تاريخ البيرة: هكذا تحتمل وطأة العالم

7163-1

البيرة|تاريخ البيرة: هكذا تُحتمل وطأة العالم|تاريخ البيرة: هكذا تُحتمل وطأة العالم|تاريخ البيرة: هكذا تُحتمل وطأة العالم|تاريخ البيرة: هكذا تُحتمل وطأة العالم|

تعتبر البيرة -الجعة- بمثابة أحد أقدم المشروبات الكحولية المُسكرة التي استهلكها الإنسان بشكل عام، فباستطلاع سريع لوقائع التاريخ يتضح أن الإنسان بعدما استوفى جُل حاجاته الأساسية من غذاء ومأوى وقوانين بدائية لتنظيم المجتمع، فقد اتجه اهتمامه التالي مباشرة إلى تطوير المشروبات المُسكرة. وكانت بعض الاكتشافات التي تمت لآثار تخمير عينات من البيرة بمستوطنة (جودن تيبي-Godin Tepe) السومارية بالمنطقة قرب إيران اليوم ما بين 3500 و3100 قبل الميلاد قد أكدت ذلك، إلا أن الكحوليات كانت قد أصبحت بالفعل جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للإنسان وبشكل تام قبل ذلك بفترة طويلة كما كتب الباحث جين بوتيرو:

«في بلاد ما بين النهرين القديمة، ومن بين أقدم من عرفوا الحضارة من البشر، كانت المشروبات الكحولية بمثابة جزءًا أساسيًا من طقوس الاحتفال طالما بُسطت مأدبة للطعام بأي عيد. على الرغم من كون البيرة والتي يتم تخميرها بشكل رئيسي من الشعير ظلت المشروب الوطني، إلا أن النبيذ لم يكن شائعًا آنذاك».

البيرة
مجموعة نموذجية للتخمير، تم العثور عليها في الدير البحري ويرجع تاريخها لحوالي 2050- 2000 ق.م.

أصل وتطور البيرة

يعتقد أن حرفة تخمير البيرة قد ظهرت بالمطابخ المنزلية حينما تم إهمال الحبوب المستخدمة في إعداد الخبز فبدأت بالتخمر، ويذكر الباحثان (جيرمي بلاك) و(أنتوني جرين) على سبيل المثال لا الحصر، بأن: «المشروبات الكحولية ربما قد نتجت عبر اكتشاف عرضي خلال مرحلة الجمع والالتقاط فيما قبل التاريخ البشري» (الآلهه، 28). في حين أن هذه النظرية قد تم قبولها منذ فترة طويلة، إلا أن الباحث ستيفن بيرتمان قد أخذ في المقابل بتطوير نظرية أخرى تعمل على مناقشة الشعبية الطويلة لذلك الشراب:

«على الرغم من كون الخبز عنصرًا أساسيًا في النظام الغذائي لبلاد ما بين النهرين، إلا أن عالم النبات جونثان دي سوير يقترح بأن صناعة الخبز لم تكن هي الباعث الأساسي على الاهتمام بنبات الشعير. بدلًا من ذلك، وكما يعتقد بأن الحافز الحقيقي هو البيرة، والتي تم اكتشافها لأول مرة عندما تم العثور على حبات الشعير تنمو وتختمر أثناء التخزين. وسواء كان سوير محقًا في ذلك أم لا، فإن البيرة سرعان ما أصبحت الشراب المفضل لبلاد ما بين النهرين. كما يقول المثل السوماري القديم: «هذا الذي لا يعرف البيرة، لا يعرف الخير». وكان للبابليون حوالي 70 صنفًا مختلفًا من البيرة، والتي كان يتم الاستمتاع بها من قبل كلًا من الآلهة والبشر الذين –وكما تظهر الأعمال الفنية بتلك الفترة- احتسوها عبر أقداح طويلة لتجنب شوائب الشعير التي تطفو أحيانًا على السطح».

كذلك الباحث (ماكس نيلسون) يرفض أيضًا الإدعاء الشائع بأن تخمير الشعير قد تم اكتشافه بشكل عارض، ويقول:

«غالبًا ما  كانت الثمار تتخمر طبيعيًا عبر فعل الفطريات البرية، وعادةً ما تسعى الحيوانات إلى الحصول على ذلك الخليط الكحولي الناتج لتتمتع بذلك التأثير المثير عليها، والبشر فيما قبل الزراعة أيضًا وبمناطق مختلفة خلال العصر الحجري الحديث قد سعوا على نحو مماثل إلى مثل هذه الفاكهة المتخمرة، وربما قاموا أيضًا بجمع الثمار البرية على أمل أن يكون لها تأثير فيزيائي مشابه -أي السُكر- إذا ما تركت بالهواء الطلق».

ويطرح البعض فكرة أن البيرة قد نالت ذلك القدر من الشعبية، ليس فقط بسبب الطعم وآثاره، وإنما لكونها أيضًا أكثر صحة للشرب من المياه بتلك المناطق. ويوضح الباحث (بول كرواكزك) كيف أن أنظمة التخلص من النفايات في مدن بلاد ما بين النهرين آنذاك قد صممت بشكل معقد لإبعاد النفايات البشرية والحيوانية خارج أسوار المدينة، ومع هذا فقد كان ذلك المكان بالضبط الذي يوجد فيه مصدر الإمداد بالمياه. ويشير كرواكزك إلى كون ذلك التصميم إنجاز هندسي مذهل ولكنه في المقابل أيضًا بمثابة كارثة محتملة على الصحة العامة. وكانت المياة النظيفة بعيدة إلى حد ما عن هذه المدن، ولكن يمكن استغلال مياة الأنهار القريبة لصنع البيرة التي كانت أكثر أمنًا للشرب بسبب عملية التخمير والتي تتضمن غلي الماء. ويضيف كرواكزك:

«في حال كانت المجاري المائية غير آمنة بالقدر الكافي، فإن الينابيع والأبار كانت غير صالحة للشرب حيث إن مستوى المياه المالحة الجوفية قريب للغاية من السطح. من ثم فالبيرة التي تم تعقيمها بسبب محتواها الكحولي الضعيف، كانت الشراب الأكثر أمانًا، تمامًا كما هو الحال في العالم الغربي حتى أواخر العصر الفيكتوري، إذ كانت تُقدم في كل وجبة حتى في المستشفيات ودور رعاية الأيتام. وفي سومر القديمة، شكلت البيرة حصة من الأجور المدفوعة لأولئك الذين أضطروا لخدمة الأخرين من أجل معيشتهم».

بذلك أصبحت البيرة الشراب المفضل في جميع أنحاء المنطقة، وبخاصةً حينما تحولت إلى مشروع تجاري. عند هذه المرحلة، وعلى ما يبدو، فقد تم الاستحواذ على الصناعة من قبل الرجال الذين أدركوا كم يمكن لذلك الاستثمار أن يكون مربحًا، والنساء -المصنعات التقليديات للبيرة- استمررن تحت إشرافهم. وبالطبع الشراب كان يتم إعداده يدويًا، ولكن مع اكتسابه لهذا القدر من الشعبية، فقد تم انتاجه بكميات أكبر مما دفع لتطوير مصانع البيرة على نطاق أوسع. ويذكر الباحث (جويندولين لييك):

«لقد تم إنتاج البيرة بشكل رئيسي من الشعير. من الحبوب المطحونة على وجه الخصوص، إذ كان يتم تشكيلها ثم خبزها لفترة قصيرة على شكل كعك صغير، من ثم يتم إعادة طحنها مجددًا، وخلطها مع الماء حيث تترك لتختمر، وفي النهاية يتم ترشيحها من الشوائب وتخزينها في جرار كبيرة. وغالبًا لا يمكن الاحتفاظ بالبيرة في بلاد ما بين النهرين سوى لفترة قصيرة، لذا فيجب استهلاكها طازجة قدر الإمكان. وتشير بعض الكتابات المسمارية إلى وجود عدة أنواع من البيرة، مثل: البيرة القوية، البيرة الداكنة، والبيرة العادية. إلى جانب بعض الأنواع الأخرى التي تم إنتاجها من القمح والسمسم أو التمر كذلك خلال العصر البابلي الجديد وما بعده».

البيرة
لوحة توضح أوامر المعابد بانتاج حصص يومية من بيرة الشعير في بلاد ما بين النهرين، 3100-3000 قبل الميلاد. (المتحف البريطاني، لندن).

وكان الاعتقاد الشائع آنذاك أن البيرة هي هبة من الآلهة للبشر، لذا فقد كان يتم تقديمها كقربان في المعابد بجميع أنحاء بلاد ما بين النهرين. وكما تم الإشارة سابقًا، فقد استخدمت أيضًا كوسيلة لدفع الأجور إلى جانب استهلاكها بحرية مطلقة في الاحتفالات والمناسبات الدينية والمراسم الجنائزية. فالبيرة غالبًا ما كانت مرتبطة بالأوقات الجيدة والسعيدة كمشروب يحرر قلب الإنسان ويجعله يشعر بالخفة ليتناسى كل مشاكله وهمومه.

بملحمة جلجامش، على سبيل المثال، وحينما كان البطل مذهولًا لوفاة صديقه، حيث بدأ رحلاته الطويلة لمطاردة مساعيه بحثًا عن الخلود ومعنى الحياة، يلتقي ب(براميد سيدوري) التي تقترح عليه أن يتخلى عن مثل هذه التطلعات النبيلة ويستمتع بالحياة في بساطة؛ فباختصار قالت له أن يحاول الاسترخاء ويتناول شيئًا من البيرة. واستمتع الجميع على نطاق واسع بالبيرة تقريبًا، وذلك لمجموعة متنوعة من الأسباب تحت كل ظرف من الظروف تقريبًا. فيذكر (جيرمي بلاك) و(أنتوني جيرين):

«كان ذلك الطقس الاجتماعي -التجاري للشراب شائعًا للغاية- وليس لأغراض طبية أو دينية -منذ أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد على الأقل، وهذا ما توثقه قوانين حمورابي التي تنظم الأماكن العامة».

وعلى الرغم من كون السوماريين أول من طوروا حرفة التخمير، فإن البابليين قد ذهبوا بها إلى أماكن أبعد فنظموا كيفية التخمير والتقديم وحتى من يصرح له بالبيع. فعلى سبيل المثال، سُمح للكاهنات اللاتي كرسن حياتهن للإله بتناول ما يشاءن من البيرة سرًا وخفية في حين تم حرمانهن في المقابل من فتح الحانات أو تقديم البيرة أو شربها علنًا كبقية النساء.

وكما هو الحال مع عملية التخمير نفسها، فكان السقاة الأوائل كذلك من النساء كما ينص قانون حمورابي. ومن بين اللوائح التنظيمية الأخرى أيضًا فإن قانون حمورابي يتوعد أي امرأة تسكب قدرا ضئيلًا من اليبرة للزبائن بالموت غرقًا، بمعنى أي شخص لا يملأ أقداح الزبائن وفقًا للسعر المدفوع.

البيرة تجوب العالم

من خلال عمليات التبادل التجاري، انتقلت البيرة إلى مصر حيث احتضن الناس هذا المشروب بحماس وشغف. فأحب المصريون البيرة بقدر ما حازت من حب في بلاد ما بين النهرين وسرعان ما انتشرت مصانع البيرة بجميع أنحاء مصر. ومثلما جرت الأمور في بلاد ما بين النهرين، كانت النساء كذلك أول من قُمن بتخمير البيرة، وارتبطت البيرة بشكل وثيق بالإلهة حتحتور في دندرة خلال مرحلة مبكرة. فكتب الباحث (ريتشارد ويلكينسون):

«ارتبطت حتحور بالمشروبات الكحولية والتي يبدو أنها استهلكت على نطاق واسع باحتفالاتها، إلى جانب انتشار صورها على الأقداح والأوعية التي استخدمت لاحتواء النبيذ والبيرة. هكذا عُرفت حتحور بكونها ربة السُكر والغناء والمُر، وبالطبع فقد زادت هذه الصفات من شعبيتها منذ عصر الدولة القديمة وكفلت لها قدرًا مضمونًا من الحضور طوال التاريخ بمصر».

على الرغم من أن حتحور شجعت الناس على التعبير بحرية عن فرحتهم في الحياة من خلال الشرب، إنما تجدر الإشارة إلى أن الإفراط في الشراب حتى الثمالة كان متاحًا في حالات معينة. فلا حتحور ولا أي إله مصري أخر تقّبل قيام العمال بوظائفهم وهم سُكارى أو أولئك الذين أساءوا تناول الكحول مما تسبب بضرر آخر. فالمبدأ العام لماعت -الانسجام والتوزان- أتاح الإفراط في الشراب وإنما بدرجة من التوازن مع مسئوليات الفرد اليومية الأخرى، والعائلة، والمجتمع الأكبر.

لم تكن حتحور إلهة البيرة الرئيسية عند المصريين، إنما كانت (تنينيت-Tenenit) من الكلمة المصرية (tenemu) والتي تعني أحد أنواع البيرة، وكان يعتقد أنها تعلمت فن التخمير من قبل الإله أوزوريس نفسه. وبالمثل من نينكازي في سومر، استعانت تنينيت في تخمير البيرة بأجود المكونات كما أشرفت على كل جوانب عملية الإعداد.

البيرة
مجموعة نموذج خشبي مطلي: أربع شخصيات تحضر الطعام والبيرة. الأسرة السادسة، Sidmant، مصر. (المتحف البريطاني، لندن)

وكانت النتيجة النهائية لجهودها هي ذلك الشراب الذي تنعم به الجميع عبر الأرض في عدد من الأصناف المختلفة. وتلقى العمال بهضبة الجيزة حصصًا من البيرة على ثلاث مرات يوميًا، كما تضمنت العديد من الوصفات الطبية لأمراض مختلفة استخدام البيرة -ما يقارب ال 100 وصفة تضمنت الشراب- وكما كان الحال في بلاد ما بين النهرين، فقد ظن المصريون أيضًا أن شرب البيرة قد يكون أكثر صحية من شرب الماء لذا فقد تناولها المصريون من جميع الأعمار، من الأطفال وحتى الشيوخ.

وعبر مصر، انتقلت البيرة إلى اليونان -كما يدل على ذلك التشابه بين الكلمة المصرية للبيرة zytum، والكلمة اليونانية للشراب zythos- والإغريق على أية حال، مثل الرومان من بعدهم، فضلوا النبيذ القوي على البيرة واعتبروها مشروبًا رديئًا من البرابرة. حتى أن الإمبراطور الروماني يوليانوس قد كتب قصيدة تمجد فضائل النبيذ كشراب للألهة في حين أعتبر أن البيرة تشبه رائحة الماعز. وعلى الرغم من ذلك فقد قام الرومان بتخمير البيرة، حيث يتجلى ذلك في الاكتشافات التي تمت بالمواقع الرومانية في ريغنسبورج بألمانيا والتي أسسها (ماركوس أوريليوس) بالعام 179 ق.م باسم (كاستا ريجينا)، كذلك في ترير ومواقع أخرى.

خفوت وازدهار البيرة

بتوسع وانتشار الإمبراطورية الرومانية، فانتشرت بالتبعية الثقافة والأذواق الرومانية. وبما أن الرومان فضلوا تناول النبيذ عن البيرة، فقد تم اعتبار البيرة مشروبًا بربريًا كريهًا بالمقارنة بالنبيذ المصقول عالي الجودة، ومع ذلك، فيبدو أن الكيليتين كانوا بالأساس المسئولين عن تلك الأفضلية للنبيذ على البيرة فقد اعتبروا أنها مشروب غير لائق بالرجال، فيذكر نيلسون:

«كان يعتقد أن البيرة هي نوع وضيع من المُسكرات لأنها كانت -على الأقل بمعظم الأحيان- متأثرة بالقدرة المفسدة لفطريات الخميرة، وباردة بطبيعة الحال فبالتالي تم اعتبارها مادة مخنثة، في حين كان الظن أن النبيذ لا يتأثر بفطريات الخميرة أي يتم تسخينه بالأحرى لكي يتم تصنعيه، وعلى ذلك فهو مادة أكثر رجولية».

كان الجاليون شبه مدمنين بالفعل للنبيذ الذي يستورده التجار الإيطاليون، حيث شربوه بكميات غفيرة غير مخلوط بالماء إلى حد السقوط بالإغماء، وكانوا كذلك مغرمين بالنبيذ الإيطالي لحد تبادل العبد الواحد مقابل جرة من ذلك النبيذ، مع ذلك فقد نظرت النخبة السائدة للبيرة بشكل سيئ إلا أن ذلك لم يمنع الناس من استهلاك المشروب.

البيرة
أباريق البيرة القديمة المصنوعة من الصلصال عبر أرمينيا الحالية. هذه المجموعة هي من قلعة Teishebaini القديمة وتاريخها من القرن السابع قبل الميلاد.

ويوضح نيلسون في كتابه (The Barbarian’s Beverage: A History of Beer in Ancient Europe) أن الشراب المعروف اليوم باسم البيرة قد تطور بألمانيا من حيث تقنيات التخمير ثم تأثر لاحقًا بالمزيد من التطورات عبر أوروبا، وكان الألمان يخمرون البيرة منذ العام 800 ق.م تقريبًا إذ كانت أساليبهم المبكرة في التخمير تعكس مثيلتها لدى السومارين فيما يتعلق بنقاوة الشراب لكن بإضافة هامة فيما يخص تلك الوثبات النوعية المتحققة في طرائق التخمير. وكانت النساء كذلك هن أول صانعات للبيرة بألمانيا أيضًا وقد صنعت البيرة آنذاك من المياه النقية، الساخنة، وأفضل الحبوب. واستمر ذلك التقليد في العصر المسيحي عندما أخذ الرهبان حرفة تخمير البيرة وبيعها من أديرتهم.

كانت البيرة لاتزال تعتبر بمثابة هبة إلهية حتى ذلك الحين، ولكن من الإله المسيحي الآن، والشر الذي قد ينشأ عنها كنتيجة للثمالة فنُسب إلى الشيطان. ولم يتم التفكير آنذاك في وصية الكتاب المقدس بالامتناع عن السُكر -رسالة بولس إلى أهل أفسس- بأنها تنطبق على مفهوم الشراب ذاته، وإنما على الإفراط في النزوات وتجاوز الحد الذي فتح الباب أمام القوى الشريرة للدخول في حياة المرء بدلًا من أن تمتلئ بالروح القدس المرسل من الله. هذه النظرة للبيرة تقارب نظرة أهل بلاد ما بين النهرين الذين يتوجهون باللوم على الفرد للإفراط بالتساهل في الشراب، والمشاكل المصاحبة التي قد تنشأ عنه، لكن ليس الشراب نفسه.

وبحلول العام 770 ميلاديًا كان البطل المسيحي شارلمان العظيم قد عيّن صانعي البيرة بفرنسا كما فعل البابليون من قبله، بتنظيم عمليات الإنتاج والبيع والاستعمال. وكان لا يزال يُعتقد أن البيرة أكثر صحة للشرب من الماء بسبب عملية التخمير بالإضافة لارتباطها بأصل إلهي من جهة أخرى؛ فاحتفظت بتلك الشعبية الجارفة. وتكرس الملحمة الفنلندية كاليفالا -والتي كتبت بالقرن السابع عشر ولكنها تستند إلى حكايات أكثر قدمًا- مساحات حكائية أكبر للبيرة عنها لأسطورة تكوين العالم، وتمدح آثار البيرة بطريقة يسهل التعرف عليها من سوماريا القديمة إلى شاربي العصر الحديث.

تمتع صناع البيرة بوضع خاص ومميز بمجتمعاتهم حتى القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين حينما استحوذت جماعات الاعتدال على السلطة السياسية في الولايات المتحدة ومناطق من أوروبا، وتمكنت من فرض الحظر على درجات أكبر أو أقل من الكحوليات. ومع ذلك، فإن هذا القدر من الرواج للمشروبات المسكرة بين البشر لا يمكن قمعه أو السيطرة عليه من خلال التشريع، ولن تمنع أي تصرفات حكومية صناع البيرة والنبيذ من العودة مجددًا. ففي العصر الحديث، تعتبر البيرة كمشروع تجاري مربحة كما كانت في العالم القديم، ويتمتع الشارب بشعبية كبيرة على مستوى عالمي. وسواءً كان الفرد يمر بأوقات جيدة أو سيئة، فلاتزال البيرة تتمتع بذات الحظوة العالية التي كانت تتمتع بها في بلاد ما بين النهرين القديمة: الشراب الذي يخلص من القلب من وطأة هذا العالم.

ترجمة: محمد أمين
مراجعة علمية: عمر بكر
مراجعة لغوية: إسراء عادل
تحرير: زياد الشامي

المصادر:

https://www.ancient.eu/Beer/

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي