مكافحة جرائم الحرب بشجاعة والسعي لتحقيق العدالة لضحايا هذه الحروب
أعلنت اللجنة النرويجية لجائزة نوبل عن منح جائزتها في السلام هذا العام إلى كلٍّ من نادية مراد، ودينيس موكويجي.
قدَّمَ كلا الحائزين على الجائزة جهودًا ومساهمات حاسمة في تسليط الضوء على جرائم الحرب ومكافحتها. حيث كَرَّس دينيس موكويجي حياته لمساعدة ضحايا هذه الحروب والدفاع عنهم. أما نادية مراد فقد كانت شاهدة عيان للانتهاكات التي اُرتكِبَت ضدها وضد الآخرين جَرَّاء هذه الحروب. وقد ساعد كلٌّ منهما بطريقته الخاصة في توضيح -وبدرجةٍ أكبر- مدى العنف الجنسي الذي يُرتكب في زمن الحروب، بحيث يمكن مساءلة ومحاسبة الجناة على أفعالهم.
أمضى الطبيب دينيس موكويجي أجزاءً كبيرة من حياته في مساعدة ضحايا العنف الجنسي في جمهورية الكونغو الديموقراطية، فمنذ إنشاء مستشفى بانزي في بوكافو عام 2008 م، عالج الدكتور موكويجي ومعاونيه آلاف المرضى الذين وقعوا ضحايا مثل هذه الاعتداءات التي اُرتكبت في سياقِ حربٍ أهليةٍ طويلةِ المدى كَلَّفت الكثيرَ من أرواح الكونغوليين، قُدِّرَت أعدادهم بحوالي 6 ملايين شخص.
دينيس موكويجي هو أكبر رمز للتوحيد والاتحاد على الصعيدين الوطني والدولي للنضال من أجل إنهاء العنف الجنسي في الحروب والنزاعات المسلحة، اعتمد مبدأه الأساسي على «العدالة هي عمل الجميع»، يتحمل تحقيقها الرجال والنساء والضباط والجنود والسلطات المحلية والوطنية سواءً بسواء في الإبلاغ عن هذا النوع من جرائم الحرب.
ليس هناك مبالغة في أهمية دور وجهود الدكتور موكويجي الدؤوبة والمتفانية في هذا المجال، فقد شجب مرارًا وتكرارًا الإفلات من العقاب للجناة المسؤولين عن الاغتصاب الجماعي، وانتقد الحكومة الكونغولية وبلدان أخرى لعدم قيامها بما يكفي لوقف العنف الجنسي ضد المرأة كاستراتيجية وسلاح حرب.
أما نادية مراد، فقد كانت نفسها ضحية لجرائم الحرب حينما رفضت العادات والتقاليد الاجتماعية التي تَطلُب من المرأة التزام الصمت والخجل من الانتهاكات التي تتعرض لها، ولكن أظهرت نادية مراد شجاعةً غير مألوفة في سرد معاناتها والتحدث نيابةً عن الضحايا الآخرين.
نادية مراد هي عضو في الأقلية الإيزيدية في شمال العراق، حيث عاشت مع عائلتها في قرية كوجو النائية. وفي أغسطس 2014 م شنت الدولة الإسلامية «داعش» هجومًا وحشيًّا وممنهجًا على قرى منطقة سنجار بهدف إبادة السكان الإزيديين، حيث شهدت قرية نادية مراد ذبحَ المئات من الناس، واختطاف الكثير من النساء صغار السن بمن فيهن القاصرات، واحتجازهن لأغراضٍ جنسية، وكانت نادية مراد إحدى الأسيرات لدى تنظيم الدولة، وقد تعرضت في احتجازها للاغتصاب المتكرر، وهددها مهاجموها بإعدامها إذا لم تتحول من اليزيدية إلى فكرهم المتطرف الكاره للإنسانية.
نادية مراد هي واحدة من 3000 فتاة من نساء الإيزيدية كن ضحايا للاغتصاب وغيره من الانتهاكات من قِبَل جيش تنظيم الدولة، وكانت الانتهاكات الموجهة ضدهن ممنهجة وجزءًا من استراتيجية عسكرية تسعى لمحاربة الإيزيديين والأقليات الدينية الأخرى. وبعد كابوسٍ دام ثلاثة أشهر، تمكنت نادية من الفرار، وبعد هروبها، قررت أن تتحدث بصراحة عما عانته خلال هذه المحنة. وفي عام 2016 م وفي سن الـ23، تم تعيينها كأول سفيرة للنوايا الحسنة في الأمم المتحدة من أجل كرامة الناجيين من الاتجار بالبشر.
يصادف هذا العام عقدًا من الزمن منذ أن اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1820م لعام 2008م، الذي ينص على أن استخدام العنف الجنسي كسلاح للحرب والصراع المسلح يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين وهذا موضح أيضًا في ميثاق روما الأساسي لعام 1998 م الذي يحكم عمل المحكمة الجنائية الدولية والذي ينص على أن العنف الجنسي في الحروب والنزاعات المسلحة انتهاك خطير للقانون الدولي، ولا يمكن تحقيق عالم أكثر سلمًا إلا إذا تم الاعتراف بالحماية وحقوق المرأة أثناء الحروب.
إن جائزة نوبل للسلام لهذا العام هي جزء لا يتجزأ من المعايير المنصوص عليها في رغبة منح الجائزة عند ألفريد نوبل، وقد وضع كل من دينيس موكويجي ونادية مراد أمنهما الشخصي في خطر من أجل مكافحة جرائم الحرب بشجاعة والسعي لتحقيق العدالة للضحايا وكانا مثالًا ترويجيًا مهمًا للأخوة والاتحاد بين الأمم من خلال تطبيق مبادئ القانون الدولي.
ترجمة: عمر بكر
مراجعة وتصميم: محمد الجوهري
مصدر المقال:
https://old.nobelprize.org/pea-press.pdf?_ga=2.261030029.1208054722.1538761289-773492468.1538761289