توفر المرونة في التعلم -كما في الحياة بشكل عام- القدرة على المثابرة خلال النكسات، تخطي التحديات، وحتى المخاطرة في فعل الأخطاء في الطريق لتحقيق الأهداف. مساعدتك لأطفالك في بناء مرونتهم تعزز شخصيتهم، ونجاحهم الأكاديمي، وتزيد من تفاؤلهم نحو مواجهة تحديات جديدة وتشجعهم على التعامل مع الحياة بشكل إيجابي. عندما ترشد الأطفال لبناء مرونتهم، فإنهم يجدون الدافع الذي يجعلهم يبذلون جهدًا أكبر، متفائلين حيال العقبات التي قد تعترض طريقهم أثناء أداء المهام، ويطلبون المساعدة دون خجل، مستجيبين أكثر للتعليقات البناءة.
تجد في هذا المقال بعض الطرق لبناء الجدارة والتسامح في الأخطاء وتحديد عناصر المرونة، وهم قواعد الأساس لمساعدة الأطفال للحفاظ على الجهد المستمر خاصةً إذا بدت التحديات لا يمكن التغلب عليها أو إذا عانوا من الفشل والإخفاقات.
الإنجاز يبني المرونة
من الشائع أن الأطفال يقللون من توقعاتهم للنجاح كرد فعل نحو الأخطاء المتكررة، ولكن بتوفير تجارب تعزز من ثقتهم وجدارتهم وفعاليتهم وتقبلهم للأخطاء، يساعدهم ذلك في التقليل من قيود الفشل المتوقع.
قد يشعرون بالارتباك عند مواجهة مهمة تتجاوز قدراتهم أو بمعنى آخر عندما يشكّون في قدراتهم للعودة للطريق الصحيح بعد سقوطهم.
يوجد نشاط بسيط يمكن أن ينوّرهم ليعرفوا أن بإمكانهم مواجهة هذه العقبات، يوضح هذا النشاط أن المهام التي تبدو مستحيلة يمكن أن نفككها إلى مجموعة من المهام الصغيرة التي بالتالي تكون أسهل في التعامل معها.
يبدأ النشاط باختيار جهاز غير قابل للإصلاح، تمثل الساعة مثال جيد هنا، أو لعبة ميكانيكية مكسورة. ثم اطلب من طفلك أن يفكر كيف يمكن إصلاحها. لا تعطه تلميحات عن كيفية الإصلاح، عوضًا عن ذلك ادعم جميع تخميناته وتنبؤاته التي يقدمها برد إيجابي. وبعد أن ينهي نظرياته، اتركه يأخذ الجهاز بعيدًا في تجربة استكشافية بدون أي توقع بأنه يجب أن يُصلحه.
يهدف الاختبار إلى بناء المرونة لديه ضد الشعور بالارتباك بجعله يكتشف قدراته الخاصة لتقييم المهام والمشاكل الصعبة بتفكيكها إلى أجزاء قابلة للتنفيذ.
إذا احتاج طفلك إلى تشجيع لمعرفة أجزاء من الجهاز، قم بطرح الأسئلة عليه. اسأله إذا كان يتعرف على الأجزاء البسيطة الموجودة في الجهاز مثل البطارية، التروس أو الأسلاك. إذا كان يعرفهم فاجعله يشاركك معرفته حول كيفية عمل هذه الأجزاء لجعل الجهاز يعمل ويؤدي الغرض منه. عند الانتهاء، أقول له: «لقد أثبتّ قدرتك على تحليل شيء لم أستطع فهمه إلى عدة أجزاء وأنت فهمتها، يا له من إنجاز!»
يعزز الشعور بالإنجاز عند طفلك وعيه بالجدارة والكفاءة التي قد تساعده في تحطيم المهام المعقدة لأجزاء أبسط. بالإضافة إلى ذلك، ساعد طفلك على قيام بالتخطيط للأحداث، مثل: أعياد الميلاد، النزهات والاحتفالات العائلية. فسيزيد ذلك من وعيه لتقسيم المهام، مما يجعلها مهارة دائمة عنده، ويستطيع استخدامها أيضًا في الواجبات المدرسية. بالتدريج يبني هذا ثقتهم في أنفسهم أكثر فأكثر ويعزز من قوتهم في مواجهة الصعاب. اجعله كذلك يضع أفكاره وجمله التشجيعية على ملصقات في غرفته، مثل: «بإنجاز مهمة تلو الأخرى، سأستطيع إنجاز المهمة بالكامل.»، «خطوة واحدة في وقتها المناسب ستجعلني في المكانة التي أريدها.» أو «اكسر المهمة، ثم افعلها.»
الفشل يدفعك للأمام
إذا أردت أن تجعل طفلك يواجه تحديات الحياة، فلا بد أن تعلمه أن الأخطاء ما هي إلا جزء من عملية التعلم. وفي سبيل ذلك يمكنك أن تشاركه أخطاءك الخاصة، وتشجعه عن طريق مناقشات مفتوحة حول الأخطاء التي سبق أن قام بها ليعرف أنها جزء مهم من رحلة التعلم. وشجعه بقولك على سبيل المثال: «إذا لم ترتكب أخطاء، فهذا يدل على أنك تعرفها بالفعل، مما يعني أنك لا تبني مهاراتك ومعرفتك».
وإليك بعض المواضيع التي تحفز المناقشات وتبني المرونة تجاه الأخطاء:
- عند قيام طفلك بخطأ وضح له أنه ليس دليل على الفشل، ولكنها فرص لبناء العقل التي سوف تصل به إلى النجاحات المستقبلية.
ساعده على فهم دماغه وأنها تتطور عند القيام بالأخطاء، ففي الحياة البرية تتخذ أدمغة الثدييات قرارات سريعة عند الشعور بالتغيير أو التهديد. ويؤدي الدماغ عمله للبقاء حيًّا بالقفز إلى الاستنتاجات السريعة، ولكن لأنك غير مُطارَد أو مُهاجَم في المناطق البرية فإنك تستطيع استخدام قدراتك البشرية للتفكير قبل الفعل. فمعرفة دماغك تخبرك أنك تستطيع التمهل قبل القيام بأول رد فعل يطرأ على عقلك، حتى تفكر وتتأكد أنه الخيار الأفضل لك. - عند ارتكاب طفلك أخطاء، شجعه لمراجعة أخطائه وتصحيحها. اشرح له ذلك: «عند تصحيح خطأ قمت به، فإن هناك مسارات جديدة تتكون في عقلك. وهذه المسارات ترشدك للخيار الأفضل في المرات القادمة.»
تتم برمجة العقل على تغيير مسارات الأفكار التي أدت إلى أخطاء قبل ذلك، فعندما تأخذ وقت للتفكير في الحل الأمثل يأخذ العقل المسارات الجديدة التي تشكلت وأنتجت حلًّا مثاليًّا ويثبتها مكان المسارات التي أدت إلى الأخطاء في الماضي. ولذلك فالإدراك القوي الذي سيوجهك في المستقبل نحو قراراتك واختياراتك الصائبة ما هو إلا نتاج لإعادة تقييم أخطائك وإعادة التفكير فيها ومحاولة تصحيحها.
هناك فرص أخرى قد تساعدك ليرى أطفالك أن الفشل قد يدفعهم للأمام:
- في حالة أن طفلك على وشك تعلم مهارة جديدة، فمناقشة الأخطاء التي سبق أن وقع فيها الأطفال عند تعلم هذه المهارة قد تساعده.
- أخبرهم أخطاءك التي وقعت فيها، ووضح شعورك في ذلك الوقت وكيف تغلبت عليها.
- ادعُهم لمشاركة أخطائهم وكيف نجوا منها، واجعلهم يعيدون النظر في تصرفهم حينها.
الأهداف الشخصية تزيد من المثابرة
إن صلتهم بالأشياء أداة مهمة لإشعال مرونتهم وبذلهم الجهد. وجّه طفلك لإيجاد صلة شخصية بالمواضيع الدراسية لزيادة اهتمامه وجهده المبذول. اعرض له كيفية استخدام هذه المهارة أو المعرفة في الوقت الحالي أو في المستقبل مما سيوفر حافز له للعمل.
على سبيل المثال: إذا كان طفلك يدرس النظام المتري فيمكن أن تعزز المثابرة عنده من خلال القيام بوصفة طعام من إحدى كتب الطبخ التي تأتي من بلد يستخدم النظام المتري، وبذلك فإنه يلزم لإتمام الوصفة أن يقوم بتحويل المقادير من النظام المتري إلى النظام المستخدم، وبالتالي سيتم تحفيزهم لاستخدام أدوات التحويلات المتريّة لتحقيق هدف شخصي لهم.
يمكن زيادة الصلة الشخصية في دراسة التاريخ باستخدام أمثلة أو مقارنات من خلال القضايا التي تثير الجدل في وقتنا الحالي وتهم طفلك في الرياضة أو المصالح المجتمعية. شكّل الكلمات التي تمثل لهم مشاكل في الرياضيات لتشمل اسم طفلك، أبطال رياضيين أو أسماء أشخاص ذوي أهمية بالنسبة لطفلك.
بتحسين مرونة أطفالك من خلال التجارب يمكنهم إدراك أن النجاح ممكن، والأخطاء جزء من التعلم، والمعرفة تُبنى من خلال المهام ذات العلاقة الشخصية. فالأطفال يتذكرون ويطبقون ما سبق أن تعلموه في تجاربهم وتطبيقاتهم المستقبلية عندما يكتشفون مهاراتهم ويقووها، ويقدرون أهميتهم الشخصية.
ترجمة: مديحة كمال
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
تدقيق لغوي: شروق محيي الدين
تحرير: نسمة محمود
المقال الأصلي
