صرح كيث إليسون المدعي العام لولاية مينيسوتا معبرًا عن الحالة السيئة التي انتشرت بين الأمريكيين بسبب تدني الأوضاع الاقتصادية جراء التفشي الكبير لفيروس كوفد-19:
«الناس محبوسون منذ شهرين بسبب الجائحة، البعض منهم عاطل والبعض لا يملك المال لدفع إيجار منزله. لذلك هم غاضبون محبطون».
احتجاجات مينيسوتا لم تكن الأولى
دفع استخدام الشرطة المتكرر للعنف ضد المدنيين إلى مطالبة حركات الحقوق المدنية لمساءلة الشرطة حول استخدامهم المفرط للقوة تجاه الأميركيين والأفارقة منهم على وجه الخصوص.
وقد ساهمت حوادث القتل المتعددة التي تمت تجاه المدنيين التي وقعت عام 2014م إلى إعادة تأجيج الغضب المجتمعي ضد الشرطة؛ أولها كان مقتل مايكل براون في مدينة فيرغسون، وأعقبها مقتل إريك غارنر في ولاية نيويورك، وكذلك مقتل الشاب فريدي غراي في مدينة بالتيمور. ووقعت في مينيسوتا وحدها أحداث قتل متفرقة؛ منها إطلاق النار على جمار كلارك، وفيلاندو كاستيل، وجاستن داموند أثناء اعتقالهم على يد الشرطة في أعوام 2015م و2016م و2017م على التوالي.
قتلٌ في وضح النهار.. الشرارة التي أشعلت كل شيء
في منتصف ظهيرة يوم التاسع من أغسطس عام 2014 تلقت الشرطة اتصالًا من صاحب متجر يزعم فيه سرقة علبة سيجار ثمنها 49 دولارًا من قِبل شاب يدعى مايكل براون. كان الشاب يبلغ ثمانية عشر عامًا حين تلقى ست طلقات نارية أردته على الفور قتيلًا على يد الضابط دارين ويلسون.(1)
نظم نحو خمسمائة عضو في حزب العمال المعارض احتجاجهم الوطني الأول الذي أطلقوا عليه اسم (مسيرة الحرية لحركة حياة السود مهمة – Black Lives Matter Freedom Ride) للمشاركة في المظاهرات السلمية التي اندلعت في مدينة فيرغسون عقب مقتل الشاب براون. منظمة ومؤثرة وواضحة الأهداف، أظهرت هذه الاحتجاجات مدى النجاح الذي تمتعت به هذه الحركة كواحدة من أبرز الحركات المدنية الناشئة.
ويُذكر أن الفلسطينيين ووجهوا النصائح للمتظاهرين حول كيفية التعامل مع الغاز المسيل للدموع. مما ساهم في لفت انتباه النشطاء إلى التشابه الكبير الذي يربط بين القوات الإسرائيلية والشرطة الأمريكية.(2)
بدون هيكل مركزي أو تسلسل هرمي.. الهيكل الفضفاض للحركة الناشئة
قبل مقتل براون بعام، وفي عام 2013م واحتجاجًا على إخلاء سبيل الضابط جورج زيمرمان المتهم بإطلاق النار على الصبي ترايفون مارتن، بدأ انتشار الوسم الذي يحمل اسم الحركة (Black Lives Matter) على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
شارك في تأسيس هذه الحركة ثلاث سيدات هن: أليشيا غارزا ، وباتريس كولورز، وأوبال تومتي.(3) غاضبة ومنفعلة من إطلاق سراح زيمرمان، كتبت غارزا منشورًا على موقع الفيسبوك قالت فيه: «حياتنا مهمة، حياة السود مهمة»، لترد كولورز بالوسم (#BlackLivesMatter) لتُعلن بذلك ولادة حركة (حياة السود مهمة) عبر الإنترنت.
وهي حركة لا مركزية أكد قادتها على أهمية التنظيم المحلي في التأثير على القيادة الوطنية. ووصفت أليشيا غارزا هذه الشبكة بأنها منصة على الإنترنت موجودة في 30 فرعًا على مستوى العالم لتزويد النشطاء بمجموعة مشتركة من المبادئ والأهداف.(4)
لا أستطيع التنفس.. الجملة التي سوف تلاحق الشرطة إلى الأبد.
تعرض إريك غارنر ذو الثلاثة وأربعين عامًا للتوقيف في السابع عشر من يوليو عام 2014 بمدينة نيويورك حين طرحه الشرطي جاستن داميكو أرضًا لمقاومته الاعتقال على خلفية تجارته في السجائر غير الخاضعة للضريبة، وضغط على رقبته بشدة ولم يبد إهتمامًا لإصابة الرجل بالربو الذي ظل يردد «لا أستطيع التنفس»، لتُعلن وفاته في المستشفى بعدها.
لاحقًا وفي الخامس والعشرين من مايو عام 2020م، كانت «لا أستطيع التنفس» تتكرر على لسان جورج فلويد ذي ال46 عامًا الذي كان بلا عمل منذ انتشار جائحة كوفيد-19، وحاول إيقاف الشرطي بيريك تشوفين من الضغط على رقبته أثناء اعتقاله على خلفية تبادله ورقة من فئة 20 دولارًا مع صاحب محل زعم الأخير أنها مزورة. صرخ بعض المارة لكي يتوقف الشرطي عن الضغط على رقبة فلويد إلا أن الأوان كان قد فات.
عقب وفاته، استخدم مصطلح «ثماني دقائق وست وأربعون ثانية» في احتجاجات القتل العنصري التي شهدتها مينيابوليس ونيويورك وبوسطن وفيلادلفيا ومدن أخرى، حيث جلس المتظاهرون بلا حراك على الأرض لمدة 8 دقائق و46 ثانية تعبيرًا عن رفضهم لوحشية الشرطة.(5)
وصمة عار في تاريخ الديمقراطية الأمريكية
بالرغم من اتهام تشوفين بالقتل العمد من الدرجة الثانية، اندلعت احتجاجات في اليوم التالي لوفاة فلويد واستمرت حتى 13 يوليو واجتاحت نحو 2000 مدينة حول العالم. وجذبت اهتمام الكثيرين، منهم الرئيس التنفيذي لشركة جوجل(6)، وجريدة نيويورك تايمز التي فتحت تحقيقًا بعنوان 8 دقائق و46 ثانية للوقوف على حقيقة الحادث.(7)
أدت الاحتجاجات إلى تغييرات تشريعية عديدة للحد من وحشية الشرطة، ووجهت انتقادات لحكومة ترامب بسبب موقفها المتشدد وتصديها العسكري وخطابها العدواني تجاه المتظاهرين. ونجحت حركة «حياة السود مهمة» في المساهمة في رفع الوعي لأهمية حياة السود ووضع بصمة لن تُمحى على جبين الديمقراطية الأمريكية.