تاريخ الذرة (1): الذرة الفلسفية

5

لكل اكتشاف علمي تاريخ، بدايةً من طرح السؤال مرورًا بالإجابات -الصحيحة والخاطئة- وهذا التاريخ يُبرز قيمة العلم ودوره في تنوير المجتمعات، ويبرُز أيضًا التطور الفكري، فما هو بديهي بالنسبة لك الآن كان محل بحثٍ قديمًا، كالكهرباء -على سبيل المثال- كانوا قديمًا يعتقدونها سائلًا خفيًا -في البداية- والآن أصبح معروفًا بالنسبة لك أنها «سيلٌ من الإلكترونات».

وفي العمل البحثي لا توجد وصفة للبحث أو للاكتشاف، بل يوجد الإيحاء، والحدس، والقياس والاستنباط، والدمج والتركيب، والتنوير المفاجئ، والمصادفة، والتجربة، وحتى الخطأ. إنها عوامل تدخل في جميع الاكتشافات العلمية بنسب متفاوتة.

فنحن نبحث في تاريخ الاكتشافات العلمية بكل أحداثها لكي نعرف مهد ولادة الفكرة العلمية ونرى نموها من عالم لآخر، ممّا يبسط لنا الفكرة أكثر بكثير من أن نأخذها كواقع، وفي هذا الموضوع قال العَالم والفيلسوف (جوتفريد لايبنتز- Gottfried Wilhelm Leibniz): «هناك شيءٌ أكثر أهميةً من الاكتشافات الجميلة، وهو معرفة المنهج التي أتت منه هذه الاكتشافات».

ولا أعتقد أنه يوجد أعظم من اكتشاف الذرة -كأساسٍ أو كمدخلٍ إلى فيزياء الجسيمات أو لنظرتنا إلى الكون بشكل عام-  والأعظم المنهج أو التاريخ الذي سار عليه العلماء.

فالأمر بدأ عند الفلاسفة اليونانيين وتحديدًا عند (ليوكيبوس–Leucippus)-حوالي 400 ق.م-  ومن ثم تلميذه (ديمقريطس-Democritus )، وإن كان البعض يُشكك في وجود ليوكيبوس؛ نظرًا لعدم وجود أدلة حتمية على وجوده، أو ربما لأن أعماله قد اندمجت مع أعمال تلميذه ديمقريطس.

على الرغم من أن معظم كتاباتهم قد فُقدت، إلَّا أن الأكثر انتشارًا أن ليوكيبوس هو مؤسس النظرية الذرية في الأساس، وديمقريطس هو من كتب عنها، حيث أن الفصل بينهما صعب.

كان ديمقريطس رائدًا في مجال الهندسة والرياضيات وغيرها من الفروع الأخرى، لذا يصنفه البعض كعَالمٍ أكثر منه فيلسوفًا، وبالطبع إن أعظم إنجازٍ له هو النظرية الذرية.

نظرية ديمقريطس كانت قائمةً على أن كل شيء في هذا الكون مُكوَّن من جسيمات صغيرة صلبة تُسمَّى ذرات، أصلها اللغوي (A-tomos) أي (لا- تنقسم)، أي لا يمكنها أن تنقسم لأصغر من هذا.

كما أدَّت فكرة الذرة الصلبة لفرضيتين أخرتين وهما: أن الذرات متجانسة بلا أي بنية داخلية، ولكن بشكل عام الذرات تختلف في الحجم والشكل.

ولقد شاركه كلٌّ من (أبيقورس- Epicurus) وليوكيبوس في فكرة العلاقة بين شكل الذرات وخواص المادة، فقد اعتقدوا أن صلابة المادة تتناسب مع شكل الذرات المكونة لها، فعلى سبيل المثال: ذرات الحديد صلبة، وذرات النار مُضيئة، وذرات الماء ناعمة وزلقة.

أما الفرضية الأخيرة التي كانت محل خلافٍ بين (أرسطو–Aristotle) وديمقريطس هي فكرة وجود فراغ بين الذرات تتحرك خلالها، وعارض أرسطو الفكرة بناءً على مفهومه للحركة -ندعوه اليوم (القانون الأرسطي للحركة–Aristotelian Law of Motion )- فنصَّ قانونه على أن السرعة تتناسب طرديًا مع القوة المُحركة أو الدافعة، وعكسيًا مع مقاومة الوسط الذي يتحرك الجسم من خلاله؛ فبما أن الوسط الذي يتحرك خلاله الجسم يكون كالفراغ، فستصبح مقاومته صفرًا تقريبًا، مما يجعل سرعة الجسم لا نهائية وهذا مستحيل، فلا يمكن أن يوجد فراغ بين الذرات -حسب تفكير أرسطو-.

بشكلٍ عام، عارض أرسطو فكرة الذرة؛ فكان يعتقد أنه لا يوجد ما يُسمى أصغر جزء في المادة، فالمادة ستنقسم إلى ما لا نهاية، فكل جزءٍ صغير يمكن قسمه إلى أصغر وهكذا، وكانت فكرته لتكوين المواد قائمةً على أن كل المواد مُكوَّنَة من أربعة عناصر؛ الماء والهواء والتراب والنار، فتدخل هذة العناصر في كل المواد بنسبٍ مختلفة، وكانت تلك النظرية السائدة لمدة ألفي عام.

ولكون أتباع نظرية أرسطو أكثر من أتباع النظرية الذرية؛ فقد تراجعت فكرة الذرة للخلف، ولكون أرسطو فيلسوفًا عظيمًا حينها.

ظلت فكرة أرسطو سائدةً خلال الألفي عام، رغم هذا، كانت هناك كتابات في العصور الوسطى عن الذرة، فبعض الكُتَّاب -في الفترة ما بين 560 إلى 860 ميلادية- قد استخدموا كلمة (الذرة-Atom ) للإشارة إلى الفجوات في الأجسام. فالواقع أن فكرة الذرة كانت موجودةً في كل العصور تقريبًا ككتاباتٍ أو كتفكيرٍ مُجرَّد.

رغم أن فكرة ديمقريطس لم تزِد عن كونها فكرةً أو تأملًا فلسفيًا دون تجارب تستند إليها، إلّا أنها قد فتحت الطريق للتفكير في ماهية هذا الكون.

كيف ظهرت فكرة وجود الذرة مرةً أخرى؟

تابعوا معنا باقي السلسلة.

إعداد:  peter sawiris
مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary
تصميم: peter sawiris

المصادر :
http://sc.egyres.com/1ui85

http://sc.egyres.com/zjvXv

http://sc.egyres.com/BkH87

http://sc.egyres.com/tMbL4

histories de sciences” book  “

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي