السكري ، مصطلحٌ يشير إلى مجموعة من الأمراض التي تتعلق بطريقةِ استخدام جسدنا لسكر الدم ( الجلوكوز ). يُعَد الجلوكوز حيوياً للحياة و ذلك لإنه مصدرٌ مهمٌ للطاقة لتلك الخلايا التي تكوّن أنسجتك. بالإضافة لذلك فإنه مصدر الوقود الأساسي للمخ. السكري هو عندما ينخفض مستوى الجلوكوز في دمك بغض النظر عن السبب. [1]
لمحة تاريخية :
لم يعلم حسي رع – طبيب الأسرة الثالثة – عندما سجَّل حالة ذلك المريض الذي يتبوّل بشكل متكرر قبل 3567 عاماً أنه بصدد أول تسجيل لحالة سكري. في أثناء ذلك الوقت لاحظ المعالجون إنجذاب النمل لبول هؤلاء المرضى متكرري التبوّل. و حتى القرن الحادي عشر كان يتم تشخيص السكري عن طريق ( المتذوقون ) الذين يتذوقون بول هؤلاء المرضى المشكوك في إصابتهم بالسكري ليحكموا ما إذا كان محلّاً أم لا ، و حتى ذلك الوقت كان يتم الإشارةُ إليه بكلمة « mellitus » و هي المرادف اللاتيني لكلمة عسل . المثير للتعجب هنا أنه أثناء القرنين الثامن عشر و التاسع عشر نصح الطبيب الفرنسي Priorry مرضى السكر بأكل كمياتٍ كبيرةٍ من السكر كعلاج لحالتهم. [2]
لم يحرز البشر الكثير من التقدم الملموس حتى القرن العشرين ، حيث توصَّل الكندي فريدريك بانتنج مع شريكه تشارلز بيست – بعد دراسته لديناميكيات مرض السكري – إلى فكرة استخدام الإنسولين في التحكم بالسكري و ذلك عام 1920 . اختبر فريدريك فكرته عن طريق إزالة بنكرياس كلب ثم حقنه بالجزيّرات البنكرياسية المستخرجة من البنكرياس. ظلّ الكلب حياً طوال فترة الصيف بحقنه بتلك المادة المستخرجة – و التي كانت في الأساس إنسولين – و التي حافظت على مستويات سكر الدم لدى الكلب. [2]
قام بروفيسور ج. مكلويد فيما بعد بدعوة كلاً من بانتنج و بيست لعمل فريق لتنقية الإنسولين تحضيراً للإستخدام البشري. النتائج كانت مذهلةً فعلاً ، فعندما ذهب العلماء إلى جناح بمستشفى يعج بأطفال مرضى بالسكري على فراش الموت من جراء الحماض الكيتوني « keto-acidosis » « إحدى مضاعفات مرض السكري » كان المشهد مذهلاً بحق – تخيل غرفةً مليئة بالآباء الذين يجلسون بجانب فلذات أكبادهم انتظاراً للموت عاجزين عن دفعه. بدأ العلماء بحقن الأطفال بالإنسولين المنقى طفلاً تلو الآخر و حين وصلوا إلى الطفل الأخير الغارق في الغيبوبة السكرية بدأ الطفل الأول بالإفاقة ، تلاه الطفل التالي و لم تلبث غرفة الموت تلك حتى تحولت إلى غرفةٍ من السعادة و البهجة و الأمل. [2]
( بالصورة طفل قبل إكتشاف الإنسولين و بعد إكتشافه )
عام 1923 توّج بانتنج و مكلويد بجائزة نوبل في الطب عن اكتشافهم ، تشارك بانتنج نصيبه مع بيست و الذي لم تضمنه الجائزة لإنه كان طالباً آنذاك. [2]
( بانتنج على اليمين ، و بيست على اليسار )
الجلوكوز و الإنسولين في الشخص الطبيعي :
« البناء الضوئي » في الإغلب وقع سمعك على هذه الكلمة مرة و تعلم إلام تشير ، و بإيجاز فإن عملية البناء الضوئي هي العملية التي يقوم بها النبات لتحويل الماء و ثاني أكسيد الكربون إلى جلوكوز بإستخدام ضوء الشمس كمصدر للطاقة. تعمل النباتات بعد ذلك على ربط جزيئات الجلوكوز لتكوين الكربوهيدرات و ذلك لتخزينها بسهولة. كانت الأمور هكذا منذ ملايين السنين حتى استطاعت بعض الأحياء مثل الحيوانات أن تستمد الجلوكوز من البيئة الخارجية بدلاً من صناعته بأنفسهم.
الجلوكوز هو مصدر الطاقة لكل المهام الجسدية خصوصاً في المخ – حيث أن مصدر الطاقة الوحيد للمخ هو الذي يستمده من أيض الجلوكوز – و هو بالإضافة مصدر طاقة أولي للعضلات التي تستطيع اللجوء إلى مصادر أخرى مثل الدهون كمصدر للطاقة. و عندما تصبح الظروف قاسية و يصعب الحصول على مصدر للجلوكوز يعمل الجسد على إنتاج جلوكوز في الكبد. تعمل هرمونات التوتر أيضاً على تحفيز هذه العملية.
نقص الجلوكوز أو زيادته يشكل خطراً على الجسد لذلك كانت الحاجة إلى الإنسولين الذي يفرز في البنكرياس في مناطق مخصصة تسمى خلايا بيتا. هذه العلاقة بين الإنسولين و الجلوكوز حساسة جداً ، فعندما يزداد معدل الجلوكوز في الدم يتم تحفيز إنتاج الإنسولين. و عندما يكون الإنسولين غيرُ كافٍ أو يفقد قدرته على أداء مهمته يرتفع مستوى الجلوكو في الدم و هو ما يعرف بمرض السكري. [3]
و في المقال القادم نناقش نوعيّ مرض السكري مع الأسباب و التشخيص و المضاعفات المصاحبة لهما و العلاج لهذه المرض.
«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،
