جسيمات الـ«يا إلهي»

fig-04-08-2018_23-36-17

جسيمات||جسيمات، يا إلهي،|

في عام 1991 رصد كاشف الأشعة الكونية بجامعة (يوتا) نواة ذرة تهبط إلى الأرض بسرعة 99.9999% من سرعة الضوء، مما دفع العلماء إلى تسميتها جسيمات الـ«يا إلهي» (Oh-My-God Particle)؛ كان الأمر كمن رأى البرق لأول مرة، لكن ما الذي سبب لهم هذه الدهشة؟ وما أصل هذه الجسيمات؟

البداية

يرجع أصل هذه الأشعة إلى نوع من الأشعة الكونية تسمى الأشعة الكونية فائقة الطاقة (Ultrahigh Energy Cosmic Rays) التي اكتشفت أول مرة عام 1962، وكما يبدو من اسمها فإن لها طاقة هائلة، حيث تبلغ طاقتها من 10^9 إلى 10^20 إلكترون فولت. وهذا رقم ضخم للغاية، أكبر بـ10 مليون مرة من أعلى جسيمات المصادم الهادروني طاقة. ما خطب هذه الأشعة إذا؟
تتكون هذه الأشعة من البروتونات أو أنوية ذرات لعناصر مثل الهليوم أو الكربون أو الحديد، لكن الغريب هنا هو سرعتها الهائلة، وكأن هناك للكون مسارع جسيمات أقوى مما لدينا هنا على الأرض. أما جسيمات الـ«يا إلهي» فهي أعلى هذه الجسيمات طاقة على الإطلاق حيث تقدر بـ(3×10^20) إلكترون فولت، ما يعادل 48 جول، نفس القدر الذي تمتلكه كرة تتحرك بسرعة 90 مترًا في الساعة، الأمر الذي صدم الفزيائيين حينها لأن هذه طاقة مهولة بالنسبة لجسيمات الذرية. يشبه ذلك أن ترى طفلًا حديث الولادة يفوز بسباق للعدو.

من أين أتت هذه الأشعة؟

بالرغم من أننا لا نحيط علمًا بهذه الأشعة إلا أننا نعلم أنها حديثة التكوين، وذلك بسبب طاقتها الكبيرة.
تفقد الجسيمات طاقتها عبر الزمن بسبب اصطدامها بفوتونات الإشعاع الكوني الميكروي(microwave cosmic background)، مثلما تبطئ الرمال حركة كرة. لكن تلك الطاقة الكبيرة للجسيمات ترجح أنها لم تمكث طويلًا في الفضاء. لكن من أين أتت هذه الأشعة؟ لسنا نعلم بالتحديد، ذلك أن دراسة هذه الأشعة من أصعب ما يكون، فهي جسيمات مشحونة، لذلك فإنها تعاني من التشتت بالمجال المغناطيسي للمجرة، كما يشتت الضباب الضوء، فتصل الأشعة بالتساوي من كل الاتجاهات، مما يعسر تحديد موقعها. فكأن هذه الأشعة تصر على أن تصعِب الأمور. فضلًا عن أن ما يصل الأرض منها قليل جدًا، ويكاد يكون بمعدل مرة واحدة لكل كيلومتر مربع في العام.

زخات الهواء

عندما تصل الأشعة فائقة الطاقة إلى الأرض فإنها سرعان ما تتحطم باصطدامها بجزيئات الغلاف الجوي، ولهذا لا يصل إلينا الكثير منها. لكن بالطبع ما كان للعلماء أن يستسلموا لهذه المشكلة، فهذه الاصطدامات تخلف وراءها فتات من الغلاف الجوي من الجسيمات دون الذرية ما يطلق عليه زخة الهواء (Air Shower). فإن كنا لا نستطيع رصد هذه الأشعة مباشرةً فلنرصد إذًا أثرها (زخات الهواء)، مثلما يقتفي المحقق آثار المجرم كي يصل إليه. ومن أمثلة هذه المراصد مرصد (بيير أوجير) بالأرجنتين الذي يضم 1600 مرصدًا لإشعاع شرينكوف (Cherenkov Radiation). وتتكون هذه المراصد من أحواض كبيرة للماء، تتوزع على 3000 كم مربع، حيث ينتج إشعاع (شرينكوف) عند مرور زخات الهواء بها. وبالتالي يستطيع هذا المرصد تحديد طاقة هذه الأشعة عن طريق تركيز الإشعاع، و تحديد اتجاهها من خلال زمن وصولها إلى المراصد المختلفة الموجودة في أماكن مختلفة. ليس هذا فحسب، بل إن هناك 27 تليسكوبًا، موزعة في أربعة أماكن منفصلة عن منطقة الرصد، تقوم برصد ضوء الفلوروسنت في الهواء الذي ينتج عن اصطدام زخات الهواء تلك بذرات النيتروجين في الغلاف الجوي. فقد وضعنا عيونًا محدقةً إلى السماء للإيقاع بهذه الأشعة قدر ما نستطيع. لكن مازال سؤال من أين أتت هذه الأشعة بلا إجابة، حتى اقترح العلماء الاعتماد على أكثر الجسيمات طاقةً من هذه الأشعة؛ باعتبارها الأقل تأثرًا بالمجال المغناطيسي للمجرة، وبالتالي الأقل انحرافًا عن مسارها وكانت تلك الأشعة منحرفة عن مركز المجرة بزاوية 120 درجة أي أنها أتت من خارجها.

جسيمات، يا إلهي،

ماذا يسببها؟

تنتج الأشعة الكونية عامةً من المستعرات النجمية أو انفجارات أشعة (جاما). لكن بسبب عرقلة الإشعاع الكوني الميكروي، وضع العلماء حدًا لطاقة الأشعة الكونية التي يمكن أن تصل لنا، يسمى حد (جرايسن زاتسبين كوزمن) أو (GZK limit) الذي قيمته (5×10^19) إلكترون فولت أي 8 جول. ولذلك سمي جسيم الـ«يا إلهي»، الذي تبلغ طاقته ستة أضعاف هذه القيمة (48 جول)، بهذا الاسم.

مما سبق نستنتج أن جسيمًا كهذا لا يفترض أن يوجَد لكنه وُجد، كرسالة أخرى من الكون: أنكم ما زلتم لا تعلمون كل شيء. ولذلك يعتبر البحث في هذا المجال بوابة لاستكشاف كل من الكون والجسيمات دون الذرية، وهو أهم مواضيع البحث في الفيزياء عالية الطاقة. وبما يقوم به العلماء من بحث عسى أن تكون المرة القادمة التي يصل إلينا جسيم يا إلهي آخر نكون أكثر معرفة به.

المصادر

http://sc.egyres.com/5aIi1

http://sc.egyres.com/MYmXO


ترجمة: يارا محمد
مراجعة: أحمد رضا
تحرير: زياد الشامي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي