بأي لغة يفكر الصم؟

ASL

«الإنسان حيوان ناطق» بحسب أرسطو، وعليه فإن من الصفات المميزة للإنسان النطق والكلام، ولكن إذا وُلِدَ شخصٌ أصم -لا يستطيع أن يسمع- بأي لغة تعتقد أن يفكر هذا الإنسان؟

يُعد الكلام أو الكتابة ترجمة للعملية الذهنية التي تسمى التفكير، بمعنى أنهم تفعيل لعملية التفكير بإخراج ما هو بالذهن إلى الخارج، وإلا يظل التفكير محتبسًا في الذهن، وعليه فلكل إنسان (لغته الأم) التي يتكلم بها، ولكن ماذا إذا وُلِدَ الشخص أصمْ لا يسمع؟

كائن مرئي

الصوت عند الشخص الأصم ليس جزءً من عملية التفكير، فعلى الرغم من أن لديه صوت داخلي في رأسه، ولكن صوته قائم على الصور أو علامات ASL (لغة الإشارة الأمريكية).

ويعالج الأصم المعلومات من خلال عقله وعينه وأنفه وأسنانه، بنفس الطريقة التي يعالج بها أي شخص معلوماته، أي أن تفكيره قائم على سياق من المدخلات الحسية.

هل نفكر باللغة؟

أثار عدد من الأشخاص مسألة ما إذا كان الناس يفكرون باللغة أم بالصور.

حيثُ أظهر بحث معرفي، أن اللغة التي نتحدث بها لا تعكس أفكارنا وحسب، بل تحدد الأفكار التي نود التعبير عنها كما أشار البحث، حيث أن التراكيب اللغوية الموجودة في لغتنا تحدد طريقة بنائنا للحقيقة.

وتعود قضية تحديد اللغة لطريقة التفكير إلى عدة قرون، فقد اعتبر الإمبراطور الروماني شارلمان أنه: «إذا كنت تتحدث بلغة أخرى فإنك تملك روحًا ثانية»، غير أن تلك الفكرة لم تتلق استحسانًا لدى العلماء، خاصة عندما ذهب عالم اللسانيات نعوم تشومسكي في نظرياته في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي إلى أن ثمة قواعد عالمية لجميع اللغات الإنسانية، وعليه فإن اللغات لا تختلف بعضها عن بعض كثيرًا.

وبما أن الاختلاف يسير بين اللغات -بحسب تشومسكي- فليس من المنطق أن نقول إن الاختلافات اللغوية تؤدي إلى الاختلاف في التفكير.

تجربة حية

تجربة ميتشيل ويستفول (Michele Westfall) على موقع كورا الخاص بالأسئلة والتي تقول وُلِدتُ صماء، وتَلَقيتُ علاج النطق في سن مبكرة، كبرتُ وصوتي الداخلي يتحدث معي بشكل مجازي وأسمعه، هذا هو نفس الصوت الذي أتخيله عندما يقرأ الناس كتابًا بأعينهم، فلدي دائمًا صورة من الشفاه تتحرك بصوت أسمعه.

في نفس الوقت، لديّ ذكريات عندما كنت صغيرة، ذكريات بصرية، أتذكر دائمًا صورًا محددة للمواقع، يمكنني أن أصفها بتفاصيل حية، فكان صوتي الداخلي مرئيًا للغاية.

بينما أنا الآن أتعلم لغة الإشارة، أجد أن صوتي الداخلي قد نما وأقرأ بعض الأشياء وأسمع أصواتًا، حيثُ أقرأ الشفاه، وأرى العلامات كلها في نفس الوقت.

أتوقع حدوث تجربة مماثلة مع أولئك الذين يتحدثون بلغتين (متعددي اللغات)، وأحيانًا يسمعون جميع اللغات مرة واحدة عند قراءة النص، أو ربما في بعض الأحيان يغيرون اللغات في رؤوسهم.

ASL: لغة الإشارة
ASL: لغة الإشارة

 

البداية

في أوائل القرن التاسع عشر، التقى توماس هوبكنز جالوديت -وهو وزير الاستماع في أمريكا حينذاك وخريج من جامعة ييل- بفتاة صماء تدعى أليس. اهتم جالوديت بتعليم الفتاة ونجح في تعليمها بضع كلمات. شجع والد الفتاة د. ماسون كوجسويل السيد جالوديت على الانخراط في إنشاء مدرسة للصم.

لذا، توجه جالوديت عام 1815 إلى أوروبا بحثًا عن طرق لتعليم الصم.

وحاول التقرب من عدد من مديري البرامج (مدارس Braidwood، ولندن اللجوء، وما إلى ذلك)، ولكن لم يكن أي منهم على استعداد لتبادل تقنياتهم مع جالوديت.

لحسن الحظ أثناء وجوده في إنجلترا، التقى جالوديت بمدير مدرسة باريس للصم، وهو رجل يدعى سيكار.

كان سيكار هناك مع اثنين من تلاميذه الصم، جان ماسيو ولوران كليرك الذين كانا أيضًا معلمين في المدرسة في باريس. كانوا في إنجلترا يقدمون محاضرات حول كيفية تعليم الصم باستخدام لغة الإشارة. وكانت مدرسة باريس التي أسسها الأب تشارلز ميشيل دي ليبي في عام 1771 تستخدم لغة الإشارة الفرنسية مع مجموعة من العلامات التي تم تطويرها بشكل منهجي.

أقنع جالوديت كليرك بالعودة معه إلى الولايات المتحدة، وفي عام 1817 أُنشِئت أول مدرسة أمريكية للصم في مدينة هارتفورد بولاية كونيتيكت.

وبمرور الوقت، تطورت الإشارات المستخدمة في تلك المدرسة، بالإضافة إلى العلامات التي يستخدمها الأشخاص الصم بالفعل في أمريكا إلى ما نعرفه الآن باسم لغة الإشارة الأمريكية ASL.

من المهم ملاحظة أن لغة الإشارة كانت تستخدم في أمريكا قبل أن يقوم جالوديت وكليرك بإنشاء المدرسة.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي