المُهَمَّشون: لأنني لم أبكِ جيدًا

7-Years-1

|||||||

«ذات مرة وفي مكانٍ ما على بعد أميال وأميال تحت سطح البحر كانت هناك أخطبوطة صغيرة اسمها (نينا)، كانت تقضي (نينا) معظم وقتها وحيدةً تقوم بصنع أشكالًا غريبة من الأصداف والصخور، لقد كانت سعيدة للغاية، ولكن وفي يومٍ ما ظهر لها قِرشٌ وسألها «ما اسمك؟» أجابته: «نينا»، قال لها «هل تريدين أن نصير أصدقاءً يا (نينا)؟» قالت له «حسنًا، ما الذي على أن أفعله؟» أجابها القِرش «ليس الكثير، فقط دعيني آكل ذراعًا من أذرعتك.»، لم يكن لـ (نينا) أي صديق من قبل، لذا تعجبت عمّا إذا كان هذا ما على أي أحد أن يفعله إذا ما أراد أن يحصل على صديق! نظرت إلى أذرعتها الثمانية وقالت لنفسها أنه لن يكون أمرًا سيئًا أن تعطيه واحدًا منهم؛ لذا أعطت ذراعًا من أذرعتها لصديقها الرائع الجديد. ظل الصديقان الجديدان يلعبان سويًا طوال الأسبوع، قاما باستكشاف الكهوف وبناء قلاعًا من الرمال، وكانا يسبحان بسرعة كبيرة، وفي كل ليلة كان يشعر القِرش بالجوع، وفي كل ليلة كانت تعطيه (نينا) ذراعًا من أذرعتها. يومًا ما وبعدما لعبا معًا طوال اليوم قال القرش لـ (نينا) أنه يتضور جوعًا، قالت له (نينا) «أنا لا أفهم، لقد أعطيتك ستة أذرع من قبل، والآن تريد ذراعًا آخر!»، نظر لها القِرش بابتسامة ودودة وقال لها «تلك المرة لا أريد ذراعًا واحدًا، لكني أريد باقي أذرعتك.» سألته (نينا) مندهشة «ولكن لماذا؟» أجابها القِرش «لأن هذا ما يفعله الأصدقاء.». انتهي القِرش من وجبته، لكنه شعر بعدها بالحزن والوحدة؛ فلقد افتقد شعور أن يكون معه أحد يستكشف الكهوف معه، ويبني قلاعًا من الرمل معه، ويسبح بسرعة كبيرة معه، لقد كان يفتقد (نينا)، يفتقدها بشدة، لذا سبح القِرش بعيدًا في البحر، سبح باحثًا عن صديقٍ آخر.»

(من فيلم Short Term 12).

 

ملحوظة: ربما يحتوي هذا المقال على حرق لما فيه، وربما لا.. لا أعلم!

 

فيلم (Her).. كما يليق بمكتئب

«عزيزتي (كاثرين)، لقد كنتُ جالسًا هنا أفكر بكل تلك الأمور التي أرغب بالإعتذار لكِ عنها، كل الألم الذي تسببنا به لبعضنا وكل ما حمّلتكِ إياه، كل ما أردتكِ أن تكوني عليه أو أردتكِ أن تقوليه، أنا آسفٌ لذلك. سأظل أحبك دائما لأننا كبرنا معًا، ولأنكِ ساعدتني على أن أكون ما أنا عليه الآن. أردتُك فقط أن تعلمي أنه سيكون هنالك جزءًا منكِ في قلبي دائما، وأنا ممتنٌ لذلك، فمهما كان الشخص الذي أصبحتِ عليه، وأينما تكونين في هذا العالم أرسل لك حبي، أنتِ صديقتي حتى النهاية. مع حبي، (ثيودور).»

(من الفيلم).

هل تسمح لي أن أسألك سؤالًا حساسًا في غاية الأهمية، ما هو الشيء الأهم في الحياة بالنسبة إليك، أن تحِب أحدًا ما، أم أن يُحبك أحدهم؟

لا أريد إجابة منك، لكني سأخبرك بقصة حدثت معي عندما كنت أشاهد هذا الفيلم، فعلى عكس عادتي في أنني أفضل مشاهدة مثلك تلك الأفلام (الشخصية للغاية) وحدي، إلا أنني شاهدتُ هذا الفيلم مع صديق لي، وبعد أن انتهى هذا الفيلم سألني هذا السؤال الذي طرحته عليك، قلتُ له بالطبع الأهم أن أُحَب أنا، ما الفائدة من أن أحِب شخصًا لا يحبني! وافقني صديقي على هذا الرأي، وبعدها سألته أنا سؤالًا كان يسبب رعبًا لي، قلت له ماذا لو كنتَ أنت (ثيودور)، الشخص الذي يقع في غرام شخصًا لا وجود له في الحقيقة؟ أجابني مسرعًا «ماذا! أنا! بالطبع لا»، قال لي أنه من المستحيل أن يفعل بنفسه هكذا، وأن (ثيودور) شخصًا حالِمًا أخطأ بإشراك نفسه في قصة حب مستحيلة، وهذا كان رأيي أيضًا، فـ (ثيودور) لم يكن يعرف ماذا يفعل فوقع ضحية لقصة حب على هيئة ثعبان (أناكوندا) قام بعصره حتى فتَّت عظامه.

عندما شاهدت هذا الفيلم تعجبت من تصنيف الناس له على أنه فيلم (رومانسي)، فأنا أعتبره فيلم (رعب)، في الحقيقة أو أفضل فيلم (رعب) رأيتُه في حياتي.

لكن أتعرف ما هو الشيء الأكثر رعبًا من هذا الفيلم؟ شعورُك بأن لديك القدرة على التحكم بمصيرك، وشعورك، وما سيحدث لك، شعورك بأنك وصلت للمرحلة التي تمكنك من السيطرة على كل شيء.

 

فيلم (Source Code) ومسلسل (11.22.63).. أنا لا أريد صراعًا مع القَدَر

« – (كريستينا)، ما الذي كنتِ ستفعيلنه إذا علمتِ أنه لم يتبق في حياتك سوى أقل من دقيقة؟

– كنتُ لأعُدَّها بالثانية.»

(من الفيلم).

تخيل أنك وجدتَ آلة تمكِّنُك من السفر عبر الزمن، فكرة سخيفة أليس كذلك! لكن تخيل حقًا معي، الآن أنت لديك القدرة على الوثب للأمام ومعرفة ما سيحدث لك، بل ولأي أحد تريد أن تعرف ما سيصبح عليه، ويمكنك العودة إلى الماضي وتغيير ما تريد تغييره، قصة حب فاشلة؟ عُد بالزمن ولا تذهب إلى الجامعة في اليوم التي ستقابل من أحببته فيه، شخصًا ما تحُبه مات في حادث طريق وهو يقود السيارة؟ عُد بالزمن واقتل من اخترع السيارة قبل أن يخترعها، صديقًا غدر بك؟ عُد بالزمن واقتل جدك السابع القاطن في (كولومبيا) قبل أن تطرأ برأسه فكرة أن يهاجر إلى (مصر) من الأساس.

ولكن هل هذا هو الحل؟ هل إذا قمتَ بقتل مخترع (السيارة) مثلًا لن تُختَرع السيارة؟ أم أن هناك شخصًا آخر سيخترع سيارة أخرى في مكانٍ آخر؟ ربما، وربما لا، وربما لن تجد تلك الآلة، وربما إذا وجدتَها وعُدتَ بالزمن ولم تذهب إلى الجامعة في اليوم الذي التقيت فيه بمن أحببتُه وفطر قلبك ستقابله في اليوم التالي وأنت ذاهب إلى السفارة الألمانية لتنهي ورق السفر ويكون سببًا في إثنائك عن قرار الرحيل، وستقع في غرامه مجددًا، وسيفطر قلبك مجددًا.

ما الذي كان يفكر فيه (كولتر)، بطل (Source Code)، عندما قرر أن يتحدى القدر ويغير فيه؟ لكني أشعر به؛ فجميعنا لديه تلك الرغبة التي تأكل من رأسه عندما يحدث أمرٌ ما سيئ ويتمنى لو أتيحت له الفرصة للعودة للوراء لتغيير ما ستصبح عليه الأمور.

ولكن سؤالي مجددًا .. هل من الممكن العبث مع الزمن؟ هل يُعقل أن تعبث مع القدر؟

«- احكِ لي شيئًا آخر عن المستقبل.

– يسير الناس وهواتفهم في أيديهم طوال الوقت.

– قل لي شيئًا حقيقيًّا.

– أنا أحبك، الآن وفي المستقبل.»

(من المسلسل)

تلك هي الفكرة (الجهنمية) التي ناقشها (11.22.63) وهي أنك إذا حاولتَ تغيير أي شيء في الماضي، أي شيء، سيصارعك هذا الماضي، سيحاربك حتى لا تعبث به.

لكن ماذا لو لم يصارعك؟ ماذا لو اكتشفت أن (الماضي) مُسالِمٌ، هل ستعود لتتغيب عن الجامعة هذا اليوم حتى لا تقابل من أحببته في هذا اليوم؟ هل أنت متأكد من أنك لا تريد أن تقابله حقًا؟

 

أغنية (Photograph).. من الذي اخترع الصور؟

«بإمكان الحب أن يؤذي، بإمكانه أن يؤذي أحيانًا، لكنه الشيء الوحيد الذي أجيد فعله؛ فعندما تزداد الأمور سوءًا، أنت تعلم أن هذا يحدث أحيانًا، يكون هو الشيء الوحيد الذي يجعلنا نشعر أننا لا زلنا على قيد الحياة.»

(من الأغنية).

في فيلم (Finding Dory) قال الأخطبوط (هانك) للسمكة (دوري) التي كانت تعاني من مرض (فقدان الذاكرة قصير المدى) «أنا لا أعلم لماذا تقومين بكل هذا! أنتِ تواجهين الكثير من المتاعب فقط لتجدي مجموعة أخرى من الأسماك، لو كنتُ أعاني من (فقدان الذاكرة قصير المدى) كنتُ سأسبح في المحيط وأنسى كل شيء.» أجابته (دوري) «أنا لا أريد أن أنسى كل شيء، أنا أريد أن أجد عائلتي.» قال لها «أنا لن أريد هذا، أنا لا أريد أي أحد لأقلق بشأنه، أنتِ محظوظة، بدون ذكريات، بدون مشاكل.».

أعلم أن الأمر مضحك قليلًا لكن تخيل نفسك أنك أنت السمكة (دوري)، هل كنت ستختار المواجهة أم العيش في أمان؟ أعلم أنني طرحت الكثير من الأسئلة اليوم لكن صدقني .. الأسئلة هي أفضل ما قد يحدث للإنسان.

لذا فالنسيان ليس نعمة، ولا نقمة، فهناك أشياءٌ تتمنى لو تنساها، أشياء مثل جرح من أحببته لك عندما قابلته في الجامعة، وأشياء تتمنى لو تتذكرها مثل في أي طابق قابلت من أحببته وجرحك، حتى إذا عدتَ بالزمن بالآلة التي وجدتَها سابقًا لا تصعد هذا الطابق.

الأمر معقد قليلًا.

 

أغنية (Let Her Go) وأغنية (7Years).. أنا لا أعرف بالضبط ما الذي أبحث عنه!

«فقط ستفتقد الضوء عندما يظلم كل شيء حولك

فقط ستفتقد الشمس عندما يسقط الثلج

فقط ستعرف أنك كنتَ تحبها عندما تدعها ترحل

فقط ستعرف أنك كنتَ سعيدًا عندما تصير محبَطًا

فقط ستكره الطريق حينما تشتاق إلى المنزل

فقط ستعرف أنك كنتَ تحبها عندما تدعها ترحل

ومع ذلك ستدعها ترحل.»

(من أغنية Let Her Go).

لا أعرف لماذا بدأت أشعر أننا لسنا سوى مجموعة من الهزائم نمشي بجانب بعضنا، هزائم من محاربة المجهول وانتظار المجهول أيضًا، هزائم علمها (محمود درويش) عندما قال:

«لم تأتِ. قلتُ ولن ..
إذًا..سأعيدُ ترتيب المساءِ بما يليق بخيبتي، وغيابِها.».

وعلمها نزار عندما وصف الحب وقال:

«هو هذه الكف التي تغتالُنا

ونقبل الكفَّ التي تغتالُ.».

وعلمتُها أنا قبل أن أكتب هذا الكلام .. أو كذلك كنتُ أعتقد.

«عندما كنتُ في السابعة من عمري قالت لي أمي: اذهب واحظ ببعض الأصدقاء وإلا ستبقى وحيدًا.»

(من أغنية 7Years)

لماذا قالوا الكنز في الرحلة؟ لا أعتقد أن كل تلك الهزائم والانكسارات التي أحملها فوق ظهري تُعد كنزًا، إلا إذا كنت من الممكن أن أستبدلها بحياة جديدة.

لكن ماذا لو كنا لسنا نحن من نعاني حقًا! ماذا لو كانت عائلتك، أبناؤك، أصدقاؤك، زوجتك، هم الذين يعانون؟! وأنت لستَ سوى ضيفًا ثقيلًا حسب نفسه صاحبًا للمنزل لدرجة أن أصحابه الحقيقيين أوشكوا أن يضرموا النيران بالبيت وهو بداخله.

 

أغنية (Bad Liar).. ولأنني سيءٌ في الكذب

«لذا فانظري في عينيّ وأخبريني ماذا تري؟ هل ترين الجنة وهي تتحوَّل إلى أشلاء؟ أتمنى لو كنتُ أستطيع الهرب، لكنني لا أريد أن أخدعك، أتمنى لو كنتُ أستطيع قتل هذا الشعور وأن أطمئن قلبك، لكنني سيءٌ في الكذب .. أنا سيءٌ في الكذب.»

(من الأغنية).

كم تمنيتُ أن نكون جميعًا سيؤون في الكذب.

هل تتذكر تلك القصة التي حكيتُها في البداية عندما كنتُ أتحدث عن فيلم (Her)؟ قصتي مع صديقي الذي سألته وسألني، هذه القصة لم تحدث لي قط، في الحقيقة هي لم تحدث أصلًا، لقد ألفتُها للتو لأثبت وجهة نظري فقط، وهي أنني سيءٌ في الكذب، وأنني ليس لدي أصدقاء، وأنني شاهدتُ هذا الفيلم وحدي، وأننا جميعًا (ثيودور) في الحقيقة.

 

نحن نعيش، لكننا لا نحيا. نحن نصارع، لكننا لا نفوز. نحن الأغلبية في هذا العالم، نحن من نحكم هذا العالم. نحن المُهَمَّشون.

كتابة وإعداد: أحمد فهمي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي