يعتقد علماء الآثار أن آخر حجرة دفنٍ في وادي الملوك بمصر قد تم اكتشافها قبل حتى أن يفتح (هوارد كارتر-Howard Carter) قبر الفرعون توت عنخ آمون في عام 1922.
لقد حكم توت مصر عقدًا واحدًا من الزمان من العام 1333 حتى 1323 قبل الميلاد. وبينما كانت مقبرته بعيدةً عين أيدي اللصوص قبل اكتشافها، فإن تحف المقبرة الذهبية المدهشة استحوذت على مخيلة الجمهور، وجعلته واحدًا من أكثر مومياوات مصر شهرةً ودراسة.
ولكن في الحقيقة لم تكن مقبرة الملك توت آخر سرٍ يحمله الوادي بين طياته. فخلال العشر سنوات الماضية ظهرت حجرتان أُخريتان للضوء، هما عبارة عن:
- منطقة تخزين للتوابيت ولوازم الدفن.
- الأخرى احتوت على مومياء امرأة يُعتقد أنها كانت مُنشِدة في معبد الكرنك قديمًا.
في نوفمبر 2015، أجرى (هيروكاتسو واتانابي–( Hirokatsu Watanabe، -متخصص رادار- سلسلةً من عمليات الفحص عن طريق الرادار المُستكشف لباطن الأرض.
والآن بعد أن اكتمل الفحص، فإنه يشير إلى احتمالية وجود مزيدٍ من الحجرات، التي قد تحتوى على مقابر أخرى، والتي كانت مختبئةً خلف جدران مقبرة الملك الشاب.
الجدير بالذكر أن استخدام الرادار المستكشف لباطن الأرض على صخور وادي الملوك هو شيء بالغ الصعوبة. فعلى حسب تصريحات وزير الدولة السابق لشؤون الآثار (زاهي حواس)، فإن الشقوق الطبيعية في صخور وادي الملوك قد تعكس موجات الرادار، مما يجعلها تشبه إلى حدٍ كبير حجرات من صنع الإنسان، ولذا يجري الآن التخطيط لعمل جولة أخرى من المسح للتأكد مما إذا كانت هذه الحجرات موجودةً بالفعل.
للوهلة الأولى، يظهر لنا الملك توت عنخ آمون كشخصيةٍ ثانوية في تاريخ الحضارة المصرية، حيث أن السجلات المكتوبة التي تشير إليه قليلةٌ للغاية. لكنه حكم في وقتٍ كانت تتوجه فيه الأمة المصرية نحو تغييرٍ عميق. حيث غَيَّر الفرعون (أخناتون) قبله ديانة مصر الرسمية والتي تحولت من عبادة عدد من الآلهة للتوحيد وعبادة إله واحد وهو (آتون) إله الشمس، وكان هذا قبل بدء عهد توت بأربع سنوات.
وكتأثيرٍ جانبي، انتقلت السلطة والمال بعيدًا عن كهنة الآلهة القديمة، ولكن لم يستمر هذا طويلًا، فبعد موت أخناتون بفترةٍ وجيزة، رجعت الأمة المصرية لعبادة الآلهة التقليدية من جديد.
استطاعت هذه الطوائف المؤيدة لرجوع الآلهة القديمة استعادة قوتها بسرعة، وكان هذا خلال الفترة التي شهدت كل هذه الاضطرابات، وحينها تولى توت عرش مصر.
وكما هي العادة في كل اكتشاف ضخم، فقد أثار اكتشاف قبر الفرعون توت أسئلةً جديدة ومهمة عن التاريخ المصري القديم، مثل من هم أسلافه وخلفاؤه، وما هي الشخصيات الأخرى التي من الممكن أن تكون مدفونةً في قبره.
إن كانت هناك حقًا حجرات جديدة ليتم اكتشافها، فإن الإجابات التي تتعلق بالفرعون توت وعلاقاته الملكية ستصبح أقرب من أي وقتٍ مضى، ورغم ذالك سيظل هناك العديد من الغموض والأسئلة التي من المرجح أن تبقى بلا إجابات.
من كانا والدي الفرعون توت؟
في حوالي العام 1341 قبل الميلاد، وفي عهد أخناتون، ولد طفل ملكي وسمي توت عنخ آتون أي الصورة الحية من آتون، وبعد موت أخناتون تم تغيير اسمه ليتبع إلوهية الشمس التقليدية، فأصبح اسمه توت عنخ آمون.
يعتقد بعض الباحثون، أن والدة الفرعون توت كانت زوجة أخناتون الرئيسية نفرتيتي، فيما يعتقد آخرون أن والدته كانت إحدى زوجات أخناتون الثانويات وكانت تُدعى كيا.
ولكن حتى الآن ليس مؤكدًا أن والد توت هو أخناتون، هناك احتماليةٌ بأن والده هو الفرعون سمنخ كا رع، الحاكم السابق مباشرةً قبل توت.
ويشير تحليل الحمض النووي الخاص بالعديد من المومياوات التي وُجِدَت في وادي الملوك أن والد توت، هو شخصٌ تم دفنه في الوادي في القبر (KV55)، بينما دُفِنَت والدته أبعد قليلًا إلى الغرب في القبر (KV35)، وعلى الرغم من ذلك ما زالت هويات تلك المومياوات غير معروفة.
ويذكر عالم المصريات (مريان ايتون كراوس-Marianne Eaton-Krauss)، -خبير في شؤون الفرعون توت عنخ آمون- والذي درس في بضع جامعات في ألمانيا، أنه على الرغم من أننا نستطيع أن نقول بوضوح إن هذه المومياوات هي أقارب الفرعون توت، إلّا أن تحديد العلاقة الأسرية بدقة عن طريق استخدام الحمض النووي فقط هو أمرٌ بالغ الصعوبة.
ويضيف أن معرفة من كان والده سيوضح لنا ما هي طبيعة المؤامرات الملكية التي كانت تحيط بتولي الفرعون توت عرش مصر وهو في عمر التاسعة.
إذا وُجِدَت مومياء أخرى في قبر توت، فإن النقوش على القطع الأثرية المدفونة ستجعل هذا الشخص يساعدنا كثيرًا في حل هذه المعضلة.
من حكم قبل الفرعون توت؟
في أثناء نهاية عهد الفرعون أخناتون حوالي 1336 قبل الميلاد، عَيَّن أخناتون حاكمًا مساعدًا يُدعى (نفرنفريواتن-(Neferneferuaten، والذي من الممكن أن يكون الملكة نفرتيتي باستخدام اسمٍ مختلف، وبعد وفاة أخناتون حكم نفرنفريواتن لثلاث سنوات ثم تبعه شخصٌ يُدعى سمنخ كا رع ليتولى العرش.
وعلى الرغم من ذالك فيُعد سمنخ كا رع من الشخصيات المثيرة للجدل حيث أن بعض العلماء منهم (نيكولاس ريفز-Nicholas Reeves) من جامعة أريزونا، أن سمنخ كا رع كان أحد الأسماء المستعارة للملكة نفرتيتي.
بينما الاحتمال الآخر أن يكون سمنخ كا رع هو أحد الأقارب الذكور للملك أخناتون، وعلى الرغم من ذالك فإن وُجِدَت حجرة لقبرٍ آخر بين حوائط قبر الفرعون توت، فهذه المومياء السابقة له قد تعطينا الإجابة عن من كان سلفه.
من حكم بعد الفرعون توت؟
توفي الفرعون توت فجأة في الـ19 من عمره، ولم يترك وراءه أي وَرَثَة.
تُظهِر النقوش أن توت كان متزوجًا من (عنخ اسن آمون–(Ankhesenamun، والتي كانت ابنة الملكة نفرتيتي، ولذا فيرجح أن تكون زوجته هي بالأساس أخته من أبيه، وقد أنجبا بنتين لكنهما ماتا بعد فترة قصيرة، ووجدت مومياواتيهما بجانب مقبرة توت.
وقد ترك توت زوجته عنخ اسن آمون في موقفٍ حرج بعد وفاته، فقد بعثت برسالة إلى ملك الحيثيين، الذين كانوا يحكمون قديمًا جزءًا كبيرًا مما يُسمَّى اليوم بتركيا وسوريا، طلبت منه أن يرسل لها عريسًا يشاركها في عرش مصر كمحاولةٍ أخيرة ويائسة منها للتشبث في الحكم. وقد أظهرت وثائق قديمة أن أميرًا حيثيًا يُدعى (زانانزا–Zannanza) قد تم إرساله إلى مصر ولكنه اختفى في ظروفٍ غامضة أثناء الطريق.
ووفقًا لـ(إيتون كراوس–(Eaton-Krauss فإن ميعاد إرسال الرسالة هو محط جدلٍ كبير اليوم بين الباحثين. ويظن البعض أن نفرتيتي هي صاحبة الرسالة وأنها كانت تبحث عن عريسٍ لها لتستطيع أن تحتفظ بالسلطة التي تمكنها أخيرًا من نيل لقب فرعون. وبينما من المستبعد أن اكتشاف الحجرات الجديدة قد يساعد في معرفة من كتب الرسالة، إلّا أن الغموض الذي تبع فترة وفاة الملك توت هو شيءٌ يتمنى الكثير من باحثي المصريات أن يعثروا على حلٍّ له.
لمن بُنيَ قبر الفرعون توت في الأساس؟
يعتقد بعض العلماء بمن فيهم ريفيرز، أن قبر توت يبدو صغيرًا على قبر فرعون مصري، يعتقد البعض أن القبر كان مبنيًا بالفعل، وقد تم استخدامه حين مات الملك توت فجأةً.
وعلى الرغم من أن القبر يحتوي على ثروةٍ معدنية من القطع والتحف الأثرية، إلَّا أن غرفةً واحدة فقط من غرف الدفن الأربع كانت جدرانها تحتوي على رسوماتٍ ونقوشٍ وملصقات. فيما كانت مقابر الملوك حينها تحتوي على الكثير من الديكور والنقوش. وفي القبر توجد لوحات تصف التحول الروحي للملك توت إلى الآخرة. ووفقًا لريفيز فإن أكثر من 80% من قطع الدفن الأثرية تُظهر إعادة استخدام لها من قبل الحكام السابقين بما فيهم الفرعون أخناتون، ويعتقد ريفيز أنه بدلًا من توسيع مقبرة صغيرة للملك توت فإن البنَّاؤون قاموا بصنع حوائط لمقبرةٍ أكبر لتكون خاصة به.
ويضيف بأنه يعتقد أن المالك الحقيقي للقبر قد يكون مُمددًا الآن في إحدى الحجرات التي لم تكتشف بعد، ويُرجَّح بأن يكون هذا الشخص هو نفرتيتي أو الفرعون سمنخ كا رع.
بينما يعتقد حواس أن الدور البارز الذي لعبته نفرتيتي في عبادة الملك آتون، يجعل من المستبعد أن تكون قد دُفِنَت في وادي الملوك الذي هو بالأساس منطقة مقدسة لعبادة الملك آمون.
من يمكن أن يكون مدفونا في قبر الفرعون توت؟
يشارك الكثير من العلماء ريفيرز في تفاؤلِه بأن تحتوي إحدى الحجرات الجديدة على مقبرة نفرتيتي، فلو تم العثور على مومياء الملكة ستكون قفزةً هائلة في دراسة مصر القديمة، وهناك احتمالٌ أن تتضمن الغرف المكتشفة حديثًا المزيد.
يعتقد (فرانك ريولي – (Frank Rühli من جامعة زيورخ، والذي أجرى دراسةً واسعةً على الفرعون توت أن المزيد من الأشخاص الملكيين قد يكونون مدفونين هناك، بما في ذلك شقيقة الفرعون توت الكبرى ميريت آتون، وأمه المحتملة كيا، وبالطبع الملك سمنخ كا رع، وقد نجد نفرتيتي كذلك وربما لا.
إن أي واحدةٍ من تلك المومياوات ستعطينا تلميحًا عن من يمكن أن يكون له علاقة بتوت، ويقع الاحتمال الآخر بأن تكون هذه الغرف مجرد غرف للتخزين ليس أكثر.
إن كانت هذه الحجرات موجودة حقًا، فإن إمكانيات ما ستخبرنا به عن الفرعون توت تعد غير محدودة!
وكما يقول كرواس: «الشيء الوحيد الذي نعرفه حقًا عن الفرعون توت عنخ آمون أنه قد مات!»
كيف مات الفرعون توت؟
واحد من الأسئلة التي من غير المرجح لها أن تُجاب إن تم اكتشاف واحدة من هذه الحجرات الجديدة هو كيف مات توت. أظهر تحليل الحمض النووي الذي قام به ريولي أن الملك الصبي كان يُعاني من الملاريا، كما أوضحت الأشعة المقطعية التي أُجريَت عليه بأنه ربما كان لديه اضطراب العظام النادر الذي يٌسمَّى (مرض كوهلر – Köhler disease) والذي تسبب في تشويه قدمه اليسرى، وقد عُثِرَ في قبر الملك الشاب على أكثر من 130 عكاز للمشي، يُرجِّح البعض أنه قد استخدمهم كلهم طوال فترة حياته.
بالطبع أيٌّ من هذه الأمراض قد يكون قاتلًا بالضرورة، لكن ريولي يعتقد أن أفضل تفسير هو كسرٌ بالغ في الساق وركبته التي كُسِرَت بشدة هي أيضًا ثم اخترقت الجلد وتسببت بنزيفٍ حاد.
وعلى الرغم من أن الكسر الحاد والقاتل في الساق يلائم فكرة موت توت فجأةً، إلَّا أن ريولي لا يستطيع الجزم بأن الكسر الذي حدث له كان أثناء حياته، فمن المرجح كذلك أن الكسر كان بعد وفاته.
يتساءل ريولي هل كان فرعونًا قويًا وحيويًا ويقود الجيوش في المعارك؟ أم مجرد رئيس صوري ضعيف يتم التلاعب به من قبل العجائز في بلاطه الملكي؟ يأمل ريولي أن يكون قادرًا على القيام بفحصٍ شامل ومُوسَّع على الفرعون الشاب، ليتمكن من جمع المزيد عن صحته ومعرفة لِمَ مات الفرعون توت عنخ آمون.
ترجمة: محمد أكرم
مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary
تصميم: Abdallah Taha
المصدر: http://sc.egyres.com/oc2aS/
#الباحثون_المصريون