مقدمة
اضطراب ما بعد الصدمة: هو اضطراب قد يعاني منه العديد من الأشخاص على الرغم من عدم معرفتهم بذلك، وذلك يرجع لاختلاف أسباب حدوثه، واختلاف أعراضه؛ حيثُ إنه من الممكن أن تظهر الأعراض في صورة اضطراب ما بعد الصدمة الكامل أو الجزئي؛ ويعتمد هذا على العديد من العوامل التي سوف يتم مناقشتها في هذه المقالة.
وكنتيجة لمحدودية الطرق العلاجية لاضطراب ما بعد الصدمة، وازدياد عدد الحالات التي تعاني من هذا الاضطراب طُوِّرت العديد من الطرق العلاجية؛ لتوفير خيارات أفضل وأكثر فعالية لكلٍّ من المرضى والأطباء؛ ولتوفير طرق مناسبة لجميع المرضى باختلاف معتقداتهم وثقافاتهم، وبالتالي تقليل عدد الحالات المصابة بهذا الاضطراب؛ ولا تزال تعمل العديد من الأبحاث لتطوير طرق علاجية أفضل للجميع، ولكن هل هذه الطرق العلاجية وحدها كفيلة بتقليل عدد الحالات المصابة بهذا الاضطراب على الرغم من التزايد المستمر في الضغوطات التي تواجه سكان العالم؟
سوف تعرض هذه المقالة العديد من الطرق العلاجية التي أُثبِتَت فعاليتها في علاج اضطراب ما بعد الصدمة، مع العلم أنه في أغلب الحالات تُستَخدَم أكثر من طريقة في العلاج لضمان الوصول إلى الشفاء التام، وبالتأكيد الطرق المستخدمة في علاج أي حالة تعتمد على العديد من العوامل مثل:
- هل الحالة تعاني من اضطراب مابعد الصدمة الكلِّي أم الجزئي؟
- هل الحالة مؤمنة بفعالية العلاج الدوائي أم أنها من أنصار الطب التكميلي والطب البديل؟
- والعديد من الأسباب الأخرى التي سوف يتم ذكر بعضها في هذه المقالة.
تعريف اضطراب ما بعد الصدمة (post-traumatic stress disorder)
اضطراب مابعد الصدمة: هو اضطراب يختبر فيه الشخص المصاب العديد من الأعراض التي تؤثر على حياة الشخص المصاب سلبيًّا؛ حيثُ إنها تُقَلِّل من إنتاجية الشخص المصاب في العمل، وتؤثر سلبيًّا على علاقته بأفراد أُسرته، وعلى علاقته الاجتماعية، وهذه التأثيرات السلبية عادةً ما تكون أقل في اضطراب ما بعد الصدمة الجزئي.[1]
كما أظهرت العديد من الدراسات: أن اضطراب ما بعد الصدمة يحدث عادةً كنتيجة للتعرض للصدمات مثل (الاعتداء الجنسي، والاغتصاب، وحوادث الدراجات، والحروب،إلخ)؛ وكنتيجة لانتشار هذه الصدمات فإن عدد الحالات المصابة باضطراب ما بعد الصدمة أكثر مما كان متوقعًا في العقد الماضي.[1 ، 2]
كما أنه يوجد أيضًا ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة الجزئيّ (partial, subclinical, or sub symptomatic PTSD )، وعُرِّفَ هذا الاضطراب: على أنه اضطراب تظهر فيه أعراض لكن يعجز تشخيصها كاضطراب ما بعد الصدمة، وذلك يمكن أن يكون نتيجة لعدم وصول الشخص لمرحلة اضطراب ما بعد الصدمة الكامل، أو أن هذا الشخص كان مصابًا باضطراب ما بعد الصدمة الكامل، لكن لم يُشفَ بشكل كامل.[3]
أسباب اضطراب ما بعد الصدمة
عادةً ما يحدث هذا الاضطراب نتيجةً لتعرض لصدمة أو ضغوطات شديدة، وكنتيجة لهذه الضغوطات أو الصدمات؛ وكنتيجة لعدم القدرة على التأقلم مع هذة الصدمة، والظروف المصاحبة لهذه الضغوطات وهذه الصدمات تشمل:
أعراض اضطراب مابعد الصدمة
يوجد العديد من الأعراض التي يختبرها الشخص المصاب باضطراب ما بعد الصدمة، وتؤثر هذه الأعراض على حياة الشخص المصاب سلبيًّا، وهذه الأعراض مثل:
- تكرار تذكر أحداث الصدمة بصورة متقطعة.
- عدم القدرة على تذكر الأحداث المرتبطة بالصدمة.
- بذل مجهود من أجل تجنب تذكر أحداث الصدمة وأي ظروف خارجية قد تؤدي لتذكر أحداث الواقعة.
- وفي بعض الأحيان قد يشعر الشخص بتغير في نفسه وفي العالم أو ينفصل عن نفسه والعالم(depersonalization and derealization).[1 ، 2]
الطرق العلاجية المختلفة لاضطراب ما بعد الصدمة
العلاج الدوائيّ (pharmacological therapy):
يوجد العديد من الأدوية الفعَّالة ضد اضطراب ما بعد الصدمة، وهذه الأدوية عادةً ما تكون فعالة في علاج الاهتياج وتعديل المزاج الناتجين عن اضطراب ما بعد الصدمة؛ لكن هذه الأدوية تكون أقل فعالية في علاج الأعراض مثل:
- صعوبة الاختلاط مع الحياة من جديد.
- التذكر المستمر لأحداث الواقعة.
- اضطرابات النوم حيث تعد مشاكل النوم أكثر عرض يصعب علاجه بأدوية اضطراب ما بعد الصدمة، ولذلك يُستَخدَم أكثر من دواء في علاج هذه الحالات.[4]
الخط الأول في علاج اضطراب ما بعد الصدمة هو مضادات الاكتئاب:
- خاصةً الأدوية التي تعمل على منع إعادة تثبيط هرمون السريتونين في أماكن محددة (selective serotonin reuptake inhibitors “SSRIs”)؛ ولقد أظهرت العديد من الدراسات مدى فعالية هذه الأدوية في علاج اضطراب ما بعد الصدمة.
- أيضًا يمكن استخدام الأدوية التي تعمل على منع تثبيط السريتونين والنورأدرينالين (serotonin-noradrenaline reuptake inhibitors)؛ حيث إنه أُثبِتت فعاليتها في علاج اضطراب ما بعد الصدمة.[4]
العلاج النفسي (psychotherapy):
يوجد العديد من الطرق العلاجية النفسية الفعالة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة، وعلى الرغم من كون العلاج النفسي فعالًا جدًا في علاج هذا الاضطراب، فإن فعاليته تقل في حالة عدم وجود استقرار نفسي؛ لذلك يجب على الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة تلقي بعض الطرق العلاجية الأخرى مثل العلاج التحفيزيّ لتقوية ثقتهم بنفسهم قبل بدئهم العلاج النفسي للصدمة.[4]
ويعد العلاج المعرفي السلوكي والعلاج بالتعرض من أفضل الطرق لعلاج أعراض اضطراب ما بعد الصدمة؛ حيث في العلاج بالتعرض، يتعرض المريض لمواقف مشابهة للصدمة، والتي تستحث مشاعر واستجابات الخوف لديه ولكن بالتدريج؛ حتى تصبح هذه المواقف مألوفة بالنسبة إليه وعادية، ويهدف العلاج المعرفي السلوكي إلى توجيه المريض إلى سلوكيات صحية، بينما يواجه المريض الأفكار والمعتقدات الخاطئة عن العالم وعن نفسه مثل: (التدريبات الرياضية، وتنظيم النوم،إلخ).[4]
الطب التكميليّ والبديل (complementary and alternative medicine)
حيث يشمل الطب البديل والتكميلي العديد من الطرق العلاجية مثل (اليوجا، والوخز بالإبر، وتنشيط الاستجابات العصبية، إلخ)؛ ولقد انتشرت هذه الطرق في الولايات المتحدة الامريكية وعالميًا؛ حيث تُستخدَم هذه الطرق في علاج العديد من الاضطرابات العقلية مثل: الاكتئاب، واضطراب الألم؛ حيث يلجأ المعالجون لهذه الطرق لما لها من فوائد، كما أن المرضى يفضلونها عادةً لصلتها بالعادات القديمة، وقد يكون لها فائدة كبيرة في تقليل معاناة المرضى عندما لا تجدي الطرق العلاجية الأخرى النفع، وبينما توفر هذه الطرق خيارات أكثر وأفضل لكل من المعالجين والمرضى، إلا أنه يوجد عدد قليل جدًا من الأبحاث عن فوائد هذه الطرق في علاج الاضطرابات العقلية.[5]
في العقد الماضي تم رصد ارتفاع في عدد الحالات المصابة باضطراب ما بعد الصدمة في الولايات المتحدة نتيجة الصراعات في العراق وأفغانستان، ولا يوجد إلا عدد قليل من الطرق العلاجية القابلة للاستخدام في علاج اضطراب ما بعد الصدمة؛ ففي العلاج النفسي يوجد ثلاثة طرق قابلة للاستعمال، ووافقت منظمة الطعام والأدوية على استخدام نوعين فقط من الأدوية، وعلى الرغم من محدودية الاختيارات المتوفرة في العلاج النفسي والدوائي إلا إنهما حققا نجاحًا كبيرًا في علاج اضطراب ما بعد الصدمة، لكن ماذا عن المرضى غير القادرين على الذهاب للطبيب أو المعالج النفسي؟! وماذا عن الأشخاص غير المؤمنين بكفاءة الطرق العلاجية النفسية الحديثة؟! وماذا عن الاشخاص الذين ما زالوا يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة على الرغم من تلقيهم العلاج النفسي؟! فما هي الاختيارات العلاجية المتاحة لهؤلاء الأشخاص؟ الطب البديل والتكميلي قادران على الإجابة على هذا الأسئلة، وقادران على ملء هذه الفجوات، وتوفير خيارات جديدة. [5]
ومن ضمن طرق الطب التكميلي المستخدمة في علاج اضطراب ما بعد الصدمة هو العلاج بمساعدة الحيوانات (Animal-assisted therapy “ATT”)، وتم تغطية هذه الطريقة بواسطة القانون الأمريكي لذوي الاحتياجات الخاصة (Americans with Disability Act “ADA”)، وفي هذه الطريقة يتم تدريب الحيوانات لتأدية مهام معينة مثل:
- إرشاد الأشخاص المصابين بالعمى.
- تذكير المصابين بالأمراض العقلية بمواعيد أدويتهم،
- تهدئة الاشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة.
وهذه الحيوانات في العادة تكون كلابًا ويتم تدريب هذه الكلاب لتتقن عمل هذه المهام؛ حيث تتعلم الكلاب أداء المهمات التي لا تقوم بها الكلاب في الطبيعة والتي لا يمكن لذوي الاحتياجات الخاصة القيام بها، ولقد سمح القانون الأمريكي لذوي الاحتياجات الخاصة بتواجد هذه الكلاب في أماكن لا يسمح بتواجد الكلاب فيها عادةً مثل المطارات من أجل تقديم أفضل خدمة لذوي الاحتياجات الخاصة من قبل هذه الحيوانات.[5]