تجنب الملح.. حينها قد يشكرك دماغك

ملح.

|

إن تناول كميات كبيرة من الملح قد يُضعف تدفق الدم إلى الدماغ،  متسببًا في خللٍ بالوظائف المعرفية لدى الفئران. المسؤول عن هذا هو مسارٌ يربط بين ما نأكله ويدخل إلى الأمعاء والتاثير الناتج على الدماغ (Gut-Brain Pathway). هذا المسار يربط بين زيادة عدد الخلايا الليمفاوية (TH17 (TH17 lymphocytes في الأمعاء والدقيقة، وارتفاع نسبة الانترلوكين-17 (interleukin-17) في الدم؛ وهو ما يقلل وصول الدم للدماغ عن طريق انخفاض إنتاج أكسيد النيتريك (nitric oxide) في بطانة الاوعية الدموية بالدماغ.

عند شرائك للطعام قد تلاحظ في بعض الأحيان وجود تحذيراتٍ بجانب المنتجات التي تتخطى نسبة الملح فيها 2.3 جرام (وهو الحد الأقصى المُوصى به لتناول الأملاح يوميًا). ويعلم الجميع حول العالم أن تناول الأطعمة الغنية بالأملاح يسبب زيادة ضغط الدم، وأن هذه الزيادة تُعد أحد أهم عوامل الخطر للإصابة بأمراض القلب والكُلى، ليس ذلك فقط، فقد يسبب تناول الملح الزائد زيادة في أخطار الإصابة بالجلطات الدماغية والاختلال المعرفي (cognitive dysfunction). لذلك فإن إنقاص نسب الملح في طعامنا تُعد فكرة جيدة، على الرغم من وجود خلافات على كمية الملح الدقيقة التي يجب ان تكون موجودة في طعامنا، بالإضافة لعدم فهمنا للعلاقة التي تربط بين ما نأكله وتأثيره على الدماغ والقلب.

في هذه الدراسة قام فاراكو (Faraco) وزملاؤه بكشف جزء من هذا اللغز عن طريق تحديد آلية جديدة تربط بين النظام الغذائي الغني بالملح وتفعيل أو تنشيط النظام المناعي في الأمعاء، والذي بدوره يسبب نقصًا في تدفق الدم المعتمد على البطانة الوعائية للدماغ (impairs the endothelium-dependent regulation of blood flow in the brain)، مؤديًا في النهاية إلى اختلال الوظائف المعرفية.

حاول فاراكو وزملاؤه دراسة هذا التأثير بدقة داخل الأجسام الحية، حيث قاموا بقياس وتقييم مدى تأثير تناول الأطعمة الغنية بالأملاح على نشاط بطانة الأويعة الدماغية (cerebral endothelial vasoactivity)، وعلى الوظائف المعرفية وتحفيز الجهاز المناعي في فئران تم تغذيتها بأطعمة مرتفعة الأملاح. ووجدوا أن نسب الملح الزائدة تؤدي إلى زيادة نشاط خلايا تي المساعدة المنتجة للإنترليوكين 17 (TH17 cells) في الأمعاء الدقيقة. زيادة نشاط هذه الخلايا يؤدي إلى ارتفاع نسب الإنترليوكين 17 في الدم وهو ما يؤثر بشكل مباشر على إنتاج أكسيد النيرتيك (NO) في الأوعية الدموية في الدماغ، والتي تقوم بطانة هذه الأوعية (endothelium) بإنتاجه. هذا الخلل البطاني يؤدي إلى انخفاض تدفق الدم في الأوعية الدموية مؤديًا إلى خلل واضراب في الوظائف المعرفية للفئران المُجرى عليها التجربة. وقد تم تقييم الوظائف المعرفية للفئران عن طريق وظائف تعتمد على الذاكرة المكانية واللامكانية للفئران، إلى جانب قياسات لنمط حياة الفئران المعتادة لمقاربتها ومقارنتها بتلك الخاصة بالإنسان، بالإضافة إلى الصحة العامة للفئران.

بالرغم من إجراء الدراسة على الفئران، إلا أن النتائج يجب أن تشغلنا جميعًا خصوصًا هؤلاء الذين يُفضلون الأطعمة المملحة. ففي التجربة تم تغذية الفئران على أطعمة ومياه مرتفعة الأملاح على مدى 4 – 24 أسبوع، وتتشابه نسبة الأملاح التي تناولتها الفئران مع الحد الأقصى للأملاح الذي يتناوله البشر عالميًا. هناك عوامل كالسن والعِرْق وبعض الأمراض كمرض السكري وأمراض الكُلى يمكن أن تزيد من من حساسية ذويها للملح، حيث تسبب زيادة بسطية في مستويات الملح في الطعام ارتفاع ملحوظ في ضغط الدم لديهم. ولكن على أي حال، فإنه لم يُلاحظ ارتفاع ضغط الدم عن مستواه الطبيعي في جميع الفئران المستخدمة والتي تترواح أعمارها بين 14 و16 شهرًا، مما يرجع كون هذه الفئران غير حساسة للملح. ولذلك فإن نتائج الدراسة تؤكد أن تأثير الملح على تدفق الدم للدماغ وأداء الوظائف المعرفية غير معتمد أو مرتبط بتأثير ارتفاع ضغط الدم. ولذا فإنه يُمكن تطبيق النتائج على عامة الناس.

وقد أوضحت النتائج انخفاض تدفق الدم للقشرة الدماغية وللحصين (hippocampus) بعد 8 أسابيع من بداية هذا النظام الغذائي، بالإضافة إلى تدهور الوظائف المعرفية وتغير سلوك الفئران بعد 12 أسبوع. وقد لاحظوا انخفاض كلٍّ من معدل تدفق الدم وتفاعلية بطانة الأوعية الدموية الدماغية.

على الرغم من أن هناك العديد من الخلايا المنظمة لعملية تدفق الدم للدماغ ومنها الخلايا النجمية (astrocytes)، وخلايا تُدعى (pericytes) بالإضافة إلى الخلايا العصبية البينية أو العصبونات (interneurons)؛ فإنه قد تم التوصل مؤخرًا إلى أن خلايا البطانة الوعائية (vascular endothelium) هي عنصرٌ ديناميكي فعّال ضمن الوحدة الوعائية العصبية المعنية بتنظيم تدفق الدم للدماغ وتمدد الأوعية الدموية في المخ. وقد أكد فاراكو وزملاؤه على كون خلايا البطانة الوعائية هي الجزء المركزي من المخ الأكثر حساسية لارتفاع معدل الملح في الطعام من خلال التجارب التي أوضحت أن النظام الغذائي الغني بالملح يؤدي بوضوح إلي انخفاض استجابة الأوعية الدموية في القشرة الدماغية للناقل العصبي أستيل كولين (acetylcholine)، وهو أحد النواقل العصبية التي تُسبب تمدد الأوعية الدماغية عن طريق تأثيره على البطانة الوعائية. فأحد الطُرق التي تستخدمها خلايا البطانة الوعائية لحث خلايا العضلات الملساء كي تتمدد وتسبب تمدد الأوعية الدموية هي إنتاج أكسيد النتريك عن طريق إنزيم يسمى (endothelial nitric oxide synthase). وقد وُجد أن الطعام الغني بالأملاح يؤدي إلى انخفاض معدل أكسيد النيتريك في خلايا البطانة الوعائية وانخفاض الزيادة في انتاج أكسيد النيتريك التي يسببها الأستيل كولين، مما يدعم كون انخفاض إنتاج أكسيد النيتريك يمكن وراء تغير تدفق الدم للدماغ المصاحب للنظام الغذائي الغني بالأملاح.

ومما أكد نتائج هذه الدراسة أنه عند حقن الفئران بأجسام مناعية مضادة للانترليوكين17، منع حدوث التأثيرات السلبية للطعام الغني بالأملاح على الوظائف المعرفية ومعدلات الدم في الدماغ؛ كما أن هذه التغيرات السلبية لم يتم ملاحظتها من الأساس في الفئران التي لا تمتلك خلايا ليمفاوية على الإطلاق.

ولكن هناك بعض الأخبار الجيدة، فقد أكدت الدراسة أن إعادة الفئران إلى الغذاء معتدل الملح لمدة 4 أسابيع بعد التجربة أظهر استعادة لوظائف البطانة الوعائية وتدفق الدم الطبيعي للمخ بالإضافة لعودة الوظائف المعرفية لطبيعتها. وتؤكد هذه النتائج على الآثار النافعة لتقليل تناول الأملاح وتأثير النظام الغذائي الصحي والمعتدل على الصحة والسلامة العقلية. وأظهر أيضًا الباحثون أن وضع مادة (L-arginine) -وهي مادة يحتاجها الجسم لتكوين أكسيد النيتريك- في المياه التي يشربها الفئران منع الآثار السلبية للأطعمة الغنية بالأملاح. وبذلك تكمل هذه الدراسة الدراسات الأخيرة التي تناقش مدى أهمية إنتاج أكسيد النيتريك في الدماغ. وعلى الرغم من عدم وجود إجماع كبير على نوع الخلايا الدماغية التي تنتج هذه المادة ولماذا تنتجها، إلا أن الدراسة الحالية تؤكد على أن هذه المادة مهمة جدًا للصحة الدماغية.

الجدير بالذكر أن الدراسة تسلط الضوء على الروابط بين أمعاءنا وأدمغتنا، وكيف تؤثر الأمعاء والقناة الهضمية على باقي أنظمة الجسم. ومن المُلاحظ أن فاراكو لم ينسب الآثار الضارة للأطعمة الغنية بالأملاح على الدماغ إلى الأسباب الاكثر شيوعًا المرتبطة بالخلل النظام المناعي وتكوين الالتهابات بين القناة الهضمية والدماغ، وإنما عزل وركز على تأثير الانترليوكين 17 في الدم على إنتاج أكسيد النيتريك في الأوعية الدماغية.

على أي حال فإنه من الواضح بشكل متزايد وجود تشابك فيسيولوجي بين أدمغتنا وأجسمانا، مع نظامنا المناعي وشبكة الأوعية الدموية في أجسادنا واللذان يمثلان وسيلة التواصل بين جميع أعضاء الجسم. إن التباعد المكاني بين أنطمة جسمنا المختلفة (مثل: القناة الهضمية والدماغ) قد يكشف عن الدور الكبير الذي تلعبه شكبة الأوعية الدموية في حدوث اختلالات الوظائف المعرفية بالدماغ.

*لقراءة المزيد والاطلاع على بقية تفاصيل الدراسة تفضلوا بزيارة الرابط في المصدر أدناه*

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر وبقية تفاصيل الدراسة: http://sc.egyres.com/4RZo8

ترجمة: أحمد شلبي

مراجعة علمية: زهراء منير  

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي