منذ القِدم، حاول الإنسان السفر إلى الفضاء والوصول لأبعد نقطة يعرفها بعينه ومنظاره. وبعد التقدم العلمي والتكنولوجي، حاول الإنسان السفر في الفضاء بنفسه، ووصل إلى حدود مجموعتنا الشمسية بمركبة (نيوهورايزن) بسرعة 15 كم في الثانية الواحدة [59400 كم في الساعة]، وهي أسرع شيءٍ صنعه الإنسان حتى الآن. لكن الكون أكبر مِما توقع الإنسان، ولا توجد تكنولوجيا حتى هذه اللحظة تساعدنا في السفر لأبعد حدود الكون.

اُستُخدِمَ مصطلح الثقوب الدودية بكثرة في أفلام الخيال العلمي منها فيلم (Interstellar) إنتاج 2014 لكريستوفر نولان، بطولة كلٍّ من ماثيو ماكونهي وآن هاثاواي، أنصحك بمشاهدته فيما بعد، لكن الآن سوف نتحدث عن مضمون مقالنا.

جسر آينشتاين-روزين (Einstein-Rosen Bridge)، أو ما يُسمَّى الثقب الدودي (Wormhole)، هو حلقة الوصل بين الثقوب السوداء (Black Holes) التي لا يمكن لشيء الهروب من جاذبيتها العالية، بما في ذلك الضوء، والثقوب البيضاء (White Holes) التي لا يمكن الدخول لها بأي شكل من الأشكال عن طريق متفردة* كل منهما. ⁽¹⁾

الثقوب الدودية تستطيع أن تساعدنا في السفر في الفضاء عبر الزمكان (Spacetime)**، والأدهش أن هذه الجسور من الممكن أن تجعلنا مسافرين عبر الأكوان المتعددة (Multiverse). نعم كما قرأت، السفر عبر الأكوان المتعددة. يمكنك مشاهدة مقطع من فيلم (Star Trek) لعملية السفر عبر الأكوان لفهم فكرة الثقوب الدودية من هنا.

في عام 1935، استخدم آينشتاين وزميله ناثان روزين، من معهد الدراسات المتقدمة في برنستون، نظرية النسبية العامة لتقديم اقتراح بوجود جسور بالزمكان، وسُميت نسبة لهم «جسر آينشتاين-روزين» أو الثقب الدودي، وتربط تلك الجسور نقطتين مختلفتين في الزمكان، وبشكلٍ أبسط هذه الثقوب الدودية عبارة عن طريق مُختصرٍ في الفضاء.⁽²⁾

لمزيدٍ من الإيضاح، خذ قطعة من الورق (التي تمثل نسيج الزمكان) وقم بثنيها، ثم أحضر قلمًا، وقم بثقب الورقة المثنية من الجانبين مستخدمًا القلم، وستلاحظ أن الثقب الواصل بين نصفي الورقة المثنيين كأنه طريق مختصر من مكان لمكان.

قم بفرد نفس الورقة المثقوبة، وستجد أن الثقبين ابتعدا عن بعضهما بعضًا، وهذه هي فكرة الثقوب الدودية، فهي طريق مختصر لأماكن بعيده في الكون.

الآن بعد معرفتنا لماهية «جسر آينشتاين-روزين»، هل ستكون هذه الجسور بوابتنا للسفر في الفضاء؟

حقيقةً، لا أعدك بذلك وأعتذر لتخييب ظنك. سوف تسأل لماذا لا يمكن السفر عبر الثقوب الدودية؟ أقول لك أولاً: لأن حجم هذه الثقوب لا يتعدى الحجم الميكروسكوبي (Microscopic Levels) في حدود  سنتيميتر. ومن الممكن تواجد ثقوب تضخمت مع توسع الكون، لكن لا أستطيع أن أؤكد لك هذا.
ثانيًا: استقرار هذه الثقوب. لأنه بالنسبة لآينشتاين وروزين فإن الثقوب الدودية عديمة الفائدة للسفر عبر الزمن، لأنها تنهار بسرعة. لكن وفقاً للأبحاث الأخيرة، وُجِدَ أن الثقوب الدودية تحتوي على مادة غريبة تجعلها مفتوحة فترات أطول من الوقت، هذه المادة الغريبة تحتوي على كثافة سالبة الطاقة وضغط معاكس عالٍ، وإذا توفرت هذه المادة بشكل طبيعي أو بشكل مصطنع فمن الممكن نظريًا استخدام الثقوب الدودية لنقل المعلومات أو المسافرين عبر الفضاء.⁽²⁾

المشكلة الأخرى في الثقوب السوداء والثقوب البيضاء هي أفق الحدث لكلٍّ منها. فإذا دخلت الثقب الدودي عن طريق الثقب الأسود فلن تستطيع الخروج منه بسبب أفُق الحدث للثقب الأسود، والاتجاه الوحيد المتاح داخل أفُق الحدث هو المتفردة، والتي بدورها ستسحقك قبل وصولك للناحية الأخرى بفعل جاذبيتها العالية. أما بالنسبة للثقب الأبيض، فلن تسطيع أن تدخله، وذلك لأن الثقب الأسود هو المدخل الوحيد للثقب الأبيض، فالثقب الأبيض يعمل كمخرج، وما بينهما هو الثقب الدودي.⁽¹⁾

وهذه المشكلات وغيرها من المشكلات الأخرى لا تحتاج عشرات السنين بل مئات السنين من البحث عن أسرار الثقوب الدودية لتسخيرها وإيجاد تكنولوجيا تساعدنا في سفرنا لحدود الكون البعيد، ومن الممكن حينها السفر للأكوان الموازية.

وبهذا نكون قد وصلنا لنهاية مقالنا البسيط والمختصر عن جسور أينشتاين – روزين أو الثقوب الدودية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المتفردة هي نقطة في نهاية كل من الثقوب السوداء والثقوب البيضاء ذات كثافة وحرارة عالية.

**الزمكان هو الأبعاد المكانية الثلاثة بالإضافة لبُعد الزمن الذي افترضه أينشتاين خلال نظرية النسبية التي تشرح مفهوم الجاذبية لأينشتاين.

إعداد: أمين يوسف.
مراجعة: أحمد رضا.

1. Sutter,SPACE.com P, Sutter,SPACE.com P. Are Wormholes a Dead End for Faster-Than-Light Travel? [Internet]. Scientific American. [cited 2017 Sep 17]. Available from: https://www.scientificamerican.com/article/are-wormholes-a-dead-end-for-faster-than-light-travel/
2. Redd NT, April 13 S com C|, ET 2015 04:53pm. What is a Wormhole? [Internet]. Space.com. Available from: https://www.space.com/20881-wormholes.html