امتدادًا لدراسة الاكتشاف المثير الذي ظهر لجموع المؤرخين والأثريين المهتمين بدراسة التاريخ السياسي للمسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية ” الأندلس ” في الرابع والعشرون من فبراير الماضي المتمثل في العثور على رفات المسلمين الذين وصل نفوذهم الى جنوب فرنسا ، نواصل في هذا المقال ترجمة الجزء الثاني من الدراسة المذكورة .
إن تحليل الرفات البشري الذي تم العثور عليه في منطقة نيم ” Nimes ” الواقعة جنوب فرنسا في ثلاث بقاع مختلفة أفرز لنا نسب هذه البقايا البشرية إلى سكان الأندلس في القرون الوسطى ويرجع تاريخ هذا الرفات زمنيًا الى القرنين 12- 13 الميلاديين والذي يقابل القرنين 6 – 7 الهجريين أى بعد حوالى خمس قرون من الفتح الإسلامي للأندلس الذي تم أواخر القرن الأول الهجري / أوائل القرن الثامن الميلادي ، وعلى الرغم من ن هذه الدراسة لا توثق بشكل قاطع أوائل الوجود الإسلامي في هذه المنطقة الواقعة جنوب فرنسا ، إلا أن البيانات التي تم استنتاجها من خلال التحاليل تؤكد على مساهمة الأفارقة – أهل شمال أفريقيا بالتحديد – بشكل كبير في الوجود الإسلامي هناك ، حيث كون هذا العنصر حوالي 20% من سكان هذه المنطقة وهذا هو المثير للإهتمام .
وفي المقابل فإن الوجود الإسلامي فيما وراء جبال البرتات لم يوثق بالشكل الكافي ويمكن أن يعود ذلك إلى قصر الفترة التاريخية التي قام بها الجيش الأموي في منطقة جبال البرتات في بدايات الوجود الإسلامي بجنوب فرنسا حوالي عام 719م ، وبعيدًا عن التصوير الكمي للمعركة الشهيرة بلاط الشهداء التي قامت في عام 732م / 114هـ والتي شهدت ظهور شارل مارتل على قيادة جيش الفرنجة وانتصاره على جيش المسلمين ، فإن الحساب التاريخي لهذا الوجود الإسلامي في تلك المنطقة – جنوب فرنسا – كان أكثر تعقيدًا خلال ذكر المصادر النصية المكتوبة والسجلات التي تم تدوينها مثل سجلات العصور الوسطى التي رسمت مرور الشرقيين – أهل الشرق المسلمين – وسلطت الضوء على وجود الحاميات الإسلامية بجانب الاستقرار السكاني المحلي لهم في منطقة سبتمانيا الواقعة جنوب فرنسا ، تلك السجلات التي أظهرت تحالفات سواء سياسية أو عسكرية بين السكان الأصليين وتلك الحاميات ضد عدو مشترك يمكن أن يتمثل في الفرنجة ، ذلك التحالف الذي جعل من منطقة سبتمانيا وعاصمتها ” أربونة ” قاعدة للحكم الإسلامي ومكانًا لاستقرار الوالي المسلم لتوسيع جروبه ضد الفرنجة ، وظلت أربونة كذلك حتى استطاع بيبن الصغير ملك الفرنجة الإستيلاء عليها في عام 760م وضم مقاطعة سبتمانيا الى ملكه .
