بيتكوين (Bitcoin) وإيثيريوم (Ethereum) ولايت كوين (Litecoin) ومونيرو (Monero)؛ كلها أسماءٌ لعملاتٍ رقميةٍ معروفة تكررت على أسماعنا كثيرًا يومًا بعد يوم، خاصةً في الآونةِ الأخيرة. وعلى الرغم من عدم وجودها ماديًّا، فهل يمكن أن تؤثر طرق التبادل الجديدة هذه سلبًا على كوكبنا؟
إنه سؤالٌ يطرحه الباحثون من جامعة نيو مكسيكو، الذين يبحثون في الآثار البيئية لتعدين العملات المشفرة، وما وجدوه كان صادمًا…
ما هي العملات الرقمية؟
العملات الرقمية هي شكلٌ رقمي من النقود، يعمل على نظامٍ نقديٍّ جديدٍ تمامًا، وهو نظامٌ لا يخضع لأيِّ سلطةٍ مركزية، ولا تتبعه مؤسسة رسمية.
هناك العديدُ من أنواع العملات المشفرة ذات الوظائف المختلفة. بغض النظر عن كل وظيفة، تُدعَم كلَّ عملةٍ رقمية بشبكة نظير إلى نظير لا مركزية تُسمَّى سلسلة الكتل (blockchain). تضمن تقنية Blockchain الاحتفاظ بجميع العملات المشفرة، بغض النظر عمَّا إذا كانت محفوظةً في محفظةٍ رقمية، أو تستخدم في التداول. ومع ذلك، فإن فعالية تشغيل مثل هذا النظام تتطلب بنية تحتية تضمن أن الغش واللعب غير ممكنين.
كانت البيتكوين أولَ عملةٍ سُوِّقَت، حيث أُنشِئ نظامٌ يتعين فيه على شخصين -المرسل والمستلم للعملات النقدية- التوقيع على المدفوعات لإنشاء توقيعٍ رقمي، كلُّ شخصٍ لديه مفتاح تشفير عام وخاص مما يجعل هذا ممكنًا. يتم التحقق من كل معاملة للتأكد من دقتها والنظام مجهول وشفاف تمامًا. وفي وسط هذه البنية التحتية دفترُ الحسابات، وهو دفترٌ مرئيٌّ للجميع مما يلغي إمكانية الغش والتلاعب في هذا النظام.
إذن، ما علاقة العملات الرقمية بالبيئة؟
على الرغم من أنها تبدو وسيلةً جيدة بل وأفضل من العملات العادية للتبادل، بل ونظيفة بيئيًّا لانعدام وجودها المادي وعدم استهلاك الأوراق في طباعتها، إلا أن العيب الرئيسي في هذة العملات أن الآليات التي تجعل هذه العملات جذابة للغاية تستخدم كميات هائلة من الطاقة.
في ورقةٍ بحثيةٍ جديدةٍ بعنوان «الأضرار المالية – Cryptodamages: تقديرات القيمة النقدية لتلوث الهواء وآثار تعدين العملة المشفرة» المنشورة في مجلة أبحاث الطاقة والعلوم الاجتماعية، فإن الأثر البيئي لتقنيات استخراج العملات المشفرة يحدث كالآتي: تتم عمليات الإنتاج المستقلة أو «التعدين» للعملات المشفرة باستخدام أجهزة كمبيوتر متخصصة مستهلِكة للطاقة، ويمكن أن تتم في أي موقع جغرافي، تتجمع العمليات واسعة النطاق -التي تُسمَّى معسكرات التعدين- حول أسرع اتصالات الإنترنت وأرخص مصادر الطاقة، بغض النظر عمَّا إذا كانت الطاقةُ متجددةً أم لا.
«مع كلِّ عملةٍ مشفرة، يمكن أن تؤدي الاحتياجات المتزايدة للكهرباء لإنتاج عملة واحدة إلى منحدرٍ لا مفر منه»
يقول العالم (جودكايند-Goodkind) التابع للفريق الناشر لهذه الورقه البحثية:
«إن الحواسيب المتخصصة المستخدمة في التعدين يجب أن تظل باردةً -عبر استخدام مُبرِّدات للأجهزة- لكي لا ترتفع درجة حرارتها أثناء معالجة هذه الخوارزميات المعقدة. فلم يكن استخدام الطاقة الإضافي هذا جزءًا من هذه الدراسة، مما يعني أنه تُستهلك طاقةٌ أكثر مما يُحسب حاليًا عند النظر في استخدام آلات التشغيل فقط».
وأضاف جودكايند:
«نظرنا في التغير المناخي الناتج عن انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن إنتاج الكهرباء وكذلك التأثيرات التي تحدثها ملوثات الهواء المحلية عندما تُحمَل في اتجاه الريح وعبر المجتمعات المحلية».
الأضرار الصحية للعملات الرقمية وتغير المناخ
يقدر الباحثون أنه في عام 2018، كان كل دولار واحد من قيمة بيتكوين التي أُنشِئت مسؤولٌ عن 0.49 دولار في الأضرار الصحية والمناخية في الولايات المتحدة.
تُظهر البيانات أنه في وقتٍ واحدٍ خلال عام 2018 كانت التكلفة الناتجة عن إنشاء البيتكوين تتطابق مع قيمة التبادل ذاته. وتنشأ هذه الأضرار من زيادة الملوثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري المستخدم لإنتاج الطاقة مثل: ثاني أكسيد الكربون والجسيمات الدقيقة وأكسيدات النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت، وارتبط التعرض إلى هذه الملوثات بزيادة خطر الوفاة المبكرة.
بالإضافة إلى التأثيرات على صحة الإنسان الناتجة عن زيادة الملوثات، نظر الباحثون في الآثار المترتبة على تغير المناخ وكيف يشجع نظام التعدين الحالي على الاستخدام المرتفع للطاقة.
وضح بيرنز (Berrens) أحد علماء فريق البحث أن:
«هناك مسألةٌ مهمة هي عملية الإنتاج المستخدمة في سلسلة الكتل لتأمين كتل جديدة من المعاملات المشفرة. إلى جانب قواعد العرض للوحدات الجديدة للعملة فإن بعض عمليات الإنتاج مثل نظام إثبات العمل السائد (POW) والمستخدم في Bitcoin تتطلب استخدامًا متزايدًا للطاقة الحوسبية، واستخدام الطاقة يزيد في حالة مسابقات للفوز بالجائزة الكبرى عبر حل مشكلة معقدة من الخوارزميات، وتأمين كتل جديدة في السلسلة».
على الرغم من محدوديتها نسبيًّا في الاستخدام الكلي حاليًا، إلا أن هناك عملات مشفرة ذات مخططات إنتاج بديلة تتطلب استخدامًا أقل للطاقة. ويأمل الباحثون من خلال الإعلان عن الآثار الصحية والمناخية لهذه المخططات أن يشجعوا على أساليب بديلة للتعدين.
تقول الورقة البحثية:
«إن القدرة على تحديد موقع التشفير في أيِّ مكانٍ تقريبًا -أي تتبع مصدر الكهرباء الأقل تكلفة وغير المنظم- تخلق تحديات كبيرة أمام تطبيق اللوائح».
المصادر