إن الجوع وحشٌ قاتل ينهش في بطون أصحابه كما ينهش المرض في أجسادهم، ولا يقل تأثيره على البشر عن تأثير المرض والحرب والصراع الدموي، فكيف إذا تشارك الجوع والوباء والحرب معًا ضد بعض البشر؟!
لأجل منع ذلك والحدِّ منه، قررت لجنة نوبل النرويجية منح جائزة نوبل في السلام لعام 2020م إلى برنامج الأغذية العالمي (WFP)، لجهوده في مكافحة الجوع ومساهمته في تحسين ظروف السلام في المناطق المتضررة من النزاعات، ولعمله كقوةٍ دافعة في الجهود المبذولة لمنع استخدام الجوع كسلاحٍ في الحرب والصراعات المسلحة.
ولمعرفة مدى استحقاق هذا البرنامج لهذه لجائزة، دعونا نأخذكم إلى مقالٍ مُفصَّلٍ عن برنامج الأغذية العالمي.
التعريف ببرنامج الأغذية العالمي
تأسَّس برنامج الأغذية العالمي عام 1963م، ويعتبر أكبر وكالة إنسانية تكافح الجوع في العالم. يعمل فيه نحو 11500 شخصًا حول العالم، أغلبهم يستقر في المناطق النائية، يقدمون المساعدة الغذائية للمحتاجين فيها.
يمتلك البرنامج نحو 5600 شاحنةً برية ونحو 30 سفينة بحرية بالإضافة إلى 100 طائرة لنقل الطعام وتوصيل الغذاء لمن هو في حاجةٍ إليه. وفي كل عام، يقوم البرنامج بتوزيع نحو أكثر من 15 مليار حصة طعام بمتوسط تكلفة تقدر بـ0.61 دولار أمريكي لكل حصة.
أهداف يطمح برنامج الأغذية العالمي إلى تحقيقها
ويهدف برنامج الأغذية العالمي إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية وهي :
- إنقاذ الأرواح وحماية سبل العيش في حالات الطوارئ.
- دعم الأمن الغذائي وإعادة بناء سبل العيش في البيئات الهشة وحالات الطوارئ.
- الحد من مخاطر الجوع وتمكين الناس والمجتمعات والبلدان من تلبية احتياجاتهم الغذائية.
- الحد من نقص التغذية وكسر حلقة الجوع بين الأجيال المتعاقبة.
مجهودات برنامج الأغذية العالمي في السنوات الأخيرة
في عام 2015م، اُعتمِدَ القضاء على الجوع كأحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. ويعتبر برنامج الغذاء العالمي هو الأداة الرئيسية لدى منظمة الأمم المتحدة لتحقيق هدف القضاء على الجوع في العالم. ولكن في السنوات الأخيرة، اتخذ الوضع منعطفًا صعبًا وسلبيًّا، ففي عام 2019م عانى نحو 135 مليون شخص حول العالم من الجوع الشديد، وهو أعلى رقم منذ سنوات عديدة، وجاءت تلك الزيادة بسبب زيادة الحروب والنزاعات المسلحة، أضف إليها ما ساهم فيه وباء (كوفيد-19) من ارتفاعٍ كبيرٍ في عدد ضحايا الجوع في العالم، ففي بلدانٍ مثل اليمن والكونغو الديموقراطية ونيجيريا وجنوب السودان وبوركينا فاسو أدَّى المزيج القائم بين الصراع المسلح وانتشار الوباء إلى ارتفاعٍ شديدٍ وكبيرٍ في عدد الأشخاص المعرضين لخطر المجاعات في تلك البلاد. ولأجل مواجهة ذلك، أظهر البرنامج قدرةً رائعة في تكثيف جهوده في مقاومة الجوع جنبًا إلى جنب مع مقاومة المرض كما المسئولون عن البرنامج نفسه حينما قالوا: «حتى يوم حصولنا على لقاحٍ طبيٍّ ضد الوباء؛ فإن الطعام هو أفضل لقاح ضد الفوضى القائمة».
ونجح برنمج الأغذية العالمي في عام 2019م في مساعدة ما يقرب من 100 مليون شخص في 88 دولة حول العالم؛ هم ضحايا انعدام الأمن الغذائي الحاد والجوع.
يتعرض العالم لخطر المعاناة من أزمةِ جوعٍ ذات أبعادٍ مُعقَّدة ولا يمكن تصورها، إذ لم يتلق برنامج الأغذية العالمي ومنظمات المساعدة الغذائية الدعم المالي الكافي المطلوب لتحقيق أهدافهم، خاصةً في ظل تعرض العالم إلى صراعات مسلحة وكبيرة.
إن الصلة بين الجوع والنزاع المسلح حلقةٌ مُفزعة ومُقلقة، فالنزاعات المسلحة يمكن أن تسبب أزمةً في انعدام الأمن الغذائي والجوع، وبالمثل، يمكن أن يكون سببًا ودافعًا كبيرًا في نشوب النزاعات المسلحة وزيادة العنف. وبالتأكيد لا يمكن القضاء على الجوع ما لم يوضع حدٌّ للصراعات المسلحة.
لماذا استحق برنامج الأغذية العالمي جائزة نوبل في السلام لعام 2020؟
تؤكد لجنة جائزة نوبل في السلام على أن تقديم المساعدة إلى برنامج الإغذية العالمي لا يمنع الجوع فحسب، بل يمكن أن يساعد في تحسين فرص السلام والاستقرار، لذا أخذ البرنامج على عاتقه زمام المبادرة في الجمع بين العمل الإنساني والجهود المبذولة لتحقيق السلام من خلال عدة مشاريع رائدة حاليًا في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا،
وفي نفس السياق، كان برنامج الأغذية العالمي مشاركًا نشطًا وفعالًا في العملية الدبلوماسية التي بلغت ذروتها في مايو 2018م، عندما تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قرارٍ بالإجماع رقم 2417 ضرورةَ معالجة الصلة بين الجوع والصراع المسلح، كما شدَّد مجلس الأمن على التزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالمساعدة في ضمان وصول المساعدات الغذائية إلى المحتاجين.
وفي نفس السياق، أدان المجلس استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب. وتأمل لجنة نوبل للسلام من خلال منحها جائزة العام إلى برنامج الأغذية العالمي إلى توجيه أنظار العالم نحو ملايين الأشخاص الذين يعانون خطر المجاعات في أنحاء العالم.
يُعد برنامج الأغذية العالمي بصفته أكبر وكالة متخصصة في مكافحة الجوع في العالم في الأمم المتحدة شكلًا حديثًا من أشكال مؤتمرات السلام التي تهدف لجنة نوبل للسلام إلى الترويج لها.
وأخيرًا؛ إن عمل برنامج الأغذية العالمي لصالح البشرية جميعًا، وهو مسعى ينبغي لجميع دول العالم أن تؤيده وتدعمه.