إن الوجود الإسلامي في مقاطعة سبتمانيا تم توثيقه عن طريق العملات العربية المكتشفة هناك وقطع السيراميك والخزف وبعض الأختام التي عثر عليها في سبتمانيا ، رغم ذلك التوثيق المادي فإن هذا الدليل التاريخي لا يسمح بالتمييز بين كون هذا الوجود كان وجودًا سياسيًا واستقرارًا محليًا للمسلمين هناك أم كانت مجرد تبادلات تجارية ومعاملات إقتصادية بين المسلمين وسكان هذه المقاطعة ، إذ تشير المصادر التاريخية المكتوبة أن الشرقيين – المسلمين – كانوا قادرين على البقاء في سبتمانيا لعدة عقود في هذه المرحلة من التاريخ ، ولكننا حتى وقت قصير كنا نتجاهل طبيعة هذا الاستقرار الإسلامي هناك حتى جاء عام 2006م عندما تم اكتشاف ثلاث مدافن تضم رفات موتي في ثلاث مناطق مختلفة وهي ” لانغدوك – روسيون – فرنسا ” وجميعها ضمن المساحة الجغرافية لمنطقة نيم ، وتبين على الفور أنها رفات لمسلمين بحيث تم دفنها على الطريقة الشرعية لهم وحسب شريعة المسلمين في الدفن ، بعد هذا الاكتشاف تم تخصيص دراسات متعددة التخصصات تجمع بين التخصص الأثري لتحليل المواقع الجنائزية الأثرية ودراسة مواقع الدفن ومناقشة طرق الدفن لمنطقة جنائز نيم ، والتخصص الانثربولوجي لدراسة الاختبارات على رفات العنصر العربي عن طريقة دراسة الجنس والعمر ووصف الأشخاص عن طريق البحث في الأدلة المادية المستعملة في القتال والحرب ، ويأتي التخصص الثالث وهو التخصص الجيني والذي يُعني بتقديم الحجج البيولوجية المتعلقة بدراسة أصول الأفراد ، إن هذه التحليلات المتعددة التخصصات التي أجريت على هذه المدافن توفر بيانات جديدة مرتبطة بالاستقرار الإسلامي في أراضي القوط الغربيين في منطقة سبتمانيا وتحمل دراسة للعلاقة المعقدة التي جمعت بين المجتمعات الغربية والعربية في العصور الوسطى .
التحليل الأنثربولوجي :
بالنسبة الي دراسة الجنس المكتشف ، فقد طبقنا في هذا الصدد طريقتان حديثتان وموثوق بهما ركزنا من خلالهما على دراسة عظم منطقة الورك ”
hip bones ” لتشخيص الجنس المكتشف ، وقدرت إحدي هاتين الطريقتان والتي تعرف “بطريقة الصرف أو A morphological approach “
عمر الفرد عند الوفاة ، وذلك عن طريق دراسة منطقة الحوض طبقًا لطريقة شميت
Schmitt ، وتم إجراء تقدير مكان خروج العظام الطويلة باستخدام دراسة هوية أشكال الهياكل العظمية المرقمة بالأرقام التالية تبعًا لطريقة ترقيم المدافن بـ
US7083 ( مدفن SP 7080) و US7160 ( مدفن SP7089) و US9270 ( مدفن SP9269) ، وتم تخزين هذه العينات في مختبر الانثربولوجيا البيولوجية التابع لجامعة بوردو ( قسم جيروند – فرنسا ) .
خريطة لمدينة نيم في العصور الوسطى مع تركيز على منطقة الحفريات موضع دفن المسلمين والتي تقع في اليسار من الخريطة ويرمز لها بالرموز المذكورة
التحليل الجيني :
تم تنفيذ جميع طرق وإعداد استخراج الحمض النووي بواسطة مكتبة ومختبر ” الحمض النووي لسكان الماضي والحاضر ” التابع لجامعة بوردو ، وذلك للحد من مخاطر تلوث الحمض النووي ، وقد تم استخراج الحمض النووي من جميع المواقع الثلاث من رفات الأشخاص الثلاثة ، وقدرت كل عينى مستخرجة لاستخلاص الحمض النووي بحوالي 200- 400 جرام من المسحوق المنتج للحمض وذلك وفقًا لأجراءات الباحث المشارك في العمل وهو Mendisco ومن معه ، وأجريت ثلاث عمليات مختلفة لاستخراج الحمض النووي من كل عينة على حده ، وشكل التحليل الجيني على العينات المرموز لها بـ شظية BP-393 والمستخرجة من العينة MT DNA HVR1 وذلك عن طريق تضخيم أربعة أجزاء من الشظايا قصيرة متداخلة ، وتمت الدراسة الجينية لعدد 27 من الميتوكوندريا و 10 من الكروموسومات تحت رمز Y-SNPS وذلك عن طريق استخدام تكنولوجيا الـ
IPLEX ، وجميع البروتوكولات أو الطرق المستخدمة في التحليل كانت باشراف Mendisco وفريقه .
وفيما يتعلق بالتحليل الجيني ، فإن جميع جينات الميتوكوندريا وأغلب الكروموسومات كانت مخصبة ومحل تهجين ، وتم من خلالها استخراج حوالي 50 ميكرولتر من الحمض النووي باستخدام بروتوكول أو طريقة Agilent ، وحفظت العينات في مكتبة الحمض النووي تبعًا لنظام
الباحث Mendisco وفي ملف تحت رقم S2 .
مصدر البحث :
http://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0148583
رابط الجزء الأول :
https://www.egyres.com/articles/دراسة-اكتشاف-قبورًا-لمسلمين-بجنوب-فرن