“The more I paint, the more I like everything”
«كلما رسمت أكثر، كلما أحببت كل شَيءٍ أكثر»
نعم، تُعد لوحات الوزير السابق فاروق حسني فنًا، كما هي لوحات «جِان-ميشيل باسكيات -Jean-Michel Basquiat » ، وكل فناني المدرسة التعبيرية الجديدة والمفاهيمية وأنواع الفنون صعبة الفهم الأخرى، فلطالما اعتقد الناس بأن الفن التشكيلي مرتبط بمقاييس «الجمال – Beauty»، و «علم الجمال – Aesthetics» ؛ لكن ذلك غير صحيح علي الإطلاق، وهو لم يعد صحيحًا منذ زمن بعيد!.
يمكنك التفكير في الأمر علي النحو التالي: إن إرتباط الفن بالجمال والقيود الفنية ظل في إرتفاع حتى بلغ ذروته في عصر النهضة الفلورنسي وبضعة عقود بعده، بعد ذلك بدأ ذاك الرباط في الضمور والتحلل واتجه الفن إلى التحرر من تلك القيود تباعًا؛ لم يصبح الفن قبيحًا لكنه تحرر من التماهي مع مقاييس الجمال التقليدية فلم يعد لازمًا علي الفنان أن يكون منتجه النهائي جميلًا أو حتى مفهومًا للآخرين طالما اعتقد هو أن ما يقدمه فنًا فهو علي الأغلب يُعد فنًا.
لشرح ذلك يجب التطرق لبعض النقاط الأساسية:
ماالفن؟
مبدأيًا ليس هناك تعريف موحد لماهية الفن، فلتعريفه يجب علينا تقديم أجوبة لعدة تساؤلات؛ مثلًا ما الفرق بين تمثالٍ فريدٍ صنعه مَثَال ماهر، والتماثيل الخزفية الملونه التي تزين المنازل و تُنتج ميكانيكيًا بالآلاف؟، ما قدر الفكر أو المهارة اللازمة لجعل قطعة ما تُعد فنًا عظيمًا؟، «لوحات جاكسون بولوك مثلًا» و أخرى مجرد شخابيط طفل؟، إذا نوى شخص ما تفريغ أحاسيسه وأفكاره بلوحة زيتية فهل يُعد الناتج أوتوماتيكيًا فنًا؟ وحتى إذا اتفقنا على مقاربة الفن للجمال فهل ما يراه شخص ما جميلًا هو بالضرورة جميلًا للآخرين؟، و ماذا إذا إتفق ملايين البشر علي جمال شئ ما فهل يلزم هذا جميع البشر باعتباره جميلًا؟.
تواجهنا أيضًا مشكله ضخامة و تنوع الفنون فلدينا « الفنون الجميله، الفنون الحره، الفنون الزخرفية، الفنون التطبيقية، الفنون الحرفية، فنون الأداء، التصميم»، ثم تتنوع تلك الفنون إلي أنواع أخرى، من رسم بأنواعه، وتصوير بأنواعه، ونحت بأنواعه، وفنون الزجاج، وفنون المعادن، وفنون التحريك، وفنون النسيج، وفنون الأخشاب والخزف، ولجميعها مزيد من التصنيفات الداخلية.
كما أنتج القرن العشرون مزيد من التصنيفات الفنية فنري «فن التجميع -assemblage»، و «الفن المفاهيمي- conceptualism» ، و «الكولاج- collage»، و «فن الأرض-earthwork »، و «فن التركيب – installation»، و «الجرافيتي-graffiti»، و «فنون الفيديو -Art video » ومعظمها تتحدي الفكر التقليدي لما يمكن اعتباره عمل فني بالأساس.
كما أن هناك ارتباط هام بين المنتج الفني والفترة التاريخية التي أُنتج فيها والمكان الذي أنتجه أو الثقافة السائده في عصره؛ فلا يمكن قياس قيمة الفن البدائي علي جدران الكهوف أو فن القبائل الإفريقية بنفس المقياس الذي نضع عليه فنون عصر النهضة أو التكعيبية، كما لا يمكن مقارنة الفن الإسلامي الذي أُنتج في الشرق الأوسط بفنون الأوريجامي أو الزخارف الأسيوية التي أُنتجت في الشرق الأدنى.
في ضوء كل ما سبق لنبحث عن معني كلمة «فن -Art » وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية «ars »، والتي تعني مهارة أو صنعة، ويُترجمها قاموس أكسفورد ب«التعبير أو التطبيق الإنساني للمهارات الإبداعية أو التخيلية، عادة في شكل مرئي كالتصوير أو النحت و ينتج أعمالًا تُقدر في الأساس لجمالها أو لقوتها التعبيرية»، ويترجمها قاموس ميريام ويبستر بـ «شئ صُنع بالخيال والمهارة وهو جميل أو يعبر عن أفكار و أحاسيس هامة».
نري هنا أن القواميس -وقبلها النقاد والمهتمين بالفنون- يتتبعون بحذر الفرق بين الفن الُمقدر لجماله و الفن الُمقدر لقوتة التعبيرية أو المتحدث بأفكار هامة، لكنها تتفق علي الجزئ الخاص بكيفية صُنع هذا الفن عن طريق الخيال أو المهارة أحدهما أو كليهما معًا.
لذا يمكننا القول اختصارًا أن الفن ينتج عندما يخلق الفنان شيئًا جميلًا، أو تجربة مثيرة ويراها جمهوره تحمل روحاً فنيه، بغض النظر عن ما يراه المجتمع أو يعتبره مقبولًا.
و يصعب إيجاد نموذج مناسب لشرح جدالية ما يُعتبر فن وما يقبله المجتمع الفني ويحتفي به أكثر وضوحًا من هذا الفنان الشاب الذي أصبح أيقونه لمجتمع «البانك – Punk»، و «الهيب هوب – Hip hop» الأمريكي في الثمانينيات وغزا الثقافه الشعبية في العالم أجمع قبل أن يمت شابًا في السابعة والعشرين من عمره، تاركًا خلفه إرثًا من الفن الجدلي الذي يعتبره البعض إبداعًا بشريًا خالصًا، و يراه آخرون مجرد تجربة تستحق الدراسة، لكن في كل الأحوال لا يمكن التغاضي عن اسمه أو المرور به سريعًا.
النشأة:
ولُد جان-ميشال في بروكلين بولاية نيويورك الأمريكية عام 1960 لأم من أصل بروتريكي و أب من هايتي؛ مما أدي لإتقانه للغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية منذ طفولته كما ظهر اهتمامه بالفنون في وقت مبكر؛ فتعلم الرسم بمساعدة والدته التي اهتمت أيضًا باصطحابه للمعارض والمتاحف الفنيه المختلفة حتى أنه أصبح عضو مبتدئ في متحف بروكلين للفنون في سن السادسة.
اُضطر للخضوع لجراحة لإزالة الطحال عندما وقع له حادث، مما دفعه إلي قراءة الدليل الجراحي الملئ بالرسوم العضوية «جرايز أناتومي – Gray’s Anatomy» مع قرائته للروايات الكارتونية ذات «الشخصيات الخطية – Linear personages» مما أثرا علي طريقه رسمه للأشخاص في رسوم الجرافيتي الخاصة به لاحقًا.
بعد ذلك تم طلاق والديه واُختير أبيه للعنايه به حيث اُعتبرت الأم غير أهل للعنايه بطفل لإصابتها بمرض نفسي جراء سوء معاملة الأب لها كما زعمت، بعد ذلك هرب جان-ميشل من والده وتم تبنيه من قبل عائلة صديق له، وارتاد عدة مدارس في نيويورك وبوتوريكو إلا أنه ترك الدراسة بشكل نهائي وهو في الثامنة عشر قبل إتمام شهادته الثانوية.
المرحلة الفنية المبكرة:
بدأ باسكيات مشوره الفني في بداية السبعينيات مع ازدهار فن الجرافيتي (الرسم علي الحوائط) في نيويورك، مع صديقه الفنان «آل دياز – Al Diaz» فرسما علي حوائط منهاتن تحت علامتهما المميزه الشهيره «SAMO» أختصارًآ لجملة «نفس الهراء القديم – Same old shit» وتميزا باتجاههم المناهض للدين والسياسة بصبغه فنية معاصرة، سريعًا ما تلقى المشروع «SAMO» اهتمامًا إعلاميًا مكثفًا، لكن لاحقًا اختلف الفنانان و افترقا فأغرق باسكيات واجهات المباني بعبارة «مات سامو – SAMO IS DAED»، وبعد اشتهار تلك العبارة قام الفنان المعروف «كيث هيرينجKeith Haring – » بصنع جنازة وهمية لسامو في ناديه الفني الشهير «النادي57 – Club 57».
عاش باسكيات في تلك الفترة مشردًا في الشوارع، ينام علي مقاعد الحدائق العامه ليلًا و يكسب رزقه صباحًا عن طريق بيع كروت وقمصان مرسومة يدويًا والإتجار في المخدرات.
« »
اشترك عام 1980 في استعراض عن تاريخ فن البانك في ميدان التايمز كان مدخله لأول معرض منفرد له في «قاعة آنينا نوسي للفنون – Annina Nosei Gallery»
عام 1982، وصعد نجمه سريعاً بعد ذلك بالتزامن مع وصول حركة «التعبيرية الحديثه – Neo-Expressionist»
الألمانية إلي نيويورك مع بعض فنانيها والذي تشابهت إلي حد كبير مع أسلوب باسكيات؛ لذا بدأ بالاشتراك في معارض ثنائية مع بعض فناني الحركه مثل «جوليان شنبيلJulian Schnabe – »، و « ديفيد سال – David Salle»للاحتجاج علي سيادة المدرستان المفاهيمية و المينماليزم علي الساحه الفنية وابتعاد إنتاجهم عن الأشكال التقليدية للفن كالرسم والنحت ،في حين أن التعبيرية الحديثه عادت بشكل ما إلي إنتاج اللوحات الفنية ورسم الجسد البشري؛ فنري شخوصًا إفريقية ومن السكان الأصليين لأمريكا في معظم أعمال باسكيات في ذاك الوقت.
كتب عنه الناقد الفني «رينيه ريكارد -Rene Ricard » في ديسمبر 1981 مقالًا هامًا بعنوان «الطفل المتألق – The Radiant Child» كانت بمثابة شهادة ميلاده كفنان وعضو أساسي في مجتمع الفن العالمي.
مرحلة النضج الفني:
أقام باسكيات عام 1982 ستة معارض شخصية عالمية حتى أنه أصبح أصغر فنان يُدعي للمشاركة في مهرجان «دوكُمنتا/Documenta» للفنون الحداثية والمعاصرة الذي يقام في كاسل بألمانيا كل خمس أعوام.
أنتج باسكيات مائتي عمل خلال ذلك الوقت مطورًا فيهم شخصيته الأساسية، وهي عرافة سمراء ترتدي تاج (أصبح التاج رمزاً شخصيًا له فيما بعد)، كما استخدم العديد من الشخصيات الشهيرة التي أثرت فيه ومنهم ديزي جيبسيل، وسوجر راي، و محمد علي؛ لكن علي طريقة التعبيرية الجديدة لم يحتفظ باسكيات بملامح أوجه الشخصيات بل ما يعبر عن شخصياتهم فحسب، مع استغلال عنف التقنية و ديناميكة اللوحات للتعبير عن أرواح الشخصيات و رغباتهم الدفينة.
قابل باسكيات في عام 1980 فنان البوب الأشهر «أندي وارهول – Andy Warhol» و الذي تعاون معه في سلسة أعمال هامة من عام 1984 إلي عام 1986 و كانت طريقتهما في التعاون هي أن يرسم وارهول اللوحة أولًا ثم يرسم باسكيات طبقة أخري فوق ما رسم وارهول.
نشرت مجلة نيويورك تايمز عام 1985 مقالًا عن باسكيات تلقبه بـ«أكثر الفنانين الأمريكيين الشباب إثاره للاهتمام في الثمانينيات»، للأسف تزامن ذلك مع اتجاه الفنان لإدمان المخدرات بشكل كامل مما أدي إلي وفاته المبكرة بجرعة زائدة عام 1988 عن عمر 27عامًا.
بعد وفاته تم تكريمه من عدة جهات منها متحف بروكلين للفنون ومتحف ويتني للفن الأمريكي، كما كان موضوع العديد من الأفلام التسجيلية والطويلة منها فيلم (جان-ميشال باسكيات، الطفل المتألق) للمخرجة تامرا ديفيز عام 2010 وفيلم (باسكيات) للمخرج جوليان شنابل 1996 بطوله المطرب ديفيد بوي في الدور التاريخي لأندي وارهول.
لعب باسكيات رغم حياته القصيرة دوراً هامًا في صعود الفن التعبيري الحديث إلي سطح المجتمع الفني الأمريكي رغم تصنيفه خطأ من البعض كفنان «بدائي – naif» وتعني شخص ينتج فنًا بدون دراسة تقليدية أو عن طريق المصادفة أو ما يشبه فنون الأطفال البدائية.
كما أن شهرته الشعبية الطاغية و صعوده الإعلامي السريع وبعدها وفاته الصادمة قد ألهمت اهتمامًا متزايدًا من الجمهور الغير مهتم بالفنون تجاه المدارس الفنية الحديثه والمجتمع الفني المغلق عادة علي الفنانين و متذوقي الفن، كما يبقي فنه إلهاماً هامًا للعديد من «الفنانين الحَدَاثيين – contemporary artists» وحياته مثالًا للتأثير الذي قد تتركه روحًا فنية متوهجة في رحلتها القصيرة عبر حياتنا الرتيبة.
إعداد : Dina Ibrahim Fawzy
المصادر:
1. Art | Definition of Art by Merriam-Webster [fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][Internet]. [cited 2016 Jul 21]. Available from: http://sc.egyres.com/pYUQ7
2. Art Definition: Meaning, Classification of Visual Arts [Internet]. [cited 2016 Jul 21]. Available from: http://sc.egyres.com/jMHLM
3. art – definition of art in English from the Oxford dictionary [Internet]. [cited 2016 Jul 21]. Available from:http://sc.egyres.com/oIso4
4. Jean-Michel Basquiat Biography, Art, and Analysis of Works | The Art Story [Internet]. [cited 2016 Jul 21]. Available from:
5. Jean-Michel Basquiat – Painter – Biography.com [Internet]. [cited 2016 Jul 21]. Available from:
http://sc.egyres.com/Z0nMi
6. State of the Art – Andy Warhol and Jean-Michel Basquiat – 1986 – YouTube [Internet]. [cited 2016 Jul 21]. Available from:
http://sc.egyres.com/rsDZS
7. The artist [Internet]. [cited 2016 Jul 21]. Available from:
http://sc.egyres.com/QUP55