لطالما تم تقديم الفلسفة على أنها تقف على طرف النقيض من الدين، فالنص عند الغالب مُقدَّم على العقل، ولا يحتاج الدين إلى لفلسفة في شيء، فالدين يعتمد على عددٍ من العلوم المعروفة بالعلوم الشرعية، التي يتم تقديمها على أنها بعيدة الصلة عن الفلسفة، وفي مقدمة تلك العلوم يقف علم الفقه، فهل هذا المنظور صحيح؟
في هذا المقال سنحاول أن نوضح ما هو علم الفقه الإسلامي وما هي فروعه، وما طبيعة علاقته بالفلسفة؟
منظومة الفقه الإسلامي
كثيرًا ما نتحدث عن الفتوى الفلانية ومدى صلاحيتها، أو نتحدث عن رغبتنا بتطوير الفقه الإسلامي دون أن نعود بالقارئ المسلم إلى طبيعة هذا العلم وكيفية تشكله على يد الفقهاء، وكذلك الأسس التي قام عليها. وعلى أيِّ حال، فمنظومة الفقه الإسلامي تتفرع إلى قسمين رئيسيين متصلين ببعضهما: الأول هو «علم الفقه»، والثاني هو «علم أصول الفقه»، ولنبدأ بتعريف الفقه.
معنى الفقه
يقول الآمدي في كتابه «الإحكام في أصول الأحكام»، إن لفظ «فقه» في اللغة يعني «الفهم»، ويستشهد بقوله تعالى: «ما نفقه كثيرًا مما تقول»، أي لا نفهم كثيرًا مما تقول (¹). وبشكل عام، فقد اتفق الفقهاء على تعريف الفقه بأنه: «ذلك العلم الحاصل بجملة الأحكام الشرعية الفرعية عن طريق النظر» (²)، وما نستطيع أن نستنتجه من هذه التعريفات أن الفقه مرتبطٌ بكل الجوانب المتعلقة بالحياة الدينية والسياسية والفردية للمسلمين، و قد اعتاد الفقهاء تقسيمه إلى جانبٍ عمليٍّ يتعلق بالعقيدة ويسمونه «العبادات» وكيفية ممارستها بالشكل الصحيح، وإلى جانبٍ آخر قانوني اجتماعي متعلق بالأحوال الشخصية والميراث والملكية والعقاب وغيره، وهذا الجانب يُعرف باسم «المعاملات». ومن هنا نفهم طبيعة الفقه، فهو علمٌ يختص بالفروع والجزئيات وإصدار الأحكام الخاصة بها سواء كانت الإباحة أو التحريم أو الاستهجان.
علم الأصول
أما بالنسبة «لعلم الأصول»، فهو بمثابة الأساس الذي يقوم عليه عمل الفقه، بمعنى أن الفقيه عندما يُصدر أحكامه الفقهية على الحالات والوقائع والتساؤلات من الجمهور، فهو يعتمد على منهجٍ مُعيَّنٍ مُتفَقٍ عليه بشكلٍ عام بين الفقهاء، ومعروف أن المنهج في أي علم هو الخطوات التي يتبعها العالم للوصول إلى النتائج، وكيفية تحديد هذه المبادئ والأصول هي موضوع علم أصول الفقه، والمُشتغل بذلك الجانب يُسمَّى بـ«الأصولي». فعلم أصول الفقه يماثل حاليًا ما يُسمَّى بفلسفة القانون، فهو يُقدِّم للفقيه كل المناهج والطرق التي يحتاجها في إعداده وتطبيقه للقاعدة الشرعية.
ونأتي الآن لسؤالٍ أساسيٍّ عند فحص تاريخ أي علم من العلوم: ما المنهج العلمي المستعمل في تلك المنظومة الفقهية بشقيها سواء علم الفقه أو علم الأصول؟
وقبل الشروع في الإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن نُدرك جيدًا أنه سؤال غاية في الخطورة، فنحن نناقش أهمَّ علم إسلامي يُعتمد عليه في بناء أحكام وحياة المسلمين، كما أنه يُشكِّل لُبَّ الصراع في تيارات الفقه الإسلامي قديمًا وحديثًا.
مراحل تطور الفقه
في البداية يجب أن ندرك أن أي علم، والأمر ينطبق أيضًا على علم الفقه، يمر بعدة مراحل تطورية حتى يصل إلى الصياغة الكاملة.
فأولًا هناك مرحلة «الممارسة العفوية للعلم»، وقد مر علم الفقه بها في فترة النبوة والصحابة، ثم هناك مرحلة «الصياغة النظرية الدقيقة للعلم»، وفي تلك المرحلة يتم وضع الأسس التي يقوم عليها ذلك العلم، وقد اكتملت الصياغة النظرية لعلم الفقه عندما تحددت «مصادر التشريع الإسلامي»، وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس، وكذلك عندما وُضِعَت القواعد الفقهية التي نستعملها في حالة وجود «حادثة طارئة» ليس لها حكم شرعي مباشر في مصادر التشريع.
وعندما نفحص كتابات الفقهاء وعلماء الأصول نجد أن اللحظة الحاسمة في الصياغة الدقيقة ووضع الأسس لمنظومة الفقه الإسلامي ككل كانت على يد الإمام الشافعي في نهاية الثاني الهجري، وبالطبع كانت هناك محاولات فقهية سابقة لوضع نظرية كاملة لعلم الفقه وتميزت بدرجة كبيرة من الدقة، كنسق الإمام أبو حنيفة والإمام مالك مثلًا، لكن الشافعي قد حدد الأصول وأفاض في شرحها وتنظيمها، للدرجة التي جعلت اللاحقين عليه يجمعون على نظريته في علم الأصول، بل تم اعتبار الإمام الشافعي هو مؤسس علم أصول الفقه رغم وجود محاولات سابقة. أما بعد الشافعي، فقد مر الفقه الإسلامي بمنعطفين في غاية الأهمية، الأول كان مع الإمام الغزالي، والثاني مع الإمام ابن تيمية وهو ما سنعود إليه لاحقًا بعد أن نوضح دور الإمام الشافعي في تحديد وصياغة ذلك العلم، ونوضح ما هو المنهج الذي استعمله كمنهج أساسي لذلك العلم.
الشافعي وتأسيس نظرية القياس
ذكرنا سابقًا أن لكل علم منهجًا يقوم عليه، وبالنسبة إلى منظومة الفقه الإسلامي فقد اعتمد الفقهاء والأصوليون على منهج محدد لاستنتاج القواعد الفقهية التي تُستخدم لإصدار أحكام الفقه، وقد احتوت مؤلفات علماء الأصول والفقه على مسمى محدد لتلك النظرية، فقد أطلقوا عليها اسم «نظرية القياس» (³)، وهذه النظرية اكتمل بناؤها وتحددت ملامحها على يد الإمام الشافعي (المُتوفَّى 204 هجريًّا) في رسالته المعروفة في أصول الفقه، وقد كان دور اللاحقين عليه من فقهاء وأصوليين -خاصةً المنتمين إلى المذهب الشافعي والحنفي- في توضيح فكر الشافعي فيما يتعلق بتلك النظرية. وفيما عدا ذلك، فقد ظلوا مخلصين للهيكل العام لهذا النظرية كما وضعها الشافعي. فما هي فحوى «نظرية القياس» التي وضعها الإمام الشافعي؟
في البداية يجب توضيح أن مصطلح «القياس» وافِدٌ من حقل الفلسفة، وهو مرتبطٌ في الفلسفة بفرع المنطق الذي تأسس على يد الفيلسوف اليوناني الشهير «أرسطو»، وعلم المنطق هو المختص بتوضيح ما هي الطرق الصحيحة لإقامة البرهان العلمي، وذلك بعد تحليل آليات عمل العقل البشري نفسه، والغرض من القياس عند أرسطو الانتقال من أمرٍ معلوم إلى أمرٍ مجهول بشكلٍ سليم لا شبه فيه. والقياس يتكون من «مقدمات» وهي الأمور المعلومة لنا، ومن «نتيجة» مجهولة نصل إليها عن طريق تلك المقدمات (⁴)، فمثلاً عندما نقول:
⦁ كل المعادن تتمدد بالحرارة (مقدمة)
⦁ الذهب من المعادن (مقدمة)
⦁ إذن، فالذهب يتمدد بالحرارة (نتيجة)
وقد حدد أرسطو أشكالًا وأنواعًا عديدة لذلك القياس المنطقي، وذلك في مجموعة أبحاثه الشهيرة المعروفة «بالأورجانون» ومعناها «آلة العلوم»، لأن المنطق هو مقدمة أي علم يبغي لنفسه اليقين والدقة، أما عن معنى القياس عند الفقهاء والأصوليين فهم يقصدون به شكلًا واحدًا مُعيَّنًا من أشكال القياس المنطقي وليس القياس الأرسطي بكل أنواعه وهو قياس (التمثيل – analogy) أو قياس الشبه (5). فكيف عرف الإمام الشافعي نظرية القياس؟
لقد تصدى الشافعي للإجابة عن هذا السؤال بقوله:
«كلُّ حكمٍ لله أو لرسوله وُجِدَت عليه دلالة فيه أو في غيره من أحكام الله أو رسوله بأنه حكمٌ به معنى من المعاني، وحين تنزل نازلة ليس فيها نص، يُحكم فيها حكم النازلة المحكوم فيها إذا كانت في معناها» (6)
ونستطيع توضيح تعريف الشافعي لقياس الشبه، بأنه حينما نكون أمام حالةٍ طارئةٍ ونريد الحكم عليها في غياب نصٍّ ينظمها من القرآن أو السنة، فإننا نبحث لتلك الحالة عن نصٍّ يكون قد نظم حالةً شبيهةً بها، ونحكم عليها بنفس الحكم الذي تضمنه هذا النص. وقد ذكر الشافعي أمثلةً كنوعٍ من التطبيق لنظرية القياس، يقول الشافعي:
«إن الله حرَّم من المؤمن دمه وماله وإن يظن به إلا الخير. فإذا حرم أن نظن به ظنًا مخالفًا للخير، كان ما هو أكثر من الظن (كأن نقول عنه غير الحق مثلًا) أولى أن يحرم» (7)
وهناك أمثلة عديدة في كتب الفقه وأصوله على تطبيق هذا القياس، فمثلًا إن الإسلام حرَّم شرب الخمرة لأنها مسكرة، فاستخلص الفقهاء من ذلك تحريم شرب الجعة (البيرة) التي هي أقل إسكارًا من الخمر، رغم عدم وجود نصٍّ صريح في تحريمها وذلك استنادًا إلى تلك القاعدة الفقهية التي وضعها الشافعي.
والسؤال المهم هنا: هل تأثر الإمام الشافعي بالمنطق الأرسطي ولو بطريقٍ غير مباشر؟ وهل هناك صلة بين القياس الفقهي والقياس الفلسفي؟
المنطق ونشأة العلوم
ذكرنا سابقًا أن أرسطو هو واضع علم المنطق، وأن هذا العلم هو مدخل للعلوم جميعها، فهو المختص ببناء النسق الفكري لأي علم، فقد استعمله إقليدس في كتابه «المبادئ» لإقامة علم الهندسة، والتأثر واضح بمنطق أرسطو. وكذلك علم القانون الروماني الذي تأثر أيضًا بنظريات القياس المنطقية عند أرسطو، فالمنطق هو الهيكل الذي تصب فيه العلوم، وقد شَكَّلت تلك العلوم التي نشأت في مدينة الإسكندرية في العصور البطلمية والرومانية ما يُعرف بـ«التراث الهللينستي»، وهو التراث الذي تأثر به أغلب العلماء المسلمين في كافة الفروع، فلم يكن علماء الإسلام من أمثال جابر بن حيان الذي اِشتهر بأبحاثه في الكيمياء، والحسن ابن الهيثم الذي كان له الفضل الكبير في تطوير علم البصريات، وكذلك ابن سينا والرازي اللذان كانا على رأس الحركة الطبية في الإسلام، أقل تأثرًا بما تضمنه منطق أرسطو من أفكار ومناهج، هذا المنطق الذي كان شائعًا في مصر وفارس وفي الكنائس السريانية قبل حركة الترجمة العربية التي قامت بنقل هذا التراث للغة العربية، وتلك هي البيئة التي عاش وتنقل فيها الإمام الشافعي في القرن الثاني الهجري.
خطوة الإمام الغزالي
لقد تأثَّر الفقهاء بشكلٍ كبير بنظرية قياس الشبه التي وضعها الإمام الشافعي، وقد ظلت تلك النظرية هي المهيمنة في الفقه حتى منتصف القرن الخامس الهجري، عندما أدرك بعض علماء الأصول عدم كفاية تلك النظرية لأن تكون وحدها المنهج المستعمل في الفقه، فالعيب الأساسي لقياس الشبه الذي استعمله الشافعي أن جميع الأحكام الناتجة عنه هي أحكام محتملة لا تمتلك صفة اليقين والضرورة المنطقية التي تسعى كل العلوم إليها، فقياس الشبه بصوره المختلفة قائم على أساس التشابه بين حالة موجودة بشكل صريح في النص وحالة لا توجد بشكل صريح، ولكنها تشبهها فقط في جانب من الجوانب كما ذكرنا في الأمثلة السابقة، وحالة التشابه فقط لا تنتج اليقين.
ولهذا السبب بدأ علماء الأصول في البحث عن مناهج أكثر صرامة ودقة ليقيموا عليها منهج الفقه، فانتقلوا للمنطق اليوناني الذي كان شائعًا ومنتشرًا في الثقافة الإسلامية في تلك الفترة، وقد وجدوا ضالتهم في أنواعٍ أخرى من القياس قد ذكرها أرسطو وفلاسفة آخرون كالرواقيين، منها ما يُعرف بالقياس الحملي، والقياس الشرطي.
وقد قام الغزالي (المُتوفَّى 505 هجريًّا) بتلك الخطوة الحاسمة، فالسابقين عليه لم يدركوا أهمية استعمال تلك الأنواع من القياس، فيما عدا حالة نادرة تعود لابن حزم الظاهري، وقد بدأ الغزالي محاولته لإدخال تلك الأقيسة للفقه في كتابيه «مقاصد الفلاسفة»، «والقسطاط المستقيم»، ثم عاد لكي يفصل نظريته في كتابيه «محك النظر»، «ومعيار العلم». واكتملت رؤيته بشكل نهائي بالنسبة إلى المنطق في كتابه المهم «المستصفى في أصول الفقه» حيث أصبحت دراسة المنطق مدخلًا طبيعيًّا ليس فقط لعلم الفقه ولكن لأيِّ علمٍ دقيق، فقد أوضح الغزالي أن منهج الفقهاء لا يختلف في شيء عن منهج أي علم آخر، فلا يوجد ما يسمى «منهج خاص للفقه الإسلامي»، فالفقه مثله كأي علم آخر يستخدم المنطق لإقامة براهينه، فهو عند الغزالي «مقدمة لكل العلوم، والعالم الذي لا يمتلك هذه المقدمة لا يمكن أن يثق في علمه أو معرفته» (8).
اعتراض ابن تيمية
انقسم الفقهاء بعد خطوة الغزالي إلى فريقين، الفريق الأول تابع ما قدمه الغزالي من تطوير للمنهج الأصولي مثل الآمدي، فقد ساروا في الطريق الذي رسمه الغزالي من حيث تكريس مقدمات مؤلفاتهم لعرض مختصر للمنطق اليوناني ليكون بمثابة الأداة أو المنهج. أما الفريق الثاني فقد هاجم الغزالي وانتقده انتقادًا مُرًّا، ويمثل هذا الفريق «ابن الصلاح» (643 هجريًا)، وهو الذي أفتى بتحريم المنطق اليوناني واستخدامه في الفقه والعلوم الشرعية (9)، والمفكر الآخر هو «ابن تيمية» (728 هجريًا) الذي هاجم منطق أرسطو مُظهرًا ما فيه من عيوب وتناقضات، وعلى أساس أن الفقه الإسلامي كما وضعه الشافعي لا حاجة به إلى منطق أرسطو، لأن الفقه الإسلامي يقوم على نظرية القياس التي يعتقد ابن تيمية بأنها إسلاميةٌ خالصة. (10)
وما يؤخذ على ابن تيمية أنه يريد أن يرتد بعلم الفقه لمرحلة أقل تطورًا، وأن يعود إلى منهجٍ أقدم وأقلَّ دقةً من المنهج الذي أدخله الغزالي، وذلك تحت دعوى أن المنهج الأقدم الخاص بالشافعي القائم على قياس الشبه هو منهج إسلامي. وقد كرَّس ابن تيمية الجانب الأكبر من مؤلفين أساسيين له لنقد المنطق الأرسطي (11)، واستخدم في ذلك حججًا وأدلة ذات طابع سيكولوجي، وأخرى شبيهة بحجج مذهب الشك في الفلسفة اليونانية (12).
وبعيدًا عن القيمة الموضوعية لنقد ابن تيمية لمنطق أرسطو ومدى صحتها، فالأهم هنا هو النتائج التي يرتبها على نقده، وهي إبطال الأخذ بالمنطق والقياس اليوناني في ميدان الفقه والشريعة الإسلامية، والاعتماد فقط على نظرية قياس الشبه التي سبق أن عرضنا لها، يقول:
«القياس الصحيح هو الذي وردت به الشريعة. الأول قياس الطرد، والثاني قياس العكس» (13)
ونلاحظ هنا أولًا مفارقةً كبرى في نقد ابن تيمية لاستعمال المنطق، فهو يستدعي حججًا فلسفيةً ومنطقيةً في كتبه وذلك ليمنع استعمال الفلسفة والمنطق في العلوم الشرعية. وثانيًا إن ابن تيمية في تقسيمه للقياس الشرعي الصحيح إلى قياس الطرد، وقياس العكس كما في المقتطف السابق يغيب عنه أن هذه المفاهيم نفسها يونانية فلسفية وليست من أصول ولا مفردات الشريعة، فعلى أيِّ أساس ينتقد الغزالي في استعماله المنطقَ اليوناني وهو يستعمل نفس المفاهيم والمفردات؟!
فمرحلة نزول القرآن والحديث النبوي لم تعرف هذه التقسيمات المنطقية على النحو الذي يصفها به ابن تيمية، كما أن قياس الشبه الذي يدعو ابن تيمية للعودة إليه يعود إلى مصادرَ فلسفيةٍ يونانيةٍ أيضًا، فعندما وضع الشافعي الأساس لقياس الشبه في القرن الثاني الهجري كانت كتابات أرسطو المنطقية منتشرة في العالم الإسلامي، كما أن المقارنة بين كتاب الطوبيقا لأرسطو، وهو الكتاب الذي يُذكر فيه قياس الشبه، وبين رسالة الشافعي تُرجِّح وجود تأثير من منطق أرسطو على رسالة الشافعي، فالشافعي يقسم قياس الشبه لقسمة ثنائية هي: قياس من أعلى لأدنى، وقياس من أدنى لأعلى، وتلك القسمة شبيهة بقسمة أرسطو لنفس القياس في كتابه سالف الذكر، ومن المعروف أن كتاب الطوبيقا من مؤلفات الشباب عند أرسطو التي كان يتمرن فيها للوصول لنظرية القياس المنطقي التي ستكتمل في كتابه الآخر «التحليلات الأولى»، ولهذا السبب دعى الغزالي إلى هجر قياس الشبه الأقل تطورًا الذي استعمله الشافعي، واستعمال قياس أكثر دقة هو القياس الحملي والشرطي (14)، وهو الأمر الذي غاب عن ابن تيمية.
إعداد وكتابة: مصطفى ماهر
المصادر والمراجع:
.1 الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، ج1، ص5
.2 المرجع السابق: نفس الموضع.
.3 راجع في ذلك: المعتمد في أصول الفقه للبصري، البرهان في أصول الفقه للجويني، المستصفى للغزالي، الإحكام للآمدي، والإحكام لابن الحزم الظاهري.
.4 أرسطو: منطق أرسطو، حققه وقدم له عبدالرحمن بدوي، ج2 ، ص329.
.5 الجرجاني: التعريفات، ص159.
.6 الشافعي: الرسالة في أصول الفقه، ص125.
.7 المصدر السابق: ص137.
.8 الغزالي: المستصفى، ص7.
.9 ابن الصلاح: الفتاوى، ص35 وما بعدها.
.10 انظر له كتاب «نقض المنطق»
.11 ابن تيمية: نقض المنطق، ص155-201، نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان، ص201-343.
.12 عزمي إسلام: دراسات في المنطق، فصل خاص بعنوان «المنهج المنطقي عند ابن تيمية ونقد المنطق القديم»، ص9-63.
.13 ابن تيمية: رسالة القياس، ص10.
.14 حسن عبدالحميد: مستويات الخطاب المنهجي في العلوم الإسلامية، ص225-227.