بيت الفن والحياة – أول أعمال المعماري حسن فتحي

بيت_الفن_و_الحياة

بيت الفن والحياة||||||||||||||||||||

بيت الفن والحياة

هو عملٌ آخر من أعمال المعماري «حسن فتحي»، وهو أقدم وأوَّل مبنى يحمل فِكرَهُ، وأول إبداعٍ بأسلوبهِ الشهيرِ بالقباب، ذلك قبل قرية «القرنة» بأربعة أعوام. تم هدمه في عام 2011 لبناءِ عِمارةٍ مكانها في اليوم التالي مُباشرةً لوفاةِ الفنانة إحسان هانم زوجة الفنان الكبير «حامد سعيد».

صاحِب المنزل هو حامد حسني سعيد (1908-2006). رسامٌ ومُفكرٌ مِصريٌّ أَسَّسَ جماعةَ الفن والحياة منذ عام 1946على مبدأ التوعية بالعلاقة الطبيعية بين الفن والحياة، ومدير إدارة التفرغ بوزارة الثقافة في الستينات والسبعينات، وتُعتبر لوحات الفنان الراحل حامد سعيد من روعة الطبيعة، وأهم موضوعاته شجرية النبْق، التي عايشها في حديقة منزله بالمرج ورسمها بالقلم الرصاص بصورةٍ تأمُّليةٍ صوفية.

انتقل إلى منزلهِ بكفر الشُرَفَا من ضاحيةِ المرج، الذي صمَّمَه المعماري حسن فتحي عام 1942 وعاش فيه مع زوجته حتى وفاته في 19 مارس 2006.

وكان البيت قَبْلَهُ لمحبي وتلاميذ حامد سعيد، مثل كرمة بن هانئ لأحمد شوقي.

المعماري: حسن فتحي مُصمِّم البيت وهو صاحب كتاب عمارة الفقراء، وحَصَلَ على جائزة الرئيس، وجائزة الأغاخان للعمارة، وأوَّل فائزٍ بجائزة نوبل البديلة السويد، وجائزة بالزان العالمية، والميدالية الذهبية الأولى – الاتحاد الدولي للمعماريين في باريس، والميدالية الذهبية من المعهد الملكي للمعمارين البريطانيين، وجائزة لويس سوليفان للعمارة (ميدالية ذهبية) – الاتحاد الدولي للبناء والحرف التقليدية، وجائزة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.

كان حسن فتحي صديقًا وزميلًا في الهندسة لأخِ حامد سعيد، وأيضًا أستاذ أخيه صلاح سعيد.

من اليمين المهندس حسن فتحي وبجواره الفنان حامد سعيد.
من اليمين المهندس حسن فتحي وبجواره الفنان حامد سعيد.

ارتبط حسن فتحي بصداقةٍ عميقةٍ بالمُفكِّر حامد سعيد مُؤسِّس المدرسة المصرية في الفن والحياة، وتلاقت أفكاره مع هذه المدرسة التي كانت تتكوَّن من مجموعة متباينة من الفنانين والعلماء، يربط بينهم جميعًا رِباطُ البحث عن الحقيقة والحكمة والتعرُّف على منابع الطبيعة والفن. وإكرامًا لتلك الصداقة العميقة، قام حسن فتحي بتشييد بيتِ حامد سعيد عام 1945 في ضاحية المرج، ويُعَدُّ أقدمَ نموذجٍ حيٍّ لأعمال حسن فتحي الأولى التي كانت من الطين.

الأرض كانت ملكًا لعائلة حامد سعيد، وكان حامد سعيد ساكنًا في خيمةٍ لفترةٍ ثم بنى له حسن فتحي بيتًا من الأرض.

يقول حسن فتحي في كتابه عمارة الفقراء الذي قام بنشره «معهد أولادي ستيفنسن للشؤون الدولية» في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية وترجمه إلى العربية د. مصطفى إبراهيم فهمي: «وكان لي صديق آخر يعيش في المرج، خارج القاهرة مباشرةً، وهو حامد سعيد. وكان فنانًا يعيشُ مع زوجته في خيمة، وسبَّبَ ذلك في جزءٍ منه أن يكون قريبًا من الطبيعة التي كان يعشقها عِشقًا جمًّا، وفي جزءٍ آخر لأنه لا يستطيع تحمُّل ثمن منزل. وعندما سَمِعَ عن مزرعة الجمعية الملكية للزراعة في بهتيم وكيف كانت تكلفة بنائها رخيصة، فإنه اهتم بالأمر أشدَّ الاهتمام، ذلك أنَّه ظَلَّ لزمنٍ يحتاجُ إلى مرسم.

وذهب ليلقي نظرةً على المباني، وعندما رأى النوعية الفريدة للنور في مقصورةٍ ذات سقفٍ مُقبَّى، قَرَّرَ في الحال أن يبني لنفسه مقصورةً مُماثلة. وكان لبعض أقاربه عزبة، أقمنا فيها مرسمًا يتكون من حجرة واحدة كبيرة ذات قبة، ومخدع مُقبَّى مُبيَّت في الجدران، وأصونه مُبيَّتة في الجدار، ومقصورة مفتوحة عند طرفها تَطُلُّ على الحقول وعلى منظرٍ يطِّرد بلا انقطاعٍ لفدانٍ إثر فدان من أشجار النخيل. وقد صنع له الطوب في نفس الموقع –وكانت التربة رملية– فلم يحتج حتى للقش وبنى البناؤون البيت مقابل 25 جنيهًا فحسب. والتقطنا بعضَ الشبابيك الخشبية القديمة الجميلة جدًا لتُستخدم للنوافذ، وبعض الأبواب المهملة لتستخدم للأصونة، وكلها كان قد أهمل شأنها زمنًا طويلًا، إذ حلَّت مكانها التجهيزات البرَّاقة ذات الأسلوب الأوروبي. وإجمالًا فإنه حصل على كوخٍ صغيرٍ ساحرٍ كمرسمٍ بما يقرب من 50 جنيهًا».

بُمجرَّد اقترابك من البيت حتى تلاحظ القباب بدل الأسطح المستوية والأشجار التي تظهر من خلف السور، تدخل من الباب الخارجي فتجد نفسك في الفناء الداخلي أو «الصحن»، حيث تُحيط به جدران المنزل من ثلاثِ جوانب، فتجد الظلال طوال اليوم، ويعمل الفناء كمُنظِّمٍ طبيعيٍّ ومُلطِّفٍ لحرارةِ الغُرف.

يصف المعماري حسن فتحي الفناء الداخلي بقوله: «يمكن لنظام التبريد الساكن نسبيًّا والمستعمل في البيت ذي الفناء الداخلي أن يُوفِّر أساسًا لفهم التعديلات التي يُمكن إدخالها على التصميم لتوليد حركة في الهواء بفعل الحمل الحراري، وذلك في استخدام مفهوم الفناء من أجل توفير الراحة المُثلى المُتعلِّقة بالمحيط الحراري. وحسب فتحي، فإن الفناء في تصميمه حقَّقَ عدة مزايا، منها الميدان يبقى على التوجه التقليدي بواجهاته للداخل، وكذلك فإن الفناء يجلب للقرية بعضًا من لُطفِ وتحضُّر حياة الإنسان وجوًّا خاصًّا من الهدوءِ والجمال».

كان المهندس حسن فتحي صاحبَ رسالة، فلم يكن يبني بيوتًا للأثرياء، ولم يكن يأخذ مالًا، لأنه كان يرى أن رسالته بناءُ عمارة الفقراء، وكان أغلب ما يبنيه هدايا لمن يقبل أن يُصمِّمَ لهم.

ويصف حامد سعيد منزله المصنوع من الطوب الطينى على أنه: «آنيةٌ فخارية ومبنًى في الوقت نفسه»، ويصف حسن فتحي أنه «معلم البناء».

كان المبني جميلًا، ربما للاستخدام الدقيق للأقواس والمنحنيات التي تُشكِّل الجمال، بينما الخط المستقيم هو الوظيفة، ويجب استخدامهما في أماكنهما بفهمٍ ووعي.

كان البيتُ معتدلًا في الصيف والشتاء، لا يحتاج إلى تكييفٍ نظرًا لسماكة الحوائط العازلة من الطوب النيء من خامة الأرض نفسها، فقد كان حسن فتحي يقول: «اُنظر تحتَ قدمك وابنِ»، موفِّرًا تكلفة نقل المواد الخام لمكان البناء، وتزيد تناغم الإنسان مع البيئة والبناء.

ويقول حسن فتحي:

إن الله قد خلق في كل بيئة ما يقاوم مشكلاتها من مواد وذكاء المعماري هو في التعامل مع المواد الموجودة تحت قدميه لأنها المواد التي تقاوم قسوة بيئة المكان

كان عرض الصالة يتسع ويضيق حسب وضع الأعمدة الإنشائية المُستخدمة لدعم السقف ذي الفتحات أعلاها، وتم وضع الشبابيك في المسافات الضيقة بين الأعمدة لتسمح برؤية الفناء من خلالها.

وكان حسن فتحي مهندسًا نادرًا يستمعُ بإنصاتٍ لمطالب صاحب البيت ويُنفِّذ طلباته حتى لو كان عاملًا بسيطًا كما حدث في القرنة.

وفي منزل حامد سعيد نجد تأثيرًا مكانيًّا وخاصةً في الصالة يتجاوزُ بكثيرٍ الوسائل البسيطة المُستخدمة للوصول إليه، وليؤكِّدَ التعبير الذي استخدمة حامد سعيد ليصف التماثيل الفرعونية التي تم عرضها في هذه الصالة: «الحضور العضوي والنبض والغموض كلها هنا».

لم تكن الصالةُ مُجرَّد مَمَرٍّ يربط جزءًا من المنزل بجزءٍ آخر، ولكنها كانت تعطي إحساسًا يشبه العزلة في الدير. وأصبحت علامةً أخرى من علامات حسن فتحي حين يتطلب من غرفة معينة أن تؤدي وظيفة مزدوجة وليس حل نفعي صِرف.

تم بناء المنزل على مرحلتين، في عام 1941 تم بناء الوحدة الداخلية الرئيسية والتي تتكوَّن من الغرفة المركزية المغطاة بقبة والمتصلة بإيوانٍ مُقوَّس، والذي يُشير إلى القاعة أي الغرفة الرئيسية النمطية للمنازل التاريخية للقاهرة، وهناك إيوان خارجي مُقوَّس كبير (رواق) تم بناؤه بالقرب من الغرفة ويفتح ويطل على المنزل الطبيعي الريفي.

قطاع أفقي ورأسي للمرحلة الأولى
قطاع أفقي ورأسي للمرحلة الأولى

وفي المرحلة الثانية 1945، قام بتصميمِ غُرفٍ إضافية حول الفناء المزروع بالأشجار: عدد غرفتين رئيسيتين على كل جانب، ومن وحداتٍ مزدوجة المسافات (كل وحدة مكونة من غرفة مغطاة بقبة متصلة بوحدة أصغر) وكل ذلك مُرتبط برواقٍ مُغطَّى على الجانب الآخر ولقد تم بناء النزل كله بالطوب اللبن، كما نجد الغرف مغطاةً بقباءٍ ما عدا الإيوانين والوراق المغطاة بالاقواس

وفرشة الفنان حامد سعيد بآيات النجارة الإسلامية الرصينة من الحشوات الخشبية والأطباق النجمية المجمعة.

يبدو المنزل في شكله النهائي غير ملفق، ويصعب تصديق أنه تم بناؤه على مرحلتين منفصلتين.

وبمجرد اكتمال المنزل، أصبح مكانًا للقاء جماعة أطلقت على نفسها «أصدقاء الفن والحياة».

تابع في الألبوم التالي صورًا توضحية لتفاصيل المنزل، أضغط على الصورة لتفتح بحجمها الكامل:

 

 

 

المراجع

  • عمارة الفقراء حسن فتحي
  • الأعمال الكاملة لحسن فتحي: تأليف جيمس ستيل

إعداد: Omar Selim
مراجعة علمية: Mahmoud Ouf
مراجعة لغوية: Mohamed Sayed Elgohar

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي