النجوم من أين تولد وكيف تموت؟ (مراحل حياة النجوم)

stars_lifecycle_full

|||||||

على الرغم من أن النجوم غير حية، إلا أننا نميل إلي وصف مراحل تطورها كما لو كانت حية، فهم مثلنا تمامًا، يولدون ويعيشون ثم يموتون، بالطبع أعمارهم أطول بكثير من أعمارنا، إذ يمكنهم العيش لبلايين السنين، وخلال ذلك تنتج النجوم كميات هائلة من الطاقة عن طريق التفاعلات النووية التي تتم في داخلها، مما يمنحها لمعانها المميز؛ لذلك دعونا نبدأ من البداية:

من أين تأتي النجوم؟

ولادة النجوم

المادة ليست موزعة بالتساوي في الفضاء، ففي الفراغ الكوني هناك مناطق من الغيوم الغازية والغبار، تسمى الوسط البين نجمي، وهي أكثر كثافة من محيطها عادة، فإن الطاقة الحركية لجزيئات السحب تكون متوازنة مع قوة الجاذبية للسحابة. ومع ذلك، إذا تأثرت السحابة بمستعر أعظم قريب، فسيختل التوازن وقد تصبح السحابة أكثر كثافة في مناطق معينة، وعندما تصل إلى كتلة حرجة معينة، يمكن أن تتقلص الأجزاء الأكثر كثافة في السحابة تحت تأثير جاذبيتها الخاصة، مما يتسبب في انقسام السحابة إلى أقسام أصغر وأكثر كثافة، هذه العملية تستغرق بضعة ملايين من السنينو، مع تقلص السحابة تزداد درجة الحرارة والكثافة، وفي نهاية المطاف تكتسب شكل كروي وتصبح ما يسمى بـ (النجم الأولي)، وبسبب جاذبيته تنجذب مادة السحب له، حيث ترتفع باستمرار درجة الحرارة والكثافة حتى تصبح كبيرة جدًا بحيث تبدأ التفاعلات النووية فتندمج ذرات الهيدروجين لتكوين الهيليوم.

تولد معظم النجوم داخل أذرع مجرات حلزونية، حيث يوجد الكثير من الغاز والغبار، ففي بعض الأحيان يمكن أن تتشكل عدة نجوم داخل نفس السحابة، ويتكون ما يعرف باسم الـ (عُنْقود النَجْميّ)، وهناك نوعان من العناقيد النجمية، أولها العناقيد المفتوحة، التي تميل إلى احتواء بضع مئات من النجوم الصغيرة الناشئة، ثانيهما هوالعناقيد الكروية التي تحتوي على الآلاف من النجوم الأقدم عهداً، والأكثر كثافةً.

مخطط هرتزبرونغ – راسل

معظم النجوم بعيدة جدًا عنا، باستثناء الشمس، فأقرب نجم لنا هو بروكسيما سنتوري، ويقع على بعد 4.24 سنة ضوئية، وعندما يراقب الفلكيون النجوم، من الصعب رؤية ما يحدث فيها بالضبط، فالعلماء يمكنهم ملاحظة شيئين بشكل رئيسي هما: لمعان النجم ولونه. وعندما يتحدث الفلكيون عن لمعان النجم، فإن ما يقصدونه هو السطوع الحقيقي للنجم، وليس السطوع الظاهري الذي يعتمد على مدى بعد النجم عنا، ويقاس هذا عادة على مقياس لوغاريتمي بالنسبة لشمسنا؛ على سبيل المثال إذا كان للنجم سطوع قدره 1، فذلك يعني أن له نفس مقدار سطوع شمسنا، ويرتبط لون النجم بدرجات حرارة سطحه، فالنجوم الأكثر حرارة تبدو أكثر زرقة أما النجوم الأكثر برودة فمائلة للحمرة.

يمكن رسم مخطط ثنائي الأبعاد لدرجات حرارة سطح النجوم مقابل درجة لمعانها.

هذا الرسم البياني الأكثر أهمية في علم الفلك، مخطط هيرتزبرونغ-راسل. على المحور الأفقي تتزايد درجة حرارة السطح من اليمين إلى اليسار، وعلى المحور الرأسي مقدار لمعان النجم.

من المثير للاهتمام أنه لا يتم توزيع النجوم على المخطط بالتساوي، وبدلا من ذلك، فإنها تشكل نمطا متميزا للغاية، حيث تقع معظم النجوم على شريط من أعلى يسار الرسم البياني (النجوم الكبيرة والمشرقة والساخنة) إلى أسفل اليمين (نجوم صغيرة خافتة وباردة)، وهذا ما يسمى بالـ (التسلسل الرئيسي). في الجزء العلوي الأيمن من الرسم البياني توجد النجوم الكبيرة جدًا، واللامعة التي نطلق عليها اسم (العملاق الأحمر) وفي أسفل اليسار هي النجوم البيضاء، الصغيرة، القاتمة، شديدة الحرارة.

نجوم التسلسل الرئيسي

بالنسبة لنحو 90٪ من حياة النجم، يكون النجم مستقرًا نسبيًا وله نفس السطوع ودرجة حرارة السطح والحجم، في هذه المرحلة من حياة النجم، يكون النجم في حالة توازن هيدروستاتيكي، يحدث حينما تتوازن الجاذبية مع الضغط؛ لذلك لا يتغير مكانها على مخطط هيرتزبرونغ-راسل، وفي هذه الحالة يصنف النجم كنجم تسلسل رئيسي وتعد شمسنا مثال على ذلك.

يمكن للنجوم البقاء في هذه المرحلة لفترة طويلة جدًا، ومع ذلك فإن الجداول الزمنية للنجوم ليست كلها واحدة، تميل النجوم الأكبر إلى حرق الوقود بشكل أسرع، وبالتالي، ينفذ وقودها بشكل أسرع. بينما لا تحتاج النجوم الأصغر إلى استخدام قدر كبير من الطاقة لموازنة جاذبيتهم، وبالتالي حياتها تكون أطول لعدم نفاذ الوقود سريعًا.

عمالقة حمراء

يتم تعريف مراحل حياة النجم بمقدار وكمية الوقود الذي يمتلكه النجم، فأثناء التسلسل الرئيسي تستخدم النجوم الهيدروجين كوقود، وعندما يبدأ الهيدروجين في النفاد، ينتج النجم طاقة أقل من المطلوب للتوازن مع قوة جاذبيته، فتبدأ النواة بالتقلص بفعل الجاذبية، وهذا يزيد من درجة الحرارة والكثافة في القلب ويزداد لمعان النجم نتيجة لذلك، ومن خلال الحرارة المعززة التي يتم إطلاقها، يزيد نصف قطر النجم بمقدار 100 إلى 1000 مرة من حجمه الأصلي ولكن مع زيادة حرارة سطحه ووقود أقل للقيام بذلك، يمكن أن تنخفض درجة حرارة السطح إلى 50٪، يصبح النجم أكثر احمرارًا، وتسمى هذه النجوم (عملاق أحمر)، تقع في الزاوية العليا اليمنى من مخطط هيرتزبرونغ-راسل.

الأقزام البيضاء

بالنسبة للنجوم الصغيرة أي أقل من 8 أضعاف كتلة الشمس، في نهاية مرحلة العملاق الأحمر، لا يمكن للنجم أن ينكمش بما يكفي لتوليد درجات الحرارة اللازمة لمزيد من الاندماج النووي، ومع عدم وجود عمليات نووية لتشغيلها، تصبح الطبقات الخارجية للنجم غير مستقرة والرياح النجمية التي ينتجها النجم تطرحها بعيدًا. يمكننا أن نرى ذلك كغيوم ملوّنة ضخمة تتحرك بسرعة بعيداً عن النجم، تاركة خلفها قلب النجم فقط، وتسمى هذه السحابة التي تتحرك بعيدًا عن النجم بالسديم الكوكبي.

