أظهرت جائحة كورونا (كوفيد-19) العالميّة مدى قصور الموارد البشريّة والماديّة في مراكز الرعاية الصحيّة في مواجهة الأعداد المتزايدة من المصابين، وعدم كفايتها لتقديم الخدمات الطِبيّة والعلاجيّة اللّازمة لهم. وأصبحت الاستعانة بأجهزة وتقنيّات الحاسب في مساعدة العامل البشريّ سواء في مراحل التشخيص، أو تقديم الخدمات العلاجيّة أمرًا حتميًّا لا مناص منه للحد من انتقال العدوى وللخروج من الأزمة بأقلِ خسائر بشريّةٍ ممكنةٍ.
وعليهِ طوَّرَ باحثون من جامعة واترلو الكنديّة، بمعاونة شركة دارون إي آي (Darwin AI) الناشِئة، إلى جانب عددٍ من أخصائيي الأشعة في كليّة الطبّ بجامعة ستوني بروك الأمريكيّة (Stony Brook School of Medicine)، ومركز مونتيفيوري الطِبيّ في نيويورك (Montefiore Medical Center in New York)؛ تقنيّة ذكاءٍ اصطناعيٍّ جديدةً لها إمكانية تقييم شدّة حالات الإصابة بعدوى كوفيد-19 بدرجةٍ واعدةٍ من الدِقة.
منهجية عمل تنقية الذكاء الاصطناعي
تستَخدِم التِقنيّة الجديدة أساليب التَعَّلُم العميق في تدريب خوارزميّات الذكاء الاصطناعيّ على تحليل مدى شِدّة العدوى، ودرجة التضرر الناجمة عنها في نسيج رئتي المرضى المصابين بكوفيد-19 بناءً على الأشعة السينيّة للصدر، ومن ثمّ مقارنة درجاتها بتقييمات نفس الأشعة السينيّة الّتي قام بها خبراء وأخصائيّو الأشعّة في أوقاتٍ سابقةٍ.
أُجريت الدّراسة على 396 حالةٍ إيجابيّةٍ تأكّدت إصابتها بعدوى كوفيد-19، وكان اثنان من أخصائيي أشعة الصدر المُعتمدين أصحاب الخبرة لما يزيد عن عشرين عامًا قد قيّموا أشعة الصدر (CXR) للمرضى مسبقًا، وحدّدوا مدى شدة كلّ حالةٍ منها ودرجة تعتيم الرئتين وتضررهما. وأُمدّت برمجيّات الحاسب الّتي تعتمد على الشبكات العصبيّة العميقة بعد ذلك بأشعة الصدر للحالات المصابة لتجري عمليّة تعلّمٍ عميقٍ، وذلك باستخدام مائة إصدارٍ مستقلٍّ من الشّبكة (50 إصدارًا لتعلّم تقييم شدّة العدوى، و50 إصدارًا لتعلّم تقييم درجة تعتيم وتضرّر الرّئة)، باستخدام مجموعاتٍ فرعيّةٍ عشوائيّةٍ من أشعة الصدر للحالات الخاضعة للدراسة. ثمّ تمثلت الخطوة التالية في استخدام تجارب مونت كارلو للمحاكاة للتّأكّد من صحّة نتائج برمجيّات الحاسب ومدى مطابقتها لنتائج أخصّائيي الأشعة البشر.
نتائج تنقية الذكاء الاصطناعي
هذا وقد جاءت التنبؤات الّتي قدّمتها تقنيّة الذكاء الاصطناعيّ والشبكات العصبيّة العميقة متوافقةً بشكلٍ جيّدٍ مع النتائج الّتي قدّمها الخبراء البشر بمعامل تحديدٍ (R2) بلغ 0.664 ± 0.032 فيما يتعلّق بشدّة العدوى، وبلغ 0.635 ± 0.044 فيما يتعلّق بدرجة تعتيم وتضرّر الأنسجة الرئويّة للمصابين. أمّا أفضل الإصدارات من تلك الشّبكة العصبيّة أداءً، فقد وصل مُعامل التَحديد لنتائج 0.739 و0.741 في كلا المعيارين على التوالي، ما اعتبره الباحثون نتائج واعدةً تبشِّر بالحاجة إلى مزيدٍ من الدراسات للعمل على تطوير التقنيّة.
تتوفّر أنظمة التصوير بالأشعة السينيّة على الصدر المُستخدمة في التقنيّة على نطاقٍ واسعٍ في جميع أنحاء العالم نظرًا لتكلفتها المنخفضة نسبيًا، وسرعة تعقيمها نسبيًا؛ وعلاوةً على ذلك، فإنّ وجود وحدات التصوير المحمولة بالأشعة السينيّة يعني أنّ التصوير يمكن أن يحدث داخل غرف العزل ممّا يحدّ بشكلٍ كبيرٍ من مخاطر العدوى ومخالطة المريض لعددٍ أكبر من العاملين بالقطاع الطبي، وخاصةً أنّ إجراء التصوير بالأشعة السينيّة يتمّ بشكلٍ متكررٍ للمرضى الّذين يعانون من مشكلاتٍ في الجهاز التنفسيّ كجزءٍ من الإجراءات القياسيّة للرعاية الطبيّة، حيث تقدِم رؤًى تساعد على تقييم مدى تطوّر المرض.
يمكن للتّقنيّة الجديدة -بحسب تصريحات ألكسندر وونغ أستاذ هندسة تصميم الأنظمة وأحد مؤسّسي شركة دارون إي آي المشاركين في الدّراسة- أن توفّر أداةً مهمةً لمساعدة الأطبّاء على إدارة الحالات المصابة في المستشفيات ومراكز الرعاية الطبية، حيث يعدّ تقييم شدّة الحالة خطوةً حاسمةً في سير العلاج السريريّ لتحديد أفضل الطُرق المُتاحة للعلاج والرِعاية حاليًا، سواءً من خلال علاج المريض بضخ الأكسجين، أو إدخال المريض إلى وحدة العناية المركّزة.
تُظهر النتائج الأوليّة لهذه الدراسة مدى امتلاك الذكاء الاصطناعيّ لإمكاناتٍ قويّةٍ قد تجعل منه أداةً فعّالةً لدعم جنود الخطوط الأماميّة من العاملين في مجال الرعاية الصحيّة في قراراتهم، وتحسين الكفاءة السريريّة وهو أمرٌ في غاية الأهميّة بحيث تقلِل من الضَغط المستمر الّذي تفرضه جائحة كورونا العالميّة على كل أنظمة الرعاية الصحيّة حول العالم.[1]