بعد عدة أعوام مليئة بخيبة الأمل، أظهرت نتائج معملية في يوم 22 يوليو من عام 2015 أنَّ طرق العلاج بواسطة الأجسام المضادة، ربما تسفر عن تقدم بسيط لدى مرضى ألزهايمر. ويستهدف كل من هذين العقارين: (سولانيزيوماب لصاحبته شركة ليلّي-Eli Lilly’s solanezumab) و(أدوكانوماب لشركة بيوجين-Biogen’s aducanumab) بروتين أميلويد بيتا (amyloid B protein)، ويعد هذا البروتين المسؤول الأوّل عن هذا المرض، نظرًا لتراكمه عند أماكن تشابك الوصلات العصبية داخل المخ مسبّبًا لها التلف. ويتساءل الكثير من الباحثين عمَّا إذا كانت هذه النتائج سوف تصمد، خاصة أنّ كل محاولات هذا النوع من الأدوية باءت بالفشل سابقًا. ولقد قُدِمت تفاصيل هذه النتائج في المؤتمر العالمي للزهايمر في واشنطن.
تقول شركة «ليلّي-إنديانابوليس-إنديانا» أنّه في تجربة أُجريت علي 440 شخصًا، أظهر عقار سولانزيوماب قدرة على إبطاء الانهيار المعرفي لمرضى ألزهايمر بمعدل 30%. وأوضحت أيضًا أنّ فقدان القدرة العقلية في هؤلاء المرضى على مدار 18 شهرًا، كانت مساوية للانهيار الذي حدث في مرضى آخرين في نفس مستوى المرض في 12 شهرًا فقط، والذين تم اختبارهم بالعلاج المموه (placebo).
نجاح مفاجئ
لقد ظفرت شركة « ليلّي» بهذا النجاح من بين فكي الهزيمة، لكن في عام 2012 أعلنت الشركة أنّه لا اختلاف بين المرضى الذين تمَّ علاجهم بعقار سولانزيوماب وأولئك الذين تلقوا العلاج المموه، لكن عند إعادة الفحص تبين أن العقار قد أبدى تحسُّنًا طفيفًا في حالة المرضى ذوي الأعراض البسيطة من ألزهايمر عند بداية التجارب. ولقد واصلت «ليلّي» اختباراتها لستة أشهر أخرى، وبدأت في معالجة 440 شخصًا آخرين، والذين كانت حالة إصابتهم بالمرض أكثر تأخرًا. وقد أوضحت في الاجتماع أن علاج هؤلاء المرضى قد أبدى قدرته على إبطاء الانهيار المعرفي بمستوى مقارب جدًا لما حدث في ال 440 شخصًا في الدراسة الأولية؛ مما يثبت أنّ العقَّار يستهدف أصول مرض ألزهايمر بدلًا من تخفيف أعراضه.
عرضت شركة «بيوچين» نتائج أوضحت أنّ الجرعات المتوسطة من عقارها أدوكانوماب قلل مستوي الأميلويد في 23 شخصًا، لكنّه لم يُبدِ فوائد إكلينيكية مُرضية. وفي مارس أقرَّت الشركة أن 27 شخصًا – والذين تم علاجهم بجرعات عالية من الأدوكانوماب لمدة عام كامل – قد أبدوا -وبشكل ملحوظ- انهيارًا معرفيًا أقل من هؤلاء الذين تلقوا العلاج المموه، كما أنَّ عقولهم احتوت علي كميات أقلّ من الأميلويد.
مجموعات الأميلويد: سبب أم عَرَض؟
كل النتائج تؤدي إلى دعم ما يسمى (فرضية الأميلويد – amyloid hypothesis)، والتي تقوم علي فكرة أنّ تراكم الأميلويد في المخ هو سبب مرض ألزهايمر وليس نتيجة للمرض، وأن إزالته تقضي علي المرض. يقول (صامويل جاندي-Samuel Gandy) عالم الأعصاب بمدرسة جبل سيناء للطب (Mount Saini school of medicine) في نيويورك: «إننا نسير في الاتجاه الصحيح، فالنشوة الشديدة تكون عادة لأنّ كل الأشياء كانت سلبية لفترة طويلة». فقد فشل السولانيزوماب في تجارب عديدة سابقة، وقد توقفت شركتا الأدوية (فايزر- Pfizer) و(جونسون آند جونسون-Johnson & Johnson) عن تطوير عقار (بابينيوزوماب-bapineuzumab) في 2012، بعد أن فشلت الدراسات التي أجريت على 2400 شخص. كما أوقفت (روش-Roche) دراستها التي كانت تجريها على 3000 شخصٍ باستخدام عقارهها (غانتينيروماب-gantenerumab) في أواخر ديسمبر، على الرغم من أنها قد أوضحت أن الجرعات العالية من العقار استطاعت على الأقل أن تدخل إلى المخ وتقلل كمية الاميلويد المتراكمة فيه في حالة المرضى سريعي التقدم في مرض ألزهايمر. ولقد تلقى الخبراء هذه النتائج بالتزامن مع أخبار «بيوجين» و«ليلي» لكن بالقليل من الحماسة، لأن أيًا منهما لم يُعطِ اهتمامًا كبيرًا للتجارب الإكلينيكية.
لكنَّ (إريك سييمارس-Eric siemers) الباحث في مرض ألزهايمر في مؤسسة «ليلي» بدا متفائلًا، حيث صرَّح أنه من المفاجئ أن السولانزيوماب قد عمل جيدًا للغاية، وأنّ هذا يعطي أملًا كبيرًا في إبطاء تطوّر المرض. ولقد أطلقت «ليلي» المرحلة الثالثة من تجاربها في عام 2013، متضمنة 2100 شخصٍ، والذين يبدون أعراضًا متوسطة للمرض وكميات متوسطة من الأميلويد في أدمغتهم. وستُنهي الشركة دراستها في أكتوبر 2016. وفي ديسمبر صرحت شركة بيوجين أنّها ستطلق المرحلة الثالثة من تجاربها، والتي ستتضمن 2700 شخصٍ وستستغرق 18 شهرًا.
مكاسب بسيطة
(لون شنايدر-Lon Schneider) الباحث في مرض ألزهايمر بجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس انجلوس، اتخذ القرار لبدء تجارب أكبر وعلى نطاق أوسع على هذه العقاقير، فأصبحت فرضية الأميلويد (Amyloid hypothesis) راجحة بشكل كبير. ومن جانبه تساءل لون شنايدر: «لماذا لم تثبت كل هذه الأجسام المضادة قدرتها، على الرغم من كثرتها ؟». ولقد لاحظ أنَّ التعديلات السلوكية -كاتباع نظام غذائي وممارسة الرياضة- قد أبدت قدرة مماثلة لقدرة العقاقير في الإبطاء من تقدم مرض ألزهايمر، لكن لم يوافقه الجميع في ذلك. يقول (راندال باتمان-Randall Pateman) عالم الأعصاب بجامعة واشنطن: «لقد حان الوقت لنتحلَّى بالجرأة. أعتقد أنَّ التأخر، في حين يعاني الكثير من البشر من ألزهايمر، سيكون أكثر من تكلفة التقدم للأمام واتخاذ خطوة نشطة»، ولذلك فإن باتمان يقود حملة دراسة مختبرًا عقاري سولانيزيوماب وغانتينيروماب، حيث تتضمن هذه الدراسة 160 شخصًا، تتراوح أعمارهم بين 18 و80 عامًا، ويحملون جينات تزيد من احتمالية إصابتهم بالألزهايمر، لكنهم لا يعانون من أعراض المرض. إنّه واحد من الجهود العظيمة التي بذلت في سبيل المحاولة لتقرير ما إذا كان من الإمكان القضاء علي المرض بواسطة تدمير مجموعات الأميلويد قبل ضمور المخ أم لا. إنَّ هذا الضمور يحدث علي مدار عقود من عمر الإنسان، ولذلك يظن الكثير من الباحثين أنَّ السبب وراء فشل الأدوية القائمة على فكرة الأجسام المضادة، هو أن هؤلاء المرضى قد تلقوا العلاج في وقت متأخر جدًا.
خطوات قادمة
ولقد دُعمت هذه الفرضية باكتشاف «ليلي» أن المصابين بالألزهايمر بدرجة بسيطة، هم فقط الذين استفادوا من العلاج بواسطة السولانزيوماب. و توضح النتائج الأخيرة أيضًا أنَّ تقليل الأميلويد المتراكم في المخ يمكنه التقليل من الانهيار المعرفي للمريض، وهذا ما قاله (إريك ريمان-Eric Reiman) المدير التنفيذي ل(معهد الراية للزهايمر-Banner’s Alzheimer Institute) -فونيكس- أريزونا. وهذه الاكتشافات مهمة للغاية، لأن منظمة الأمم المتحدة للغذاء والأدوية قد قررت أنَّها لن تقبل بأي عقار يوقف تراكم الأميلويد، بدون أدلة كافية علي فائدته الإكلينيكية. لذلك فإنّه إذا استطاعت شركة واحدة من شركات الأدوية إثبات نظرية السبب والنتيجة بين تراكم الأميلويد وتقدم مرض ألزهايمر، فإنَّ جميع الشركات ستستفيد من ذلك. هذا ما قاله ريمان الذي يقود تجارب شركة «روش» على عقار (كرينيزوماب – Crenezumab)، والتي فشلت أيضًا على نطاق واسع. يقول جاندي: «إذا لم تُظهِر هذه الأدوية أثرها المنشود في التجارب الوقائية الكبرى، فمن شأن ذلك أن يكون نكسة لأبحاث ألزهايمر بشكل عام»، ويضيف: «الأمر المقلق للغاية هو أن العوامل التي تقلل بروتين الأميلويد كثيرة جدًّا». ومع ذلك فإن هناك ثلاث شركات -على الأقل- تعمل على تطوير علاجات تستهدف بروتينًا مختلفًا، وهو بروتين (تاو-tau)، وهذا البروتين يدمر الخلايا العصبية في مرحلة متقدمة من مرض ألزهايمر. وبعض هذه العلاجات بمثابة أدوية تستخدم الأجسام المضادة.
ترجمة: Abdullah lotfy
مراجعة: Hasnaa El-debawy
تصميم: Mahmoud Ahmed
تدقيق: Khaled Nasr
المصدر : http://goo.gl/RtZcrX