في فبراير الماضي صنع العلماء اكتشافهم الرائد لموجات الجاذبية الناتجة من تصادم ثقبين أسودين، أما الآن فيترقب الباحثون اكتشاف مماثل لإشارات موجات الجاذبية في المستقبل القريب لتصادم النجوم النيترونية، مثل تصادم نجمين نيوترنيين ليكوّنان ثقبًا أسود أو تصادم نجم نيوترونيّ وثقب أسود.
في دراسة جديدة نُشرت في مجلة «Physical Review Letters» قام أليكسي كوركيلا في سيرن وجامعة ستافنجر في النرويج وأليكسي فورينن بجامعة هلسنكي في فنلندا بتطوير طريقة أفضل لتحليل المادة شديدة الكثافة المسمّاة بـ«مادة الكوارك-Quark matter» والتي يُعتقد بأنها موجودة في جوف النجوم النيترونية. طريقتهم جعلت التنبؤات النظرية المتعلقة بخصائص مادة النجوم النيترونية- التي يعمل عليها الباحثون- أكثر قابلية للاختبار.
وحتى الآن فإنّ أفضل وصف كمّي لمادة الكوارك يعمل عند درجة حرارة الصفر المطلق، على رغم أنّ هذا الصفر المطلق التقريبيّ مناسبٌ لوصف النجوم النيوترونية الخاملة فإنّ تصادمات النجوم النيوترونية يصاحبها ارتفاع شديد لدرجات الحرارة مما يجعل التصحيحات الحرارية ضرورية.
وفي الدراسة الجديدة فسّر فورينن وكوكيلا تأثيرات الحرارة العالية وأدرجوها في معادلة الحالة التي تصف مادة الكوارك، وتعميمها لدرجات الحرارة الصغيرة نسبيًا وليست الصفرية، وقد وفّر هذا الإطار المعدّل وصفًا أكثر دقة لمادة الكوارك والتي تصلح للظروف الحارة الموجودة في اندماج النجوم النيترونية.
مادة الكوارك:
وكما يوحي الاسم فالنجوم النيوترونية تتكون أغلبها من النيوترونات، ومثل كل المواد المعروفة فإن النيوترونات مكونةٌ من الكواركات. عادةً ما تكون الكواركات مترابطة مع بعضها في مجموعات من ثلاث، لكن الكثافة الكبيرة والضغط الهائل في قلب النجم النيوترونيّ كافيان لكسر التركيب الهيكليّ للنيوترونات، لذلك فإنّ الكواركات تنفصل عن بعضها مكوّنةً مادة الكوارك. وفي حين أن الذرات هي العنصر الأساسيّ للمادة الذرية التي ندركها، فإن الكواركات هي العنصر الأساسي لمادة الكوارك إلى جانب الجولوونات «Gluons» التي تمسك الكواركات مع بعضها.
إن مادة الكوارك ليست مفهومة بشكل جيد حتى الآن، وذلك لأنها ليست موجودة بشكل طبيعيّ على الأرض. يمكن للباحثين إنتاج بلازما الكوارك- جولوون في مصادم الجسيمات ذات الطاقات العالية مثل مصادم الهدرونات الكبيرة LHC، لكنها تتواجد فقط لجزء من الثانية قبل أن تنحلّ بسبب صعوبة الحفاظ على الظروف القاسية التي تتطلبها.
موجات الجاذبية من النجوم النيوترونية
هناك بديل عن إنتاج مادة الكوارك وهو البحث عنها في الفضاء باستخدام التقينات الحديثة التي استخدمت مؤخرًا لرصد موجات الجاذبية من تصادم الثقوب السوداء، فحاليًا يبحث الباحثون عن موجات جاذبية ناتجة من تصادم النجوم النيوترونية. إن الكشف عن إشارة لمثل هذا النوع من التصادم سيوفر للعلماء ثروة من المعلومات الجديدة حول مادة الكوارك.
وقد قال كوركيلا لموقع Phys.org «إن الأمل هو موجات الجاذبية الناتجة من اندماج نجمين نيوترونين أو نجم نيوتروني وثقب أسود والتي من شأنها أن توفر معلومات مفصّلة عن بنية النجوم النيوترونية» وأضاف أيضًا «إن هذا بدوره سيمكن الباحثين من استنتاج معادلة حالة المادة المكوّنة للنجوم، أي الخصائص الثيرموديناميكية للنواة ومادة الكوارك»
إذا ما كان الكشف عن مادة الكوارك تجريبيًا أمرٌ صعب فإن الوصف النظري على المثل هو تحدٍّ كبير، هذا لأن الوصف يشمل تطبيق القوى القوية- والتي تتوسطها الجلوونات- إلى مادة عالية الطاقة من النجوم النيوترونية.
«إن هدفنا كعلماء نظريين من الجسيمات هو التنبؤ بمعادلة الحالة من المباديء الأولية، أي بدايةً من الخصائص الأساسية لنظرية التفاعلات القوية والكروموديناميكية الكمومية QCD» وقد أضاف فورينن «إن هذا التحدي كبير وصعبٌ جدًا، ولكن لو نجحنا في يوم ما عندما تكون اكتشافات النجوم النيترونية دقيقة بما فيه الكفاية، فإن نتائجنا يمكن استخدامها لتفسير بيانات الرصد من اندماج النجوم النيوترونية، وفي النهاية اقول بأن النجوم النيوترونية لديها أنوية مكونة من مادة الكوارك» والنتائج هنا تطبق أيضًا على بلازما الكوارك- جولوون الناتجة في مسرعات الجسيمات والتي يختلف تفسير العلماء لها قليلًا عن مادة الكوارك المتوقع وجودها في النجوم النيوترونية.
«إن بلازما الكوارك- جولوون والتي يتم إنتاجها من تصادم الأيونات الثقيلة يمكن التخمين بأنها ساخنة ولكن ليست كحساء كثيف من الكواركات والجولوونات، بينما مادة الكوارك مادة كثيفة جدًا وباردة خاصةً الحالة الصلبة من المادة» كما قال كوركيلا، وأضاف أيضًا «إنّ عملنا في الواقع يسد الفجوة بين هذين النظامين، ونتائجنا قابلة للتطبيق في كل درجات الحرارة بخلاف كل النتائج السابقة» في المستقبل يخطط الباحثون إلى تحسين طرقهم لتطوير تنبؤاتهم.
«جنبًا إلى جنب مع شركائنا في كل من أوروبا والولايات المتحدة نعمل بنشاط لتطوير الحالة الحالية للنتائج الفنية المتعلقة بمعادلة درجة حرارة الصفر المطلق في حالة مادة الكوارك» كما قال فورينن، وأضاف قائلًا «نأمل بأن تكون خطواتنا المقبلة فيما يُسمى بتوسع الاقتران الضعيف لمعادلة الحالة متوفرةً خلال هذا العام، والتي تسمح بالتنبؤ الدقيق لخصائص مادة الكوارك الباردة»
ترجمة وتصميم: Mohammed Abkareno
مراجعة لغوية: إسراء حسن.
المصادر: http://sc.egyres.com/VlNhF