أخيرًا، يعتقِد علماء الآثار أنهم حَلُّوا لغزَ الكيفية التي بنى بها المصريون القدماء الهرمَ الأكبر في الجيزة. بُنِيَ الهرم الأكبر عام 2600ق.م في حوالي 20 عامًا باستخدام الحجر الجيري المحلِّي من «طُرَة»، والجرانيت من جنوب البلاد. وهو البناء الذي أبهر الآلاف ممن رَأوه لآلافٍ من السنين، وظلَّ أطول بناءٍ من صنع الإنسان على الأرض حتى العصور الوسطى. بُنِيَ الهرم الأكبر كمقبرةٍ للفرعون «خوفو» من الأسرة الرابعة، وهو الأكبر بين الأهرامات.
تجادَلَ العلماء طويلًا حول الكيفية التي تمكن بها أشخاصٌ لا يمتلكون سوى أدواتٍ بدائيةٍ نسبيًّا من نقلِ 800 طنٍّ من المواد بشكلٍ يوميٍّ من أسوان التي تقع على بُعدِ 500 ميل جنوبًا إلى الجيزة. إلى أن اُكتِشفَت برديةٌ قديمة، وقاربٌ احتفالي، وشبكةٌ من القنوات -البنية التحتية التي أنشأها البنَّاؤون لاستكمال بناء الهرم- ليضع بذلك حدًّا لهذا الجدل.
تاريخ اكتشاف البردية وأهميتها:
كانت البردية من بين مجموعةِ وثائق وُصِفَت بأنها أقدم أوراق بردي موجودة بالمتحف المصري بالقاهرة، وتُظهِر هذه الوثائق التي تبلغ من العمر 4500 سنة بالتفصيل خطوات بناء الهرم الأكبر في الجيزة، بالإضافةِ إلى تفاصيل الحياة اليومية للعمال، وقد اُكتشِفَت هذه الوثائق قبل 4 سنوات من خلال أعمال حفر قادها المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في موقع وادي الجرف الأثري الذي يقع على ساحل البحر الأحمر، وهو يُعدُّ أقدمَ ميناءٍ اصطناعيٍّ معروفٍ في العالم، وكان بمثابةِ ممرٍّ رئيسيٍّ للاتصال بين وادي النيل والبحر الأحمر. وفي عام 2013 أثناء أعمال الحفر، تم انتشال 300 قطعة من البردي من مرافق تخرين القوارب القديمة.
وتعود معظم هذه الوثائق إلى الأسرة الرابعة (2613-2494ق.م) والخامسة (2494-2345ق.م)، وهي عبارةٌ عن كتاباتٍ حسابية بيروقراطية، وسجلاتٍ لتسليم الأغذية الشهرية في مختلف المناطق بما في ذلك منطقة دلتا النيل. لكن الاكتشاف الأكثر إثارةً للاهتمام هو سجلٌ شخصيّ يُقدِّم تفاصيلَ عن بناء الهرم، ليُعدّ بذلك أوَّلَ دليلٍ مكتوبٍ بشكلٍ مباشرٍ حول هذا البناء الذي أبهر العالم.
وفقًا لعلماء الآثار (بيير تاليت-Pierre Tallet) و(جريجوري ماروارد- Gregory (Marouard -اللذان قادا الفريق الذي اكتشف البرديات- فقد كُتبت هذه البردية بالهيروغليفية بواسطة رجلٍ يُدعَى (ميرر- Merer)، الذي كان مسؤولًا ومشرفًا على فريقٍ من حوالى 200 عامل. وفي ورقةٍ نُشِرَت في 2014، شرح العلماء أن (ميرر) استخدم ورق البردي لكتابة تفاصيل العديد من العمليات المتعلقة ببناء هرم الجيزة الأكبر، كما وصف العمل في محاجر الحجر الجيري على الضفة المقابلة لنهر النيل. ويكشف البردي أيضًا أن الحجر الجيري تم جلبه من موقع طرة بالقرب من القاهرة وعن طريق القارب على طول نهر النيل. ويقول الكاتب أيضًا أنه في العام السابع والعشرين من حكم الملك خوفو كان يُشرف على بناء الهرم الأكبر بأمرٍ من الوزير (عنخاف) وهو أخٌ غير شقيقٍ للملك خوفو.
كما قال (ميرر) أيضًا أن الآلاف من العمال نقلوا 170 ألف طن من الحجر الجيري على طول نهر النيل في قوارب خشبية، تم ربطها معًا بواسطة الحبال، كما تم سحب 2.3 مليون كتلة من خلال شبكة من القنوات إلى ميناءٍ داخليٍّ يبعُد يارداتٍ فقط عن قاعدة الهرم. وبذلك سَمَحَت هذه البردية لعلماء الآثار معرفةَ معلوماتٍ مُفصَّلة عن تاريخ الهرم، وفهمٍ أفضل لكيفية بناء الهرم الأكبر الذي يبلغ طوله حاليًا 139 مترًا (الأصل 147 مترًا).
عَثَرَ عالم الآثار وعالم المصريات (مارك لينر- Mark Lehner ) أيضًا على ممرٍّ مائيٍّ مفقودٍ منذ قرون تحت الهرم الأكبر، وقال:«لقد حددنا حوض القناة الرئيسية التي نعتقد أنها كانت منطقة التسليم الأولية إلى سفح هضبة الجيزة».
هذه الاكتشافات الجديدة عُرِضَت الساعة 8 مساءً في 24 سبتمبر2017 في القناة الرابعة بالتليفزيون البريطاني، وذلك من خلال فيلمٍ وثائقيٍّ باسم (هرم مصر الأكبر: الدليل الجديد-Egypt’s Great Pyramid: The New Evidence).
المصادر/