جون رولز (john Rawls)، كما يرى بيل كلينتون، «قد يكون أعظم فيلسوف سياسي في القرن العشرين.» تظل شخصية جون رولز شامخة بالنسبة للطلاب دارسي الفلسفة السياسية، لا نستطيع أن نقول إن أفكاره كانت مهملة. رغم ذلك، قد يكون اسمه مبهمًا بالنسبة للقارئ العادي. بالنسبة لمعظم الناس، لا يزال شخصية أقل شهرة بكثير من عمالقة الفلسفة السياسية في القرن التاسع عشر ككارل ماركس (Karl Marx) وجون ستيورات ميل (John Stuart Mill). رغم أن إسهاماته لا تقل أهمية عن إسهاماتهم.
يعرف جون رولز (1921-2002) بشكل أساسي بتجربته الفكرية (thought experiment) الخاصة بـ«الوضع الأصلي» (original position). هنا يدعونا رولز إلى أن نتخيل أننا نملك نفس القدرات العقلية لكننا محبوسون خلف «حجاب من الجهل». كطفل في الرحم، نحن لا نعي طبيعة الشخص الذي سنكونه أو الحياة التي سنولد فيها. بعدها يدعونا رولز إلى أن نصمم شكل المجتمع الذي نود أن نكون فيه، مع الوضع في الاعتبار أننا لا نعرف أي شيء عما سيكون عليه عرقنا، أو طبقتنا، أو جنسنا، أو تفضيلاتنا الثقافية والأخلاقية.
قد تكون مقاربة هذا التصور بكعكة عيد ميلاد نافعةً في توضيحه. طلب من الطفلة التي يحتفل بعيد ميلادها أن تقسم الكعكة بينها وبين صديقاتها. يمكنها أن تقطع الكعكة بأي شكل أو حجم تريد. لكن أمها تخبرها أنها برغم كونها حرة في تقطيع الكعكة بشكل غير متساوي، فلن يمكنها اختيار القطعة التي ستحصل عليها. المغزى هنا أن الطفل العاقل سيقطع الكعكة، على الأرجح، إلى قطع متساوية. في حالة تصميم مجتمع من الوضع الأصلي، يجادل رولز أنه بما أنك لا تعلم ما ستكونه، فستختار بعقلانية المجتمع الذي يوفر الاحتياجات الأساسية لجميع المواطنين دون أن تعيق طبقتهم أو عرقهم أو تفضيلاتهم الجنسية أو جنسهم (gender) أو دينهم أو قدرتهم على التطور. من ثم يقترح جون رولز أنه حين نصمم مجتمعاتنا يجب أن نضع الأفقر في الحسبان، حيث يوفر اقتصاده أفضل الفرص الممكنة للأشد فقرًا. الحياة التي لن ترغب أن تولد فيها هي حياة الفاقة أو العُسر، ويجب عليك أن تختار التصرف العقلاني في أن تجعل هذا الاحتمال أقل سوءًا بقدر استطاعتك.
يدعونا الوضع الأصلي إلى إمعان النظر فيما هو عادل حقًا؛ إنه يفصلنا عن اهتماماتنا ويلزمنا بأن ننظر إلى المجتمع من منظور حكم محايد. ويكشف جون رولز أيضًا عن الظلم المتأصل في مجتمع يمكن أن تعاني فيه بشدة لأنك ببساطة ولدت لعائلة فقيرة لا لعائلة ثرية، الأمر الذي ليس لك يد فيه. يعني هذا أن الاهتمام بالفقر أساسي للمجتمعات التي تُعنى بالإنصاف والعدل. تجبرنا تجربة جون رولز على استنتاج أن المجتمع الذي يوفر الاحتياجات الأساسية للجميع، الذي لا يعاني فيه أي شخص بلا داعٍ لمجرد أنه ولد في مكان ما أو يفكر بطريقة ما، هو المجتمع الوحيد الذي يمكن أن يطلق على نفسه عادلًا.
تلك الفلسفة مناسبة للعصر الحالي كما كانت دائمًا، بل ربما أنسب للعصر الحالي. بينما يستمر وباء كوفيد-١٩ في تدمير الاقتصادات حول العالم ويبشر بشبح كساد اقتصادي عالمي، يجب أن نوجِه أنظارنا نحو الأضعف. قد يعاني أي شخص، لكن (كما يحدث دائمًا)، سيعاني الفقراء والعاجزون بشكل أكبر. ومن الواضح أن وقع كوفيد-١٩ على مجتمعات الفقراء والأقليات شديد التباين بالنظر إلى غيرها من المجتمعات. يصر جون رولز على أن نضع أنفسنا في موقع الأكثر حرمانًا، وقد يكون فعل ذلك أكثر أهمية في السنوات القادمة من أي وقت مضى.
جون رولز.. النباتية والتبادلية الأخلاقية
النباتية هي فلسفة أخرى لا تزال مناسبة بشدة للعصر. موقفها الرافض للمعاناة غير الضرورية هو ما يعطيها قوتها الأخلاقية، لكن الفوائد الأخرى لقبول الفلسفة النباتية تصبح أكثر ملاءمة لوضعنا. تثبت بعض الدراسات، منها دراسة من جامعة أكسفورد في ٢٠١٨ ومن إمبريال كوليدج، لندن في ٢٠١٩، أن تبني نمط المعيشة النباتي هو التغيير الأكبر الذي يستطيع الشخص أن يقوم به على المستوى الفردي لمواجهة الاحترار العالمي والكارثة المناخية. في الواقع، أظهرت التقارير أن انبعاثات أكبر 13 شركة للألبان في العالم من الغازات الدفيئة تمثل انبعاثات المملكة المتحدة كلها (The Guardian, June 15th 2020). فضلًا عن ذلك، الجائحة الحالية هي إحدى أمثلة المخاطر المرضية المصاحبة لاحتواء أعداد كبيرة من الحيوانات في المزارع. حديثًا، تفشت بعض الأمراض ذات نشأة حيوانية بما فيها إنفلونزا الخنازير، إنفلونزا الطيور، السارس، وجنون البقر.
أين يتقاطع هذان الموضوعان المختلفان في الظاهر؟
عندما كتب عن الوضع الأصلي في كتاب «نظرية في العدالة» في ١٩٧١، لم يكن جون رولز يتحدث عن الحيوانات. نادرًا ما كان أحدهم يفعل ذلك، كان هذا قبل عمل بيتر سينجر (Peter Singer) مؤسس تحرير الحيوانات (Animal Liberation) بأربع سنوات الذي أمد حركة حقوق الحيوان بأسس فلسفية متينة. رغم ذلك، يبدو لي أنه لا يوجد مبرر كافٍ للاهتمام بحيوات البشر فقط عند إنشاء مجتمع من وراء حجاب من الجهل. (تلك النقطة ليست أصلية تمامًا: انظر على سبيل المثال ‘Rawlsian Justice and non-human animals’, Journal of Applied Philosophy, 1 (1), R. Elliot 1984; ‘Rawls and Animals’, International Journal of Applied Philosophy, 12 (1), D.A. Dombrowski 1998; ‘Rowlands, Rawlsian justice and animal experimentation’, Ethical Theory and Moral Practice, 14 (5), J.Tanner 2011.) رغم ذلك، هناك مشكلات فلسفية محتملة.
تعتمد الأخلاق عند جون رولز على التبادلية (reciprocity). يجادل جون رولز أن «القدرات الأخلاقية» تشكل «أسس المساواة»، «إنها سمات الكائنات البشرية التي بفضلها يتم معاملتهم تبعًا لمبادئ العدل» (A Theory of Justice, p.441). القدرات الأخلاقية-في رأيه- مزدوجة. شقها الأول هو القدرة على الالتزام بشروط منصفة للتعاون، حتى وإن كانت تحكم ضد المصالح الشخصية للملتزمين بها، باعتبار أن الآخرين سيتعاونون أيضًا. الشق الثاني هو القدرة على التفكير العقلاني، التي تمكن الناس من «البحث عن رؤية خاصة لما هو قيم في الحياة البشرية ومراجعتها». بالنسبة لجون رولز، قدرات التعاون والعقلانية تلك هي «كل ما هو لازم أخلاقيًا… لأي حكم على مبادئ العدالة». هذا تصور تبادلي للأخلاق لأنها تشير ضمنًا إلى أن الأخلاق (وكذا العدالة) محصورة فقط على من يستطيع أن يكون عقلانيًا ومتعاونًا، حيث إنهم هم فقط من يستطيعون أن يسخروا قدراتهم الأخلاقية لصالحهم ولصالح الأخرين.
بالرغم من ذلك، بالنسبة لعقلي، استخدام «التبادلية» كأساس لنظام أخلاقي أو لتحديد من ينبغي أن يحوذ صكوك الأخلاق شيء معيب إلى حد كبير. رغم أن استحسان القيم الأخلاقية والرغبة في تبادلها قد يجعل من المرء فاعلًا أخلاقيًا (moral agent)، أنا لا أعتقد أن الفاعلين الأخلاقيين هم الكائنات الوحيدة التي تستحق الاعتبار الأخلاقي. في الواقع، إذا كانت القدرة على التبادل الأخلاقي هي ما تعطي الشخص استحقاقًا أخلاقيًا فسيقود ذلك إلى بعض النتائج المقلقة. على سبيل المثال، هناك العديد من الأمثلة على كائنات بشرية لا تستطيع تبادل الأخلاق. الأطفال حديثو الولادة: كيف يمكن لهم أن يحوذوا أي «قدرات أخلاقية»؟ بلا شك قد يكبرون ليصبحوا كائنات لها تلك القدرات؛ لكنهم يفتقرونها بوجودهم في تلك اللحظة. فهل يجب إذًا عدم اعتبارهم أخلاقيًا؟ وماذا عن المسنين الهرمين؟ ربما سيدة مسنة ليس لديها أي أقارب أو أصدقاء على قيد الحياة؟ كانت سابقًا عالمة معروفة بذكائها وسخريتها اللاذعة، وتعاني الآن من خرف شديد، لا تستطيع أن تفسر أو تعبر عن أفكارها، لا تستطيع التعاون أو تبادل المعروف بأي شكل من الأشكال. هل هذا يضعها خارج منطقة الاعتبار الأخلاقي؟
يبدو أن تلك الأمثلة تقع خارج منطقة التضمين الأخلاقي الرولزي، رغم ذلك فإننا مترددون بشأن تركهم خارج المشهد الأخلاقي. إذا قمنا بذلك -الزعم بأنه لا يمكن أن نعطيهم استحقاقًا أخلاقيًا لأنهم لا يستطيعون اتخاذ قرار أخلاقي بشكل واعٍ- فلا يوجد شيء يبرر معاملتهم باعتبارهم ذوي أحقية في الاعتبار الأخلاقي.
تغيب تلك الفكرة عند البعض. يجادل موقع سبيكنج أوف ريسرش (Speaking of Research)، منظمة داعمة لأداء التجارب على الحيوانات، بأنه لا يمكن النظر للحيوانات من منظور أخلاقي. رغم ذلك، يعتبرون أن هذا ينطبق أيضًا على بعض البشر: «الحيوانات كائنات لا أخلاقية، أي إنهم واقفون خارج تصور الأخلاق، الصواب والخطأ، ومن ثم خارج نطاق الحقوق. الأمر ذاته ينطبق على البشر. الشخص الذي لا يعلم الصواب من الخطأ، بسبب تضاؤل قدراته العقلية، وارتكب جريمة.. لن يكون مذنبًا». قد يكون التنافر هنا مدهشًا إن لم يكن مفزعًا، حيث يبدو أنه يوافق على أنه إذا كان بعض البشر يقفون خارج نطاق التصورات الأخلاقية، فيجب إذًا أن يسمح بالقيام بتجارب طبية مؤلمة وعادة غير ضرورية عليهم أيضًا.
علاوة على ذلك، إذا أراد المرء أن يتخذ توجهًا تبادليًا في الأخلاق فلا أستطيع أن أفهم كيف يمكن له أن يهمل الحيوانات بالكلية. قد لا يكون في مقدرة الحيوانات فهم الدلالات الأخلاقية لأفعالهم، لكن لا يزال بإمكانهم أن يقوموا بأفعال ذات تبعات جيدة أو سيئة. دعونا ننظر في كائنين: كائن إنساني عادي، يستطيع أن يشارك بشكل واعٍ في تبادل الأخلاق، وكلب لا يملك أي تصور عن الأخلاق على الإطلاق. دعنا أيضًا نقول إني مضطرب بشدة، ربما لمأساة في حياتي. قد يأتي صديق لزيارتي، قد يلقي علي بعض النكات، يثرثر معي، يؤنسني، يضحكني، كل هذا باتفاق ضمني أني سأقوم بنفس الشيء إذا وجد نفسه في موقف مشابه (لا أعتقد أن غالبية الناس يفكرون بتلك الطريقة، لكن لنفترض أنهم كذلك لتقديم الحجة) يجعلني أشعر بتحسن -كما أنه يجعلني أكثر سرورًا- ثم يتركني. دعنا الآن ننظر لكلبي الذي إما يلحظ أني حزين أو إنه غير مدرك لذلك، سيقفز على الأريكة ويلعق وجهي. سأضحك، وأداعب الكلب وأعانقه بشعور من الراحة. تصرفات الكلب تجعلني أشعر بتحسن. كما أنه يشعرني بالسرور؛ لماذا لا يكون لدي مسئولية لتوفير نفس الشيء له؟ تبدو لي فكرة أن صديقي يتصرف بشكل أخلاقي معي عن قصد بينما الكلب يظهر عاطفة ساذجة «لاأخلاقية»، ما النتيجة متشابهة في الحالتين.
اعتراضات على اعتبار الأنواع الأخرى
إذًا كيف يجب أن نحدد من أو ما يستحق اعتبارًا أخلاقيًا؟
أجاب جيرمي بنتام (Jeremy Bentham) منذ قرنين على هذا السؤال إجابة، في رأيي، متبصرة وقاطعة، عندما كتب:
«ليس السؤال هو، هل يستطيعون التفكير؟ ولا هل يستطيعون التكلم، بل هل يمكن أن يعانوا؟ لماذا إذًا لا يحمي القانون أي كائن حساس؟»
مقدمة إلى مبادئ الأخلاق والتشريع، 1789.
لا يعني أن عدم فهم الحيوان -أو الشخص ذو الإعاقة الشديدة- للأخلاق ومن ثم افتقاره للواجبات الأخلاقية تجاه الكائنات الأخرى أن معاناته غير مهمة أخلاقيًا. نحن نعتبر المعاناة شيئًا سيئًا (طبقًا لتعريفها) عندما نشعر بها، ونحن نعرف أن الحيوانات تشعر بالألم، وأن الثدييات والطيور قد تتعرض لنفس الألم الجسدي (أو ربما أكثر) الذي يشعر به الإنسان، وأننا بسيكولوجيتنا المعقدة يمكننا أن نطور ردود فعل تكيفية أو انشقاقية (dissociative) على المعاناة، التي لا يمكنهم أن يقوموا بمثلها. إذا كنا نرى أن فرض معاناة غير ضرورية علينا أمر سيء أخلاقيًا، فلماذا نعتبره عاديًا إذا ما فرض على الحيوانات، حتى وإن وصل إلى حد التعذيب؟
حقيقة أننا باعتبارنا كائنات عقلانية فنحن فاعلون أخلاقيون لا تعني أن الكائنات اللاعقلانية لا تستحق أي اعتبار أخلاقي منا. حقيقة أننا وحدنا من نستطيع أن نعبر عن تصور للحقوق لا تعني أنها يجب أن تمنح لنا فقط. لأن البشر إجمالًا لهم رغبة في الحياة، نقول إن لهم حق في الحياة. لكن الحيوانات لها نفس الرغبة، وحقيقة أنهم لا يستطيعون أن يخبروك أنهم كذلك ليست سببًا كافيًا للتظاهر بأنهم لا يريدون. بشكل عام، أرى إنه عند تصميم مجتمع من وراء حجاب من الجهل، فمن الواجب تذكر أن الحيوانات، كالرضع والمعاقين ذهنيًا، لهم نصيب أخلاقي ضخم من هذا المشروع، لأن المجتمع البشري يؤثر على لذة الحيوانات وألمها بقدر هائل. لذا عند النظر إلى الوضع الأصلي لا أرى العديد من الاعتراضات العقلانية على إضافة أن حجاب الجهل يجب أن يحجب عنا الطبقة، والجنس، والعرق، والتفضيلات الجنسية، والاهتمامات، والقدرات العقلية، والنوع.
قد يعترض أحدهم بأنه من المستحيل أن تكون حيوانًا عندما تكون وراء حجاب الجهل، لأنك لتفكر بشكل عقلاني في تنظيم احتياجات المجتمع لا بد أن تكون إنسانًا. لكن هذا نقد هزيل: تعتمد تلك التجربة الفكرية في الأساس على تناقض غير معقول يكمن في أنك يجب أن تناقش المجتمع قبل أن تولد. مع وضع هذا في الاعتبار، لا أستطيع أن أجد سببًا كافيًا لمعارضة فكرة أن المرء قد يتحول إلى حيوان بمجرد أن يرفع حجاب الجهل، فاقدًا كل قدراتك العقلانية السابقة وذكاءك الأخلاقي في تلك العملية.
لا يبدو لي تخيل نفسي شيئًا آخر أكثر لا معقولية من تخيل نفسي شخصًا آخر. في الواقع، كلاهما مستحيل بنفس الدرجة. قد يعترض أحدهم بأنه من الأسهل أن تتخيل نفسك شخصًا أخر، حيث أننا جميعًا نتشارك في القدرات العقلانية العليا، واللغة، والتفكير التجريدي. رغم ذلك، لا يجب أن يثنينا ذلك عن محاولة مشاركة الحيوانات وجدانها. إنهم يتشاركون مع البشر في رغبات أساسية مثل: الرغبة في تجنب الحبس، والتعذيب، والألم، والقتل، رغبات نستطيع أن نتصل بها.
إذًا ماذا الآن؟
لحسن الحظ، الاعتراضات على تضمين الجهل بالنوع في الوضع الأصلي قد دحضت، وقد نفكر الآن في نتائج تضمين حيوانات. بمجرد أن نقوم بذلك، يبدو جليًا أننا سنرغب في تأسيس مجتمع لا تعاني فيه الحيوانات معاناة غير ضرورية بفعل البشر. هذا ما يمكن أن تطلق عليه، مجتمع نباتي. في الواقع، عندما تكون خلف حجاب الجهل، قد يتصدر جعل المجتمع نباتيًا أولوياتك: هناك سبعون مليار حيوان في المزارع حول العالم، وخمسون مليارًا منها في مزارع صناعية (Factory Farms)، فرصتك في أن تكون دجاجة أو خنزير محبوس ينتظر الموت أعلى بكثير من أن تكون إنسانًا.
يجب علينا أيضًا أن ندين أي مجتمع شارك في الحبس الجماعي للحيوانات، وتعذيبها، وذبحها. أعتقد أنه إذا فهم الناس في الوضع الأصلي الأوضاع والممارسات التي تعتبر اعتيادية في صناعة اللحوم والألبان الحالية، سيصممون مجتمعًا يستحيل فيه أن يتعرضوا لهذا التعذيب. تجربة جون رولز قوية لأنها تدعو المشاركين فيها، بشكل عقلاني تمامًا، إلى «أن تتصوره أنت». يصعد مثل متبصر مرتبط بشعوب يوروبا في نيجريا «من سيأخذ عصا مدببة ليضرب بها فرخًا، يجب أن يجربها أولًا على نفسه ليشعر بألمها»
إحدى الردود الشائعة على الفلسفة النباتية -يبدو أنها تعتبر شيئًا ألمعيًا- هو أن التحول للنباتية يعني انقراض الغالبية العظمى من حيوانات المزارع الحية في الوقت الحالي. الرد الوحيد على ذلك هو ألا توجد أبدًا أفضل بكثير من أن تعيش حياة الرعب التعس والألم التي يعانيها حيوانات المزارع الصناعية. هل تود أن تعيش في ظلام دائم، تنمو في قفص لا تستطيع الحركة فيه، تشوه وتسلع، تعامل بشكل وحشي، تعيش بلا أبوين يرشدانك وبلا مساحة تختلط فيها مع الأخرين، كل هذا إلى جانب صراخ ونهيق أقربائك الدائمين، التي تحذرك صرخاتهم المروعة بشكل فطري من ذبح حتمي؟ سأفضل أن أموت.
لن تصمم مجتمعًا يعامل الحيوانات بالطريقة التي يعامل مجتمعنا الحيوانات بها إذا كان هناك احتمالية ولو ضئيلة في أن تولد كهذا الحيوان. هذا هو الاستنتاج الذي سنصل إليه إذا ما ضمنا الحيوانات في الوضع الأصلي. أظن أن هذا لا جدال فيه. لذا يصبح السؤال: لماذا نسمح بتلك المعاملة؟ لماذا نعامل مخلوقات حساسة، تشاركنا رغباتنا في تفادي الأسر، والتعذيب، والقسوة، بتلك الطريقة البغيضة والمجحفة؟ الإجابة، كما أرجو، سهلة. يجب ألا نسمح بذلك.