القبح والجمال
طالما كان القبحُ والجمالُ كلمتين متضادتين؛ فمعنى كلمة قبيح في المعاجم العربية هو:
«كُلُّ ما يَنْفِرُ منه الذَّوق السَّليم ويأباه العرف العام»
والعكس يُطبق على كلمة الجمال لأنها:
«صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النُّفوس سرورًا أو إحساسًا بالانتظام والتّناغم»
فمنذ آلاف السنين، كان هدف الفن هو تصويرُ كُلِّ شيءٍ جميل، وهذا أدى إلى أن معايير تقييم الفن أصبحت تعتمد على ما إذا كان هذا العمل الفني جميلًا أم قبيحًا، وبالتالي، فالعمل الفني الذي يصفه الناس بالقبيح سيدل على فشل الفنان؛ لأن جمال العمل الفني من المعايير الأساسية التي تستخدم في قياس نجاح هذا العمل أو فشله. ولكن السؤال هنا هل إذا لم يوصف هذا العمل الفني بالجمال، فإذًا هو قبيح؟ جاءت الإجابة عن هذا السؤال مختلفة بين مفكرٍ وآخر، فهؤلاء الذين يرون أنَّ القبحَ والجمالَ كلمتان متضادتان سيجيبون على هذا السؤال بالإيجاب. أما الذين لا يرون هذا التضاد لن يقوموا بوصف ما هو ليس جميلًا بالقبيح؛ لأن القُبحَ بالنسبة إليهم يتضمنُ معانٍ كثيرة مثل: الرعب، والسخرية، وما شابه ذلك.
جماليات القبح
لقد تغير مفهوم كلمة قبح في الفنون عندما نشر كارل روزنكرانز كتابه (Aesthetics of Ugliness) عام 1835، والذي جعل روزنكرانز فيه القبح كفئة جمالية. وقال روزنكرانز في كتابه:
«لن يتم التعامل مع مفهوم القبح إلا بطريقة عامة جدًا، وهذا أدَّى إلى وجود مفهومٍ واحدٍ للقبح».
وأكد روزنكرانز في كتابه أن مفهوم القبح لا يمكن فصله عن مفهوم الجمال، بل إنه جزء لا يتجزأ من الجمال. وفي كتاب (The Grotesque in Art and Literature: Theological Reflections)، يقول الكاتب: [1]
«عادةً عندما يرى الإنسان شيئًا قبيحًا، يكون رد فعله الغضب، أو الخوف، أو الاستنفار، أو ما شابه ذلك، ولكن عندما يصور القبيح في الأعمال الفنية بطريقة جميلة، يصبح العمل الفني يصور القبح وليس عملًا فنيًّا قبيحًا. ومثال على هذا: لوحة صلب المسيح، فهذا المشهد هو مشهدٌ قبيح، ولكن يوجد فنانون كثيرون يصورون هذا المشهد في لوح فنية جميلة للغاية».
فن الصدمة
الصدمة هي من الأفكار الرئيسية في علم الجماليات المعاصر (بالإنجليزيَّة: Modern Aesthetics). وفن الصدمة هو الفن الذي يصور كل الأفكار الممنوعة والمثيرة للجدل مثل الأفكار السياسية، والدينية، والاجتماعية، والأشياء القاتمة، والموضوعات المحرمة، والمحظورة. ويتناول الفنان هذه الموضوعات والأفكار بأكثر طريقةٍ غير ملائمة، ولهذا يُصدَم الجمهور، ويُترَك في حالة من عدم الاستقرار والاضطراب. ولكن ما الهدف من هذا الفن؟ إن هذا الفن القبيح يعكس فترة زمنية قبيحة، فمثلًا في ستينيات القرن الماضي، تخلّى فيليب غوستون عن المدرسة التجريدية التعبيرية ولجأ إلى رسم رسوم مخيفة تعبر عن حالات التعصب العرقي وعدم الاستقرار داخل المجتمع. ولذلك فإن هدف هذا الفن هو تحدي ما هو جذاب ومألوف، وأيضًا لتذكير الناس أن الفن ليس كالعلوم، فالفن كالمخدر يسبب الاضطرابات ويجعل الإنسان يرى كل شيء من وجهات نظر متعددة. [2]
ومن أنواع الفنون التي تسبب الصدمة الفن المثير للاشمئزاز (بالإنجليزيَّة: Disgusting Art). وبما أن الشعور بالاشمئزاز هو من الأحاسيس الأساسية، فهذا النوع من الفن موجود منذ نشأة الفن نفسه. والذي يجعل هذا الفن مثيرًا للاشمئزاز هو أن الفنان يجمع بين أشياء لا يمكن أن تكون موجودة في لوحة واحدة، فبالتالي يشعر الناس بالصدمة والاشمئزاز. لذلك عادةً ما يصور هذا النوع من الفنون الممارسات المحرمة، والصادمة، والغريبة، والجنسيَّة. ولهذا فهدف هذا الفن هو تحدي ثقافة وتقاليد المجتمع، ولكن يتساءل الكثيرون إذا كان هذا النوع من الفن يستمر في شعور الناس بالاشمئزاز بسبب اعتياد البشر على هذا النوع من الصور إلى الآن أم لا؟
أشهر اللوحات
أولًا، (Night Creeper) من أشهر لوحات الرسام والمصور والنحات البولندي جيزلاف بيكشينسكي، والذي كان
مهووسًا بالتدهور، والفساد، والظلام، والإثارة الجنسيَّة. ولذلك فإن معظم لوحاته، بما فيها لوحة (Night Creeper)، تُعطِي انطباعًا وكأنها كابوسٌ أو جحيم. ثانيًا، يُعتبر قناع الفنان البريطاني مارك كوين (Self)، والذي صنعه كوين باستخدام 10 مكاييل من دمه، من الأعمال الفنية التي تصيب الإنسان بالصدمة. ويصنع كوين هذا القناع كل 5 سنوات ليعرف مدى التغير الذي حدث له خلال هذه السنوات. ثالثًا، تصنف لوحة “الدوقة القبيحة” من اللوحات الصادمة، ففي هذه اللوحة، تظهر امرأةٌ عجوزٌ قبيحة ذات جلدٍ متجعد وثديين ذابلين، ولكن ما يجعل هذه اللوحة منفرة ليس قبح المرأة، ولكن ملامحها الذكورية، وهذا يؤكد أن ما يجعلُ العمل الفنيَّ صادمًا هو وجودُ أشياءٍ لا يمكن أن تظهر في نفس اللوحة. [3]
متحف الفن السيء
أين توجد هذه اللوحات؟ توجد هذه اللوحات في متحف الفن السيء (بالإنجليزيَّة: Museum of Bad Art)، والذي أُنشئ عام 1994، ولديه ثلاثةُ فروع جميعها بولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة. وكما هو موضح على موقع المتحف، فهذا المتحف يضمُ أحسنَ مجموعةٍ من الفن السيء لتُعرض أمام أكبرِ عددٍ من الجمهور. ويهدف هذا المتحف إلى بناء أكبر صرحٍ في العالم للفن السيء، ويعمل موظفوه بجهدٍ شديد للوصول إلى هذا الهدف. ويضم المتحف الآن أكثر من 700 عمل فني سيء. [4]
وفي النهاية، سواء قبلت فكرة أنَّ الجمالَ والقبحَ كلمتان متضادتان أم لا، فسيظل مضمون العمل الفني يؤدي دورًا مهمًا في تذوق هذا العمل.
المصادر:
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
المصدر الرابع