 

السديم اللولب هو مثال للسديم الكوكبي الذي نتج من القزم الأبيض الذي ما زال مرئيًا في مركز الصورة.

يسمى السديم الكوكبي بذلك ليس لأن له أي علاقة بالكواكب، ولكن لأن علماء الفلك من الأوقات السابقة لم يلاحظوه بشكل جيد فكان يبدو لهم وكأنه كرة ضبابية، مثل كوكب صغير.

اللب المتبقي صغير لكنه ساخن وذو كثافة كبيرة، ويطلقون عليها الأقزام البيضاء بسبب صغر حجمها وسطحها الأبيض الساخن، كما إنها كثيفة جدًا لدرجة أن مجرد ملعقة شاي من مادتها يزن نفس وزن الفيل على الأرض، وتقع الأقزام البيضاء في الركن السفلي الأيسر من مخطط هرتزبرونغ – راسل، وبالنسبة للنجوم الصغيرة مثل شمسنا، سيتكون اللب المتبقي من الكربون و القليل من الأكسجين ولكن بالنسبة للنجوم الأكبر يمكن أن يتكون النيون، وتلك النجوم لن يمكنها عمل تفاعلات الإندماج النووية، وبالتالي تفقد حرارتها وسطوعها وتتحول إلى أقزام بنية.

كما رأينا، يوجد العديد من أنواع النجوم، الإختلاف الواضح بينهم هو الحجم.توضح الصورة أدناه بعض النجوم من مجرتنا. هناك ثلاثة عمالقة حمرهم قلب العقرب،  يد الجوزاء، الدبران. ويعد نجم بيتا الجبار من النجوم العملاقة جدا. أما الشعرى اليمانية هي نجمة من نجوم التسلسل الرئيسي ولكنها أكبر من شمسنا تظهر كنقطة صغيرة في القاع الصغير.الأقزام البيضاء صغيرة جدًا بحيث لا يمكن عرضها على نطاق واسع في هذه الصورة.

 

 

المُسْتَعِرُ الأعظم

بالنسبة للنجوم ذات الكتلة التي تزيد كتلتها عن 8 أضعاف كتلة الشمس، تكون نهايتها بانفجار هائل خلال ثانية واحدة من الانفجار يمكن أن يكون سطوعها مثل  سطوع مجرة تحتوي على مئات المليارات من النجوم، بعد مرحلة المستعر الأعظم، واعتمادًا على كتلة النجم الأصلي، هناك نتيجتان محتملتان للب النجم: بالنسبة للنجوم الأصغر يصبح اللب نجم نيتروني أمَّا إذا كان لب النجم أكثر من 2.5 مرة من كتلة الشمس فما يتبقى هو ثقب أسود.

 

النقطة المضيئة في هذه الصورة هي انفجار مستعر أعظم عام 1987، يحدث في سحابة ماجلان على بعد حوالي 156.000 سنة ضوئية منا وعلى الرغم من أن الانفجار النجمي حدث حوالي 166000 ق.م، فقد لاحظناه في 23 فبراير 1987. ويعد واحدًا من أكثر الانفجارات النجمية سطوعًا منذ اختراع التلسكوب منذ أكثر من 400 عام.

نجوم نيوترونية

خلال مرحلة المستعر الأعظم، كل المادة تتتقلص في قلب النجم المتفجر، وهذا يعني أنه يتم ضغط البروتونات والإلكترونات معا بحيث تصبح نيوترونات، هناك حدود لكمية النيترونات التي يمكن ضغطها وفي نهاية المطاف يتوقف تقلص اللب ويتكون النجم النيوتروني.

يتكون النجم النيوتروني من النيوترونات فقط ويكون نصف قطره حوالي 10 كم، ومع ذلك فإن النجم النيوتروني كثيف لدرجة أن ملعقة صغيرة من مادته تساوي 20 ضعف كتلة الهرم الأكبر، لذلك تعد النجوم النيوترونية الأجسام الأكثر كثافة التي نعرفها. والعديد من النجوم النيوترونية تدور حول نفسها بفترات صغيرة جدا تصل لعدة ميليمترات ثانية، ويولد هذا الدوران موجات راديوية يلاحظها الفلكيون كنبضات حادة ومنتظمة، ويطلق على هذا النجم النيوتروني اسم النجم النابض، وتم العثور على أكثر من 400 نجم من هذه النجوم النابضة منذ أول اكتشاف لأول نجم نيوتروني في عام 1967.

 

سديم السرطان

يقع أشهر النجوم النابضة في وسط سديم السرطان، سديم السرطان هو سحابة وجدت بسبب انفجار مستعر أعظم، لاحظه علماء الفلك الصينيين في 1054 م. سديم السرطان يتوسع منذ ذلك الحين. في وسط هذه السحابة يوجد نجم نابض،يدورحوالي 30 مرة في الثانية الواحدة

الثقوب السوداء والكوازارات

لكي يتكون ثقب أسود، يجب أن يكون لب النجم كتلتة حوالي2.5 مرة كتلة الشمس، في مثل هذه الكتل العالية، تكون قوة الجاذبية للب عالية جداً لدرجة أنه عندما تنهار المادة النجمية بسرعة، لا تستطيع قوة التنافر بين النيوترونات مواجهتها، فتستمر المادة في السقوط مما يخلق جسمًا أكثر كثافة، إلي أن يتحول في النهاية إلى ثقب أسود.

الثقب الأسود هو جزء من الفضاء، تتركز فيه كتلة كبيرة (وبالتالي جاذبية هائلة) بحيث لا يستطيع أي شيء – ولا حتى ضوء – أن يهرب منها، هذا ما يطلق علية (التفرد) لأن كل المادة تتركز في نقطة واحدة؛ بما أنه لا يوجد ضوء يمكن أن يهرب منه تظهر الثقوب السوداء … سوداء. وهذا يعني أن الفلكيين لا يمكنهم رؤيتها، ومع ذلك يمكن اكتشافها من خلال ملاحظة زيادة درجة الحرارة في المادة المحيطة التي يتم ابتلاعها بواسطة الثقب الأسود وعادةً ما تحتوي هذه الثقوب السوداء على كتل تتراوح من 4 إلى 10 أضعاف كتلة الشمس، وهناك أنواع أخرى من الثقوب السوداء، تسمى (الثقوب السوداء الفائقة)، لديها كتل أكبر بملايين المرات من شمسنا، وقد تم العثور على هذه الثقوب في وسط المجرات وهناك واحد في وسط مجرتنا، ويسمى بـ(سجيتوريوس أ *) وكتلته حوالي 4 ملايين مرة كتلة الشمس.

يمكن لبعض الثقوب السوداء الفائقة أن تكون ما يعرف بالكوازار أو النجوم الزائفة، تستطيع النجوم الزائفة توليد طاقة مئات المجرات من منطقة ليست أكبر بكثير من نظامنا الشمسي، وتم العثور على النجوم الزائفة بعيدا جدا، وقد شُكلت عندما كان الكون في بدايته، وعندما كانت كثافة المادة المحيطة بالثقوب الفائقة أكبر من ذلك بكثير، لقد ابتلعت الثقوب السوداء المتبقية في وسط المجرات معظم المادة المحيطة بها بالفعل، وبالتالي تنتج طاقة أقل بكثير، والمثير للدهشة أنَّ القصة لا تتوقف عند هذا الحد، فقد وجد الفلكيون نوعًا آخر من الثقوب السوداء وهو الثقب الأسود المتوسط ​​، كتلته أكبر بمئات المرات من شمسنا، وهذا اكتشاف حديث إلى حد ما، بينما يبدو أن الدراسات تثبت وجودها، إلا أنه لا يمكن لأحد أن يفسر كيف يتم خلقها لأنها تبدو أكبر من أن تنتج من النجوم.

ترجمة / بسمة خالد

مراجعة/ آية غانم

تصميم/ مؤمن هشام

تحرير/ آية غانم

المصدر/ Starsbirthlifeanddeath

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي