بالإضافة إلى ضرورة زيادة إشارات تعزيز النمو، يجب على الخلايا السرطانية أيضًا أن تتجنب البرامج الخلوية القوية، والتي تؤثر بشكل سلبي على عملية نمو وانقسام الخلية -أي تُثبِّط ذلك النمو، العديد من هذه البرامج الخلوية تعتمد على نشاط جينات كبح الانقسام. بالنسبة للعديد من مُثبطات الأورام- التي تعمل بطرق مختلفة ومتنوعة للتحكم في نمو الخلية وانقسامها، وقد تم اكتشافها من خلال الخصائص المميزة لكل منها في عملية تعطيل نمو الخلايا السرطانية في الحيوان أو الإنسان.
العديد من جينات تثبيط الأورام تم التحقق من قدرته تلك عن طريق اكتسابه أو فقده لتلك القدرة أثناء إجراء التجارب على الفئران.
النموذجين الأوليين لمُثبطات الأورام يُطلق عليهما«البروتين المصاحب للورم الأرومي الشبكي-Retinoblastima associated Rb»، وبروتين«TP53» يعملان كنقطة تحكم مركزية ضمن دائرتين للتنظيم الخلوي رئيسيتين، ومتكاملتين تتحكمان في قررات الخلية بالانقسام، أو يعملان بالتناوب لتنشيط عملية الهرم، والموت الخلوي المبرمج.[١]
نمو وانقسام الخلية الطبيعية عملية محكومة بدقة، فيوجد تنظيم وتنسيق دقيقين بين الإشارات الداعمة للنمو والأخرى المضادة له أثناء دورة حياة الخلية.[٢]
قبل شرح كيف أنَّ الفشل في استجابة الخلية لـ«الإشارات المُضادة للنمو-Antigrowth signals» وكيفية مساهمة ذلك بشكل كبير في تعزيز نشوء السرطان، وتوضيح دور كلًا البروتين المصاحب للورم الأرومي الشبكي، وبروتينات«TP53» سيكون من المُفيد توضيح وفهم كيفية عمل عملية انقسام ونمو الخلية الطبيعية، فالسرطان في النهاية ما هو إلَّا انقسام خارج عن السيطرة لخلايا الجسم الطبيعية؛ لذا نحن بدايةً بحاجة لفهم كيفية انقسام الخلية الطبيعية، وكيفية التحكم فيه خلال دورة حياة الخلية.
«دورة حياة الخلية-The cell cycle»
يوجد سلسلة من الأحداث المُنظَّمة بدقة عالية داخل الخلية الأم تؤدي إلى انقسامها إلى خليتين جديدتين لهما نفس خصائص الخلية الأم ونفس المادة الوراثية، وما بين بداية ونهاية تلك الدورة يحدث تضاعف المادة الوراثية للخلية الأم اي انتاج نسختين متماثلتين من الحمض النووي، وتقسيمهما بالتساوي على الخليتين الجديدتين.
تتكون دورة حياة الخلية من أربع مراحل يوجد بين كل مرحلة، والتي تليها نقاط تُسمى«نقاط تحقق-checkpoints»، وبعض البروتينات التي تشرف على هذه النقاط. تلك النقاط مهمة جدًا؛ لأنها تعمل كصمامات الأمان، حيث تضمن أنَّ أي شذوذ أو خطأ في انقسام الخلية مصحوبًا بتلف في المادة الوراثية يتم التخلص منه في الحال، وإيقاف استمرار الخلية في عملية الانقسام، وإنتاج خلايا ذات مادة وراثية مشوهة.
١-مرحلة (Gap 1 (G1:
في تلك المرحلة تنمو الخلية، وتزداد في الحجم، ويتم إنتاج المواد اللازمة لعملية تخليق المادة الوراثية. أثناء تلك المرحلة، وعند نهايتها تقوم الخلية بمراقبة«البيئة الميكروية-Microenvironment» الخاصة بها للتأكد من عدم وجود أيَّة إشارات للتوقف، وهذا ما يُطلق عليه نقطة التحقق«G1/S».
٢-مرحلة التخليق (Synthesis (S:
عملية نسخ المادة الوراثية تتم أثناء هذه المرحلة، فإذا كان هناك تلف في المادة الوراثية في تلك الحالة يجب ألَّا يحدث نسخ للمادة الوراثية، وتتكفل بذلك الأمر نقطة التحقق«G1/S»، حيث تمنع عملية تضاعف المادة الوراثية التالفة؛ لذا فهي في غاية الأهمية.
٣-مرحلة (Gap 2 (G2:
تستمر الخلية في النمو، وزيادة الحجم. في هذه المرحلة من الضروري التأكد من عدم وجود أي تلف في المادة الوراثية قبل أن تواصل الخلية عملية الانقسام؛ لذا نشأت نقطة تحقق أخرى وهي«G2/M»، فإذا اكتشفت الخلية وجود تلف في المادة الوراثية، فلن تستكمل عملية الانقسام، ولن تصل للمرحلة الرابعة، والأخيرة في دورة حياتها. نقطة التحقق«G2/M» تضمن أن النسخة الجديدة من المادة الوراثية تكون خالية من أي خطأ قبل استكمال انقسام الخلية.
٤-مرحلةالانقسام الميتوزي(Mitosis (M:
تُمثل هذه المرحلة ذروة دورة حياة الخلية. يتوقف نمو الخلية، وتنقسم إلى خليتين جديدتين متماثلتين.
بعض الخلايا تدخل مرحلة تُسمى«مرحلة السكون-G0»، والتي يمكن اعتبارها مكان استراحة الخلية، تخرج فيها الخلية من دورتها، في تلك الملرحلة لا يحدث أي انقسام للخلية ولا تكون الخلية في وضع الاستعداد للانقسام، مع ذلك تظل الخلية حية، وتظل العمليات الأيضية نشطة؛ لأنها فقط توقفت عن الانقسام، وذلك نظرًا لوجود الإشارات الحيوية الصحيحة من بيئتها الميكروية، يمكن للخلية أن تُبعث مرة أخرى من حالة السكون وتدخل مرة أخرى إلى دورة حياتها.
بعض الخلايا تخرج نهائيًا من الدورة الخلوية خاصتها مُنتقلة إلى«حالة ما بعد الانقسام الميتوزي-post-mitotic state»، وذلك المسار لا رجعة فيه، ذلك المسار عادةً ما يكون مقترنًا بتكوين خلايا متمايزة ناضجة لذا؛ فالخلية تمتلك ثلاث خيارات إما أن تستمر في النمو والانقسام من خلال بقائها داخل الدورة الخلوية خاصتها أو تأخذ استراحة مؤقتة-تخرج مؤقتًا من الدورة- مُتمثلة في الدخول إلى مرحلة السكون، أو تخرج نهائيًا من الدورة الخلوية خاصتها منتقلة إلى حالة ما بعد الانقسام الميتوزي.
التحكم في دورة حياة الخلية:
يوجد فئتين أساسيتين من البروتينات التنظيمية هما بروتينات«السيكلينات-Cyclins»، و«البروتينات المعتمدة على السيكلينات-CDKs» تتحكمان في نقاط التحقق داخل دورة حياة الخلية. هذه البروتينات لا يمكنها العمل أحدهما بدون الآخر، أي هما في حاجة للتعاون معًا كفريق، فبروتينات السيكلينات مسؤولة عن تنظيم الفريق أما البروتينات المعتمدة على السيكلينات تعمل كمواد حفازة-إنزيمات-، أيضًا نشطة فقط في وجود السيكلينات شريكها المميز؛ لذا سُميت بالإنزيمات المُعتمدة على السيكلينات. العديد من البروتينات إما أن توجد في حالة نشطة أو غير نشطة، ويتم التبديل بين الحالتين عن طريق عملية تُسمى«الفسفرة-phosphorylation» أي عملية إضافة مجموعة فوسفات إلى البروتين، والإنزيمات المسؤولة عن إضافة مجموعة الفوسفات تُسمى«إنزيمات الكيناز-kinases».
كل مراحل دورة حياة الخلية تملك زوجًا خاصًا بها من بروتينات السيكلينات والمعتمدة على السيكلينات، وهذا الزوج يتصرف كمجموعة واحدة . كل مجموعة خاصة بكل مرحلة من مراحل دورة حياة الخلية وتكون ضرورية حتى يسمح للخلية بالانتقال والبدء في المرحلة التالية. عندما يتم تنشيط البروتينات المُعتمدة على السيكلينات بواسطة بروتينات السيكلينات ستكون قادرة على فسفرة البروتينات الأساسية المشاركة في شبكة التفاعلات الكيميائية داخل الخلية، والتي بالتبعية تُنشط وتسرع عملية إنتاج السيكلينات اللازمة للاستمرار الخلية في دورتها، والانتقال للمرحلة التالية من الدورة. الإشارات المضادة للنمو تمامًا مثل عوامل النمو، إلَّا أنَّها تكبح عملية النمو بدلًا من تعزيزه.
دور البروتين المصاحب للورم الأرومي الشبكي(Retinoblastima associated Rb):
«العوامل المُضادة للنمو-Antigrowth factors» يمكنها منع نمو الخلية بواسطة آليتين: إما الدخول في مرحلة السكون الخلوي، أو الدخول في المرحلة ما بعد الانقسام االميتوزي. عليه فإنَّ الخلية السرطانية عليها تجنُّب تلك العوامل-الإشارات- المضادة للنمو إذا كانت ستستمر في الانقسام بشكل غير مُتحكَّم فيه. خلال نقطة التحقق G1/S تراقب الخلايا البيئة الميكروية المُحيطة بها، واختيار ما إذا كانت ستستكمل مراحل الدورة الخلوية، أم ستدخل في مرحلة السكون الخلوي، أو الدخول في مرحلة ما بعد الانقسام الميتوزي.
على المستوى الجزيئي تقريبًا جميع الإشارات المضادة للنمو يتم تمريرها من خلال بروتين يُسمى«بروتين الورم الأرومي الشبكي-Retinoblastoma protein». لذا فالورم الأرومي الشبكي يُصنف كبروتين مُثبِّط للورم. في الوقع كان هذا البروتين أول بروتين كابح للورم يتم اكتشافه وذلك في سنة ١٩٧١.
إذا اكتشفت الخلية أنَّ المادة الوراثية الخاصة بها تعرضت للتلف، وذلك عن طريق نقطة التحقق G1/S، فتلك المادة الوراثية التالفة يجب ألَّا يتم مضاعفتها لذا عند نقطة التحقق«G1/S»، وقبل الدخول في المرحلة الثانية، يتم تشغيل المكابح وبقوة، حيث يُمثل البروتين الأرومي الشبكي دور المكابح.
ذلك البروتين يكون نشطًا عندما لا يكون مرتبطًا بمجموعة فوسفات أي لم يحدث له عملية فسفرة مما يعني أنَّ الفسفرة تقوم بإلغاء تنشيط ذلك البروتين. الوظيفة الأولية لبروتين الورم الأرومي الشبكي هي الارتباط بما يسمى«عوامل النسخ إي٢إف-E2F transcription factors».
هذه العوامل هي بروتينات في غاية الأهمية والتي ترتبط بالمادة الوراثية في الخلية وتقوم بتنشيط نوع من الجينات التي تتحكم في الدورة الخلوية ونسخ المادة الوراثية، بالإضافة إلى السيكلينات، والبروتينات المُعتمدة على السيكلينات الخاصين بالمرحلتين الأولى، والثانية من مراحل الدورة الخلوية. بمعنى آخر عوامل النسخ«E2F» محكومة بتفاعلها مع البروتين الأرومي الشبكي، والذي يعمل كالمكابح للدورة الخلوية يمنعها من الانتقال للمرحلة الثانية، فأثناء المرحلة الأولى من الدورة الخلوية يرتبط البروتين الأرومي الشبكي بعوامل النسخ«E2F»، ويوقف إنتاج السيكلينات، والبروتينات المُعتمدة على السيكلينات بروتينات المرحلة الثانية. عندما يتم تحفيز الخلايا على الانقسام بواسطة الإشارات الموجودة في البيئة الميكروية المحيطة بها، فإنَّ البروتينات المُعتمدة على السيكلينات النشطة، والخاصة بالمرحلة الأولى تتراكم، وتقوم بفسفرة بروتين الورم الأرومي الشبكي. في تلك الحالة أصبح غير نشط فيتحرك بعيدًا عن عوامل النسخ«E2F» سامحًا للخلية أن تستكمل دورتها الخلوية.
بالنظر المخطط التالي، نجد أنَّ بروتين الورم الأرومي النشط أصبح غير نشط بسبب البروتينات المُعتمدة على السيكلينات من المرحلة الأولى، فأصبحت عوامل النسخ«E2F» نشطة، وحُرة لتقوم بعملية إنتاج الجين الضروري لاستكمال الخلية لدورتها، والانتقال إلى المرحلة الثانية. فالمكابح المُتمثلة في بروتين الورم الأرومي الشبكي قد تعطَّلت.
بدون عوامل النسخ«E2F»، انقسام الخلية يظل متوقفًا، وفسفرة بروتين الورم الأرومي الشبكي تتحكم في فعالية هذه العوامل الناسخة، بالتفكير للحظة نجد أنُّ إضافة أو إزالة ذلك الجزيء المُتناهي الصغر المُتمثل في مجموعة الفوسفات من بروتين الورم الأرومي الشبكي بداخل الخلية مسؤول عن ما إذا كانت الخلية ستستمر لتنقسم أم لا.
العامل المؤثر في عملية تنشيط عوامل النسخ-فسفرة بروتين الورم الأرومي الشبكي- هي الإشارات المُضادة للنمو الموجودة في البيئة الميكروية للخلية-سنعرف لاحقًا ماهية هذا التأثير-. بالنظر إلى أهمية الدور الذي يلعبه بروتين الورم الأرومي الشبكي في عملية انقسام الخلية نجد أنه ليس شيئًا مُدهشًا أن تكتشف الخلية السرطانية طرق لا حصر لها لتتجنب تلك الإشارات المُضادة للنمو.
التشويش على آلية عمل ومسار بروتين الورم الأرومي الشبكي يتسبب في تحرير عوامل النسخ لتعزيز عملية انقسام الخلية، وبالتالي تُصبح الإشارات المضادة للنمو والتي ببساطة تتحكم في تلك العملية بلا تأثير على الخلية.
الإشارات المُضادة للنمو:
على الأرجح أنَّ جزيء «TGF-beta» أفضل تلك الجزيئات التي تعمل كإشارة.
علمنا أن فسفرة بروتين الورم الشبكي الأرومي تؤدي إلى تعطيله، وبالتالي تعطيل مكابح التي تُوقف الدورة الخلوية إذا حدث تلف في المادة الوراثية.
العامل«TGF-beta» يملك العديد من الآليات لمنع حدوث عملية فسفرة بروتين الورم الإرومي الشبكي-أي منع تعطيل المكابح-. لذا، فوجود ذلك العامل«TGF-beta» يوقف استمرار دورة حياة الخلية. مما لا يُثير الدهشة، أن العديد من السرطانات تستهدف ذلك المسار، وهو التشويش على الإشارات المُضادة للنمو مثل العامل«TGF-beta»، فبعض الخلايا السرطانية توقف تمامًا الاستجابة لذلك العامل، عن طريق إنتاج كميات قليلة من مُستقبلات ذلك العامل على سطحها. بعض الأنواع الأخرى من السرطان تُنتج مُستقبلات مُتحوِّلة حتى لا تستجيب للعامل«TGF-beta».
في العديد من الأورام ذات الحالة المُتأخرة بدلًا من أن يعمل ذلك العامل كمُضاد للنمو، يقوم بتنشيط برنامج خلوي يُعرف بـ«التحوُّل الظهاري المُتوسطي-EMT»، والذي يمنح الخلايا السرطانية قدرات مثل قدرات الخلايا الجذعية، والتي تُمثل أخبارًا في غاية السوء للمريض. وأيضًا فمن الممكن أن الجين الخاص ببروتين الورم الأرومي الشبكي نفسه يتم تحويره، مما يتسبب في عدم إنتاجه في الأساس.
بشكل مُثير للاهتمام، نوع معين من البروتينات المُعززة للسرطان تُسمَّى«oncoproteins» بإمكانها أيضًا إيقاف عمل بروتين الورم الأرومي الشبكي. على سبيل المثال، «ڤيروس الورم الحليمي البشري-human papillomavirus » يُنتج بروتين يسمى«E7» الذي يرتبط ببروتين الورم الأرومي الشبكي ويوقف نشاطه، وبالتالي تنشيط عوامل النسخ«E2F» لتُنتج الجين الضروري لاستكمال دورة حياة الخلية.[٣]
دور بروتين (TP53):
البروتين المُصاحب للورم الأرومي الشبكي يقوم بدمج الإشارات القادمة من مصادر متنوعة داخل أو خارج الخلية وكاستجابة تقرر الخلية ما إذا كانت ستستكمل عملية الانقسام والنمو أم لا. أما بروتين«TP53» يستقبل المعلومات من «حساسات-Sensors» للإجهاد، والشذوذ وظيفتها تتمثل في التالي:
إذا كانت درجة التلف في المحتوى الجيني كبير، أو أنَّ الإشارات المُعززة للنمو أو الجلوكوز، أو عملية الأكسجة أقل من المطلوب، فإنَّ بروتين«TP53» بإمكانه أن يعلن عن فترة للاستراحة، والتوقف عن متابعة الخلية لدورتها حياتها إلى حين عودة الظروف السابقة إلى مستوياتها المُثلى. أيضًا ذلك البروتين بإمكانه بدء عملية الهِرم، أو الموت الخلوي المُبرمَج للخلية. من المُلاحَظ أنَّ التأثيرات المتنوعة لذلك البروتين مُعقَّدة، ومعتمدة بشكل كبير على الحالة التي عليها الخلية، هذه التأثيرات تتفاوت حسب نوع الخلية بالإضافة إلى حِدة، ومدى استمرارية ظروف الخلية من الاجهاد، والتلف في المحتوى الجيني.[٤]
———————-
المصادر:
-[٤،١] http://www.cell.com/cell/fulltext/S0092-8674(11)00127-9
-[٢]https://www.biooncology.com/resources/molecular-causes-of-cancer.html
-[٣]https://blogs.scientificamerican.com/guest-blog/the-hallmarks-of-cancer-2-insensitivity-to-antigrowth-signals
إعداد: قناوي أحمد
مراجعة: Mohamed Gadallah
تدقيق لُغوي: Israa Adel