تجتهد المدارس حول العالم لتوفير بدائل أكاديمية مع انتشار فيروس الكورونا، خاصة للطلاب من المجموعات العرقية والاقتصادية المهمشة.
رغم أن التعليم عبر الإنترنت ليس جديدًا، فإن الجديد هو انتشاره الواسع خلال الوباء، وهذا يغير طبيعة التعليم بشكل جذري.
العديد من الطلاب لا يستطيعون استخدام التكنولوجيا أو يصارعون مع انعدام الأمن الغذائي؛ المشاكل التي عادة ما تكون لها حلول في المدارس. كما إنهم يفتقدون الأنشطة خارج المنهج الدراسي والتي هي مهمة لرفاهيتهم.
كشفت الجائحة أيضًا عن مشاكل اختراق الحماية، ووحوش الإنترنت ومشاكل الخصوصية والانعزالية.
تظل فاعلية التعليم عبر الإنترنت شاغلًا مهمًا بين المعلمين، خاصة أن التعليم المدرسي الافتراضي (virtual schooling) قد يكون هو المعمم بعد الوباء.
كباحثٍ كتب بشكل مكثف عن التعليم، أومن بأنه من المفيد الاهتمام بكيف كان سيرى الفيلسوف التربوي البرازيلي الراحل باولو فريري (Paulo Freire) التعميم العالمي للتعلم الافتراضي.
فيما عدا جون ديوي، أبو التربية التقدمية (progressive education)، كان فريري فيلسوف التربية التقدمي الأبرز في القرن العشرين، ولا يزال فكره ملهمًا اليوم.
تكوين مواطنين ديمقراطيين
انتقد فريري الرأسمالية، التي رآها مستغلة، وكتب بشكل مكثف عن الشعوب المضطهدة، خاصة تلك التي تعيش في الفاقة. جادل بأنه إذا ظل التعليم في خدمة الأثرياء والأقوياء، فسيكون تحقيق الديمقراطية الحقيقية مستحيلًا.
رأى فريري أن المشاركة السياسية المنفتحة هي حجر الزاوية في المجتمعات الديمقراطية. لإعداد الطلاب لذلك، نادى فريري بتوجه توجيهي نقدي؛ تربية طرح السؤال المرتكز على تجارب الطلاب كنقطة بدء للتعلم والتدريس.
انظر لتجربة مدرسة باولو فريري فريدوم (Paulo Freire Freedom School) في تاسكن، أريزونا، ومؤسسة باولو فريري في إسبانيا ومركز باولو فريري في أوستريا. كلهم يضعون تاريخ الطلاب وتجاربهم المعاشة في صلب تعليمهم.
انتقد فريري النظام البنكي في التعليم السائد (banking system of mainstream education) الذي يرى في الطلاب أوعية فارغة يملأها المعلم.
يعتبر المعلم عارفًا بكل شيء. المعرفة الثقافية التي يجلبها الطلاب المنتمين إلى الطبقة العاملة والأقليات العرقية إلى الفصول تكون في مرتبة أدنى حسب النظام. بناء على ذلك، يُنظر للطلاب كأشياء تغرس فيها المعرفة عوضًا عن كونهم مساهمين في تعلمهم.
عادة ما تنتج المناهج التربوية كالمناهج المنمطة (standardized curricula) والتدريس للاختبار (teaching-to-test) ممارسات غير ديمقراطية داخل الفصل. قد تمنع تلك التوجهات الطلاب من أن يعوا أنفسهم كأشخاص ذات سلطة في عالمهم. يمكنها أن تحول الطلاب إلى أشياء يتلاعب بها ويتم إسكاتها. نحن نؤمن أن هذا الوضع يزداد سوءًا في التعلم عبر الإنترنت، حيث تخنق فرص الحوار مع الآخرين.
عندما لا يمارس الطلاب التأمل النقدي والحوار مع الآخرين، يحول ذلك دون تطويرهم للمهارات الجماعية التي هي قلب الحياة الديمقراطية.
كان فريري ليجادل بأن الطلاب لن يستطيعوا تنمية قدراتهم كالقدرة على الحب وكونهم بشرًا واعين، وهذا جانب حيوي من تكوين المواطنين الديمقراطيين.
المعيار التعليمي الجديد
بالنسبة لفريري، التعليم الديمقراطي يسمح للطلاب من جميع الخلفيات العمل بشكل جماعي. إنه مجهود لتغيير التفاوت في حيواتهم المختلفة. إن التوتر الخلاق الضروري للكشف عن العلاقات النشطة للتضامن والصور الحقيقية للديمقراطية حيوي بالنسبة للتكوين الثقافي.
يبدو تعميم التدريس عبر الإنترنت، كما نؤمن بأن فريري كان ليجادل بذلك، كتهديد ثقافي لهذا النموذج التربوي.
بالأخذ في الاعتبار غلظة الفصل الجسدي في التعليم عبر الإنترنت، يتوقع من الطلاب أن يتعلموا، بشكل أكبر من أي وقت سابق، تعليمًا جافًا في فضاء شبكي وحشي. لذا كان فريري ليجادل بأن الطلاب سيعتادون البعد عن المحتوى البشري، والتفاعل الاجتماعي، وأخلاق التعاطف الأساسية للحياة الديمقراطية.
على نحو مماثل، كان فريري لينتقد نموذج التعليم عبر الإنترنت الذي شوه كد المعلمين. في الفصل الافتراضي، تكون وظيفة المعلم أكثر روتينية وجفافًا عن سابقها. سينبغي على المعلمين أن يكونوا وسطاء تكنولوجيين عوضًا عن أن يكونوا مرشدين ناقدين.
كان فريري أيضًا ليلفت النظر إلى مخاطر الثقافة التربوية التي تجهز الطلاب ليقبلوا المراقبة التكنولوجية. كان ليذكرنا بأن معظم تجارب الاستبداد السياسي في الولايات المتحدة أو في غيرها كانت تعتمد على المراقبة المنظمة للشباب، التي كانت تستخدمها لقمع المعارضة.
كان فريري مهتمًا بقدرة الطلاب على النمو بالغين ناقدين وواعين قادرين على مواجهة تحديات العالم المترابط، الذي تقودنا فيه الرأسمالية والجشع المتحد نحو دمار كوكبي.
حين نضع تصورات لعالم ما بعد الوباء، عوضًا عن الاستسلام لنموذج التعليم الافتراضي، كان فريري ليدعو المجتمعات للرجوع إلى المدارس والأحياء بتفان أكبر لتعزيز الديمقراطية التشاركية.
4 Responses
عظيم