشف سنة 1997 ، لم يكن ذلك لضعف الجروجوصورس و قلة حيلته بين أقرانه آكلي اللحم ،إنما إصابته بورم ضخم بحجم كرة البيسبول في المخ أفقده السيطرة على إتزانه و من ثم تعرضه الدائم للإصابات البالغة. لم يكن هذا الإكتشاف الأول و لا الأخير لأورام سرطانية في الديناصورات .(1)

 وجد دكتور “روتشيلد” أن ظاهرة مرض السرطان في الديناصورات تستحق بحث موسع و شامل ، فحمل معه جهاز المسح بأشعة أكس و سافر إلى شمال أمريكا بصحبة فريقه البحثي من جامعة أوهايو لإجراء مسوح على 10000 فقرة ظهرية لأكثر من 700 عينة من المتحف لأنواع مختلفة من الديناصورات. و بالفعل كانت نتيجة المسح اكتشاف 29 ورم عظمى من 97 و هو العدد الكلى لعينات ديناصورات “هيدروصوراس” آكلة العشب .(2)

  -فى وقت ما منذ ما يقرب من 2250 عام عانى مصري قديم نطلق على موميائه اليوم إسم “M1” ، من  مرض مجهول صاحبه ألم شديد في أسفل الظهر.و مع انتشار مرضه في مناطق أخرى من جسده ، أضحت حركته صعبة و مضنية. و بعد وفاته البطيئة متدثرا في آلامه ، سارع أهله بدفع تكلفة تحنيطه بالرغم من أنه ليس من طبقة الصفوة أو الأغنياء إلا أنهم قد ارتأوا تجهيزه لكي يبعث في حياة أخرى رغدة سعيدة يعوض فيها ما عاناه في الدنيا من آلام مريرة.

 أما الرغد و السعادة فقد كانا من نصيب الفريق البحثي القائم بدراسة مومياء “M1″، و بعد قرون طويلة مرت على تحنيطه يرسلون بتحياتهم إلى ذويه في “العالم الآخر” فلولا اتخاذهم قرار تحنيط “M1” لم يكن الباحثون ليتعرفوا على أقدم حالة من سرطان البروستاتا في مصر القديمة و ثاني أقدم حالة في التاريخ. سعادة الفريق البحثي كانت لأن اكتشافهم هذا بمثابة الضربة القاضية لدحض النظرية القائلة بأن مرض السرطان من صنع الإنسان الحديث و ما في ذلك من إلقاء باللوم على الثورة الصناعية و تبعاتها .(3)

الحضارات القديمة لم تكن متطورة بالشكل الكافي في مجال اكتشاف و علاج الأمراض فكان متوسط حياة الفرد آنذاك لا يتعدى 40-50 عام. بالتالي لم يكن مرض السرطان سمة ظاهرة ، حيث أن السرطان مرض مرتبط بالتقدم في العمر لأن الوقت عامل رئيسي يحتاجه المرض لكي يتكاثر و يثبت دعائمه في جسم الإنسان لذلك يزداد حدوثه فيما بعد الـ 50 من العمر مع إمكانية حدوثه لمن هم دون هذا السن بالطبع. قُدر عمر مومياء المصري القديم “M1” عند وفاته بنحو 51 إلى 60 ، لذا فهو قد نحى من الموت في سن صغيرة لكنه كبر في السن ليواجه الموت بالسرطان. فإذا كانت الفرصة سانحة للإنسان القديم أن يعيش لفترات أطول ، فإن معدل إصابته بمرض السرطان سوف تكون مساوية لقرينه الإنسان الحديث.

إن مرض السرطان قديم قدم الزمان و اكتشاف إصابة مومياء “M1” بسرطان البروستاتا كان بفضل جهاز المسح المقطعي الجديد البالغ الدقة الذي لم يستخدم قبل سنة 2005 ، و هو قادر على كشف أورام بقطر أقل من 1 مليمتر و هذه التقنية لم تكن متوفرة  لعلماء الأمراض القديمة الذين فاتهم اكتشاف الأورام في المومياءات و بقايا الديناصورات بالرغم من وجودها تحت أنوفهم مباشرة و فى ذلك دحض علمي و مباشر للقائل بأن السرطان مرض حديث من صنع البشر.(3)

– لا يمكنك أن تتحدث عن التاريخ دون أن تذكر الفراعنة و خاصة في الانجازات التي قدموها في عصرهم ومدى إلمامهم بكثير من العلوم و أهمهم الطب وتعلم منهم اليونانيون وتأثروا بتفكيرهم. لم يستخدم المصريون القدماء كلمة سرطان لكنهم وصفوا حالة يمكن تشخيصها كورم في الثدي وذلك حوالي عام 3000 ق.م. وتم تسجيل هذا في بردية عرفت باسم بردية إدوين سميث وتُتنسب تلك البردية إلى امحوتب -الطبيب المصري والمهندس المعماري – ، حيث وصفت البردية حالات أورام تم علاجها عن طريق الكي. أيضا في برديه ايبرس حيث تُعد بردية “إيبرس” (حوالي1500 قبل الميلاد) كتابا متكاملا لأنواع الأورام المختلفة وأيضا العديد من الأمراض الأخرى مع العلاجات الممكنة. (4 , 5)

– نأتي إلى حقبه تاريخيه أخرى:-

 في هذا الوقت  تميز أبقراط المُلقب (بأبو الطب) حيث  كان أول من استخدم كلمتي Carcinos و Carcinoma لوصف الأورام، بعد أن رأى أن الورم ينتشر علي شكل زوائد تشبه الأصابع لتبدو مثل سرطان البحر. ثم جاء الطبيب الروماني سلزس Celsus ليستخدم الكلمة اللاتينية Cancer فيما بعد أضاف الطبيب اليوناني جالينوس كلمة oncos التي تعني ورم باليونانية. حتى اليوم مازال وصف أبقراط للسرطان ساريا بينما صارت الكلمة التي استخدمها جالينوس جزءا لا يتجزأ من اسم أطباء الأورام (6) Oncologists

اعتقد أبقراط أن الجسم يحتوي علي أربعة أنواع من الأخلاط (سوائل الجسم) : الدم والبلغم والعصارة الصفراوية الصفراء والعصارة الصفراوية السوداء. إذا كانت هذه الأخلاط متوازنة، كان الإنسان سليما، أما إذا اضطربت النسب ، أصيب الشخص بالمرض. لم يكتف أبقراط بتطبيق نظريته علي الأمراض العضوية ، لكن فسر الأمراض النفسية كذلك باضطراب الأخلاط

إحدى النظريات التي حلت محل نظرية الأخلاط كسبب للإصابة بالسرطان، كانت نظرية “الليمف” حيث رجح أصحاب النظرية أن السرطان ينتج عن تخمر و تحلل الأوعية الليمفاوية ومن ثم انتقالها إلي الدم لتنتشر في الجسم. ويعرف الليمف بالسائل  الذي يتكون في السائل البيني بين الأنسجة ويعمل علي نقل الفضلات والبكتيريا للتخلص منها (7)

في القرن السادس عشر لاحظ أطباء هولنديون أن بعض السيدات من أفراد أسرة واحدة قد أصبن بسرطان الثدي. فسر هؤلاء الأطباء هذه الملاحظة بأن السرطان مرض معدي. انتشرت النظرية حتى صار الناس يخشون من مرضي السرطان. نتيجة لهذا الاعتقاد اضطر مستشفى السرطان في فرنسا للانتقال من المدينة في عام 1779 لأن الناس كانوا يخافون العدوى. برغم معرفتنا اليوم أن السرطان في حد ذاته ليس معديا، لكننا نعلم كذلك أن أنواعا معينة من الفيروسات معينة والبكتيريا والطفيليات يمكن أن تزيد من خطر إصابة الشخص ببعض أنواع السرطان (6)

يعرف الأطباء عالم الباثولوجي الألماني الشهير “رودلف فيركو” خاصة حين تذكر عقدة فيركو Virchow node التي تظهر في المصابين بسرطان الجهاز الهضمي وكذلك ثلاثية فيركو Virchow triad المرتبطة بجلطات الأوردة.

لم يكتف فيركو بهذه الإنجازات ، لكنه وضع نظريته الخاصة لحدوث السرطان، كان أستاذه قد توصل إلي أن السرطان يتكون من خلايا حية وليس له علاقة بالليمف، لكنه ظن أن الخلايا التي تكون السرطان نوعية خاصة مختلفة من الخلايا، بعده جاء فيركو ليؤكد أن الخلايا السرطانية هي خلايا عادية لكن أصابتها بعض التغيرات، وأن هذه التغيرات تحدث نتيجة تهيج أو التهاب مزمن يصيب هذه الخلايا. لكنه كان يعتقد أن السرطان ينتشر علي شكل سائل وهو ما ثبت خطؤه فيما بعد(7)

بفضل تطور التكنولوجيا وتوسع المفهوم الجيني وفهم ماهية الخلية والدقة في تركيبها والتوصل إلى الجينات الوراثية وجهود العالمين واطسون وكريك في تصور الشكل النموذجي لجزيء الحمض النووي بل والتوصل لتركيبه من هنا ظهرت نوابض جديدة وحقائق مذهله بدأت الخيوط المُعقدة المتشابكة في التحلل لتظهر معلومات جديدة عن السرطان واضحة متجلية لا شك فيها …

 

  1. http://goo.gl/0vD3Xq
  2. http://goo.gl/fwQgqH
  3. http://goo.gl/M096MZ
  4. http://goo.gl/ZzCtVO
  5. http://goo.gl/fIM3ep
  6. http://goo.gl/3HZQMm
  7. http://goo.gl/54MVRU

إعداد: DrMerhan Maged

مراجعة علمية و تصميم: Hosny Ayman

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي