يتطلّع علماء الكيماء الحيوية إلى استخدام أداة تعديل الحمض النووي الجديدة المعروفة بـِ(كريسبر- CRISPR) إنها أداة يمكن برمجتها لتعديل الحمض النووي بدقة لأي كائن حي، ولكن يحتاج العلماء إلى برامج لوغارتمية لتسريع البرمجة، ويحاول العشرات من الفرق البحثية تطوير هذا البرنامج وكلهم ومواكبة التطور السريع في العلم.
الـ(CRISPR) اختصارًا لـ(Clustered, Regularly Interspaced, Short Palindromic Repeats) هي ظاهرة جينية موجودة في الميكروبات التي اعتاد العلماء على إيقاف عمل جين معين فيها، أو إضافة حمض نووي لها في مكان ما على الشفرة الوراثية. كريسبر ليست أداةَ تعديل الحمض النووي الأولى ولكنها إلى حد ما أبسط وأرخص، وقد زاد استخدامها منذ الاعتياد عليها خلال الأربع سنوات الأخيرة.
ويمكن للعلماء استخدامها لفصل جينات لنماذج حيوانية لأجل دراسة وظيفتها، وإضافة صفات جيدة للمحاصيل، وصنع الميكروبات التي لديها القدرة على تصنيع أدوية، واستخدامها في العلاجات الجينية والوراثية وأيضًا -بعد المناقشة الأخلاقية- تصحيح بعض الأمراض الوراثية في الأجنة البشرية.
حولت كريسبر -في أقل من أربع سنوات- المختبرات في جميع أنحاء العالم، حيث تقول جوانا ييه ـ Jing-Ruey Joanna Yeh عالمة في الأحياء الكيميائية في مركز أبحاث القلب والأوعية الدموية في مستشفى ماساتشوستس العام والتي ساهمت في تطوير هذه التكنولوجيا: «يستطيع أي مختبر صنعه لأنه بسيط جدًا وفعال»، وتضمن تقنيات تعديل الشفرة الوراثية التقليدية نقل الحمض النووي إلى الخلايا بدون معرفة مكان التصاقه على الشفرة الوراثية، أما التعديل بأداة كريسبر فهي كوضع مؤشر الحاسوب ما بين حرفين والضغط على زر (مسح) أو (لصق). وهذه الأداة تكلف أقل من خمسين دولارًا أمريكيًا لتجميعها. ويوجد أنظمة أخرى لتعديل الشفرات الوراثية لكنها مخصصة لاستخدام واحد فقط ويجب إعادة تعيينها في كل مرة وبالفعل تحتاج المزيد من الخبرات والموارد لتجميعها.
إن فعالية هذه الأداة تبدو جيدة إذا ما تم مقارنتها بسابقاتها، ولكنها لا تعمل دائمًا، يقول جيكوب كورن- Jacob Corn المدير العلمي لمبادرة علم الجينات المبتكرة في جامعة كاليفورنيا: «نحن حقًا لا نفهم تمامًا ما هذا1» وهنا يأتي دور البرنامج، فيمكن للوغاريتمات أن تساعد الباحثين على تصميم كريسبر بطريقة تجعلها أكثر احتمالًا للنجاح.
هذا وجُهزت الأداة كريسبر بخاصيتين أساسيتين؛ شريط قصير من الحمض النووي الذي يمكن برمجته ويسمى (Guide RNA) وإنزيم يسمى (Cas 9) يمكنه العمل كزوج من المقصات الجزيئية، وإذا ما تم تقديم هذا المركب إلى خلية ما؛ يقوم Guide RNA بإرشاد إنزيم Cas 9 إلى موقع محدد على الحمض النووي للخلية ثم يقوم بالالتصاق مثل الفيلكرو- Velcro ثم يدع الإنزيم يقص الحمض النووي. وبعد ذلك تقوم ماكينات الخلية الخاصة بإصلاح الحمض النووي عن طريق التهام جزء منه أو إضافة جزء آخر وبهذا يتم التعديل. يمكن للباحثين أيضًا إضافة قطعة من حمض نووي جديد إلى هذا المكان.
يجد Guide RNA الموقع المناسب في الحمض النووي عن طريق البحث عن قطعة الحمض النووي التي بها جزيئات متكاملة معه، وهذه الجزيئات تسمى القواعد النيتروجينية ويرمز لها بالحروف
A (adenine), T (thymine), G (guanine), and C (cytosine)
يبحث العلماء عادةً عن قطعة الحمض النووي التي تقدم وظيفة معينة (الجين) وهو يتكون من مئات إلى آلاف القواعد النيتروجينية، في حين أن عدد قواعد guide RNA 20 قاعدة واحدة فقط، لذا يجب على العلماء البحث عن (20) قاعدة فقط في الحمض النووي للخلية (الهدف) وتكون متكاملة مع قواعد guide RNA.
يوجد شيئان يجب أخذهما بعين الاعتبار؛ فيجب تحديد مكان الهدف بالقرب من علامة ما على الحمض النووي حتى يستطيع المقص الجزيئي التعرف عليه، ويجب أيضًا أن يكون ترتيب قواعد الهدف ليس مثل أي ترتيب آخر على الحمض النووي.
العلامة التي يعتمد عليها إنزيم Cas9 تسمى (Protospacer adjacent motifs : PAMs) ومن السهل أن نحدد موقع الـ(PAM) في الحمض النووي (مثل البحث عن كلمة the) وأي (20) قاعدة بعدها يمكن للإنزيم أن يعمل عليهم.
من المؤكد أن العشرين قاعدة فريدة من نوعها ومع ذلك من الصعب تحديدها؛ لأن الشفرة الوراثية بأكملها مكونة من أربعة حروف (A-G-C-T) وهي تتكر ملايين بل مليارات المرات فمن المؤكد أن يتكرر ترتيب العشرين قاعدة، وهذا يشتت Guide RNA ومن الممكن أن ينتهي هذا الأمر بتعديل ترتيب جيني غير مرغوب فيسبب طفرة في الحمض النووي.
إن قطع الحمض النووي التي تشبه الهدف أو تختلف عنه في زوج من القواعد قد يتسبب في خطأ الأداة، يقول كاميرون روس مكفيرسون- Cameron Ross McPherson عالم بيانات في معهد باستور في باريس: «من الممكن أن يتم بحث الشفرة الوراثية كلها بالعين حتى نجد (خارج الهدف) أي القواعد غير المرغوب في تعديلها، ولكن هذا سوف يستغرق وقتًا طويلًا جدًا.»
يتم استخدام اللوغاريتمات في بحث الشفرة الوراثية بسرعة كبيرة بعد إدخال عدة معلومات من قبل المستخدم. وهناك موقع تابع لجامعة هارفارد يسمى CHOPCHOP يسأل المستخدم عن اسم الكائن أو الجين ثم في عدة ثوانٍ تجد اللوغاريتمات العشرين قاعدة المرغوب في تعديلها والموجودة بالقرب من PAM (رابط الموقع : /https://chopchop.rc.fas.harvard.edu) وتكون النتائج مرتبة بحسب المدخلات التي تم ادخالها من قبل المستخدم ثم يقوم الموقع بإنتاج قائمة Guide RNA التي تأخذك إلى الهدف.
هذا ويحاول العلماء حاليًا تطوير إنزيم Cas9 والبروتينات الأخرى المستخدمة في تعديل الحمض النووي في محاولة لإضافة خيارات جديدة لمستخدمي CRISPR وبعض هذه البروتينات قد تُطور دقة Guide RNA حتى يجد الهدف بسهولة وعندها لن نحتاج إلى برامج لتحديد الهدف وستختفي هذه البرامج أو على الأقل سيتم تطويرها، حيث يقول كورن- Corn من جامعة بريكيلي في كاليفورنيا: «لو تمكنا من القضاء على أثر (خارج الهدف) تمامًا فهذا شيء عظيم، فهل تمكنا من هذا؟ ليس بعد».