النجوم: الحلقة الثانية (الولادة)

birth-1

||

تكلمنا في الحلقة الماضية عن حاضنات النجوم، تِلك السُحب الضخمة العملاقة والتي غالبًا ما تكون باردة ومظلمةً جدًا، وتتكون من نسبة كبيرة من جُزيئات الهيدروجين والهيليوم ونسبةٍ صغيرة من الغازات الثقيلة. تحتضن هذه السُحب واحدة من أهم الأحداث الكونية، ألا وهي «ولادة النجوم-Stars formation»، لكن كيف تُولد النجوم؟ ولماذا تتكون في تلك السُحب بالذات؟ وما الذي يُشعل فتيل طاقتها؟ تابعوا معنا هذه الحلقة لتعرفوا.

تعُج سماؤنا الليلية بالنجوم، يوجد في مجرتنا وحدها ما يزيد عن المليار نجم، ويوجد في الكون المرئي أكثر من مليار مجرة، أي يوجد نجومٌ في الكون أكثر من عدد حبات الرمل على الأرض، إلا أن أغلبها بعيدٌ جدًا، وقلّما نعلم عنها، لكن ثمة نجمٌ قريبٌ منا جدًا، ومنه نستمد أغلب معرفتنا بالنجوم، الشمس.

النجم بشكل عام هو كرة ملتهبة من الغازات والبلازما الساخنة المُتماسكة عن طريق جاذبيتها. الاتزان في أي نجم عبارة عن الجاذبية الناتجة من كتلة النجم والتي تحاول سحقه إلى نقطة صغيرة، تقاومها قوة «الانصهار النووي الحراري-Thermonuclear fusion» حيث تندمج ذرات الهيدروجين إلى هيليوم في قلب النجم وتحاول القوة النووية الناتجة تفجير النجم للخارج، لكن ما زال السؤال قائم هنا، كيف ولدت النجوم؟

تبدأ القصة من السُحب الجزيئية أو ما تُسمى بحاضنات النجوم، وتحديدًا في المناطق عالية الكثافة وشديدة الظُلمة والتي تُسمى «Dark Nebula». تِلك المناطق كثيفة للغاية بحيثُ لا يُمكن لتلسكوباتنا أنْ ترى ما بداخلها بالأشعة المرئية، لذلك نستخدم أشعة الراديو والأشعة ما تحت الحمراء لمراقبة ما يحدث بالداخل.

تبدأ عملية تكون النجوم في المناطق الكثيفة من السحب الجزيئية، وتحديدًا في نواة هذه السحب، حيث تنهار تلك المناطق تحت تأثير جاذبيتها بسبب كثافتها الكبيرة، وغالبًا ما تكون هذه الأنوية أعلى كثافة من السحب الخارجية، وعندما تنهار هذه الأنوية فإنها تتفكك مكونة تكتلات تكوّن بعدها ما يسمى «النجوم الأولية-Protostars»، وبالنسبة لانهيار تلك الأجزاء من السحب فهناك العديد من الأسباب، منها:

  • قد يتسبب انفجار مُستعرٍ أعظم قريب في تجمع تلك السحب لتكون مضغوطة وقريبة بما فيه الكفاية كي تنهار بفعل جاذبيتها الذاتية.
  • دوران المجرات الحلزونية، حيث أن دورانها يسبب أمواجًا حلزونية كثيفة في أذرعها على مستوى المجرة، فتنضغط المواد بما فيها الغبار والغازات، فيحدث الانهيار.
  • السحب والنجوم ليست ثابتة في مكان محدد، فمن الممكن أن تصطدم سحابة مع أخرى فيؤدي إلى انهيار أنوية في تلك السحب بفعل جاذبيتها الذاتية.

إذًا فالنجوم الأولية هي تكتلات من الغبار والمادة والتي تفككت عن السحب الجزيئية بفعل انهيار الجاذبية، وأثناء تَكَّون النجوم الأولية فإن المزيد من الغاز يُضغط إلى المركز، ويتولد معه المزيد من الطاقة الحركية والحرارة والضغط في مركز النجم الوليد، إلى أن تصل درجة الحرارة للألف ويبدأ في إصدار الأشعة تحت الحمراء.

يزداد الضغط باستمرار في باطن النجم حتى يتوقف الضغط وتتوقف المادة عن السقوط في مركز النجم الأولي، وبعد ملايين السنين تبدأ التفاعلات النووية الانصهارية في أن تلعب دورها في حياة النجم الجديد، ليطلق هذا النجم رياحًا شمسيةً قوية من قطبيه، بينما يتوقف النجم عن ابتلاع ما حوله من مادة.

بالحديث عن مراحل تكون» النجم الأولي-Protostar» فهي كالآتي:

  • تقوم الجاذبية الذاتية للجزيئات بتجميع الكتل الكثيفة من السحب الجزيئية فيتولد زخمٌ زاوي يتسبب في دورانها حول نفسها ويتكون قرصٌ –دوّارٌ من الغازات الكثيفة.
  • منطقة المركز الكثيفة تبدأ في تكوين النجم الأولي، والقرص السديمي الدوار حول المركز يتباطأ ليكون بيئة مناسبة لتكوين الكواكب حول هذا النجم المستقبليّ، بينما تستمر المادة في السقوط إلى المركز ويزداد حجم النجم الأولي بمئة مرة.
  • يصل النجم إلى مرحلة تتوقف فيها المادة عن السقوط في مركزه، ويبدأ النجم في عملية الانصهار النووي الحراري في باطنه مطلقًا رياح نجمية عنيفة من قطبي النجم.

يصل النجم الأولي إلى مرحلة من الاتزان النسبي بعد توقف سقوط المواد في مركزه، إلا أن ما سيدهشك هو أن هذا النجم الأولي في البداية لا يمثل سوى 1% تقريبًا من كتلة النجم الأصلي النهائي، ولكن في النهاية يتحول إلى نجم صغير يستعد لبدء حياته الجديدة.

 

نجم ««T-Tauri:

بينما النجم الوليد يصبح نجمًا جديدًا، فإن الرياح النجمية العنيفة المتولدة تخرج على طول محور دورانه، وبالتالي تصبح معظم النجوم الشابة ذات تدفق من قطبيها، وتلك هي المرحلة التي ترصدها التلسكوبات اللاسلكية وتسمى مرحلة النجم «T-Tauri»

وكنتيجة واحدة لهذا الانهيار، فإن تلك النجوم عادةً ما تكون محاطة بأقراصٍ ضخمة من الغازات النجمية، هذه الأقراص تندمج تدريجيًّا، وبالتالي فإن كُلًا من هذه الأقراص تشع طاقة تتمثل في موجات أشعة ما تحت الحمراء، أما عند المناطق التي تسقط المواد في النجم فهي تشع طاقة تتمثل في موجات الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية، وبطريقةٍ ما يتم قذف جُزء من المواد المُتراكمة على النجم الجديد بشكل عمودي على مستوى القرص النجمي، وفي نهاية المطاف يتبدد القرص النجمي وربما تبدأ الكواكب في التشكل.

في النهاية من الممكن أن نتعرف على تلك المرحلة للنجم الجديد من خلال متابعة النشاط العنيف لسطحه، والرياح النجمية القوية، وتحليل منحنيات الضوء المتغيرة والغير منتظمة.

إن تطور عناقيد النجوم الوليدة في أعماق السحب الجزيئية إلى مجموعات من النجوم «T-Tauri» والتي لديها سطح ساخنٌ للغاية مع رياحٍ نجمية، فإنها تُسخن الغاز المُحيط بها لتُكَون منطقة تسمى «منطقة الهيدروجين الثنائي-«HII region تتكون من الهيدروجين المؤين.

 

الأقزام البنّية:

brown_dwarf

إذا كانت كتلة النجوم الأولية أقل من 0.08 من الكتلة الشمسية، فإن درجة الحرارة لن تصل إلى الحد المطلوب لبدأ التفاعلات النووية الإنصهارية، تلك النجوم تسمى حينها «الأقزام البنِّية-Brown Dwarfs». الشمس مشرقة بفضل الانصهار النووي بداخلها، حيث تندمج ذرات الهيدروجين لتكون الهيليوم وتمدنا بالضوء والحرارة، ولكي يتمكن أي نجم من أن يبدأ تلك التفاعلات النووية، يجب أن تصل درجة حرارة قلبه إلى ثلاثة ملايين كلفن. ولأن درجة حرارة اللب أو القلب تزداد مع ضغط الجاذبية، فيجب أن تبلغ كتلة النجم حوالي 75 مرة كتلة كوكب المشتري على الأقل أو ما يعادل 8% من كتلة الشمس، لكن بالنسبة للأقزام البنية، فهي تفتقر إلى الكتلة حيث أنها ثقيلة أثقل من الكواكب لكن كتلتها لا تمكِّنها من أن تكون نجومًا.

في عام 1963 الفلكي )شيف كومار( بجامعة فيرجينيا، افترض أن نفس عملية انكماش الجاذبية والتي تحول كتلًا من سحب الغبار والغاز إلى نجوم قد تنتج الكثير من الأجسام الأخرى، تلك الأجسام الافتراضية كانت تسمى «نجومًا سوداء» أو «نجومًا حرارية» قبل أن تسمى كما في وقتنا الحالي «أقزامًا بنية»، لكنها ليست بنيةً تمامًا بل مائلة للأحمر.

تظل الأقزام البنية تبعث الطاقة والتي غالبًا ما تكون أشعة IR أثناء تحول الطاقة الكامنة للانهيار إلى طاقة حركية، ويستمد القزم البني طاقة كافية ليشرُق لمدة 15 مليون سنة قادمة، ثم في نهاية الأمر تتلاشى وتصبح أقزامًا سوداء.

وأخيرًا، فإن هذه الأجسام تكون مشتركة بين النجوم والكواكب، فهي تولد في سحب جزيئية كالنجوم، ولها بعض خصائص الكواكب الغازية كالغلاف الجوي.

 

في نهاية الأمر وبشكل ملخص، فإن السحب الجزيئية هي مولد أي نجم، تتجمع المادة تحت تأثير جاذبيتها، ثم تنضغط أكثر وأكثر فتكوّن نجما أوليًّا ويتكون قرص غازي، يستمر الضغط ويستمر النجم الأوّلي في امتصاص المزيد من الغازات والمواد حوله ويتكون قرص دوّار، ثم تتوقف الجاذبية ويلفظ النجم رياح شمسية قوية ويصبح نجم «T-Tauri» لتبدأ التفاعلات النووية الانصهارية وتندمج ذرات الهيدروجين إلى هيليوم، ويبدأ القرص في الهدوء ويهيئ بيئة مناسبة لتكون الكواكب، كما يصاحب تلك العملية تكون أجسام سماوية جديدة مثل الأقزام البنية، لكن في نهاية المطاف تتولد مجموعة من النجوم التي تبدأ في الحياة لملايين وربما مليارات السنين حتى ينفذ الوقود النووي وتنتهي حياة النجم بصورة عملاقٍ أحمر ثم انفجار «مستعر أعظم-Super nova» في حالة ضخامة كتلته.

كيف تستمر النجوم في الحياة؟ وكيف يتم حرق وقودها النووي؟ وما هي أنواعها؟ وما الذي يحدث عند نفاذ الوقود النووي؟ كل تلك تساؤلات قد تثير ذهنك، لكنك ستجد الإجابة في الحلقات القادمة من السلسلة، فتابعنا.

 

إعداد: Mohammed Abkareno

مراجعة لغوية: Ahmed M. Gawish

مراجعة علمية: Ahmaad M. Hanafi

تصميم: Ahmad E. Jad

 

 

Sources

Star Formation [Internet]. [cited 2016 Jan 23]. Available from: http://sc.egyres.com/fjQJl

Star Formation [Internet]. [cited 2016 Jan 23]. Available from: http://sc.egyres.com/EcJw6

Stars – NASA Science [Internet]. [cited 2016 Jan 23]. Available from: http://sc.egyres.com/oWthX

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي