تحليل آلاف الساعات من تسجيلات ناسا

utdallasrese

|||

سجلت وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) آلاف الساعات من التسجيلات لمهمات أبولو القمرية، تمكن العديد منا إلى الآن من الاستماع لبعض المواضيع الرئيسية المُسلط عليها الضوء فقط. ولكن وكالة الفضاء سجلت جميع الاتصالات بين رواد الفضاء، ومتخصصي التحكم في المهمات، وفريق الدعم الخلفي خلال مهمة القمر التاريخية، بالإضافة لمقولات نيل أرمسترونج الشهيرة من سفينة أبولو 11 في 1969م.

بقت معظم التسجيلات الصوتية محفوظة في شرائط تناظرية (بكرات صوت) عتيقة الطراز لعقودٍ من الزمن، إلى أن أطلق الباحثون في جامعة تكساس، دالاس مشروعًا لتحليل الصوت وجعله متاحًا للعامة.

استلم الباحثون في مركز نظم التحدث السليمة (CRSS)* -في مدرسة (إريك جونسون) للهندسة وعلوم الحاسب الآلي- منحة تأسيس علمي وطنية في عام 2012م لتحديث طرق معالجة الكلام المنطوق، لإعادة تشكيل وتحويل أرشيف ضخم من الصوت إلى استكشف أبولو (Explore Apollo)، وهو موقع يتيح حرية وصول العامة للمواد. تضمَّن البرنامج -بالتعاون مع جامعة ميرلاند- كل التسجيلات الصوتية من مهمات أبولو 11 (Apollo 11) ومعظم تسجيلات أبولو 13 وأبولو 1 والجوزاء 8 (Gemini 8).

قفزة تكنولوجية عظيمة:

يتطلب نسخ وإعادة بناء أرشيف صوت ضخم قفزة عظيمة في تكنولوجيا معالجة الكلام المنطوق واللغة. على سبيل المثال، سُجِّلَت الاتصالات على أكثر من 200 شريط تناظري، سِعة الواحد 14 ساعة، يحوي الواحد 30 مقطعًا صوتيًا. ستحتاج العملية لفك شفرة الاتصالات ذات الكلام المشوه، والتشوش التقني، وتداخل دوائر الصوت. تخيَّل سيري (Siri) المملوكة من أبل (Apple) وهي تحاول نسخ المناقشات وسط مقاطعات عشوائية وما يقدر ب35 شخصًا في مواقع مختلفة، غالبًا ما يتحدثون باللهجات الإقليمية بتكساس.

المشروع، بقيادة مؤسس ومدير مركز نظم التحدث السليمة د/ جون هـ لـ هانسين(Dr. John H.L. Hansenand)، شمل أيضًا عالم الأبحاث د/ أبجيهيت سانجوان(Dr. Abhijeet Sangwan) وفريق من طلبة الدكتوراه الذين عملوا لتأسيس حلول لرقمنة (تحويل الصوت من الأجهزة التناظرية إلى الرقمية) وتنظيم الصوت. طوروا أيضًا خوارزميات لمعالجة، وتنظيم، وتحليل الصوت لتحديد من قال ماذا ومتى. شُرِحت الخوارزميات في إصدار نوفمبر من (IEEE/ACM)** عمليات معالجة الصوت والكلام واللغة.

ساعد سبعة فرق تصميم تحت التخرج بإشراف مركز نظم التحدث السليمة في إنشاء موقع استكشاف أبولو لجعل المعلومات متاحة للعامة، تلقى المشروع مساعدةً أيضًا من مركز الجامعة لتدريس العلوم و الهندسة (SEEC)***، الذي قيَّم موقع استكشف أبولو.

بعد مرور 5 أعوام، يستكمل الفريق عمله -الذي أدى لتقدمٍ في التكنولوجيا- ليحول الكلام المنطوق إلى نص مكتوب، ويحلل المتكلمين، ويفهم كيف تعاون الأشخاص على إنجاز المهمات.

قال هانسن، أستاذ هندسة الكهرباء و الحاسب الآلي، وأستاذ علوم السلوكيات والفهم، ورائد متميز في الاتصالات: «حقق مركز نظم التحدث السليمة تقدمًا ملحوظًا في مجال تعلم الآلة واستخراج المعرفة وتقدير التفاعل البشري لواحد من أكثر المهمات الهندسية تحديًا في تاريخ البشرية» بينما كان الباحثون يصقلون معداتهم الرجعية عندما بدؤوا عملهم، اكتشفوا أن أول ما احتاجوا فعله هو رقمنة الصوت. أثبت تحويل الصوت إلى صيغة رقمية كونه عمل هندسي فذ، الطريقة الوحيدة لسماع الصوت المسجل على البكر كانت بوضعه على آلة عتيقة من الستينات -في مركز جونسون لعلوم الفضاء المملوك من ناسا في هيوستن- تُدعى (مخطاط الصوت-soundscriber)، «وجهتنا ناسا لمخطاط الصوت وقالت افعلوا ما يجب» أضاف هانسن.

استطاع الجهاز قراءة المقاطع الصوتية على حدى، واضطر المستخدم لتدوير مقبضًا يدويًا ميكانيكيًا لتحريك رأس قراءة الشريط من مقطع صوتي لآخر. بتقدير هانسن، سيأخذ الأمر على الأقل 170 عامًا لرقمنة مهمة أبولو 11 وحدها باستخدام تلك التكنولوجيا، قال هانسن: «لم يكن باستطاعتنا استخدام هذا النظام، لذا اضطررنا لتصميم نظامًا آخر»، كما أضاف: «صممنا ثلاثين رأسًا لقراءة مقاطع خاصة بنا، وصممنا حلًا موازيًا لتسجيل الثلاثين مقطعًا سويًا في وقت واحد. هذا هو الحل الوحيد الموجود على الكوكب حاليًا». اقتطعت رؤوس قراءة الصوت الجديدة وقت عملية الرقمنة من سنين لشهور. أصبحت تلك المهمة هي عمل (توان نجوين)، طالب هندسة طب حيوي، قضى فصلًا دراسيًا في العمل بهيوستن.

تصخيم أصوات الأبطال خلف الأبطال المعروفين:

حالما نقلوا الصوت من البكرات إلى الملفات الرقمية، احتاج الباحثون لإنشاء برنامجًا باستطاعته التقاط نشاط النطق، متضمنًا متابعةً لكل متحدث وما قاله ومتى، فيما يعرف بتدوين المذكرات (Diarization). احتاجوا أيضًا لتقفي صفات كل شخص لمساعدة الباحثين في تحليل كيف يتفاعل في مواقف التوتر. بالإضافة إلى، أهمية وضع الشرائط المشتملة على أصوات من قنوات مختلفة، في ترتيب زمني صحيح.

صرَّح الباحثون العاملون على المشروع أنَّ الجزء الأكثر تحديًا هو معرفة كيف تكون الأجواء في ناسا خلال المهمات ليستطيعوا فهم كيفية إعادة بناء الكمية الضخمة من الصوت.

«هذا ليس شيئًا تتعلمه في الصف الدراسي» قال (تشينجزو يو-Chengzhu Yu)، الحاصل على درجة الدكتوراه في عام 2017. بدأ (يو) برنامجه للحصول على درجة الدكتوراه مع بداية المشروع وتخرج الربيع الماضي. ويعمل الآن كعالم أبحاث متخصص في التعرف على الكلام، في مركز أبحاث تينسينت للذكاء الاصطناعي في سياتل.

يهدف أيضًا لاكشميش كوشيك (Lakshmish Kaushik) طالب الدكتوراه الذي ترك عمله السابق ليعمل على المشروع، إلى تكريس سيرته المهنية لتكنولوجيا التعرف على الكلام. كان دوره تطوير الخوارزميات التي تميز مجموعة الأصوات على القنوات المتعددة. «كانت الأربع سنوات الماضية منعشة حقًا» قال كوشيك.

عرض الفريق الموقع الإلكتروني التفاعلي في معرض بيرو للطبيعة والعلوم في دالاس. في رأي هانسن، كان المشروع بمثابة فرصة لتسليط الضوء على الكثير من الناس المشتركين في مهمات القمر غير رواد الفضاء.

«عندما يفكر المرء في أبولو، ينجذب لإسهامات رواد الفضاء المستحقين طبعًا لثنائنا وإعجابنا. بيد أن الأبطال خلف الأبطال المعروفين يتمثلون في عدد لا يحصى من المهندسين والعلماء والمختصين الذين وضعوا خبرتهم بالعلوم التطبيقية المتكاملة**** (STEM) سويًا بشكلٍ جماعي ليضمنوا نجاح برنامج أبولو» قال هانسن، «لنأمل أن يكمل طلاب اليوم تكريس خبرتهم في مجال العلوم التطبيقية المتكاملة للتصدي لتحديات الغد».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*Robust Speech  Center for Systems
** Institute of Electrical an Electronic Engineers/Association for Computing Machinery (تعاون مشترك)

***Science and Engineering Education Center

**** العلوم – التكنولوجيا – الهندسة – الرياضيات

ترجمة: أحمد أبو الفضل

مراجعة: أمنية أحمد

المصدر: http://sc.egyres.com/VGQfE

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي