يعتبر السيد أندرسون (Paul Thomas Anderson) عبقري من عباقرة السينما الحديثة، وذلك لما قدمه من أفلام مثيرة غيرت السينما بشكل جذري. دومًا ما تميزت أفلام بول بخفة الدم والطابع الخاص، والتصاعد الملحمي للأحداث، حتى ساد اعتقاد أنَّ حيوية أفلام بول ترجع لصغر سنه الذي يمنحه خاصية الرؤيا الشبابية والحركة الحرة، لكن بول نفى ذلك الاعتقاد بتقديمه بعض أفضل الأفلام الأمريكية في العشرون سنة الماضية، ولا عجب في هذا؛ بول لديه القدرة على تقديم رؤى عميقة للحياة، واستخدام الأدوات والبيئة المتاحة لصنع فيلم يحتوي العالم.
يتميز أسلوبه بالانتقال والتحول المستمر من فيلم لآخر، مما وضعه دائمًا في مقارنة مع (ستانلي كوبريك)، ولكن هذا نظرًا لمجمل الأعمال المختلفة والمتلونة التي لا تقلل من قدرة المخرج بل تكثف الاعتراف بعمله، ولهذا فإنَّ أعمال بول توماس أندرسون ليست عن الغرب الأمريكي أو أفلام تشويق ودراما فقط، هي في الأساس عن بشر غلقت في غرف من أنظمة الإذلال محاصرين بضغط التوقعات المرتفعة، وعن أناس مذبذبة بين الجشع والطموح، بين القوة والضعف.
نجد أيضًا أن بول يحب صناعة شخصيات في صراع أزلي، ولكي يدعم ذلك الصراع يستعين بأشخاص ذوي خبرة سينمائية مثل الممثل (فيليب هوفمان سيمور) و(فيليب بيكر هال)، بالإضافة إلى المصور السينمائي (روبرت السويت) الذي استعان به في معظم أفلامه.
في هذه المقالة نقدم لكم أفلام بول توماس أندرسون مرتبة من الأقدم للأحدث، في محاولة منا لتقديم مقال يساهم في فهم تطور أسلوبه وخصائصه، ونبذة تعريفية بمحتوى أفلامه.
1.لعبة الثمانية الصعبة – (1997) Hard eight/ Sydeny
فيلم الثمانية الصعبة أو سيدني -الاسم الأصلي الذي اختاره له بول توماس أندرسون- هو أول أعمال المخرج والذي أنجب به لنا العديد من الإضافات والتفاصيل المميزة التي سوف تصبح مرتبطة بجسم العمل الذي يقدمه بول توماس أندرسون لاحقًا. من ضمن تلك العناصر: الكاميرا الجوالة غير الثابتة، والفضاء الحضري الواسع الذي قد يبدو فارغًا ولكنه مليئ بالمساحات الداخلية المذهلة، أيضًا، دومًا ما يعرض الصراع المستمر بين الدين ومعتنقيه والصدمات التي نتعرض لها من جيل لآخر بل وتلك المواقف المؤلمة التي نعرض أنفسنا إليها لكي نفهم العالم.
يقدم لنا الفيلم قصة السيد سيدني المقامر الداهية -يلعب دوره فيليب بيكر هول- والذي يجد فرصة لنفسه بالسطوع مجددًا من خلال الشاب فينيجان والذي يقوم بدوره الممثل جون سي رايلي. جون فينجان في وضع يرثى له، عليه أن يدفن أمه، هو في منتصف اللاشيء ولا يملك أي نقود، لكن كل هذا يحول إلى التغير عندما يجده سيدني، يشتري له كوبًا من القهوة، ثم يعلمه كيف يجني المال من طاولات اللعب في الكازينوهات، كيف يخادع، كيف يصل للغرف ويأكل أفضل الوجبات دون أن يدفع قرشًا واحدًا، من الناحية الأخرى، نجد السيد سيدني يتجول في أنحاء المدينة، محاولًا فهم ماضيه وتخيل مستقبله، نجد أن بول استغل قدرات فيليبس ليعطينا نظرة أعمق داخل شخص سيدني. في نهاية الفيلم نجد الشاب فينجمان واقعٌ في ورطة مخيفة، ليأخذ الفيلم منحنى آخر من الصدمة والإثارة، هذا التحول الدرامتيكي المدعوم بالسرد المفاجئ عن قصد يمهدنا لعبقرية فذة تخرج من شرنقتها، وقد لا يكون فيلم هارد إييت تحفة سينمائية، لكنه البداية التجريبية لكل الروائع القادمة فيما بعد.
2.الليالي الراقصة – (Boogie Nights (1998
بعد النجاح الذي حققه فيلم لعبة الثمانية الصعبة/سيدني أصبح السيد أندرسون في منطقة المخرجين القابلين للتمويل، وسرعان ما قدمت له شركة نيو لاين للإنتاج الفرصة ليذهب في رحلة جديدة ويقدم لنا عرضًا مذهلًا. الليالي الراقصة مستوحى من فيلم قصير يدعى «قصة ديريك ديجلر The Dirk Diggler Story»، وهو فيلم صنعه بول توماس أندرسون وهو مراهق عام (1988) بإمكانيات قليلة وبمساعدة أصدقاء أبيه، وفي فيلم الليالي الراقصة استطاع إعادة النسخة القديمة للحياة، وتجسيدها بالكامل إن جاز التعبير. لقد قام بصياغة البطل الممثل الشاب حينها «مارك ولبرج-mark wahlberg» في أحد أدواره الأولى، والذي قدم لنا بطلًا يشق طريقه ليصبح ممثلًا للأفلام الإباحية، وغالبًا ما يعكس الفيلم القصة الحقيقية لـ«جون هولمز-john holmes».
يبدأ الفيلم وكأنه تقليد ساخر لتلك الفترة التي يتتبعها الفيلم، فالمشاهد الافتتاحية في جو من السذاجة والنعيم الأبله الذي ينقلك كمشاهد داخل حلبة الرقص، ويدخلك إلى الأجواء البوهيمية خلف الكواليس وفي غرف الملابس وكأننا نشاهد قصة خلفية لتلك الصناعة، ولكن مع بزوغ فكرة وهي دمج المتعة بشيء أكثر جدية، يبدأ الفيلم في أخذ منحنى أكثر جديًا مبلغًا إيانا أن هناك شيئًا مثيرًا للاهتمام يحدث.
نجد أن فيلم الليالي الراقصة مقارب في تفاصيله لفيلم رفقاء جيدون إخراج مارتن سكورسيزي «goodfellas – Martin Scorsese» حيث يدور كلا الفيلمين حول هياكل عائلية بديلة بعيدًا عن أي شعور بالمنزل، وتداخل العمل مع الحياة لدرجة تجعل من السهل على المرء أن يُستهلك ويُدمَّر بنفس النظام الذي عظمه. بهذا المعنى، ربما يكون الليالي الراقصة فيلمًا عن إيجاد المنزل وإيجاد الأسرة وتعلم قبولهما وقبول عيوبهما. إنه فيلم عن مخاطر الأنا وسيطرة المجتمع وسطوته، وليس مجرد فيلم تقع أحداثه في وادي سان فرناندو خلال العصر الذهبي للإباحية.
3.ماجنوليا – (1999) Magnolia
أثار النجاح الذي حققه بول توماس أندرسون في الليالي الراقصة ضجة ونجاحًا كبيرين، مما دفع المنتج السينمائي «مايكل دي لوكا – Michael de Luca» -مدير شركة نيو لاين ودريم ورك أنذاك- ليعطي صلاحية مطلقة ويضع ميزانية غير محدودة في أيدي السيد أندرسون ليصنع لنا أيًا كان ما يريد خلقه، وبالفعل، عكف السيد أندرسون على كتابة علمه التالي، حتى خرج لنا بفيلم عن كل شيء، والنتيجة هي نسيج من التجربة الإنسانية تصور لنا تقاطع الحيوات لتسعة أشخاص من سكان لوس أنجلوس: شرطي، ومدمنة مخدرات، وشخصية تلفزيونية عفا عليها الزمن، وطفل عبقري صاعد، ومنتج تلفيزيون يحتضر، ومذيع يعمل في برنامجه، بالإضافة لابن المنتج المفقود منذ فترة طويلة والذي يعمل في مجال التنمية البشرية للرجال.
ماجنوليا هو فيلم عن أشخاص مصابين بجروح نفسية بالغة وغائرة، يبحثون عن الشفاء ويسعون إلى التواصل مع عالم مليء بالبؤس والاستغلال. إنه يتعلق بالعلاقات بين الآباء والأمهات والأطفال، وصعوبة التغلب على الماضي، ومحاولات الحاضر.
يقول بول توماس أندرسون عن هذا الفيلم: «في جميع الحالات هذا الفيلم هو أفضل ما صنعت» وكان ليكون محقًا لولا تحفته اللاحقة «سيكون هناك دماء – there will be blood»، ولكن ما يميز ماجنوليا حقًا أنه واحد من أندر الأفلام التي تحمل نوعًا مميزًا من إدراك العالم والوصول لمعاني الرحمة من خلال المرور بعديد من الاختبارات والمعاناة بحثًا عن الغبطة والسعادة. ومن قضايا الفيلم الرئيسية التعامل مع ماضينا، فقد نعبر من الماضي، لكنه في النهاية قد لا يتركنا.
4. ضربة الحب السكير- (2002) Punch drunk love
يعد هذا الفيلم أكثر أفلامه رقةً وشاعريةً، وهو فيلم تجد فيه العديد من اللحظات الهادئة السيرينية اللطيفة خلال عاصفة من العصبية وعدم اليقين. ويقدم لنا بول توماس أندرسون باري إيجان -الذي لعب دوره ببراعة منقطعة النظير وأداء استثنائي «آدم ساندلر – Adam Sandler»- وهو رجل عصبي ومزاجي ووحيد يبحث عن طريقة ليتصل بالعالم المحيط تمامًا كما يبحث عن مساحة ليستريح من كل الأشياء التي تحدث حوله، وفي يوم ما وبطريقة غير مفهومة، يظهر له بيانو صغير يغير عالمه ويفتح له أفق جديد من الاحتمالات.
باري بطل غريب، فممَّ يبدو هو شخص لا تحفزه رغباته واحتياجاته كثيرًا، لكن ما يبدو أن المحرك له هو انفعالية عاطفية لا معنى لها البتة، لذلك مع الوقت يطلب المساعدة النفسية من طبيب أسنان، ويسافر بشكل عشوائي إلى هاواي بحثًا عن الحب، حتى أنه قد يشرع في اكتناز الأشياء وتكسيرها والبكاء للتنفيس عن نفسه في مواقف قد تبدو أنها لا تستحق. باري في حاجة ماسة إلى شيء يوقف الضوضاء من حوله، ويقمع الفوضى داخله، حتى عندما يبدء في مهاجة الناس؛ غالبًا ما يكون مُدمَّرًا، لذلك عندما يبدء في مواعدة لينا –لعبت دورها «إيملي واتسون – Emily Watson»- ويصبح العالم المتهالك جميلًا للحظة.
يمثل هذا الفيلم مرحلة انتقالية بالنسبة لبول توماس أندرسون، ففي هذا الفيلم نشاهد انتقال أبطاله من التوحد مع العناصر فقط، إلى التوحد الشخصي، لنجد البطل محل تركيزه هو نفسه، نجد ذلك جليًا في شخصية دانيال بلاينفيو في سيكون هناك دماء «Daniel Plainview – There will be blood»، ونجده في شخصية فريدي كويل في فيلم المعلِّم «Freddie Quell – the Master»، ونجده بالتأكيد في شخصية باري في أعتى صوره.
5. سيكون هناك دماء – (2007) There will be blood
تعد هذه التحفة الفنية هي أعظم إنجاز سينمائي في مجال صناعة الأفلام في القرن الحادي والعشرين، ولا يوجد عمل يضاهي جودته حتى الآن، ربما المنافس الوحيد له هو فيلم «لا وطن للعجائز – no country for old men» إخراج الأخوين كوهين «Joel Coen and Ethan Coen»، ورغم وضوح الصراع في الفيلم، لكننا نجد الكثير من الأحداث المثيرة للذهن، تمامًا كعنوان الفيلم الذي يعد واضحًا ورمزيًا للغاية في نفس الوقت؛ لدرجة أن معناه لا يزال متعدد الأشكال حتى يومنا هذا فلن تجد شخصًا واحدًا يتعامل مع اسمه بتفسير واحد لمعناه، لأنَّه يتطلب من المُشاهد التأمل والتفكير.
ويتتبع الفيلم رحلة دانييل بلاينفيو الطويلة والذي يقوم بدوره «السير دانيال داي لويس- daniel day lewis» –أحد أعظم أدواره، بل أحد أعظم أدوار السينما العالمية ككل- وهو يشق طريقًا مزدوجًا من العزلة إلى الأسرة والمجتمع، ثم يعود إلى العزلة مرة أخرى. في البداية وجدناه وحيدًا يُنَقَِبُ عن الفضة في مكان ما، ولمدة عشرين دقيقة لا نسمع إلا أصوات السلاسل وأدوات التنقيب. ومع مرور الوقت نجد أن دانييل يترك هذا المكان بعدما حقق منه ما حقق مخلِّفًا وراءه عددًا من ضحايا التنقيب، وفي الطريق يصبح له ابنٌ يجاوره وهو في رحلته للبحث عن البترول في كل مدينة يذهب إليها، حتى يخبره ابن ضال عن مدينته والتي بها العديد من الخيرات البترولية فيقرر الذهاب لتلك المدينة وينتوي البقاء.
ونجد أن بلاينفيو يحاول تأسيس وجوده داخل المجتمع، فيقابل بالواعظ الديني للمدينة المدعو إيلاي سانداي – يقوم بدوره الممثل «بول دانو – Paul dano»-، ويحاول الاستفادة من مساعدته مقابل قسمة من الأرباح لجماعته الدينية، ولكن مع الوقت جشع بلاينفيو وتعاليه يمنعانه من الوفاء بوعده.
نجد أن الفيلم هو صراع وجودي تم اختزاله في كلا الشخصيتين، كل منهما يحدد انتصاره على أساس ما يراه وما يحدده، وفي الحقيقة كلاهما خاسر، فالواعظ متعطش للسلطة تمامًا كنهم بلاينفيو للمال، وانتصاره هو الهيمنة على الوضع لا أكثر. ومما نرى فهذا العمل هو نسخة عملية للمجتمع الأمريكي ومفهوم النجاح الذي يضعه لأفراده، بل وما يفرضه من طريقة للحصول عليه والتي تتطلب إخراج شياطينك والتي تتطلب بالتبعية بعض التحكم.
يبدو العالم كتلك الصحراء المقفرة والموحشة، لكن ماذا ينتظرنا في الصحراء؟ تضاريس جديدة، أمل جديد؟ قدرنا؟ لا نعرف ذلك فعلًا لكن ما يضمنه لنا المخرج والممثلين مبارزة مصيرية، وحرب كبيرة يبقى خوضها على مدى تريليون عام، ليبقى سؤالان، ما هو الجشع؟ ومن الذي سيراق دمه من الطرفين؟
6.المعلِّم – (2012) The Master
يعد هذا الفيلم من أفضل أفلام السيد أندرسون، مع ذلك، وبشكل صادم، هو أقلهم شهرة ونجاحًا، يعوّلُ البعض هذا إلى إصرار السيد أندرسون على عرض الفيلم بصيغة الـ(70) مم، فقد تم تصوير هذا الفيلم بكاميرا (65/70) مم على يد المصور السينمائي «ميهاي مالامير جونيور Mihai Malamaire Jr» كبديل مؤقت لـ«ألسويت»، وعادةً ما تم استخدام تلك الكاميرا لخلق الهدوء في الفيلم وإظهار الامتداد اللامتناهي للصحراء وإبراز جمال عمارة المباني، ولكن «المعلِّم» دراما الغرفة، فهو مليء بالمقابلات والاستجوابات المليئة بالظلال والمناظر الطبيعية غير التقليدية، لنجد في النهاية أننا نرى هذا العالم بكل وضوح ودقة، تمامًا كما نرى كل تجعيد مع كل تعبير محفور في وجه الممثل «خواكين فينيكس- Joaquin Phoenix»، وكما نرى التفاصيل الواضحة في فم «إيمي آدم – emy adam» مع كل تعبير تؤديه، وبالمثل نرى الفيلم بطريقة مختلفة ذات ثقل تمثلي هائل.
الفيلم يتأمل في الأشياء التي تسيطر علينا وتشكل مبادئنا وتحدد شخصيتنا، وكما قال لاحقًا لانكستر دود: «إذا اكتشفت طريقة للعيش دون أن يكون لك معلم، فهل ستخبر العالم؟ لأنك ستكون أول شخص يفعلها في تاريخ العالم». ربما موضوع الفيلم أقل إثارة للاهتمام من الرواية وماتصبو إليه، لكن الفيلم هو صراع أزلي متمثل في شخص البطل الذي يحاول الهروب من حياته السابقة لصنع حياة جديدة، وبين ذلك الشخص الذي يحاول أن يقولبه لشيء محدد؛ يبدو الصراع بينهم كالإعصار العاتي ولكنه بالتأكيد يثير بداخلنا الجدل ويشاركنا في نضالنا من أجل العيش بحرية، فالعيش لا يؤكل بالجبن.
7. الرذيلة المتأصلة – (Inherent vice (2014
على الرغم من اللمسة الساخرة الكوميدية الموجودة في غالبية أفلام بول توماس أندرسون، فإن هذا الفيلم هو الوحيد الذي يعتبر ذو طابع كوميدي خالص. الفيلم مأخوذ من رواية بنفس الاسم للكاتب «توماس بينشون – Thomas Pynchon» وهي رواية عن محقق هيبي متهور- يلعب دوره خواكين فينيكس- يحل قضاياه باستخدام أساليب حمقاء، ويعاونه في ذلك خبيره القانوني الذي كثيرًا ما يختلف معه في طريقة تعامله في الأمور والذي يلعب دوره الممثل «جوش برولين – Josh Brolin».
يعد هذا العمل جولة أخرى في متحف السيد أندرسون للصراعات المختزلة في الشخصيات، ولكن هذا الصراع بين فينيكس وبراولين هو صراع حضاري وثقافي بين المعاصريين والمحافظيين، ومع ذلك لا يمكن احتواء موضوع الفيلم في هاتين الشخصيتين فقط، فالفيلم مليء بالتساؤلات حول المجتمع الحالي إذا ما كان يعتمد على المؤامرة لتحريك أفراده أم يصبو نحو المثالية والكمال، يبدو ذلك ظاهرًا في علاقات الحب والعاطفة التي تنال كلا الشخصيتين وتفقدهم حسهم الأخلاقي.
يبدو أيضًا أن رحلة البطل في هذا الفيلم منفصلة عن هدفه، لنجده أثناء تحقيقه يتجول عبر الأرصفة الضبابية، ويطارد أطباء الأسنان ومدمني المخدرات، ليبدو الفيلم كأنه رواية عن شخص يمر بدوار سيء أثر تعاطيه المخدرات. الفيلم عبارة عن كشف لما تفعله البيئة المحيطة عندما نحاول أن ننال حرية الفعل، فهي توهمنا بها لتوقع بنا في نظام أكثر تحكمًا، ليتوه الفرد ما بين السلبية والاستسلام، والسعي والمقاومة.
8.الخيط الوهمي – (2017) The phantom thread
يعد هذا العمل الأخير بقائمتنا، أحد أكثر الأفلام ترقبًا في عامه، ويرجع ذلك للتعاون الثاني بين السيد أندرسون والسير دانيال بعد التحفة السينمائية «There will be blood»، مما جعل الجماهير في حالة ترقب للفيلم. الفيلم يحكي عن مصمم الفساتين «رينولدز وودكوك – Reynolds Woodcock» الذي يدخل في علاقة مع نادلة أصغر سنًّا –تلعب دورها الممثلة «فيكي كريبس – Vicky krieps»، وسرعان ما تتحول العلاقة لنوع من الهوس ليفضي عن معركة من الدراما الرومانسية.
هذا العمل بمثابة مباراة الاعتزال للسير دانيال داي لويس ليتوج به مجمل أعماله القليلة لكن الدسمة – دانيال داي لويس حصل على جائزة الأوسكار كأحسن ممثل ثلاث مرات-، وقد كان تتويجًا مشرفًا، أداء السير دانيال كان مذهلًا في هذا الفيلم، فالشخصية لا تمثل أي صعوبة إذا قارنّاها بسابقاتها، مما أتاح الفرصة للسير دانيال كي يضع تفاصيل دقيقة وغير متوقعة، مع ذلك أداء الممثلة المجهولة نسبيًا «فيكي كريس»، كان خاطفًا للأضواء، فقد استطاعت مضاهاة السير المخضرم والحفاظ على بريق الشخصية في عدة مشاهد جمعتهم سويًا.
هذا الفيلم هو جزء مهم في كتاب أعمال المخرج بول توماس أندرسون، لكنه لا يعد من أكثر الأفلام قوة إذا نظرنا لمجمل أعماله، مع ذلك الفيلم هو أكثر أفلامه دقة وإلمامًا بالتفاصيل الصغيرة، الفيلم به مجهود ضخم من المخرج ومن الممثين البارعين، مما يجعل هذا الفيلم من أهم أفلام عام (2017).
ترجمة: زياد جمال
مراجعة لغويّة: حمزة مطالقة