كان في الصف الثالث الإعدادي في مدرستي ولد شديد الوسامة يُدعى جيسون، أرادت كل بنات الفصل الارتباط به. اعتاد جيسون أن يكتب قائمة كل يوم بأسماء أجمل 5 فتيات في الفصل، على أن يواعد من تحتلّ المرتبة الأولى.

وفي اليوم الذي حصلت فيه على المركز الأول علم والدى بأمر هذه القائمة وأجلسني قائلًا:

«لا تنتظري أبدًا أن تحتلي المرتبة الأولى في قائمة أحدهم، وإذا كان عليكِ إقناع شخص ما بمدى روعتك، فهذا الشخص لا يستحق أن يحتلّ مكانًا في قائمتك.»

انسحبت حينها من المنافسة في اليوم التالي. قد يكون البالغون أكثر ذكاءً من جيسون، ولكن درس والدي كان قيمًا.

سيناريو العلاقة مع شخص يتجنب الارتباط

واعدت رجلًا في العشرينات من عمري وتغيّر في معاملتي كثيرًا على مدار الوقت، مما جعلني متزعزعة وغير واثقة من علاقة الارتباط. واتباعًا لنصيحة والدي، أنهيت الأمر سريعًا.

كان الأمر مؤلمًا جدًا في البداية، مما جعلني أُعيد التفكير إذا ما كنت قد أنهيت الأمر أسرع من اللازم، إلا أنني خلال بضعة أشهر أدركت أنه لا توجد نهاية سعيدة مع هذا الشخص.

فهو إما لا يهتم لأمرى بما فيه الكفاية، أو لم يكن قادرًا على تكوين علاقة حميميّة آمنة، وفي الحالتين أنا الفائزة.

إليك سيناريو أطرحه دائمًا في جلساتي النفسيّة:

قد تقابل شخصًا وتقع في الحب، وبعد سنة تريد الزواج وإنجاب الأطفال. رفيقك يكون سعيدًا في العلاقة لكنه غير مستعد للمضي قدمًا. سوف تصبر وتتعاطف معه في البداية ويستمر الأمر سنة أخرى، وفي نهاية تلك السنة سوف تشعر بالغضب والإحباط، فحياتك متوقفة حتى يفكر رفيقك في الأمر، وحين تستنفد مخزون جهدك وتستعد للرحيل، يتوسّل رفيقك لمزيد من الوقت. بحلول السنة الرابعة تتأرجح بين الرعب والغضب، وتشعر أن هذا الأمر عليه أن ينجح، فلا تحتمل فكرة البدء مرة أخرى مع شخص جديد. وحينها يعلن صديقك في السنة الخامسة احتماليّة عدم رغبته في الزواج وإنجاب الأطفال على الإطلاق، بل وحتى استعداده لمواعدة أشخاص آخرين.

إذا وجدت نفسك في علاقة مع شخص يتجنّب الارتباط، يكون من الصعب أن تُقرَّر متى تصبر ومتى تنهي الأمر.

هل تترك شخصًا تحبه فقط لاختلاف جدولكما الزمني؟ وما هو الوقت الكافي لرفيقك حتى يقرر أيبقى أم يرحل؟ وهل عليك أنت أن تبقى أم ترحل؟

منشأ فكرتنا عن الحب

هل تبدو لك أي من العبارات التالية مألوفة؟

«رفيقي يرفض الارتباط لأنه يحتاج إلى الوقت كي يتخطى زواجه الأول، ولكن إذا صبرت سوف يعلم كم أنا جيدة بالنسبة له.»

«لقد عانت من طفولة مضطربة، وهي لا تثق بالرجال؛ لذا من الصعب عليها أن تكون مخلصة، ولكنها تعمل على إصلاح ذلك.»

«نحن معًا منذ 5 سنوات، ولكنه ليس متأكدًا بعد، يقول أنه سيعلم حين يحدث ذلك.»

إذا كان الأمر كذلك فلننظر كيف أتيت إلى هنا؟ لماذا تبقى؟ وما الذي يمكنك فعله الآن.

يحصل الإنسان على فكرته الأولى من البذل والعطاء عن طريق والديه، ومن سوء الحظ أنهما لا يكونان دائمًا أفضل مثال، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات.

هل فضّل أحد الوالدين العمل على أي شيء آخر ولم يوفِّر لك ما تحتاج من الوقت؟

هل شعرت بالتقدير والاهتمام فقط حين اتبعت القوانين، وبالإهمال حين تمردت أو احتجت إلى مزيد من الاهتمام؟

قد تعلمك هذه المعاملة أن حب الناس لا يُعتمد عليه، أو أنك شخص من الصعب أن يحبه الناس طوال الوقت، أو أنك لا تحتل نفس مكانة عملهم أو هواياتهم أو أناس آخرين في حياتهم.

ولكن ماذا إن حصلت على آباء رائعين محبين؟ وقدرت علاقتهما ورغبت في علاقة مشابهة لنفسك يومًا ما؟

انظر إلى علاقاتك المبكرة، تجد أنها تمدك بفكرة عما ستكون عليه علاقاتك في المستقبل، فإذا ارتبطتِ بشخص ما في المدرسة مثلًا ووجدت أنه يترككِ ليقضي الوقت مع أصحابه في كل فرصة تسمح بذلك، أو إذا ارتبطتَ بفتاة خانتك أكثر من مرة، ستظن أن هذا هو الطبيعي وهو ما يجب علينا أن نشعر به.

أنواع التعلُّق

يوجد سيناريو آخر خادع، وهو أنه لم يكن لديك علاقات مبكرة من الأساس لتنظر إليها. في هذه الحالة تشعر أنه من الجيد أن تحصل على أي اهتمام من الأساس، ومن الأفضل ألا تطلب الكثير.

إذا كنت تبدو كذلك، فمن المحتمل أن تكون (متعلقًا قلقًا)..

المتعلّق الصحيّ هو شخص يفضل الارتباط بطريقة صحيّة، ويشعُر بأنه سوف يكون في أحسن حالاته مع شخص آخر، إلا أنه يفضل أن يكون وحده على أن يكون في علاقة لا تُلبى فيها احتياجاته.

أما بالنسبة للمتعلُق القلق، فأي علاقة -مهما كانت غير مُرضيّة- أفضل من أن يكون وحده.

كتب الطبيب النفسيّ وعالم الأعصاب أمير ليفاين في كتابه (تعلق – Attached) عام 2012:

«الأشخاص الآمنون يشعرون بالراحة تجاه العلاقات الحميميّة، ويكونون محبين ودافئين. الأشخاص القلقون يرغبون بالحميميّة ولكنهم يبذلون جهدًا كبيرًا في العلاقات، ودائمًا ما يقلقون بشأن ما إذا كان رفقاؤهم قادرين على أن يحبوهم بالمثل. أما الأشخاص المتجنبون فيربطون الحميميّة بفقد الاستقلال ويحاولون أن يتجنبوا القرب قدر الإمكان.»

نصائح تساعدك على التعامل مع رفيقك

تمنيت لو كان بمقدوري أن أخبرك أنه إذا فعلت دائمًا ما يجب عليك فعله، فسوف تحتلّ المرتبة الأولى في عين من تحب. وفي الغالب فإن هذا ما تقوم به بالفعل، ولكن لا توجد وصفة سحرية لتحصل على اهتمام شخص ما.

إليك بعض الأفكار التي قد تساعدك:

1. لا تجعل مستقبلك رهن إمكانيات شخص آخر

يكبر الناس ويتغيرون أثناء العلاقات، ولكن بعد السنة الأولى غالبًا لا تزيد الرغبة في مشاركة الرفيق الحياة، أو عمق المشاعر أو الحماس بالارتباط.

فهل ما تحصل عليه الآن كافٍ؟

كتبت إليزابيث غيلبرت في كتابها الأكثر مبيعًا (طعام، صلاة، حب) والتي عانت هي نفسها كثيرًا في علاقاتها:

«لقد وقعت مرات عديدة في حب إمكانيات الشخص التي يمكن أن يصل إليها أكثر من الشخص نفسه. وقد انتظرت طويلًا -ربما أطول من اللازم أحيانًا- في علاقات، آملة أن يصل الشخص لأفضل نسخة من نفسه، وكنت في العديد من المرات ضحية لتفاؤلي.»

كُنْ واقعيًا. هل الشخص الذي أمامك هو حقًا من تريد؟ أم أنك تعيش منتظرًا أن يتحول لحلمك بما يمكن أن يكون؟

2. عليك أن تحدُّد ما الذي يمكنك أن تقبله وما لا تقبله

اكتسبت الإنذارات سمعة في الارتباط بأنها تشبه التنمُّر أو الوعيد أو التلاعب بالشخص لتخضعه لرغباتك، وغالبًا ما يشعر الأشخاص متقلبو المشاعر بكونهم ضحايا إذا ما واجهوا إنذارًا، فلا هم يريدون أن يغيّروا الوضع الحالي تحت الضغط، ولا يريدون المخاطرة بخسارة العلاقة أو التصرُف وفقًا لها، وهو غالبًا ما يجب أن يحدث.

عليك أن تكون واضحًا فيما تريد الحصول عليه من أيّ علاقة، وإذا ما أخبرت شريكك بتلك الاحتياجات ولم تجد سوى التجاهل أو عدم التلبية، فعليك أن ترحل، تقديرًا واحترامًا لما لا يقبل النقاش بالنسبة لك وهو حجر الأساس في ثقتك بنفسك.

هناك قصة يجب أن يحكيها شخصان متزوجان من مُدّة طويلة عن أول ليلة بعد الزواج، فبعد أن جلسا في السرير صرَّح الرجل بشكوكه كما فعل أكثر من مرة من قبل قائلًا أنهما قد يكونان تزوجا أسرع من اللازم.

وحينها نظرت إليه زوجته طويلًا وقالت: «لمَ لا تخرج الآن، ولا تعود إلا حين تتأكد مما تريد؟»

ويحكي الرجل ضاحكًا أنها لم تكن المرة الأولى التي يصرح فيها عن مشاعره المتناقضة تجاه علاقة ما، ولكنها كانت الأخيرة.

3. هل يوجد أمل على الإطلاق؟

أحيانًا يعترف الشخص الذي لديه مشكلة بالصعاب التي يواجهها تجاه الارتباط ويعمل على تغييرها، فتكون المشكلة هي القلق، أو الصدمة، أو علاقاته السابقة.

إذا حاول الشخص أن يعمل جاهدًا لحل تلك المشكلة، فقد يكون ذلك سببًا للبقاء مُدّة أطول، ولكن يجب أن يكون هناك حدّ للانتظار ولقدرتك على أن توجِّه حياتك تجاه شخص لا يلبي احتياجاتك في الوقت نفسه. وفي هذه الحالة قد يساعد التحدث مع طرف ثالث موثوق، كالمعالج النفسيّ مثلًا.

4. الارتباط هو نقطة البداية وليست النهاية

هل تريد أن تجعل حياتك على المحك مع شخص تحاول إقناعه بالبقاء معك؟

من المهم أن تعلم أن الشخص المتعلق بطريقة صحيّة يمكنه أن يتحوّل لمتعلق قَلِق إذا قضى وقتًا طويلًا مع شخص يتجنب الارتباط، ولا يكون حينها الانفصال هو أسوأ سيناريو، بل قضاء علاقة مع شخص لا يمكنه أن يكون موجودًا كليًا في علاقة هو الأسوأ.

فلنفترض أن شريكك لا يريد أن يخسرك، ولكنه لا يريد أيضًا أن يغير من طبيعة العلاقة، حينها ستجد نفسك عالقًا مع شخص لا يمكنه أن يكون في علاقة حميمة، ولا يمكنه أن يضعك وسعادتك من الأولويات. حينها ستحصل على الارتباط دون ثقة أو قرب، وتلك هي النتيجة الأسوأ.

 

كيف تنتهي قصتك؟ هذا يعتمد على قدرتك على التحدث عن نفسك والتعبير عن حقوقك، والمخاطرة بأن تكون وحيدًا. لا تسمح لشريكك بسحب سعادتك، ووقتك، وثقتك بنفسك. وانتظر من يضعك في بداية القائمة.