هل تعرف الهيدروجين الأخضر؟
ظهر «الهيدروجين الأخضر» لاستبدال عنصر الكربون بعنصر الهيدروجين في إنتاج الطّاقة.
اتّفقت بلدان العالم مؤخّرًا للمضيّ قدمًا في التّركيز على التّخلّي عن الطّاقة المعتمدة على الكربون على كوكبنا، على أمل تحقيق ذلك بحلول عام 2025. ممّا لا شكّ فيه أنّنا نحتاج إلى كميّةٍ متزايدةٍ من الطّاقة الكهربائيّة لتغطّي متطلّبات حياتنا اليوميّة. وقد أشارت تقديرات وكالة الطّاقة الدّوليّة (IEA) أنّ الطّلب العالميّ على الطّاقة سيرتفع بنسبةٍ تتراوح بين 25٪ و 30٪ بحلول عام 2040، وهو ما يعني تفاقم تغيّر المناخ نظرًا لاعتماد اقتصادنا الحاليّ على مصادر الطّاقة الكهربيّة المعتمدة على الفحم والنّفط، وبالتّالي زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون. ولكنّ التّخلّي عن الكربون سيؤدّي بنا إلى عالمٍ مختلفٍ في عام 2050، عالمٍ سيتميّز بكفاءته واستدامته لاستخدامه الطّاقات النّظيفة مثل الهيدروجين الأخضر.[1]
كيف نحصل عليه؟
عنصر الهيدروجين هو العنصر الكيميائيّ الأكثر وفرةً في الطّبيعة، ويشكّل تسعةً من كل عشر ذرّاتٍ في الكون.[1]
ويعتبر الهيدروجين الأخضر وقودًا عالميًّا خفيفًا، حيث أنّ تقنيّة الهيدروجين الأخضر تعتمد على توليد الهيدروجين من خلال عمليّةٍ كيميائيّةٍ، تعرف باسم التّحليل الكهربائيّ. يُستخدم تيّارٌ كَهْرَبَائِيٌّ لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، وبالتّالي إن كان مصدر ذلك التّيّار متجدّدًا سنكون قد حصلنا على طاقةٍ دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوّيّ.[1]
وقد أوضحت وكالة الطّاقة الدّوليّة، بأنّ هذه الطّريقة للحصول على الهيدروجين الأخضر ستوفّر 830 مليون طنٍّ من ثاني أكسيد الكربون المنبعث سَنَوِيًّا عند إنتاج هذا الغاز باستخدام الوقود الأحفوريّ التّقليديّ. وبالمثل فإنّ استبدال كلّ الهيدروجين الرّماديّ في العالم سيتطلّب 300 تيرا واطٍ في السّاعة من مصادر الطّاقة المتجدّدة الجديدة وهو ما يعادل الطّلب الحاليّ على الطّاقة في أوروبّا.[1]
ما الفرق بين الهيدروجين الرمادي والأخضر؟
وهنا لا بدّ من توضيح الفرق بين الهيدروجين الرّماديّ والأخضر، حيث إنّ الهيدروجين الرّماديّ هو غاز الهيدروجين المنتج باستخدام الوقود الأحفوريّ التّقليديّ، بينما الهيدروجين الأخضر هو غاز الهيدروجين الّذي يُنتج باستخدام الطّاقة المتجدّدة.[2]
كيف جدد انخفاض تكاليف الطاقة الشمسية آمال الهيدروجين النظيف؟
يعتمد العالم بشكلٍ متزايدٍ على وقود الهيدروجين الأخضر لملء بعض الأجزاء المهمّة المفقودة في أحجيّة الطّاقة النّظيفة.[3]
وهنا لا بدّ من ذكر خطّة المناخ الّتي وضعها المرشّح الرّئاسيّ الأمريكيّ جو بايدن، حيث دعا إلى برنامجٍ بحثيٍّ لإنتاج شكلٍ نظيفٍ من الغاز يكون رخيصًا بما يكفي لتزويد محطّات الطّاقة بالوقود في غضون عقدٍ من الزّمن. ومن الملحوظ اهتمام عددٍ متزايدٍ من الشّركات حول العالم ببناء مصانع هيدروجين خضراء أكبر من أيّ وقتٍ مضى، لاستكشاف قدرتها على إنتاج الصّلب، أو إنشاء وقود طيرانٍ خالٍ من الكربون، أو توفير مصدر طاقةٍ احتياطيٍّ.[3]
يعتبر الهيدروجين من العناصر الأكثر وفرةً في الكون. ولكن تأثّرت الرّؤية الكبرى لاقتصاد الهيدروجين بسبب التّكاليف المرتفعة لإنشاء نسخةٍ نظيفةٍ، والاستثمارات الضّخمة في المركبات والآلات والأنابيب الّتي قد تكون مطلوبةً لاستخدامها، والتّقدّم ببدائل لتخزين مثل هذه الطّاقة بخلاف الطّرق التّقليديّة مثل البطّاريّات. ولكن لحسن الحظّ، ومع استمرار انخفاض أسعار الطّاقة الشّمسيّة وطاقة الرّياح بسرعةٍ، سيبدأ ظهور الهيدروجين الأخضر بشكلٍ أكثر جدوى.[3]
بالإضافة إلى ذلك، إزالة الكربون عن الصّناعة (وجميع القطاعات الاقتصاديّة)، فضلًا عن إدخال مصادر الطّاقة المتجدّدة الأرخص بشكلٍ متزايدٍ، تعود بفوائد كبيرةٍ على اقتصادات العديد من البلدان. أحدها هو أن تتمتّع هذه المناطق باستقلالٍ ذاتيٍّ نشطٍ وأقلّ اعتمادًا على الطّاقات الموجودة في أماكن أخرى، وبالتّالي يجب استيرادها، مثل الغاز والنّفط.[3]
تقول (جوان أوجدن) مديرة برنامج مسار طاقة النّقل المستدام في جامعة كاليفورنيا:
«إنّها أداةٌ مرنةٌ يمكن أن تساعد في تنظيف مجموعةٍ من القطاعات الّتي ما زلنا لا نملك فيها حلولًا ميسورة التّكلفة وجاهزةً، مثل الطّيران والشّحن وإنتاج الأسمدة وتخزين الطّاقة طويل الأمد لشبكة الكهرباء.»[3]
مستقبل الهيدروجين
لاستبدل الهيدروجين الأخضر محلّ الوقود الّذي ينبعث منه الكربون بشكلٍ كاملٍ، سنحتاج إلى إصلاح بنيتنا التّحتيّة لتوزيعه وتخزينه واستخدامه. وسيؤدّي ذلك إلى حتميّة إنتاج مركباتٍ وسفنٍ مزوّدةٍ بخلايا وقودٍ تعمل على تحويل الهيدروجين إلى كهرباء. ليس ذلك فحسب، بل إنشاء محطّات التّزوّد بالوقود على طول المواني والطّرق. وسنحتاج إلى بناء أو تعديل محطّات الطّاقة لاستخدام الوقود مباشرةً، وللأسف كلّ ذلك سيستغرق الكثير من الوقت والمال.[3]
ولكن يوجد مقترحٌ لسيناريو آخر، ألا وهو أنّه بمجرّد الحصول على الهيدروجين يكون من السّهل نِسْبِيًّا دمجه مع أوّل أكسيد الكربون لإنتاج نسخٍ اصطناعيّةٍ من الوقود الّذي يعمل بالفعل على تشغيل سيّاراتنا وشاحناتنا وسفننا وطائراتنا.[3] حيث يعود تاريخ هذه العمليّة الصّناعيّة إلى قرنٍ من الزّمان، وقد استخدمتها الدّول الّتي تعاني من ضائقةٍ بتروليّةٍ في أوقاتٍ مختلفةٍ.[3]
الهيدروجين وكوفيد-19
جديرٌ بالذّكر أنّ الإغلاق النّاجم عن كوفيد-19 قد أدّى إلى اتّجاه الطّاقة إلى مصادر الطّاقة المتجدّدة، حيث إنّ الصّناعة تبحث الآن عن حلولٍ لمستقبلٍ خالٍ من الكربون، وإذا أردنا تسريع انخفاض نسبة الكربون، يجب أن يظلّ تغيّر المناخ على رأس جدول الأعمال العالميّ بينما نتعامل مع جائحة كوفيد-19.[4]
ولحسن الحظّ أنّ مصادر الطّاقة المتجدّدة تنمو نُمُوًّا هائلًا في الوقت الحاليّ، ويبدو أنّ الهيدروجين الأخضر والذّكاء الاصطناعيّ يلعبان أدوارًا حاسمةً الآن حيث يلتفت العالم إلى التّكنولوجيا للمساعدة في حلّ مشاكل توسيع نطاق مصادر الطّاقة النّظيفة والمتجدّدة. وقد كان من نتائج تدابير الإغلاق الّتي أحدثها كوفيد-19 هذا الرّبيع، ارتفاع نسبة استخدام مصادر الطّاقة المتجدّدة بسبب انخفاض الطّلب على الكهرباء وانخفاض تكاليف التّشغيل. فمثلًا في أوروبّا، كانت هناك حالاتٌ لاستهلاك مصادر الطّاقة المتجدّدة تجاوزت 50٪ من إجماليّ توليد القارّة أثناء الإغلاق. أمّا في الولايات المتّحدة، تجاوز استهلاك الطّاقة المتجدّدة استخدام الفحم لأوّل مرّةٍ منذ 130 عامًا.[4]
ولذلك يبدو أنّ الوباء وتأثيره على الاقتصاد في جميع أنحاء العالم قد أدّى إلى تسريع الدّافع وإعادة تركيز أذهان المستثمرين على أجندة الحوكمة البيئيّة والاجتماعيّة وحوكمة الشّركات (ESG) والمرونة في محفظتهم الاستثماريّة، كما يتّضح من وصول صندوق اﻷجندة إلى أعلى مستوًى له على الإطلاق بأكثر من 1 تريليون دولارٍ أمريكيٍّ في يونيو. في الوقت نفسه، فإنّ خطاب التّعافي الاقتصاديّ من قادة العالم له موضوعٌ ثابتٌ وسائدٌ حول النّموّ الأخضر. من أجل تسريع انخفاض الانبعاثات الكربونيّة، يجب أن تظلّ مصادر الطّاقة المتجدّدة على رأس جدول الأعمال العالميّ بمجرّد أن يخرج العالم من الجانب الآخر من الوباء.[4]
على مستوى السّياسات، قُدّمت الاتفاقيّة الخضراء للاتّحاد الأوروبّيّ، الّتي تهدف إلى جعل أوروبّا محايدةً مناخيًّا بحلول عام 2050. وقد أعلنت الصّين -أكبر مصدرٍ لانبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ في العالم- إعلانًا تَارِيخِيًّا بأنّها ستحقّق صافي صفرٍ من انبعاثات الكربون في 2060.[4]
الهيدروجين والذكاء الاصطناعي (AI)
يبدو أنّهما سيلعبان أدوارًا مهمّةً في زيادة مصادر الطّاقة المتجدّدة. ربّما يؤدّي ذلك إلى تغيّرٍ كبيرٍ في استهلاكنا للطّاقة، لتسهيل تحويل الطّاقة المتجدّدة إلى هيدروجين، وإنشاء بطّاريّةٍ كيميائيّةٍ ذات تخزينٍ طويل الأمد أكبر من بطّاريّات التّخزين المعتادة. وبمقارنةٍ بسيطةٍ نجد أنّ بطّاريّات التّخزين تصل أوقات التّفريغ لها إلى أربع ساعاتٍ أو أقلّ، بينما استخدام تخزين طاقة الهيدروجين الأخضر يمكن أن تصل أوقات التّفريغ له لأيّامٍ أو حتّى أسابيع.[4]
ممّا لا شكّ فيه أنّ الثّورة الصّناعيّة الرّابعة تعدو إلينا سريعًا، ولذلك فإنّ المطوّرين يسخّرون حاليًّا الذّكاء الاصطناعيّ وخوارزميّاته، وأجهزة الاستشعار، وتطوّر البيانات الضّخمة، في المساعدة لاستقرار الشّبكات المركزيّة لمحطّات توليد الهيدروجين الأخضر، مع تحسين القدرة على التّنبّؤ من خلال التّنبّؤ بالطّلب وإدارة الأصول، وبالتّالي زيادة الكفاءة واستغلالها الاستغلال الأمثل.[4]
النمو الأخضر في مصر
حصلت مصر مؤخّرًا على قرضٍ بقيمة 225 مليون يورو (253 مليون دولارٍ أمريكيٍّ)، من بنك التّنمية الأفريقيّ في يونيو، لدعم مرونة قطاع الكهرباء خلال أزمة كوفيد-19. وسيساعد القرض في تمويل برنامج دعم الكهرباء والنّموّ الأخضر في مصر. ومع وفرة الأرض والطّقس المشمس والرّياح العالية، تسعى مصر للاستفادة من موقعها المتميّز لمشاريع الطّاقة المتجدّدة.[5]
وبالنّظر إلى المستقبل، تسعى استراتيجيّة الطّاقة المستدامة المتكاملة لعام 2035 لمصر إلى زيادة إمدادات الكهرباء المولّدة من المصادر المتجدّدة إلى 42٪ بحلول 2035، حيث توفّر الرّياح 14٪ والطّاقة المائيّة 2٪ والطّاقة الكهروضوئيّة 22٪ والطّاقة الشّمسيّة المركّزة 3٪. في المجموع، سيصل هذا إلى 61 جيجا واطٍ من الطّاقة المتجدّدة.[5]